المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مشكاة الوطن " متجدد"


سعيد اليعربي
29-01-2012, 02:03 PM
دائما أقول إن هذا الوطن بحاجة إلى من يشعر به، ويحسه ويتنفسه، بحاجة إلى قلوب محبة، وأرواح طاهرة تحلق في سماوات قدسيته السرمدية، نعم الوطن بحاجة إلى من ينفض عن تراثه غبار الأتربة المتطايرة من هنا وهناك ، والتي تكوّم سحائب دخان تحجب الرؤية عن بريق معدنه الأصيل، لن نتقدم ما انبتَّ حاضرُنا عن تراثنا بأبعاده المتنوعة، ذلك الإرث الذي بذلت في سبيل تمجيده لنا الأرواح الطاهرة، والدماء الزكية، نحن " أن نقرأنا" من الأعماق، ماذا كنا؟ وإلى أين نتجه ؟ وفيما بين هذين كيف نحن الآن؟
أتعجب كثيرا عندما أقرأ كتابات تنادي بتجديد الإرث، وعندما أنظر بعمق لا أرى ذلك التجديد يزيد إرثنا إلا عتمة، وتواريا خلف أستار حجب كثيفة، فبدءا من صناعة " البسكويت" وانتهاء بصناعة "الفكر"، كل شيء يقودنا إلى نتيجة واحدة، هي أن نصبح مسخا لا هوية له، لا ملامح تميزه، ولا شيء ينتمي إليه، مستنسخا عجيبا من أمشاج شتى، لا يعرف شيئا عن أي شيء، إلا أنه وجد في فضاء واسع، وأن هذه المجرات تدور، وهو وحده الذي يقف مقلبا بصره في دورانها، إلى أن أصيب بالدوار.
أكلني الألم حتى أنه لم يبقِ فضلة منِّي لشيء بعده يمكن أن تؤكل، هنا خلف حنايا الصدر يقبع قلب منفطر، وهناك وراء الشمس تحلق روح ثملى، جلُّ ما أسكرها حنين لإيقاد شمعة في حنادس الظلام المركوم فوق رؤوس الأشياء، وكلما تمكنت من إشعال عود ثقاب لوقدِها، جاءت ريح عاصف، فلم تبق من عود ثقابي إلا دخانا لم تسنح له فرصة أن يصبح رمادا تذروه الرياح.
أيقظ فيّ نص سالم البوسعيدي "قافية للتاريخ" ما أستطيع تسميته بجنون اليأس، فما عدت أبالي بشيء من الأهوال والمخاطر، وعندما يستيقظ شعور كهذا في الإنسان لا يمكن أن يكون إلا أحد اثنين، طوفان ابتلعه البحر، أو بحر فجره الطوفان، وفي كلا الحالين لن يتحمل جسدي الواهن الغرق في قعر المحيط، ولا التحطم فوق قمة جبل شامخ بعد تحطيم كل شيء.
قد تكون لدي ملحوظات فنية على هذا النص؛ من حيث التراكيب والصور الفنية، ولكنني حينما أنظر إلى عمق الدلالات، وما تستدعيه من قوْد الفكر قوْدا لتنفس الحياة الحقة، التي طالما تنفسها رجال لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فإنني أقف مشدوها إزاء ذلك النور المنبعث من مشكاة الوطن، ذلك النور الذي أجزم أن من استهداه لن يحتاج إلى أن يجد على النار هدى.

سعيد اليعربي
29-01-2012, 02:06 PM
كبرنا مع الوطن، وحاولت أفكارنا النضوج معه، بدا كل شيء على ما يرام، الثوابت بخير، والقيم والأخلاق بخير، وبالي العادات ورثُّها في توار مستمر، تفتحت العقول، ونعمت الأجساد بالراحة، والأرواح بالسمو، تفتح نوّارنُا، وتفتقت أكمام وُرَيْداتِنا، وبدأ شذى عبيرنا يفوح في أرجاء الدنيا، فتهللت أساريرنا، وتبجست ينابيع المحبة في أوصالنا، وعندما آن أوان القطاف، إذا بشيء يشبه عناكب الكهوف، يمد خيوطه في كل مكان، لا يتوقف عن نسجها ليل نهار، وكلما مدّ خيطا استطالت قدمه بقدره، حتى أصبح له أقدام بقدر خيوطه، كبر ذلك الشيء ونحن لا زلنا نستخف بخيوطه غير مدركين مدلول قول الحق في كتابه: "وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت : 41 ).
ثم بدأ ذلك الشيء باصطيادنا واحدا تلو الآخر، وكلما اصطاد أحدَنا حقن في داخله نوعا من السم يبقي كل شيء حيا إلا الذاكرة؛ إذ يميت كل شيء فيها إلا الوهن.
وبدأنا نستجر الأشياء، مرة في شكل مشروبات غازية، وأخرى في شكل حبوب منومة، حتى وصل الأمر إلى اجترار عفونة الفكر، وبقايا من فضلات أخرى، اصطلح الناس على تسميتها بمسميات غريبة، غير أنها كلها تشبه بعضها في المضمون والمفعول، فتأثيرها مؤكد، وهو دائما يبدأ باسترخاء، ثم قليل من الدوار، وأخيراً فقدان الوعي والدخول في غيبوبة.
وعندما تفقد أمة وعيها، يحرص المتربصون بها أن تبقى كذلك، فتبدأ الطفيليات في التكاثر على جسدها، وفي الأثناء تتدلى بعض الدمامل هنا وهناك، ثم ما تلبث أن تتحول إلى أورام خبيثة، إن لم يعجل باستئصالها فلن يرحم ذلك الجسد إلا الموت.

أم أفنان الرطيبيه
30-01-2012, 01:24 AM
الله يعطيك الف عافيه
ولي عوده اخرى للقرآه مجددا
تحياتي

سعيد اليعربي
30-01-2012, 10:45 AM
الله يعطيك الف عافيه
ولي عوده اخرى للقرآه مجددا
تحياتي

شكرا أختي أم أفنان
أترقب العودة
تحياتي

سعيد اليعربي
30-01-2012, 10:47 AM
الأدب بأنواعه المختلفة؛ نثره وشعره، نتاج حراك اجتماعي، وتلاقح فكري، وهو في ذات الوقت تعبير عن هوية الأمة وكيانها، إنه الذاكرة التي تحتفظ بالمخزون الحضاري للأمة، وضميرها الذي وإن حاولت أيد أن تبقيه سادرا في سباته، لا بد أن يستيقظ يوما ما؛ ليجعل أولئك الذين تناسوه يشعرون بفداحة ما أقدموا عليه، يوم أن اسلموه لتلك الأيدي، تعبث بذاكرته، وتحاول أن تبعث مكانه شيئا آخر لا يمكن حتى أن يشبه ظله.
إن رسالة الأدب لا تقتصر على الوقوف على شرفة واحدة للنظر إلى الوراء، والتغني بما كان، لكنها استدعاء لأسس ذلك الماضي، واستنطاق له، ليحكي لنا رواية الحياة مع أبناء عشقوها فوق قمم الجبال، وعلى هامات المجد، فدانت لهم الدنيا ، راضية بهم قادة ، ومستهدية بهم مصابيح رشد وقناديل هداية، وتنقية ما عساه قد علق به-أعني ذلك الماضي- من شوائب ليغدو صالحا لنبني عليه ما يعيننا على الخروج من العيش في الجحور والمستنقعات، بله العيش كما عاش الأسلاف.
حتى قبل الإسلام حمل الأدب هويتنا ومجد خلالنا التي جاء الإسلام ليتممها، ومع أن العرب كانوا يومئذ مستضعفين في الأرض، إلا أن قصيدة شعرية قد توقظ فيهم ما تعجز أن تقف في وجهه أعتى القوى وأشدها بأسا وبطشا، وجاء الإسلام، فشحذت قصيدة عزائم الرجال للانتصار لامرأة لم تكن بنت زعيم ولا ملك، ضيمت في بقعة قصية من الأرض.
وفي هذا الوطن يحكي لنا التاريخ أن امرأة بعثت إلى أحد الأبناء الذين عشقوا حياة القمم بقصيدة، كان نتاجها أن لا يغمض له جفن حتى أنصفها ممن ضامها، أم أن ذلك كان من أساطير الأوليين!!
وفي الدول التي يتغنى بأمجادها المتغربون، حمل الأدب رسالة التغيير، المستوحاة من تجاربه هو، وبدأ يغزو بعد ذلك الدنيا ، أكان رواد ذلك الأدب يكتبون لقرائهم الذين تناغمت أفكارهم معهم أحاجي وألغازا كما يفعل متغربونا اليوم بدعوى التجديد والتطوير، عندما يقرأ قارئ غربي لهيجو في البؤساء، فإنه يشم رائحة البؤس التي عانى منها أبناء أوروبا يوم أن كتب، ولكن عندما يقرأ قارئ لأحد متغربينا اليوم، فإنه لا يشم إلا روائح النبيذ المتطايرة من أنفاسه حال كتابته لما كتب.

جمعه المخمري
30-01-2012, 11:34 PM
الاخ سعيد اليعربي

كل ما طرحته هنا ينمّ عن شاعريتك واحساسك المضيئ

كلنا هنا وطن

نخيلنا وطن
ترابنا وطن
قلوبنا وطن
جراحنا وطن
شهيقنا..زفيرنا وطن

دام قلمك.. شكرا

سعيد اليعربي
01-02-2012, 08:24 AM
الاخ سعيد اليعربي

كل ما طرحته هنا ينمّ عن شاعريتك واحساسك المضيئ

كلنا هنا وطن

نخيلنا وطن
ترابنا وطن
قلوبنا وطن
جراحنا وطن
شهيقنا..زفيرنا وطن

دام قلمك.. شكرا

أشكر لك مرورك الجميل
وتعقيبك الأجمل وكما تفضلت نحن كلنا وطن

أم أفنان الرطيبيه
02-02-2012, 12:07 AM
سعيد اليعربي
اعجبني موضوعك جدا
وسابقى متابعه ....
مشكور على المجهود

عبير الرحبي
02-02-2012, 09:53 AM
سعيد اليعربي
وطن

وانت ابداع الوطن اخي


مررت من هنا واعجبني ما قرات

سالم الوشاحي
04-02-2012, 06:59 AM
أخي العزيز سعيد اليعربي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقال جميل ورائع . وقلم مبدع ومتالق

بصراحة استمتعت وانا اقراء المقال

ننتظرك في مقالات آخرى

كل الشكر والتقدير عزيزي