المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بــوحٌ آخـر بطعـمٍ آخـر..للكاتب// سالم بن سعيد الساعدي


الديمه
19-05-2012, 12:28 PM
بـــوحٌ آخــر بطعــمٍ آخــر..

ذات صباح باذخ الحزن بحثتُ في وجه صديقي العزيز فلم أجد به متسعاً لجديد آلامي.. أدركتُ حينها أن عليّ البحث عن صديق آخر يستوعب القادم من همومي التي لا تنضب.. وجدتُ أن قدمي تسوقني هذه المرة إلى صخرة ممتدة على الشاطئ القريب من بيتنا.. اقتربتُ منها على مهل.. وبشيء من الوجل بدأتُ الحديث إليها بعد ترددٍ استمر لدقائق.. حدثتها كثيراً فوجدتها تصغي إليّ بهدوءٍ عجيب.. للمرة الأولى أشعر أن بإمكاني الحديث أكثر دون مقاطعة.. تحدثتُ إليها بحريةٍ عجيبة دون أن أكترث هذه المرة لملامح من يستمع إليّ.. شعرتُ أن همومي بدأت تنحسر تدريجياً ونار الأحزان بدأت تنطفئ.. أحسستُ بارتياحٍ غريب..
ومنذ ذلك الصباح وأنا أضرب مع هذه الصخرة موعداً كلما شعرت أن في صدري شيئاً يحتاج إلى تفريغ..
بين حين وآخر أعرّج على صخرتي التي تنام بهدوء في الساحل الشرقي من بحر العرب.. أصبحتُ أشاركها أفراحي أيضاً حين وجدتُ أن لا أحد يفرح لي أكثر من نفسي.. حديثٌ بزهو وحديثٌ آخر بانكسار.. كلا الحديثين حدّثتُ بهما الصخرة باسترسالٍ عجيب.. بلا مقاطعة أو تأفف من أحد... بدأتُ أرسلُ تنهيداتي بلا حذر.. لم أعد أشعر أني مقيّد التأوهات.. يا لفرحتي!! كل شيء ممكن ومتاح بالقرب من صخرتي العزيزة..
صخرتي الوفية لم تشأ يوماً أن ترحل رغم وجع الموج الذي يتفنن في جلدها منذ سنين.. أجدها دائماً في ذات المكان الذي وجدتها فيه للمرة الأولى.. منذ معرفتي الأولى بهذه الصخرة وأنا أحمّلها عناء الاحتفاظ بأسراري التي ناء بحملها صدر صديقي الوحيد.. وفيّةٌّ إذاً هذه الصخرة التي قبلت الإنصات لي طوال هذه السنين.. فلا عجب إن اعترفتُ لكم اليوم أنني أعشقها بجنون.. فإطلالتها لي من بعيد تذكرني بأشياء عزيزة رحلت وبقيت ذكراها هنا صامدة ما صمدت هذه الصخرة العظيمة.. وبين انكسار موج وصمود صخرة يشع أملٌ جديد يدعوني للإبقاء على نظرتي المتفائلة للحياة..
قرأتُ ذات مرة أن (شارل ديغول) لم يكن يذكر أسراره لأحد وسمعتُ أن (ميتلوس المقدوني) أقسم أنه يفضّل حرق قميصه على إفشاء سره... كان ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد.. حين قرأتُ ذلك قرّرتُ أن أوثق علاقتي بهذه الصخرة أكثر.. حينها زاد يقيني أنه لا أمل أن أعود لأحدث صديقي العزيز عن شيء آخر مجدداً...



من مُلحق أشرعة
"جريدة الوطن"