المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقائــق القلبِ في رمضان..( 11 )


يزيد فاضلي
31-07-2012, 03:58 PM
رقائــق القلبِ في رمضان..( 11 )


أحبتي الكـرام...

...وتستمر معنا خطـَــرَاتُ الخير-في هذه الرقائق الرفيفة-ونحن بحمد الله نكاد نلجُ الأواسط َمن هذا الشهر الفضيل...

كنا قد أشرنا في رقيقةٍ سابقةٍ أن إخلاصَ القلب والنيةِ لله تعالى سِيَاجُ العِــزِّ وضمان الفوْز والفــلاح في الداريْن...

وعندما تصدقُ النية بتمام الإخلاص،لا يَخشى العبْدُ المؤمنُ من إسرارٍ في العبادةِ أو مجاهرةٍ بها،إذ أن الأساسَ هو التطلعُ لوجه الله سبحانه وتعالى وليْسَ على البال غيْرُه...

وقد قرأنا في كتب السِّــيَر والصِّحاح كيفَ أنَّ أبابكر الصِّــدِّيقَ كانَ-رضي الله عنه وأرضاه-يقومُ الليلَ،فيقرأ سِــرًّا،وكيفَ أنَّ عمرَ بن الخطاب كان-رضي الله عنه وأرضاه-يقومُ هو الآخــرُ في الليل،فيقرأ جهْــراً..فلما سُئِلَ الصِّـدِّيق،قالَ : (( أسْمَعْتُ مَنْ أناجـــي..!! ))،ولما سُئِـلَ الفاروقُ،قالَ : (( أوقِــظ ُ الوَسْنانَ،وأطردُ الشيْطانَ..!! ))...

إنَّ إخــلاصَ النية هنا وهناك يجعلُ السـِّــرَّ والعَــلـَــنَ سواءٌ عنده سبحانه وتعالى..وذلكَ ما ينبغي للمسلم الجاد أن يَعيَــه جيداً..

وقد لاحظنا-ونحن نقرأ في كتاب الله عزوجل-أن الله تعالى خـَلـَّــدَ صِنفيْن كريميْن من حَمَلةِ الرسالاتِ،الهُداةِ الأتقياء الأصفياء :

ــ أحدُهُما ؛ ذكَــرَ أسماءَهُ صراحَــة ً-إلى جانب سيرتهم العَطِرةِ وجهادِهِم المتفاني-فعرفها الناسُ وتناقلوها في ما بينهم...

ــ والصنف الآخــرُ ؛ طــوَى أسماءَهُ-عن عَمْدٍ-واكتفى فقط بنشر سيرته الزكية ومناقبه الخالدة...

مِــنْ أمثلةِ الصنفِ الأول ؛ أنبياءُ الله الكِرامُ الذين انطلقوا في أعماء الأرض،ينشرون هداياتِ السماء،ويَغرسون في النفوس معالم التوحيد،بتعبيد البشر لله تعالى،ويقارعون الوثنية أينما كانتْ..

تدبرْ قوله تعالى في الآية 47 من سورة ( ص ) : (( واذكُرْ عبادَنا إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ أولي الأيْدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصةِ ذِكرى الدار وإنهم عندنا لمِنَ المُصطفينَ الأخيار ))..

وفي سورة ( الأنعام ) قائمة ٌ لأسماء ثمانية عشر نبيًّا ورسولاً،أتى القرآنُ على كشف أسمائهم،فتراصفوا كالنجوم الطوالع...

أما من أمثلةِ الصنف الثاني ؛ أولئكَ الفريقُ من الهُداةِ الذين أسدلَ الله تعالى على أسماءِ أصحابه،فما عَرَفهم-إلى يوم الدين-إلا ربُّهُمْ فقط..!!

والحِكمة من ذلكَ واضحة لبصيرة المؤمن الواعية...

إنهم أشبَهُ بـ ( الجندي المجهول ) في عصرنا الحاضر..ذاكَ الذي يبذلُ الغالي والرخيص في الذوْد عن وطنه وثوابته،حتى إذا سقط في معمعةِ المعركة،توارى اسمُه بعيداً لحظة الاحتفالاتِ الصاخبة بالنصر الذي صنعه هو لا غيْر...!!

من الأمثلةِ القرآنية الشامخة لهذا الصنفِ ؛ مــؤمن آل فرعون..

هذا الرجل المؤمن النبيل الذي آمنَ برب هارون وموسى إيماناً راسخاً،ولأمر ما كان قريبَ التواجد مع فرعون وهامان وآلِهما..كان فيهم وليسَ منهم..وعندما أحسَّ بنيةِ الغدْر الفرعونية بموسى وبالتآمر على قتله،راحَ الرجلُ المؤمن يصطنع أسلوبَ المُحَايَدةِ الكَيَِّّسَةِ والمحاكمة العقلية الرشيدة،والنصح السديد،قصْدَ إحراج الفرعنةِ التي ركبتْ دماغَ رمسيس الثاني..!!

تأملوا-أحبتي-كيفَ خلـَّدَ القرآن الكريم دِفاعَ هذا ( المُحامي ) المؤمن في الآية 29 من سورة ( غافــر ) : (( وقال رجلٌ مؤمنٌ من آل فرعوْنَ يكتمُ إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءَكم بالبيناتِ من ربكم وإن يَكُ كاذباً فعليْه كذبه وإن يَكُ صادقاً يُصبْكم بعضُ الذي يَعِدُكم إن اللهَ لا يَهدي مَنْ هو مُسرفٌ كذاب يا قوْمُ لكم المُلك اليوم ظاهرين في الأرض فمَنْ ينصرُنا من بأس الله إن جاءنا ))...

والسؤالُ الذي قد يطفو إلى الأذهان ؛ مَــنْ هذا الرجُــلُ الصنديدُ،السمحُ النبيل،الذي يرددُ كلامَ الأنبياءِ وليْسَ منهم..؟؟ ما اسمُه الثلاثي..؟؟ ماذا كان منصبُه..؟؟ كَمْ كان عُمْرُهُ يا تـُرى..؟؟ ماهيَ صفاته ومواصفاته الجثمانية..؟؟...

والجواب ؛ لا نعرفه..ولا يعرفه أحدٌ..ولا نعرف عن مولده ومماته شيئاً..!!

إذنْ..فلـْيَكُنْ رمزاً للعمل المخلص،بعيداً عن بهرجة الأضواء والدعاية..ولـْيَكُنْ رمزاً للاستعلاء على الشهرة الدنيوية الفانية وإيثاراً للعاقبةِ الحُسنى عند الله هناك في دار البقاء...

وهذا رجلٌ آخرُ من الصنفِ نفسِــهِ :

رجلٌ وجدَ نفسَه في زمنٍ،احتدمَ فيه الصراع بين الحق الذي يحمله رُسُل الله وحُماةِ الانحراف الذين يستميتون في الدفاع عن كُفرهم وباطلهم...

فجاءَ الرجلُ المؤمنُ من بعيد..من أقصى المدينة يسعى-كما حكتْ سورة ( يــس )..وراحَ يَهيبُ بقوْمه أن يرْعَوُو ويعقلوا ويثوبوا إلى رُشدِهِم..وقال-كما في الآيتين 20 و 21 من السورة-(( يا قوْمُ اتبعوا المرسلين.اتبعو مَنْ لا يسألكمْ أجْراً وهم مُهتدون ))..ثم راحَ يُسائلهم في إشفاق ورجاء وثباتٍ : (( ومالي لا أعبُدُ الذي فطرني وإليه تـُرجَعون.أأتخذ من دونه آلهة إن يُردْن الرحمانُ بضـُرٍّ لا تـُغن عني شفاعتـُهم شيْئاً ولا يُنقِذون.إني إذاً لفي ضلال مبين.إني آمنتُ بربكم فاسمَعون ))..

وبقيَ الرجلُ الصلدُ إلى آخر رمَق،ينصحُ أهلَ بلده ليَرشدوا..بَيْدَ أنه ماتَ ورحلَ،تاركاً قوْمَه على كُفرهم وغوايتهم..فلما وجدَ النعيمَ المقيمَ في برزخه،تذكر-في نـُبْل وإخلاص-قومَه،فتمنى لهم الهُدى والتقــى : (( ياليْتَ قوْمي يعلمون بما غفرَ لي ربي وجعلني من المُكرمين ))...

والسؤال الذي قد يطفو إلى الأذهان ؛ مَــنْ هو هذا الرجلُ النبيلُ،المخلصُ،السمْحُ الكريمُ..؟؟ ما اسمه..؟؟ ما تفاصيلُ حياتِه..؟؟

والجوابُ ؛ لا نعرفه..!!

حسْبُه من هدفه أن ربَّــه يعرفه،لأنه لم يعملْ إلا له..وهذا يُغنيه عن الدعاية والشهرة البشريةِ كلها...

مثالٌ ثالثٌ من الصنفِ ذاتِــهِ :

الفتية ُ ( أهل الكهف )..أولئكَ الفِتـْيَانُ النجوم الطوالع الذين خلدتهم السورة التي نزلتْ باسم الغار الذي آواهم...

أحبوا ربَّهُم حبا عظيماً،فلما وجدوا ضِيقاً وصلـَفاً من مَلِكِهم الكافر،آثروا الفرارَ بدينهم للكهف،تاركين كل زهرةِ الحياةِ الدنيا وراءَ ظهورهم،فلبثوا في كهفهم-مع كلبهم الوفي-((...ثلاثمائةٍ سنينَ وازدادوا تسعاً ))...وكانوا معجزة ًكبرى...

والسؤال المُتوَقـَّع ؛ مَــنْ هؤلاء العظماء الأبطال..؟؟ ما أسماؤهم..؟؟ ما عددُهُم..؟؟ ما مواصفاتُ شخوصهم..؟؟؟

والجوابُ القاطع ؛ لا ندري شيئاً..!!

إن القرآن الكريم كشفَ عن معدنهم النفيس وعن جليل مواقفهم العظيمة،وذاكَ هو المهم لنا بَعْدَهم،أما ما عدا ذلكَ،فليَبقوا جنوداً مجهولينَ،لأنهم لم يبذلوا في سبيل شهرةٍ أو دعايةٍ إعلاميةٍ،وإنما انقلبوا لأخراهم،وهم مصحوبون-يا لسعادتهم-بنيةِ العمل والإخلاص لربهم الخالق العظيم....

ألاَ ليتنا-أحبتي-نفقه فنَّ الإخلاص الحقيقي،في إسرارنا وإعلاننا كما فقِهَه العظماءُ ممنْ عاشوا قبلنا...

وإلى موعدٍ لاحقٍ إن شاء الله....وتقبل الله منا ومنكم...

سعاد زايدي
01-08-2012, 09:21 AM
أخي يزيد طبت وطاب قلمك...............،

إن مؤشر كلمات هذه الرقيقة الطيبة

ينقسم إلى قسمين الأول يتحدث عن إحتساب النية في عمل الخير كتمه أو الجهر به سيان، وهذا لا

يكون إلا إذا تساوى الظاهر بالباطن أي ما وقور في القلب وصدقه العمل.


والثاني إتصافا وتمثيلا بما جاء في القرآن الكريم هو عمل الخير بعيدا عن تبيانه أو الإشهار به إلا

رمزا في حدوثه ومبتغاه وترك ما يأتي خلفه لله سبحانه وتعالى فهو يجير ولا يجار عليه وبهذا التصرف

يقطع باب التشهير أوالتفاخر بين الناس بفعل كذا وكذا وهذا ينقص الأجر أو باب الرياء لا أجر فيه.


إلى أن نأتي إلى ما أسميته أنت بفن الإخلاص، وإنه والله لمصطلح جميل مهذب رقيق المقصد يبلغ رفعة المرء في عمله.


نسال الله عز وجل أن يمنحنا الحكمة في التصرف وأن يعزنا بجوارحنا لا أن يذلنا.

تقبل الله صيام وقيام الجميع

يزيد فاضلي
01-08-2012, 02:04 PM
أختي البديعة الكريمة سعاد...

للهِ دَرُّكِ من مبدعَةٍ رقيقةٍ واعيةٍ تحسنُ جودة َالقراءة الأولى والثانية..الجهرية والصامتة..الظاهرة والباطنة...

أعْضِدُ تماماً-سيدتي الكريمة-على ما أشرتِ إليه،وما أشرْتِ إليه-إلمامًا وإجمالاً-هو المغزى الذي أريدُه من رقيقتي هذه ؛ وهو أن إخلاصَ النية في قلب المؤمن لا يحتسبُ أمْرَ الجَهْر أو السِّرِّ فيها مادام القصدُ والمتجَهُ هو التجردُ واحتسابُ العمَل لله تعالى وحدَه،وليسَ غيْره سبحانه وتعالى...

لقلمِكِ ومروركِ العذب المفيد،أرفع-أختي- حبي وتقديري وامتناني..وجوزيتِ الجزاءَ الأوفى إن شاء الله...