المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقائــق القلبِ في رمضان..( 12 )


يزيد فاضلي
01-08-2012, 02:28 PM
رقائــق القلبِ في رمضان..( 12 )


أحبتي الكرام البررة...

أحياناً أحب أن أطوي المسافة َالعقلية والنفسية بيني وبين الحضارة المادية التي يعيشـُها القوْمُ هناكَ في بلاد الغرب،فأتساءَلُ في ترقـُّب :

تــُرَى..ما الذي يقولـُه ( العَقلُ الجَمْعِي الغربي ) عن صيامنا الدوري الدائم كلما جاءَ هذا الشهرُ الفضيل..؟؟!!..وفي ماذا يتهامسون عن حقيقةِ هذا الانقطاع عن تناول المادياتِ الحسية-المُباحة-من غبش الفجر إلى غروب شمس النهار..؟؟

أتصورُ-أحبتي-أن السؤالَ يَردُ على أذهانهم،ولا يخلو بداهَــة ًمن شـَــدَهٍ وتعجُّبٍ واستغراب..!!

والحقيقة أننا لا نتوقعُ منهم-وهم يتساءلون-إلا الشــدَهَ والتعجبَ والاستغراب...!!!

ذلكَ أن عبادة الصوم مُستغربَة أو مُنكَرَة ٌفي جَــو الحضارة المادية التي تبسِط ُنفوذها المادي على أديم الأرض-وفي حِسِّ الإنسان الغربي-لأنها كما نعلم جميعاً حضارة ٌتعبُدُ الجسدَ وتـُؤلـِّــهُ رغباتِه ولا تؤمنُ بوزن الروح وشفافيتها..

فقط هي تؤمن بالحياةِ العاجلة،ولا تكترث لِما وراءَ ذلكَ..

ومِنْ ثـَــمَّ،فهي تأبى تقييدَ شهواتِ الجسَد مُطلقاً،وترَى إطلاَقَ الحابل على الغارب فيها،على النحو الذي صاغـه طرفة بن العبد الجاهلي في تساؤلــه :

ألاَ أيها ذا اللائمـــي أن احذر الوغــى ** وأنْ أشهَدِ اللذاتِ هل أنتَ مُخلِــدِي..؟؟!!

لقد رأيتُ القومَ هناكَ وليسَ لهمْ من هَــمٍّ أو شـُغل شاغلٍ إلا السعيُ في تكثير الدخـل ورفع مستوى المعيشة والإكراع من الملذاتِ والمُرفهاتِ التي لا يَعنيها أن تجعلَ من ذلكَ وسيلة ًلحياةٍ أبقــى ولمبادئَ أزكــى..فشيءُ طبيعي-والجوُّ العامُّ هو هذا-أن يرمقونا بشيء من الذهــول،وهم يروْننا في ترويض باختيارنا وإرادتنا الحرة لرغباتنا المادية والمعنوية شهراً من أيام النهار...

وعند التأمل والتدبر-أحبتي-في هذا الفارق بيننا وبينهم،سنجدُ أنه الحَــدُّ الفاصلُ بين ( البهيمية ) التي أرادَ الإسلامُ-بفريضة الصيام-أن يُنزِّهَ إنسانيتـَنا منها و ( الكمال البشري ) الذي أحَبَّ أن يدفعنا إليه...

نعَــمْ..في هذه النقطة بالذاتِ يجيءُ أدَبُ الصيام...

إنَّ الله تعالى سابقٌ في علمه الأزلي أن الإنسانَ هو المخلوقُ الوحيدُ الذي يعرفُ جيداً ما قد يضرُّهُ،ومع هذا يُقبلُ عليه برغبةٍ ونـَهم...

إنها الرغبة القاتلة..!!

لذا كان من رحمته بنا أن هيأ-سبحانه جَــلَّ وعَــلاَ-نفوسَنا لقابليةِ أن تمتصَّ تلك الرغبة بالوقوف عند حدودِها المعقولة،بل لقابليةِ السموق بها لمستوياتٍ من التجرد والزهادةِ والقناعةِ تبلغ حدَّ السقف..ولعل هذا هو المستوى الذي بلغه الصحابة-رضوان الله عليهم-حين قال قائلهم : (( لقد كنا نتركُ تسعة أعشار الحلال خوفاً من الوقوع في الحرام...!! ))...

تلكمْ هي رحمة الله تعالى الحانية بنفوسنا..لقد جعلَ ترويضـَها ممكِــناً...

والنفسُ راغبة ٌإن رغـَّبْتـَها ** وإذا تـُرَدُّ إلى قـليــل تقنــعُ

فالصومُ يربي النفسَ-ولو كان صاحبُها ميْسوراً مُرَفـَّهاً-على القليل الكافي،ويَصرفها عن الكثير المؤذي..

بيْدَ أن ذلكَ يقعُ يومَ نصومُ-نحن المسلمين-الصيامَ الحقيقي،الموْروثِ عن سلفنا الصالح،الذين لم يكن الصومُ عندهم يوماً وسيلة ًإلى التهام مقاديرَ أكبرَ من الطعام والشراب-في الإفطار والسحور وما بينهما-كما يفعلُ سوَادُ الناس مِــنــا...

لقد عقدتْ لساني دَهْشة ٌلا تخلو من إكبار وإجــلال،وأنا أقرأ في آثار الصِّحاح،كيفَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم-على جلالة قدْره-يدخلُ على أهل بيْتِه في بواكير الفجر،في غيْر أيام رمضان،فيسألُ أهلَ بيته : (( أثـَــمَّ ما يُفطـَـرُ به..؟؟ ))،فيُقالُ له : لاَ..!! فيبتسمُ ابتسامة الرضي،وينوي الصيامَ،وينطلق-عليه الصلاة والسلام-يستقبل يومَه في هِمَّــةٍ وعزم،كأن شيئاً لم يَحْدثْ...!!!

ينطلقُ يُربي ويُعلم ويُسالمُ ويُحاربُ ويُعاهــد وينشر أنوارَ الرسالةِ العُظمى،ويلقـَـى الوفودَ،ويبُتُّ في القضايا الكبرى،وليسَ في سماءِ نفسه الصافية الزرقاء غيْمَة ُكَــدَر أو غيْظٍ أو اكتئابٍ واحدةٍ،ويروحُ-في إيمان راسخ-ينتظرُ بثقةٍ تامةٍ رزقَ ربه عند الإفطار دونما شكٍّ أو ريبةٍ،ولسانُ حاله يقول : (( فإن مع العُسْر يُسراً إن معَ العُسْر يُسْراً ))...

وتأملتُ في نفسي خجـِــلاً،قائلاً : ماذا يا تـــرَى لو استيقظتُ صباحي،وجاءَني فطوري العامر،وفيه شيءٌ من النقص على غيْر العادة..تـُرَى كيف ستكونُ ردَّة ُ فعلي..؟؟؟ !!!!

لقد قرأتُ-في أخبار الحوادث-منذ مدةٍ كيفَ أن رجلاً هائجاً ( صائماً..!!! )،صفعَ أمَّ أولادِه صفعة ًقبل الإفطار بقليل،فقضى عليها،لأنها-وهي الكادحة المسكينة-لم تستجبْ لنداءِ البطن والأمعاءِ في الوقت المناسب...!!!

ما أحْوَجَنا-أحبتي-إلى الوقوف طويلاً لمراجعةِ المسافةِ بين نداءِ إيمانِنا وأمعائِنا..!!

وتقبل الله منا ومنكم ثوابَ الأواسط من أيام وليالي هذا الشهر الفضيل....

سعاد زايدي
02-08-2012, 03:12 PM
أخي يزيد ..............،

اثابك الله وثبت خطاك

إن هذه الرقيقة تحمل بين طياتها الكثير من الأمور التي من الواجب علينا نحن كمسلمين إعادة النظر فيها، منها ما هو من صميم ديننا الحنيف ينبع فلا ينبغي النقاش فيه، ومنها ما هو مندرج تحت ما يسمى بالمبدأ الأخلاقي الذي يوحد البشر على إختلاف أجناسهم وأديانهم.

مدخل الرقيقة الذي ذكرت من خلال عملية طي المسافة العقلية والنفسية بين الحضارة المادية التي يعيشها القوْمُ هناك في بلاد الغرب وبين الحضارة الروحانية التي يعيشها القوم هنا في بلاد العرب المسلمين، حقيقة بالنسبة لي هي أكبر من أن تختصر في كلمة واحدة هي الصوم وهو ركن ومن أركان الإسلام حاش لله أن يكون تصغيرا لروحانية الصوم في فوائده أو في مقاصد الشريعة منه ولكن في شكل الصوم بصفة عامة الأمر واضح وجلي لا ضبابية تكتسح المكان فيه بمجرد ما نبذل أدنى جهد في المغزى منه أي عملية كبح النفس وما تخلفها من ضوابط وببن التوقف عن الأكل والشرب لا غير لمدة زمنية محددة.

ما يجب حقا المكوث والتوقف عنده طويلا هي أخلاق وتعامل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إتجاه الأمور التشريعية والمسائل الإجتماعية والمثل الذي ضربته عن سيد الخلق في سؤاله قوت يومه وابتسامة الرضى ونية الصوم لهو كفيل ........... جد كفيل بأن يربي أمة أو جيل بكامله وكم نحن بحاجة إلى تربية روحية من هذا النوع لكي على الأقل ندرك فهم إسلامنا الفهم الصحيح يسمح لنا بـ عجنه بتصرفاتنا اليومية. والله أعلم،

أعتذر إن أطلت ولكن أول المسائل التي يجب الحديث فيها وعنها هي أمتك وأخر المسائل هي نفسك.

أخي يزيد مبارك لك هذه النفحات الإنسانية والإسلامية جزاك الله عنا كل خير

يزيد فاضلي
02-08-2012, 04:11 PM
...بديعة ٌأنتِ-واللهِ-أختي الكريمة الواعية الحصيفة سعاد في طروحاتِكِ السديدةِ وفي التواجد الدقيق المناسب على خـُـطى المعاني والأفكار التي أعرضها-تِبَاعاً-في رقائقي التي وفقني الباري عز وجل إلى إخراجها..

يُثلِجُ صدري-سيدتي-وعيُكِ المكتمَل وحْسُّكِ الفكري والقلبي الرقيق الذي لا يَجد عناءً في تلقـُّفِ العِبَر والعِظاتِ التي تحتويها الرقائق،ثم-في فهمٍ سديدٍ رائقٍ-تعملين على إعادةِ صياغتِها بأسلوبٍ جميلٍ آخر وبأفكارٍ ذهبيةٍ موازيةٍ أخرى...

الشكرُ موصولٌ دائماً لقلمِكِ المعطاء-ست سعاد الكريمة-وأهمسُ لأختي قائلاً : إن الإسهابَ والإطنابَ والاسترسالَ التفصيلي الذي تعتذرين عنه هو مظنة ُرغبتي ورجائي،فإنني-مبدعتي الرائعة-أحب من العضو الكريم أن يدلو بدلوه العامر ويَذرُعَ بالتعليق والإثراء أفكارَ مشاركاتي،فلربما-مع ذلك الإثراء-انبثقتْ أفكارٌ مفيدةٌ نافعة أو تمَّتِ التغطية على بعض النقائص الموجودة أو وقعَ استدراكٌ على أخطاءٍ وهَفوَات...

أحسنتِ،أحسنتِ-أختي الواعية-على القوْلبة الجيدة لأفكار رقيقتي وبَعْثِها في ثوبٍ جديدٍ قشيبٍ...

جوزيتِ ألفَ خير..وتحايَايَ إلى ربوع أوراسِنا الأشم وذرَى قممه الشامخة...وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام..ولا حُرمتُ من وجودكِ البهي الدائم....