المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقائــق القلبِ في رمضان..( 13 )


يزيد فاضلي
02-08-2012, 01:41 PM
رقائــق القلبِ في رمضان..( 13 )


أحبتي الأماجد...

من جميل ما قرأتُ لأحدِ دعاةِ القرن الكبار قوله : (( التعريفُ بالآخــرةِ حَــقٌّ،وهو شيءٌ آخــرُ غيْر التجهيل بالدنيا..!! ))...

وهــذه كلمة ٌ في غايةِ الدقة والحكمة والصواب..

ذلكَ أن تعاليمَ الإسلام جاءتْ-في الحقيقةِ-لتجعلَ من الدنيا مطية للآخــرة أو (( مزرعة ً)) لها كما وردَ في الأثر النبوي الجليل..

والمؤمنُ الصادقُ الصالحُ لا يمنعه إيمانـُه الراسخُ بمبدأ القناعةِ والاكتفاء بما قسَمَ اللهُ له أن يركَبَ مراقي التطلع والطموح للأفضل والأفيَد في كل شيء...

فإذا كان الرضـى بالقِسْمَةِ ديناً ومبدأ ً،فليسَ التطلـُّعُ إلى ما فوقــها زيغاً وانحرافاً أبداً...

فالسعادة-في الدنيا والآخرة-لا يُعبَــرُ إليها إلا على جســور الجــهد والبذل والمشقة ولا تـُقطــعُ مسافاتـُها إلا على سُفـُن الجــدِّ والاجتهاد..

والأمــرُ لا يتم إلا إذا خامَــرَ النفسَ دافـِــعٌ من طموح ونظــر لأعْــلــى..

فإنه كان من دعاء عباد الرحمان-في سورة الفرقان- (( ...واجعلنا للمتقينَ إماماً ))..أيْ : يا ربنا نحن لا نحب أن نكتفي بدرجةِ التقوى المعلومة،بل نتطلع أن نكون في أعلى درجاتِ الأستاذية من التقوى..!!!

عندما أسْمَــعَ النابغة ُالجعــدِيُّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ( رائيتـَـهُ ) الرائعة..وصلَ إلى قوله :

بلغنا السماءَ ؛ مَجْدَنا وسَناءَنا ** وإنا لنرجو فوْقَ ذلكَ مَظهَـــرَا..!!

قاطعه النبيُّ عليه الصلاة والسلام قائلاً : (( إلى أيْنَ يا ابنَ أبي ليلــى..؟؟!! ))..

فردَّ النابغة : (( معكَ إلى الجنــــــةِ يا رسول الله..!! ))...

وإليْنا من سِيَر الأنبياءِ الكِرام ما يؤكدُ هذا الطموحَ المشروعَ الذي يجب أن يكون شعاراً لكل مسلم،يريد خدمة أمته ودينه،خصوصاً في عصر التحديات الذي نعيشه...

ألمْ نسمعْ إلى نبي الله سلميانَ-عليه السلام-وهو يطلبُ من الله تعالى مُلكاً فذا،لا ينبغي أن يُنالَ بَعْدَه أبداً : (( رب اغفرْ لي وهَبْ لي مُلكاً لا ينبغي لأحَــدٍ من بعدي إنكَ أنتَ الوهَّــابُ ))،فكان أنْ أجابَه الله عزوجل (( هذا عطاؤنا فامْننْ أو أمْسِكْ بغيْر حساب وإن لهُ عندنا لزلفى وحُسْنُ مآبٍ ))...

وما سمعنا اللهَ-جــلَّ وعَــلاَ-لامَــهُ أو عاتبَه على طموحه العالي...

ألمْ نقرأ في آثار الصِّحاح أن نبيَّ اللهِ الصابرَ أيوبَ عليه السلام،كان يغتسل،فوقعَ عليه جَــرادٌ من ذهَبٍ،فراحَ يجمعُهُ،فطارتْ واحدة ٌ،وإذ به يجري خلفها،يريد الإمساكَ بها،فناداهُ ربُّــهُ : (( يا أيوب..ألمْ أكنْ أغنيْتـكَ عن هـذا..؟؟!! ))..فقال أيوبُ : (( بلى يا ربي..!! ولكنْ لاغِــنى لي عن برَكَتِكَ.. ))...

ولم يقل الله تعالى له : قفْ عند ما قـُسِمَ لك..

وانظروا معي-أحبتي الكرام-إلى يوسف الصِّدِّيق عليه السلام،وهو خارجٌ من سجنه الجائر،وكان يستطيعُ أن يبقى في السجن-وقد أتيحتْ له الحرية بعد رحلة اعتقال طويلة-وأن يحيا في كنفه،هادئاً قانعاً وادعاً،لكنه أبَــى لنفسه تلكَ المنزلة الدونية التي لا تليق بطموحاته الشامخة وهِمَّتِهِ العالية..فبمجردِ أن تنسمَ نسائمَ الحرية،قال لعزيز مصْــرَ : (( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ ٌعليمٌ ))..وثـمَّــنَ المولى عزوجلَّ طموحَــه الشامخَ هذا،فكان تعقيبُه سبحانه وتعالى : (( وكذلكَ مَكَّــنـَّا ليُوسُفَ في الأرض يتبوأ منها حيْث يشاء نصيبُ برحمتنا مَنْ نشاءُ ولا نـُضيعُ أجْرَ المُحسنين ))..

وما سمعنا عتاباً أو ملامَــة ًقرآنية ًليوسُفَ على هذا التطلع...

هؤلاءِ-أحبتي الكرام-نفـَرٌ من كبار الأنبياءِ الهُداة،الذين استعلوْا على مُغرياتِ دنياهُم،وهيْهاتَ أن تنالَ من قلوبهم العامرة ونفوسهم الخاشعة،فلمْ يخدَش الطموحُ تقواهُم،ولا أزرى بمكانتهم عند الله قيْدَ أنملة...

إن الإسلامَ يوجبُ الرضا بالموجود،يومَ يكونُ هذا الشعورُ النبيلُ عزاءً للمحروم الذي استعصى نوالـَه وحصانـة ًللنفس الضعيفةِ التي قالَ ربُّ العزةِ فيها وفي أشباهها-في الحديث القدسي الجليل- : (( ...وإنَّ من عبادي لـَمَنْ أفقرتـُهُ،ولو أغنيْتـُهُ لفسَــدَ حالـُـــهُ... ))..

الطموحُ هنا حينما يكونُ ركضاً للغرائز ولهْثاً وراءَ عبادة الذاتِ والدنيا على طريقةِ المثل العربي : (( جَــوِّعْ كلبَكَ يتبعْكَ..!! ))،فإنه ينقلبُ إلى ماردٍ في كيان الإنسان،يأكلُ خضراءَهُ ويابسَــهُ...

وكلنا يعرفُ مصيرَ ( قـارون موسى )..وكلنا يعرفُ حديثَ ؛ (( يا وَيْــحَ ثعلبة..!! ))...

أما إذا قعَدَ الإنسانُ وقبَعَ عن التطلع للأفضل والأحسن والأرقى-في مختلف مجالات الحياة الحيويةِ وخدمةِ الأمةِ المسكينة وهــو قادرٌ-فذاكَ في ظني هو العالة الحقيقية على أمتنا..بلْ على الأرض كلـِّها..!!

ورحم الله أبا الطيب حين قال :

ولمْ أرَ في عُيوب الناس شيئاً ** كنقص القادرين على التمام..!!

وتقبل الله منا ومنكم نفـَحَاتِ هذا الشهر الفضيل....

سعاد زايدي
02-08-2012, 04:53 PM
أخي يزيد ..............،
أعانك الله وهدانا لخطاك

إن سفينة النجاة هذه التي تأخذنا على متنها إلى معبر اليقينيات والإيمانيات في رحلة رمضانية مدرك تماما أننا لن نشعر بالعطش فيها للمحطات الوافرة التي نتوقف عندها فننهل ونغترف ليس بالأيدي فقط بل بكل حواسنا ما إستطعنا فهي المنابع الراسيات.

وها نحن الآن نصل إلى محطة بمثابة همزة وصل بين الدنيا والآخرة أو هي النقطة الفاصلة بين ما نحن عليه وما نرغب أن نكون عليه دائما يلفنا ما هو مشروع وما يخدم الأمة والدين كي نسعد في الدارين، وكما قلتها في بداية القول أن الدنيا مطية للآخرة.

أرى في الطموح حق مشروع لكل فرد ومبتغى على النفس البشرية أن يراودها دوما لتحقق ما تصبو إليه لكن المطلب لحصوله لا بد له من همة عالية ونية وثيقة صحيحة هذا من جهة ومن جهة أخرى لا بد للمطلب أن يكون حسب الإمكانات الميسرة للطالب كي يبلغ مراده.

وفي هذا أتذكر بيت للشاعر احمد شوقي يقول فيه:
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً

فإذا توفر هذان الشرطان نستطيع أن نقول أن ما يتمناه المرء والطريق الموصلة إليه متساويان والنجاح حليفه فيبقى له ما يشبه الشرط في التحقيق وهي تركه لعوالق القلب التي تشغله عن مقصده وندخل هنا باب الأخلاقيات بصفة مباشرة وغير مباشرة حيث يقول ابن القيم الجوزية في كتاب الفوائد: العوائق هي الحوادث الخارجية والعلائق هي التعلقات القلبية بالمباحات ونحوها.

وكما قال الشاعر حقيقة لي شك فيه أظنه الإمام الشافعي أو لا أتذكر المهم قال:
شكوت وكيع سوء حفظي *** فارشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرنــي ان العلــم نـور *** ونور الله لا يهدى لعاصي

فمبتغى الخير لا يصل إلا بالخير
والله المستعان.
يزيد شكرا لك وتقبل مروري

تقبل الله صيام وقيام الجميع

يزيد فاضلي
02-08-2012, 05:21 PM
(( ...فمبتغى الخير لا يصل إلا بالخير... ))...

أسجِّلُ تقديري وإعجابي بتعليقكِ الوافي الجامع المرتب-أختي البديعة سعاد-من حيْثُ أنهيْتِهِ بهذه العبارةِ الجميلة الجامعة المانعة...

فإن العزْمَ حينما ينعقدُ في القلب على شرَفِ الوسيلة والغايةْ في طموح المَرء،فما من ريْبٍ أن ( العلائقَ )-على حد تعبير الإمام ابن القيم رحمه الله-تصبحُ غاية ًمشروعة ً،يبذلُ الإنسانُ في سبيل تحصيلها ما ادَّخَرَ من جُهدٍ وصبِر وجَـلـَدٍ...و (( مَنْ طلبَ عظيماً خاطرَ بعظيمتهِ..!! ))...

عندي رُتوشٌ بسيط ٌ-أختي البديعة-لو أذنتِ لي في تأصيل البيتَيْن المعبرين الجميليْن وتأكيد نسبتهما لأديب الفقهاءِ الإمام الحُجَّة الثقة محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله،ومناسبتهما ؛ أن الشافعي رحمه كان قد شكى-وهو طالبُ عِلمٍ يافعٍ-لشيخِه وأستاذِه الإمام وكيع بن الجراح رحمه الله..شكى إليه أنه يَجد عُسْراً مَّا في تحصيل بعض مسائل العلم،فنصحه الأستاذُ الجليلُ بالورع وبترك شبهات المعاصي،فكان أن علقَ الشافعيُّ :

شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبــــرني بأن العلـــــــمَ نورٌ ** ونورُ الله لا يُهْــــدى لعاصي..!!

والبيتان مثبتان في ديوانه المُحقق مع إرداف المناسبة في الحاشية....

جوزيتِ ألف خير وخير-سيدتي البديعة-وتقبل الله منا ومنكم الصيامَ والقيام...و ( صحَّ فطوركم وسحوركم )...