المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقائــق القلبِ في رمضان..( 14 )


يزيد فاضلي
02-08-2012, 08:31 PM
رقائــق القلبِ في رمضان..( 14 )

أحبتي في الله...

في مطالعاتي الحُــرةِ لِما خلفه لنا علماءُ التربيةِ والسلوكِ مِن كبار أيمتنا الأعلام،العارفين بالله تعالى،أحب دائماً أن أختليَ بكتاب ( الحِكَم العطائية ) للإمام أبي العباس تاج الدين أحمد بن محمد،المعروف بـ ( ابن عطاء الله السكندري ) رحمة اللهِ عليه...

والكتابُ-كما يعرف الجميعُ-جمعَ من الخيْر العميم الذي استقاه مؤلـفـُـه من مَصْدريِّ التلقي ( الكتاب والسُّنة )،وراحَ-رحمه الله-يُسكبُ خواطــرَه منهما بما فتح الله تعالى عليه من صفاءِ الروح وصِــدْق الفكرةِ ونقاء المعنى ما يجعلها حِكَماً جليلة ً،تنسابُ لسوَيْداء القلب في غير كُلفةٍ أو مَشقةٍ،لأننا نحسَبُ صاحبَها قد صاغها بنبض قلبه العامر بالإخلاص وحُسْن التوكل على الله تعالى...نحسبه كذلكَ ولا نزكيه على خالقه أبداً...

لطالما توقفتُ مليًّا عند حكمته الخامسة التي يقول فيها : (( اجتهادُكَ في ما ضـُمِنَ لكَ،وتقصيرُكَ في ما طـُلِبَ منكَ،دليلٌ على انطماس البصيرة منكَ ))...

طالما توقفتُ عند هذه الحكمةِ وأنا أقلبُ النظرَ يَمْنة ًويَسْرَةً في واقعِ كثير من سوادِ المسلمين،الذي يملأ الآفاقَ والأصقاعَ،فأجدُ أصداءً أسيفــة ًمن معاني هذه الحِكمةِ،تنسحبُ على أنماطِ تفكيرهم وتصوراتِهم للدين والحياة...

الحِكمة تعني باختصار : أن اجتهادكَ الحثيثَ-أيها المسلم-في طلب ما ضمِنَ اللهُ لكَ من رزق و تكفـَّــلَ لكَ من خيْر وتيْسير في كل مجالات الحياة،وتفريطـُكَ-بالتقصير والتهاون-في ما طـُلِبَ منكَ من العبادةِ الشاملةِ دليلٌ وبرهانٌ على الانفصام الشبكي في بصيرةِ القلب والعقل فيكَ..!!

وما أكثرَ منطمِــسي البصائر الذين يُترجمونَ هذا المعنى حَرفيًّا بيننا...!!

مَــنْ منا لا يعرفُ أو يسمعُ عن أولئكَ النفر من الناس،الذين تجدِ الواحدَ منهم يسعى سعياً فضوليًّا للتطلع إلى فهْمِ ما لا يعنيه ولا يُفيدُه في شيْءٍ ،ولكنه مع هذا تراه يظلُّ سحابَة عُمْره زاهداً كل الزهــد في معرفةِ أهَــمِّ ما يجب عليه معرفـتـُه في أحكام دينه وشؤون دنياه..!!

أتذكــرُ هنا قصة ًواقعيــة ًحكاها لنا أحدُ أساتذتنا الكبار،لها من الدلالةِ ما يصدق عليها الأثرُ الشهير : (( شــرُّ البَليةِ ما يُضحِكُ ))..!!

قال حفظه الله ورعاه : (( أقبلَ إلـَــيَّ أحدُهُمْ-وأنا جالسٌ بين الطلاب في الدرس-فجاءَ وقد ظهرَ على وجهه الحِرْصُ والاهتمام،وسألني : كَــمْ كان عددُ الدراهم التي بـِـيعَ بها يُوسُفُ عليه السلام..؟؟!!..يقصِدُ قولـَه تعالى : (( وشرَوْهُ بثمنٍ بخس دراهِمَ معدودة... ))..

قلتُ : واللهِ لا أدري بالضبط،ولكنْ ربما كانَ عددُها مساوياً لعدد أركان الصلاةِ أو فرائضها..!!!

قال : وكمْ هي أركانُ الصلاة يا أستاذ..؟؟!!

فقلتُ باسماً : عجيبٌ يا أخي..!! أنتَ مُكَلـَّفٌ بإقامة الصلاةِ في كل يومٍ خمسَ مـرَّاتٍ بمعرفةِ جميع ما لها من أركان وفرائض وسُنن ومُستحبات،ومع ذلكَ فأنتَ لم تشعُــر خلال عُمْركَ كُــلـَّـهُ بالحاجةِ إلى معرفةِ شيءٍ من هذه الأركان..!!! ولوعشتَ قرناً كامــلاً من الزمن،لم ولن يسألكَ الله تعالى-ولا أحــدٌ من خلقه-عن عدد الدارهم التي بيعَ بها يُوسُفُ عليه السلام،فأيُّ فـضولٍ هذا الذي ساقكَ إلى الاهتمام بشيْءٍ لا جدوى في معرفتِه ولا يخطــرُ ببال أحَــدٍ أن يسألكَ عنه،مِنْ حيثُ صَرَفـَكَ هذا الفـُــضــولُ نفسُه عن معرفةِ أهَـمَِّ وأخطــر ما أقامَ اللهُ حياتـَكَ كُــلـَّها من أجلــه..؟؟!!! )) اهــ

فهل أدركتم-أحبتي الكرام-أن قصة الرجل السائل ليستْ حالة ًيتيمة ً،بقدر ماهي،نموذجٌ صارخٌ عامٌّ،يُصورُ حالة البطالةِ الفكريةِ المُقنـَّـعة التي عليها عقولٌ وأفهامٌ كثيرة ٌ،موجودة ٌ بين جماهير الأمــة المغبونة..؟؟!!

وتقبلَ الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالِحَ الأعمال...

ريم الحربي
02-08-2012, 10:03 PM
هذا هو حال أغلب الناس يا يزيد فتجدهم يتعلقون بأمور ليست تعنيهم غافلين عما يعنيهم

ربما يكون قصر نظر منهم أو ربما هو فراغ العقول التي شغلت بما لا يعنيها عن أهم أمور حياتها

ليس في العبادة فقط بل في سائر شانها

وفي حديث أبي هريرة والذي رواة الترميذي في سننه

قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)

توجيه للأمة بالاشتغال بما ينفعها ، ويقرّبها من ربها ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام

مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (احرص على ما ينفعك)

فليت الكل يدرك هذا ويعيه يا أخي لأجتمع لهم بالفعل خير الدنيا والأخرة

جزاك الله كل خير على ما تقدمه

سعاد زايدي
03-08-2012, 12:09 PM
بهذه الرقيقة أخي يزيد تكون قد وضعت يدك على الداء وضغط بأصبعك بشدة على الجرح الذي تنطوي عليه النفس البشرية الآنية من الإغواء رغم ما تحلم به العين دوما بغد أفضل، وأي أفضل سيأتيك وأنت لا تقوى إلا على الفضول الدنيوي الزائل ولا تستطيع أن تفرق بين ما وُجِبْ وبين ما يَجِبْ أن تشمر له.

هذه الرقيقة ذكرتني بالآية الكريمة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى من سورة الذاريات الآية 56 " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "

ما العبادة التي يبتغيها ربي من البشر على إختلافهم أجناسهم وإيمانياتهم؟

ما هي العبادة التي تخول له المضي قدما نحو تغيير وجه هذه الأمة المكلفة بالرسالة العالمية التي تخص هداية الفكر الإنساني والقلب الإنساني والواقع الإنساني على التحديد الذي أشار إليه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه المعنون بـــ: سبب تأخر العرب والمسلمين.

يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: "لا تعبدوه ليعطيكم بل أعبدوه ليرضى، فإن رضي أدهشكم بعطائه"

أرى أن المهمة مهمة فرد واحد، والمسئولية تقع على عاتق النفس الفردية
مثلا: إذا أمنت أنا بفكرة وجوب إحترام الغير وأن تكون لي ثقافة تقبل الآخر ، وتؤمن أنت بنفس الفكرة والآخر كذلك والأخرى ألا يتغير وجه المعاملة بشكل عام في مجتمعنا..........أكيد سيتغير.

المشكلة في كثير من الأمور تجاهلنا للرؤية فلا نبصر ولا نقوى على التبصر حتى وإن لم نكن نحن من يفعل فلا نهتم إذا أشار إليها غيرنا ونسقطها من عيوننا عنوة شاء من شاء وأبى من أبى.

فعملية التبصر هذه هي الخطوة الأولى للأحسن، يبقى فقط الإيمان بها والله اعلم.

تقبل الله صيام وصلاة الجميع.

أخي يزيد أثابك الله وسدد خطاك.

يزيد فاضلي
03-08-2012, 07:05 PM
...(( من حُسْن إسلام المَرءِ ترْكُه ما لا يعنيه ))...(( احرصْ على ما ينفعُكَ ))...

هذان الأثران الجليلان اللذان سُقتِهِما في معرض تعليقكِ الكريم-أختي الكريمة البديعة قوافي-هما مِلاَكُ الأمر كلـِّهِ في العِبِرةِ والعِظةِ المعنوية التي أبغيها من سَرْدِ رقيقتي برمَّتِها..إنهما فصْلُ الخطاب في ما جمعتُه من أفكار...

فجزاكِ الله-أختي-على جميل التوقيع وبديع الإضافة المفيدة التي أصًّلتْ لمضمون الرقيقةِ فازدادتْ وضوحاً وتنويراً...وعَشمي الدائم أن تكوني على صلةٍ وقربى من رقائقي...

يزيد فاضلي
03-08-2012, 08:06 PM
...هَالة ٌمن أنوار الرؤية الفكرية والإيمانية لحقيقة الصلة في العبادة بين العبد وربه،هي هذه الومضة التعليقية التي أتحفتِ بها رقيقتي-أختي البديعة سعاد-وفتحتِ على هوامش حاشيتها آفاقاً رحبة ًمن إثراءٍ وآماداً خِصبة ًمن أفكار..

نعم-مبدعتي القديرة-فإذا كانت العبادة الحقة تقتضي أن يرتقي بها المسلم إلى ذلك السقف السامق الذي وَسَمَهُ علماءُ السلف بـ ( وحدة الشهود ) أي : بأن يُصبِحَ حضورُ المولى عز وجل وشهود أسمائه الحسنى وصفاته العليا في حسِّ المسلم وحياته بحيث لا يبقى مجالٌ في حياته إلا وكان لله تعالى فيه حضورٌ وشهودٌ،فيكون ذلك تصديقاً صحيحاً للآيتيْن الكريمتيْن (( قل إن صلاتي ونسكي ومحيايَ ومماتيَ لله رب العالمين... )) و (( وهو معكم أينما كنتم ))..إذا كانت العبادة الحقة تقتضي ذلك،فلا ريبَ أن الغاية العظمى منها هي استهدافُ رضاه سبحانه وتعالى،ويوم يكون المولى عز وجل راضيا على عبده-وأهو أعلمُ به وبحقيقة عبادته-أظهرَ له من فيْض عطاياه وأغداق نعمائه ما يبعث على الدهشة كما أشار بذلك شيحنا الداعية الكبير محمد متولي الشعراوي رحمه الله...

بيْدَ أن العبادة الحقة ينبغي أن تتأتـَّى حينما يفقه المسلمُ سُلـَّمَ الأولوياتِ فيها..ويوم أن يضطربَ هذا السُّلم أو تعتريه فوْضى تقديم ما ينبغي تأخيرُه وتأخيرُ ما يجبُ تقديمه-على نحو قصة السائل عن قيمة الدراهم التي بيع بها يوسفُ عليه السلام-فإن ذلك دليلٌ صارخٌ،يكشفُ سرًّا من أسرار تأخر العرب والمسلمين،بل ويدل على ( العلم المغشوش الذي يُهدد الصحوة ) كما ذكر ذلك شيْخنا المربي الكبير محمد الغزالي رحمه الله في كتابه النافع الذي نقلتِ لنا عنوانه....

أسعَدُ دوماً-سيدتي الكريمة سعاد-بثواقب بصيرتك..واللهَ أسألُ أن يزيدَكِ فتحاً على فتحٍ ونوراً على نور...ودمتِ لنا رفيقة أصيلة وصاحبة دائمة على خوان الرقائق العامر....