المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقائــق القلبِ في رمضان..( 15 )


يزيد فاضلي
03-08-2012, 08:24 PM
رقائــق القلبِ في رمضان..( 15 )

أحبتي في الله...

أحياناً عندما يُخالط ُالواحِدُ منا حشودَ الناسَ التي تحيط به،ويَسبرُ طريقة تفكيرهم ويراقبُ طبيعة َأحكامهم،يلحَظ في مسالِكِها وتصرفاتِها كثيراً من الأمور التي تستوجبُ التوقفَ والنظرَ...

من ذلكَ مثلاً ؛ موِقفُ الكثيرين في لحظاتِ توجيه اللوم والنقد لأولئكَ الذين استزلـَّهُمُ الشيْطانُ،فوقعوا-لِدَواعٍ كثيرةٍ-في الخطأ والخطيئة...

نحن نعرفُ بداهــة ًأن الكمالَ لله تعالى وحدَه،وأن العِصمَة َصفة ٌمن صفاتِ أنبيائه،وأن الواحِــدَ منا،مهما عــلاَ شأنـُه واحتاط َلنفسِه،لا ينجو-في أحوْطِ المواقف-أن يقعَ في ( اللمَـم ) الذي هو أخفُّ الخطايا..

والواحِدُ منا إن لم يقع في خطأ العَمْد،فلا مناصَ من أن يقعَ-من غير قصدٍ وبحُسْن نيًّةٍ-في ما دون ذلكَ...

لذلكَ كان المسلمُ (( مِـــرآة أخيه ))،يُريـهِ-بالحسنى والنصيحة الهادئة-مواطــنَ الزلل في شخصيته وتصرفاتِه،ويُوَجـِّهُهُ بكيَاسَةٍ ولينٍ إلى مراشدِ الأمور ومراقيها،بعيداً عن الفضائح والصياح والتشنج والاحتقان وفوَرَان الأعصاب...

لكِــنْ هناكَ ناسًا لهم في مقام التناصح مسْلكٌ عجبٌ...

تشعُــرُ بهم وهم يتمادَوْنَ في تعنيفِ المُخطِــئ-باسم اللهِ وفي سبيل اللهِ-أن نفوسَهم الخبيئة تـَـطـْـوي نيَّــة ًأخرى،تتجاوز بكثيرٍ مُجَــرَّدَ النصح والانتصاح...!!

إنهم ينطلقون-باسم النصيحة الواجبة،وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-في تجريع المُخطئ صُــنـُوفاً من الكلام الطويل،والطويل جدًّا،ويَجعلون من قصة خطـَئِــهِ فاكهة ًفي مجالسهم،يلوكونها بألسنتهم،يتحدثون عنها مراراً وتكرارً،ويُجددون ذِكْــرَها كلما أثارَ واحدٌ منهم سيرَتـَها..كلُّ ذلكَ باسم النصيحةِ لله تعالى ولرسوله ولعامَّةِ المؤمنين...!!

والحَــقُّ-أحبتي الكرام-أنَّ اللهَ تعالى ورسولـَـهُ وعامَّــة المؤمنين هم آخــرُ ما يَخطــر على بال هؤلاء،لأن شوائبَ أخرى من التشهي والتشفي والعُقـَدِ النفسيةِ المختلفةِ هي ما ملأتِ القلبَ والجَنانَ واللسانَ،بل واحتوتْ كلَّ المشاعرَ...

نعَــمْ..إننا إذا نصَحْنا للمُسيءِ-ونحن فرحون لِما فـَـرَّط َ من إساءَته-وتربَّصنا به العقابَ-ونحن شامتون متلذذون لِما أصابَه من جريرته-فنحنُ قوْمٌ لا نـقـَـوِّمُ لله تعالى ولا لإقامةِ حدوده..

وكلامُنا في نصحه ووَعْظِـه وتوجيهِهِ-وإن كانَ حقـًّا-إلا أنه كجهادِ البائر..!!

وإصرارُنا على إنزال العقوبة به-وإن كان عدْلاً-إلا أنه إشباعٌ لشهوةِ التشفي لا لإقامةِ الدين الصحيح..!!

لقد جيـئَ بامرأةٍ خاطئةٍ إلى السيد المسيح عيسى بن مريمَ-عليهما السلام-حتى يقومَ بحَــدِّ الله عليها،فلما تجمَّعَ القوْمُ في الساحة العامة،راحَ عيسى-عليه السلام-يتفرسُ في وجوه الأحبار من بني إسرائيل،فأدركَ بفراسته النبوية حقيقة ما تنطوي عليه نفوسُهم تجاه المرأة الخاطئة،فقال لهم : (( مَــنْ كانَ منكم بلا خطيئةٍ،فليتقدمْ لرجمِها..!!! ))..

وعيسى-عليه السلام-لا يرمي بَداهَــة ًهنا إلى تعطيل حَدٍّ من حدودِ الله،ولكنه يَعلمُ هذه اللوثة النفسية التي تصْحبُ أحبارَ اليهودِ كلما سنحتْ لهم فرصة َالتشفي والتشهي بخطيئة الناس...!!

إن النية الصالحة-كما قال علماؤنا-روحُ كُلُّ عَمَل،وبها ترسو الموازينُ كالجبال،أو تخِفُّ كالهباء..!! (( إنما الأعمال بالنيات... ))...

والمؤمنُ الصادقُ إنسانٌ يَعشق الخيرَ-في جميع أوجُهِهِ- ويهوَى حُصُولـَــهُ ويحب أصحابَــه...

في الحديث الصحيح،أن رجلاً جاءَ إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-يسأل : (( ما علامة ُاللهِ في من يريده،وما علامته في مَنْ لا يريده..؟ ))،فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (( كيْفَ أصبحتَ..؟؟ ))،قال : (( أصبحتُ أحب الخيْرَ وأهلـَه،وإن قدَرْتُ عليه بادرتُ إليه..وإن فاتني حزنتُ عليه وحننتُ إليه ))،قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( فتلكَ علامة اللهِ في مَنْ يريدُه ))...

هذه النفسُ التي تحب الخيْرَ عن نقاءٍ وصفاءٍ وطـُهْر،تكرَهُ الآثامَ بداهــة ً،وتنكمش عن ذويها..

فإذا رأتْ جُرْماً استنكرته،وإذا كانتْ بينها وبين صاحبه خصومة ٌسابقة ٌ،أو جَـفوَة ٌقديمة لمْ تفرَحْ لعثرتِه..

إن الخطيئة َقذارة ٌ،تلوِّثُ وجْهَ الحياة كما تلوثُ الأدرانُ وجوهَ الطرقات...

ومُجَــرَّدُ الإحساس بالفرح بوقوع المعصيةِ-أيًّا كانتْ وأيًّا كان صاحبُها-يدلُّ على مرض نفسيٍّ هائل..!!

إن المؤمنَ الحقيقي لا يُفرحُــهُ وقوعُ سَيِّئَةٍ من أحـدٍ ولو كانَ المخطئُ كافراً..فما بالنا بأهل الإيمـان..؟؟!!

ويومَ يَحُسُّ الرضــى والانشراح في نفسه لجريمةٍ تقعُ من إنسانٍ-عَدُوٍّ أو صديقٍ-فلـْـيَثِـقْ بأنَّ في إيمانه قصوراً خـَفِيًّا،يجب الاستشفاءُ منه عاجــلاً...

كذلكَ ليسَ من الإسلام في شيءٍ أن يندفعَ المؤمنُ فاضحاً،مُشهِّراً بمَنْ أخطأ،مُظهـِـراً الشماتة َبه،طالباً النكَالَ،كأنما يُدركُ ثأراً فاتـَه ومكنتـْهُ الأيامُ منه...!!

ألا ننحني احتراماً وإجلالاً للإيثار العالي الذي تتسم به النفوسُ العظيمة،ونحن نسمَعُ الإمامَ الشامخَ أحمد بن حنبل-رحمة الله عليه ورضيَ عنه-يقول في دعائه : (( اللهمَّ إن قبلتَ عن عُصاةِ أمةِ محمدٍ فداءً،فاجعَلني فداءً لهم..!! ))...

إن الأثـَرَة َالتي قد تـَـرينُ على أفئدَتِنا من الأنانيةِ الغاشية،تنكشفُ كلـُّها أمام الشعاع الطهور الوضيء الذي يَبْرقُ في هذه الكلمةِ الخالدة...

حمَى الله-أحبتي-قلوبَنا جميعاً من لوْثاتِ التشفي والتشهي،وجعلها مطيَّــة ًتحملُ الجميعَ وتسعُهم،ونسأله تعالى أن يُنقيها ويغسلها بالماء والبَرَد والثلج..وتقبل الله تعالى منا ومنكم....

جمعه المخمري
04-08-2012, 04:40 AM
أخي يزيد فاضلي....

أتمنى ألا ينقطع أو يقل هذا المجهود الجبار....

لك مني أصدق التحايا والامتنان....

وجعله الله في ميزان حسناتك....

تقبل مروري.

سعاد زايدي
04-08-2012, 08:58 AM
ما جاءت به الرقيقة أخي يزيد لا إختلاف فيه من حيث الإحتواء أو من حيث المبدأ الأخلاقي الإسلامي و الإنساني.

إن صفات الشر والخير ، السلبية منها والإيجابية قد وضعها ربنا سبحانه وتعالى في كل البشر دون إستثناء بدرجات متفاوتة، تزيد نسبتها أو تنقص من فرد إلى فرد المهم هي موجودة عدا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قد عصمه ربي من ما يقال لها بانتزاع حظ الشيطان منه في حادثة شق الصدر.

هذه الصفات تسمى بالصفات الفطرية أو الهيكل الذهني للإنسان وهي خاضعة للمتغيرات المكتسبة مع مراحل العمر البشري، هذه المتغيرات هي الصفات التي يكتسبها من المحيط أو من المعارف العلمية والدينية،

فتبقى العلاقة بين ما هو فطري وما هو مكتسب علاقة عكسية كلما زادت الصفات المكتسبة نقصت الصفات الفطرية.

من هذا نستخلص قدرة الإنسان على تغير نفسه والتأثير عليها إلا أنه ورغم كل ما جاء في أخلاق الإسلام وما حثنا عليه، ورغم كل الأعراف والتقاليد المتعامل بها في مجتمعنا يبقى الإنسان حبيس نزواته ورغباته الدنيئة مستغلا في ذلك نصح الدين، تسامح الدين وتعامل الدين – حق أريد به باطل –

فليسوا أكثر من أناس يعانون مرض القلوب ولا يريدون الشفاء منه لا بما هو مكتسب من منهم حولهم حتى بالموعظة ولا بما جاءت به حقيقة الشريعة الإسلامية.

الزمان كفيل بهم يلاحقون ويتحدثون عن عورات الناس إلى أن ينقلب السحر على الساحر فيصبحون محور إنشغال الآخرين.

عافانا الله وأياكم من هذه الأمراض الخبيثة والمستعصية. والله المستعان.

تقبل الله صيام وقيام الجميع

يزيد فاضلي
04-08-2012, 02:57 PM
...جوزيتَ ألف خير-أخي الحبيب جمعه-على مروركَ الرفيف العذب الذي أفاضَ على رقيقتي كوثراً من نور وبهاء...

وجزاكَ الله خيْراً على حُسْن ظنكَ ببضاعتي المتواضعة..وأقول صادقاً لأخي : العفوَ العفوَ..فواللهِ إنه جُهْدُ المُقِلِّ لا غيْرَ..وكل ما نأمَله أن يرزقنا اللهُ الإخلاَصَ لوجهه الكريم وأن يَشمَلنا بسترهِ ويَقي أنفسَنا مثالبَ العُجْب والغرور وأن يَجعلَ ما نقدم ويُغري بالنفع والفائدة في موازين حسناتنا يوم العَرْض الأكبر عليه...

ممنونٌ لكَ-أخي الحبيب-مرورَكَ..وتحياتي القلبية إليكَ أيها الفتى الجميل...

يزيد فاضلي
04-08-2012, 03:19 PM
...كما العهدُ بكِ دائماً-أختي البديعة الرائعة سعاد-تقتفينَ أثرَ العِبَر والمغازي والعِظاتِ من خلاصاتِ الأفكار ثم-وبصياغةٍ بديعةٍ تجمع بين الاستقراء الفكري والطرح الفلسفي المُثمِر-تعيدينَ توليدَ الرقيقة مرة أخرى في إيهابٍ قشيبٍ وجميلٍ من عُمْقِ المعاني وسَعَةِ الإثراء..وبالتالي تقع الفائدة المَرْجُوَّةِ من ناحيتين تشبهان لحدٍّ مَّا فائدة الحاشية الشارحة لأصل المتن الأساسي من جهةٍ،وأهمية التحقيقات المضيئة في تأصيل وتوثيق الآثار والمؤلفات من جهةٍ أخرى...

أتابع ببصري وعقلي وقلبي أسطرَ التعليق الوضيئ الذي أكرمتِ به رقيقتي فأجدُ تحليلاً رائعاً في تبيَان العِلاقة الوثقى بين نوازع الإنسان الفطرية والمكتسبة،ومَدى أثر الفارق في تلك العلاقة على إفرازاتِ السلوك استقامة ًوانحرافاً...

وكم لفتَتِ انتباهي-وأنا أتأملُ في اتعاظٍ عميقٍ-فكرة أن ( الزمنَ ) كفيلٌ بتأديب أولئكَ الذين توهموا في لحظةِ غرور خادعةٍ أنهم-وهم في ساديتهم الوقِحَة-في مأمنٍ ومنآى عن ضرَبَاتِ القدر القاصمة..ولقد صدقوا حينما قالوا : (( الزمنُ جزءٌ من العِلاج...!! ))...

صدقتَ-أختي البديعة-كَمِ انقلبَ السحْرُ على الساحر مراتٍ ومراتٍ ومرات..فهل من مُعتبر..؟؟!!!

أكرمْ بكِ رفيقة ًأصيلةً وصاحبة ًوفية ً...ودمتِ دائماً موْصولة الخَطـْـو....