المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقائــق القلبِ في رمضان..( 16 )


يزيد فاضلي
04-08-2012, 03:32 PM
رقائــق القلبِ في رمضان..( 16 )

أحبتي الكِرام البررة...

الأصــلُ في المجتمع الإسلامي الأصيل أن يعيشَ أفرادُهُ،وليسَ لهمْ من هدفٍ أسمى ولا غايةٍ أرقى إلا استرضاءُ ربهم والسعيُ-فقط-إلى نشر مبادئ الخير التي رباهم الإسلامُ عليها...

وقد يحدثُ-مع معترَكِ الحياة-أن يتدافعَ المبدأ في ضمير المسلم مع مغرياتِ الحياة الدنيا،فينشِبُ في حسِّهِ ما يُشبهُ الصراعَ العنيفَ بين نزعتيْن،تتجاذبان فيه وتتنازعانِــهِ،وربما غلبتْ إحداها الأخــرى كلما وافقتْ في النفس استعداداً وقابلية ً...

ــ نزعة ٌإيمانية ٌراسخة ٌ،ترقى به دوْماً إلى أعلى،فلا يكادُ يخطو خطوة ًفي حياتِه إلا وهي محسوبة ٌفي رصيد حسناته وريوع أجره،ومن زاويتِها يرى الدنيا-بما فيها من متعةٍ-بمنظار الآخرة،والآخرة ُفقط..

ــ ونزعة ٌدنيوية ٌ،شديدة ُالوطأ على نفسه،تجذبه دوما إلى أدنى،وتـُبْهِــرُ حوَاسَّــهُ بكل عَرَضٍ مادِّيٍّ،حتى أنها تستنزله-في أوْهَن لحظاتِ ضعْفِ إيمانه-إلى دركاتٍ سحيقةٍ من التيه والذهــول عن أمر ربه،يَعْسُرُ معها الرجوعُ والإنابة إلا بتوفيقٍ من الله تعالى وَحْدَه..!!

والحــقُّ أن النزعتيْن المتأصلتيْن في كياننا،يدل عليهما مؤشرُ المنحنـَى البياني للإيمان،الذي يرتفعُ خطــه بالطاعةِ والتشمير لها،وينخفض بالتنصل والتراخي عن الواجباتِ التي أنِطنا بها...

فهل كانَ أفرادُ المجتمع الإسلاميِّ الأولِ-في فجر الإسلام-بمنآى عن هاتيْن النزعتيْن..؟؟

الحقيقية أننا-ونحن نقرأ السيرة النبوية العَطِرة-نجدُ أن أصحابَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام من المهاجرين والأنصار (( الذينَ صحبوه واقتربوا من حياتِه،قد أتيحَ لهم ما لمْ يُتـَحْ لغيْرهم من منابع الصفاء ووسائل الارتقاء...

إن مشاعرَكَ ترق عندما تسمعُ الشدوَ العذبَ،وعواطفـَكَ تسمو وتسمو عندما تقرأ البطولة الرائعة،بل إن الذين يشاهدون أو يحضرون مسرحية مثيرة ً،يصبَغهم جَــوُّ القصةِ المفتعَله،فيضحكون ويبكون،ويهدؤون ويَضِجُّـونَ حسبَ سيناريو المشاهد..فما ظنكَ بقوْم يتبَعُونَ رجــلاً،تكلمه السماءُ،ويتفجرُ من جوانبه الكَمَالُ،ويسكِبُ على مَنْ حوْلـَهُ آياتِ الطهر والنقاء..؟؟ فإذا ثقـُلتْ نفوسُهُمْ عن خيْر،دفعَ بها إلى الأمام،وإذا علِقتْ بمسالكهم شهوَة ٌ،نـَقـَّاها،فردَّ عليْها سناءَها..إن للعظماءِ إشعاعاً يغمُرُ البيئة َالتي يَظهَرون فيها،وكما يقتربُ المصباحُ الخامدُ من المصباح المشتعِل فيُضيءُ منه،تقتربُ النفوس العادية ُمن الفرد الممتاز،فتنطوي في مَجالِه وتمشي في آثاره.. ))...

كــــذا كانوا-رضي الله عنهم ورضوه-كما جاءَ وَصْفـُهُم في كُتـُب السِّيَــر..

ومَعَ هذه الحَظوةِ الفريدةِ التي تميز بها الصحابة رضوانُ الله عليهم إلا أن لهم من حظ الطبائع البشرية ما يجعلهم في بعض الأحيان أقربَ للنزعة الثانيةِ منها للأولى...!!

وما كان ذلكَ ليُنقصَ من قدرهم أو يُزري بمكانتهم عند اللهِ ورسولهِ وعامةِ المؤمنين من بعدهم،ولكنَّ ذلكَ إقرارٌ ببشريتهم الطبيعيةِ،حتى نجدَ في طبعهم ذاكَ-نحن الأخلاف-أنساً بالامتداد لهم والانتماءِ لزمرتهم والانضواءِ المطلقِ وراء التأسي بهم حين تتعارضُ النزعتان في نفوسنا،فلربما وجدنا عَزاءً في النهوض من الكَبْوةِ حينَ نعثر لنا على نموذج في مسلكِ الصحابة-رضوان الله عليهم-فيتجدد فينا العزمُ والأمــلُ بالتوبةِ النصوح والإنابة الصادقة والمُضــيِّ من جديدٍ إلى أهدافنا السامية وغاياتِنا العُظــمَــى...

وإليْنا نموذجان حَيَّان-من بين نماذجَ كثيرة-في سِيَرهم الجليلة يُقرِّبان لنا الصورة...

ــ حاطبُ بن أبي بلتعــة رضيَ الله عنه..رجلٌ من أهل السبق والإيمان،وواحدٌ ممن شهدوا بدراً وصحِبوا النبيَّ عليه الصلاة والسلام في المواطن كلها،قامَ بتصرفٍ غريبٍ،أذهلَ الصحبَ الكرام قبيْل فتح مكة بفترةٍ وجيزة،حينما راحَ يُرسلُ بكتابٍ خـَفِيٍّ لقريش-ولأبي سفيان بن حَربٍ تحديداً-يخبرها فيه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلمَ سائرٌ إليهم بجيشه،مع علمه التام أن النبيَّ عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على إخفاء خطة الفتح عن المشركين،ولولاَ أن الله عزوجل كشفَ لنبيِّه أمرَ الكتاب قبل وصوله إلى هدفه في قصةٍ،يمكنُ مراجعتـُها في أي كتاب من كتب المغازي النبوية،لحدثَ ربما ما لايُحمَد عقباه،أو لتغيَّرَ مَسارَ النصر إلى ناحيةٍ أخرى..!!

مع هذا،فقد وجدنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم يعتذرُ لحاطبٍ بفضل السبق له،وراحَ يستشفع له من ماضيه المشرِّف ما يُقيلُ عثرتـَه الشاذة هذه،لقد قال لِـعُمَــرَ-رضي الله عنه-حين رماه بالنفاق،وطلبَ ضربَ عنقه : (( إنه شهِدَ بدراً..وما يُدريكَ لعلَّ اللهَ قد اطـَّلـعَ على أهل بدر،فقال : افعلوا ما شئتم،فقد غفرتُ لكم..؟؟!! ))..فعادَ حاطبُ إلى الصف المؤمن،كأنَّ شيئاً لم يَحدثْ..!!

ــ وسيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه،يقول عقِبَ غزوة أحُدٍ وما حدثَ فيها من ضربةٍ مُوجعَةٍ،مسَّتِ المسلمين،حين خالفَ رماة ُالجبل الخمسون-إلا قليلٌ-وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الثباتِ في مواقعهم،فنزلوا،يتراكضون خلف صفوف العدو لجمع الغنائم..قال : (( والله ما كنا ندري يومَ أحُدٍ أن فينا مَنْ كان يطلبُ الدنيا حتى نزلَ قولـُه تعالى : (( منكمْ مَنْ يريد الدنيا ومنكمْ مَنْ يريد الآخــرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا اللهُ عنكم واللهُ ذو فضل على المؤمنين ))...))..

لقد كانت الآية عتاباً رقيقاً،ممزوجاً بالدرس النافع،إذ حَسْبُ المخطئين ما لحِقـَهُمْ من جراح الهزيمة،وفي الدرس العاجل ما يُذكـِّرُهُمْ بسوءِ ما وقعَ..!!

إذن-أحبتي الأكارم-قد يقعُ تجاذبٌ في كياناتِنا بين تانيْكُمُ النزعتيْن،وقد يحدثُ أن تضعُفَ مناعَة ُالأولى أمامَ ضغط الثانية،فيهبط المؤشرُ قليلاً ولا حيلة..وحتى يرتفع،يجبُ أن نقومَ بدورةِ التفافٍ سريعةٍ،ينضبط معها المَسارُ،ويعودُ المؤشر للارتفاع من جديد،ومن غير أن نقعَ في شرنقةِ الانكفاءِ والقنوط...

فالذي ألِفَ التحليقَ عاليًّا،يستحيلُ-كالنسر السابح في ذرَى الأعالي-أن يرضى بالسفح الهابطِ مُقاماً دائماً...!!!

وتقبلَ الله مني ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال...

yasmeen
05-08-2012, 02:56 AM
لله درك أستاذي الفاضل قد أجزلت وأحسنت وأرحت

هذا حال النفس البشرية

نسأل الله ثبات الدين وحسن الخاتمة






http://2.bp.blogspot.com/-Dfgtb3SXCSg/Te4R1acg5vI/AAAAAAAAAj8/EivJCB_THtI/s1600/white-rose1.jpg

سعاد زايدي
05-08-2012, 10:32 AM
"يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك"
صدقت أخي يزيد صدقت حينما قلت أن أصحابَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام من المهاجرين والأنصار الذينَ صحبوه واقتربوا من حياتِه،قد أتيحَ لهم ما لمْ يُتـَحْ لغيْرهم من منابع الصفاء ووسائل الارتقاء...

* باعوا الدنيا ليشتروا الآخرة فهنيئا لهم العزم والتوكل والنجاح وللتابعين الفتح والسيرة والفلاح ولتابعين التابعين الدعاء والإحسان إلى يوم الدين.

محور الرقيقة يدور حول تغيرات النفس بين الدنيا والأخرة

القلب هو جوهر المسلم ومحور دنياه، كما يستطيع أن يسكنه عرش الرحمان يستطيع أن يكون قلبه عرش للشيطان فتكون حياته بين هذا وذاك بين مد وجزر، فإذا أدرك قلبه معرفة الله وآياته ومحبته وقوته وإرادته أدرك صرف الدنيا وبلوغ الآخرة، أما إذا تعلق قلبه بمطالب الدنيا الفارغة وتشبث بمفاسد الرغبات المتركبة فيها إستبدل خيره بأدناه وبلغ متعة الدنيا وخسر الآخرة. هل العاقل يقبل على نفسه؟

فما عليه إلا مراقبة ذاته ومراجعتها بين الحين والحين فإذا لاحظ عليها مفسدة سارع إلى كل ما هو من شأنه رفع مؤشر الإيمان لديه بإستغفار ....... بالتوبة........بالدعاء ........... بالصدقة ......... بالرفقة الحسنة ..........إلخ

"اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني منك"

ومن مسبباتها في وقتنا الحالي هو:
1-الفراغ الفكري والنفسي – لا وجود لمحفزات أو مقومات التجديد
2-تبذير الوقت – عدم إستغلال الوقت فيما يرضي الله
3-تجميد الفكر - الرضى بالمستوى الذهني الذي هو عليه ولا يطور ذاته
4-لا يخطط لحياته – لا أهداف يسعى لتحقيقها أوتجديدها

كل هذه الأسباب وغيرها تضع المرء في حالة دائرية مغلقة وفارغة تسمح للشيطان أن يدق بابه،
..... من لم يشغل نفسه بالإيمان إنشغلت هي بالشيطان .....

أما إذا إنشغل قلبه بالإيمان وما يترتب عليه من زرع خير والمواصلة نجا

-المهم أن يلقى المرء في نفسه بوادر الخير.
-المهم أن يدرك أن حياته بين جولة وصولة.
-المهم أن يعلم أن قلبه في معترك الرضى والرفض.

والله المستعــــــــــــــــــــان
أخي يزيد صدقني لا تتخيل سعادتي حين قيل لي في معنى الحديث "أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما حَدَثَ الصحابة عن أحبابهِ فقالوا له نحن أحبَابُكَ يا رسول الله فقال لهم لا أنتُمْ أَصحَابِي أحبابي اللذين يحبونني دون أن يروني" من يدري فربما بمحبتنا له ننجى................

اللهم أرزقنا حبه شفاعته يوم نلقاك

تقبل الله صلاة وصيام الجميع.

يزيد فاضلي
05-08-2012, 02:57 PM
...مرورٌ عَبـِـقٌ رفيفٌ كريمٌ-أختي الكريمة ياسَمِين-وتوقيعٌ جميلٌ يعكسُ في أرجاء رقيقتي شميمَ الأرَج الذي تتضوَّعُ به زهَراتُ الياسمين البيضاء النقية...

ممنونٌ لكِ أختي...وشكَرَ اللهُ لكِ هذه الوردة البيضاء البديعة...وتقبل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ...

يزيد فاضلي
05-08-2012, 03:08 PM
...هو ما قلتِ وأضفتِ بالضبط أختي البديعة القديرة سعاد...

فإن (( القلوبَ بين إصبعيْن من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء ))..وثباتُ القلب على الحق والمبادئ مرهونٌ بمَدى شحنة الإيمان التي تغذي مشاعرَه وعواطفـَه الخبيئة،وإلا فإن هذه المضغة الحمراء الصغيرة لا تثبتُ على حال إلا وتتقلبُ بعدَه في حال آخر..ولعلَّ هذا هو المعنى اللطيف الذي كشف عنه الشاعرُ حينما قال :

ما سُمِّيَ الإنسانُ إلا لنسْيهِ ** ولا القلبُ إلا لأنه يتقلبُ..!!

اللهَ نسألُ الثباتَ على دينه ما حييْنا...

رائعةٌ أنتِ دائماً-ست سعاد-في إسهاماتكِ وإضافاتِكِ النيرة..زادَكِ اللهُ معرفة ًَونوراً ويَقيناً...ودمتِ لنا ذخراً وذخيرة...وصيام مقبولٌ إن شاء الله...