المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقائــق القلبِ في رمضان..( 19 )


يزيد فاضلي
07-08-2012, 02:51 PM
رقائــق القلبِ في رمضان..( 19 )

إخوتي الكرام الأحبة...

تذوي بنا أيامُ رمضان المباركات،ونحن قابَ قوسيْن أو أدنى من أواخره العشر الكريمة،إذ-بإذن الله-تبدأ نفحاتـُها الرفيفة من غبَش هذه الليلة الوارفة..

تذوي بنا..وتذوي أعمارُنا معها أيضاً...

أحياناً-أحبتي-تقتضي مني الظروفُ أن أسافرَ منتقلاً،من مكانٍ لمكان،أو من مدينةٍ لأخرى-بحكم التزاماتِ عملي أو دراستي أو أي شأن من الشؤون-فأستقلُّ سيارة ًأو حافلة َنقل جماعية...

إن الحافلة َتنطلقُ بنا من محطةِ الانطلاق وقد غصتْ مقاعدُها بالمسافرين..

ولطالما نظرتُ إلى المَقعَدِ الذي احتواني،فأشعُــرُ بالفعل أني-بالنسبةِ إليه-عابرُ سبيلٍ لاغيْرَ،وأنني بعد أن أغادرَهُ وأنزلُ،سيأتي من بعدي مَنْ يَحتله ويحتويه إلى حيــن...

ثم إن الحافلة،وهي في طريقها لمحطةِ الوصول ؛ ما أكثرَ ما تتوقفُ في خط سيْرها لينزلَ ناسٌ في نصف الطريق،أو في رُبُعِه أو في ثـُمُنِه..ويبقى الحالُ هكذا إلى أن يصلَ جميعُـنا-طالَ الوقتُ أو قـَصـُــرَ- للنقطةِ النهائية حيث ينبغي علينا النزولُ جميعاً والمغادرة..!!

ألستمْ معي-أحبتي-أن دنيانا هذه التي تحتوينا إلى حِينٍ،تـُشبه إلى حدٍّ بعيدٍ حالة َهذه الحافلةِ ووضعَهَا وطبيعَــة َوظيفتِها..؟؟!!

إن الشعورَ بالاستقرار الدائم فيها بلاهَــة ٌتنخدعُ لها أنفسُنا في لحظةِ تمويهٍ بسراب الخلود..!!

في رحلة التكثير والتناسل،تتدفقُ أجيالٌ بشرية ٌ على شكل أمواج متلاحقةٍ،يَتبَعُ بَعْضـُها أثرَ بعض،حتى إذا استوفتْ أرزاقـَـهَا من آجالها،أدركها الاندراسُ والفناءُ..

وقبلَ أن يرحلَ الجيلُ السابقُ،ويُسحَبُ من دار الفناء،وَيُلفُّ في الأكفان ويُوَارى الثرى،ينبتُ جيلٌ آخــرُ يستأنفُ ذاتَ المشهدِ ويقومُ بالدور نفسِــهِ..!!

تلكَ هي-أحبتي-باختصار قصة الحياة الدنيا التي وصفها القرآن الكريم بأنها (( مَتاعٌ قليلٌ ))..!!

ولئِنْ كانتِ الحياة الفانية على ظهر الأرض بهذه المثابة،فلا ريْبَ أن الحياة الباقية َالتي تـَليهَا هي الغاية المُثــلى والأملُ الحقيقي المُرتـَــجَــى..(( وإنَّ الدارَ الآخــرة لهيَ الحيوانُ لو كانوا يعلمون ))..

ويُعجبني قولُ أبي العَــلاء :

خـُلِقَ الناسُ للبقاء فضلـَّتْ ** أمَّــة ٌ،يحْــــسَبُونهمْ للنفادِ
إنما يُنقلونَ من دار أعمَــــــــــال إلى دار شِقـْــوَةٍ أو رشادِ..!!

ــ مِنْ أروع قصَصِ الرقائق التي وصلتْ إلينا عن حقيقةِ هذه الحياة الدنيا ؛ ما وردَ في كتاب ( الزهــد ) للإمام عبد الله بن المبارك-رحمه الله تعالى-من أن أحدَ تلامذةِ العلم-في البصرة-أكبَرَ في شيْخه الجليل-وقد كان ثريًّا،ميْسورَ الحال-زهدَهُ في ماله الذي وقـَّفـَه كلـَّـهُ في سبيل الله تعالى..ومِنْ أنه بذلكَ أثبتَ للدنيا زهادَتـَه فيها..

ولكنَّ الشيْخَ الورعَ قال له : يا بُني..واللهِ ما زهدتُ إلا في حفنةٍ من تراب..!!

قال التلميذ مستغرباً : كيفَ يا شيْخي..؟؟!!!

فقال الشيخ : (( إن اللهَ تعالى سَــمَّــى هذه الدنيا-ببَرِّها وبَحْرها،وما فيهما من نفائسَ وقناطير مقنطرةٍ ونِعَم غزيرة-سَمَّاهَا (( متاعٌ قليلٌ ))..فكَمْ يا تـُرَى ملكتُ من هذا القليل..؟؟!! وكمْ يا تـُرَى زَهِدْتُ في ما ملكتُ..؟؟!!! ))...

ويا لها من إجابةٍ جليلة..!!!

فاللهم لا تجعل الدنيا أكبرَ هَمِّنا ولا مَبلغَ علمنا..اجعلـْها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا...

وتقبل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال...

ضي
08-08-2012, 09:33 AM
أخي يزيد فاضلي ما زلنا نتتبع جمال هذه الرقائق
فعلا ان الدنيا دار زوال ..
اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ...
بارك الله فيك اخوي يزيد..
اشكرك ع المجهود الذي تقوم به هنا...
في ميزان حسناتك يارب..

سعاد زايدي
08-08-2012, 02:14 PM
أخي يزيد جزاك الله عنا كل خير بهذه الرقيقة نكون قد وصلنا إلى ما لا مكان له، مرة في القلب ومرة بين اليدين مرة نُصْبَ العين تتحرك ومرة لا ندري أين..............؟
ما إستقر فيها الحال وما ثبت تحمل بين أطنابها كل المتناقضات التي خلقها ربي في الإنسان.

كتبت فجزيت
وصفت فأحسنت
واخترت فأصبت

وهي ليست أكثر من رحلة معبرية تأخذ العبد من محطة إلى محطة فيها من البدايات ما يشبه الصرخة الأولى عند الولادة ومن النهايات ما ينقسم بين التبشير وتنذير. وبين هذا وذاك يعيش المرء وله من رؤيا العين ما يوازنه مؤشر الإيمان لديه فإن أراد أصرف وأدبر وإن أراد أمسك وتجبر
وهل للعاقل أن يمسك بجناح بعوضة كي يحتمي وتكون الدرع الواقي له.

قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"

معنى هذا الحديث أن الدنيا مهما عظم نعيمها وطابت أيامها وزهت مساكنها فإنها للمؤمن بمنزلة السجن لأن المؤمن يتطلع إلى نعيم أفضل ودائم في جنة يوم الأخر أما بالنسبة للكافر فإنها جنته لأنه ينعم فيها وينسى الآخرة ويكون كما قال الله تعالى فيهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُم) والكافر إذا مات لم يجد أمامه إلا النار والعياذ بالله ولهذا وحتى إذا كانت دنيا الكافر على ما فيها من تعب وشقاء وهَمْ وغَم كانت بالنسبة له جنة لأنه ينتقل منها إلى عذاب إلى عذاب النار.

ويذكر عن ابن حجر العسقلاني رحمه الله صاحب فتح الباري وكان هو قاضي قضاة مصر في وقته كان يمر بالسوق على العربة في موكب فاستوقفه ذات يوم رجل من اليهود وقال له إن نبيكم يقول إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وكيف ذلك وأنت في هذا الترف والاحتفاء وهو يعني نفسه اليهودي في غاية ما يكون من الفقر والذل فكيف ذلك فقال له ابن حجر رحمه الله أنا وإن كنت كما ترى من الإحتفاء والخدم فهو بالنسبة لي بما يحصل للمؤمن من نعيم الجنة كالسجن وأنت بما أنت فيه من هذا الفقر والذل بالنسبة لما يلقاه الكافر في النار بمنزلة الجنة فأعجب اليهودي هذا الكلام وشهد شهادة الحق قال أشهد أن لا إله ألا الله وأشهد أن محمداً رسول الله نعم.

وعلي كرم الله وجهه حين سئل عن الدنيا فقال " ما أصف من دار أولها عناء وأخرها فناء، حلالها حساب وحرامها عذاب، من إستغنى فيها فتن ومن أفتقر فيها حزن"

وما هذا القول إلا جامع ومانع في وصفها أولها عناء أي من الشقاء الذي يمر عليه العبد منذ الولادة إلى أن يدرك مفاتنها، وأخرها فناء لأنه "كل نفس ضائقة الموت"، حلالها حساب أي يحتسب المؤمن دوما نفسه أن يقع في المعصية، وحرامها عذاب أي من إرتكب المعصية وهو عالم فمآله العذاب "زلة العالم لا تغتفر"، من إستغنى فيها فتن أي من كثر ماله سهلت عنده مفاتن المال خاصة وأن المال يجلب الجاه والتجبر، ومن إفتقر فيها حزن أي من نقص ماله حرم من متعة العيش عجز عن تحقيق ما يرغب فيحزن لذلك . والله اعلم

المختصر فيما أقول والحديث عنها يطول: فإن أَمَنْتَهَا غدرتك.

اللهم أسترنا في دنيانا فلا نكون بحاجة فيها إلا لك

اللهم أجرنا منها ولا تجعلها أكبر همنا

تقبل الله صيام وقيام الجميع

يزيد فاضلي
08-08-2012, 02:51 PM
...سرني-أختي البديعة أسيرة البدر-أن ينزلَ حِلُّ ترحالِكِ برقائقي هذه..وإنه لشرَفٌ لي أن تمُرَّ أختٌ كريمة مثلكِ عليها لتتركَ لي فيها أثراً جميلاً من توقيعٍ أجمل...

بوركَ فيكِ-سيدتي-واللهَ تعالى أسألُ أن يَجعلنا في هذه الرقائق ممن يستمعون القولَ فيتبعونَ أحسنه...

ورمضان كريم...ودمتِ لنا...

يزيد فاضلي
08-08-2012, 03:11 PM
...أجدُ في نفسي دائماً توْقاً وشوقاً إلى إضافاتِكِ الذهبية الجميلة-أختي البديعة سعاد-التي غدتْ لرقائقي القليلة زاداً وريًّا،وأصبحتْ لازمة ًلها،لا مندوحة لي في وجودها ولا مَناصَ للرقيقةِ-حتى يكتملَ نقصُها وتستوفي نصابَها-من تعليقٍ أو إضافةٍ من البديعة سعاد زايدي...

ها أنتِ تضيفينَ-ست سعاد-فنجني وإياكِ من الإضافةِ قِطفاً دانيًّا،يتجددُ به إيمانُ المرءِ وتتأكدُ لديهِ أفكارٌ ومعلوماتٌ حول حقيقةِ هذه الحياة الدنيا باعتبارها جسْرَ عبورٍ إلى مُستقـَرِّ البقاء والخلود الأبدي...

وقد توقفتُ مليًّا-في عِظةٍ واستعبارٍ-أمام موقف الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ( صاحب الفتح ) وحواره الحِجاجي مع ذلك اليهودي،وكيف وضعَ له النقاط الصحيحة على الحروف الصحيحة في فلسفةِ الفقر والغِنى وعِلاقتِهما بمصير الإنسان المؤمن والكافر بالجنة والنار...

وتلكَ-وايْمُ اللهِ-هي نظرة الإسلام المتوازنة في تزهيدِ أتباعهِ لحطام الحياة الدنيا وزهرتِها وزخرفها من غيْر أن يكونَ هذا الزهدُ سلبيا أو حرماناً غيْر مشروع على حساب الآخرةِ نفسِها..!!! لأن دنيا المؤمن في يَدِهِ،يجعلها ممرًّا ومعبَراً للوصول إلى غايته العظمى هناك في عَرَصاتِ القيامة...

وفيْتِ فاستوفيْتِ-أختي البديعة-وتحيتي الدائمة لقلمِكِ وفكرِكِ المِعطاء..وتقبل الله مني ومنكم الصيامَ وصالحَ القـُـرُباتِ والأعمال...

سالم الوشاحي
08-08-2012, 03:17 PM
أخي العزيز يزيد فاضلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما أجملها من رقائق تلك التي خطتها أناملك

عن الزهد ...

جعله في ميزان حسناتك

بارك الله فيك أستاذنا الكريم يزيد.

yasmeen
08-08-2012, 03:28 PM
استاذ يزيد فاضلي جزاك الله خيرا على مشاركتنا هذه الومضات المشرقة


اللهم لا تجعل الدنيا أكبرَ هَمِّنا ولا مَبلغَ علمنا..اجعلـْها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا

يزيد فاضلي
08-08-2012, 03:29 PM
...وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..وأهلاً بكَ أستاذنا الكريم البديع سالم الوشاحي..ومرحباً بتوقيعِكَ الجميل الذي أضاءَ رقيقتي وأنارَ فيها الأحرفَ والكلمات...

جزاكَ الله تعالى ألف خير على ثنائكَ المُخلِص..وعَشمي فيكَ-أخي الحبيب-أن لا تنسَنا من خالِص دعائكَ ومناجاتِكَ،فإن دعاء الأخ لأخيه على ظهر الغيب في هذه الأيام المباركات من أثقل القربَاتِ في الموازين...وتقبل الله مني ومنكم الصيامَ والقيام...

شكراً جزيلاً...

يزيد فاضلي
08-08-2012, 03:38 PM
...وجوزيتِ أنتِ ألفَ خيْر-أختي الكريمة البديعة ياسمين-على كَرَم المرور وجمال التوقيع وخالصِ الدعاء...

نسألُ اللهَ تعالى أن يَرزقنا القـَبُولَ في ما نكتب ونقدم وأن يُقاسِمَنا الأجرَ فيه جميعاً،وأن لا يَجعلَ حظ أنفسنا منه إلا قدْر ما يُدَّخـَرُ لنا من ذلك الأجر يوْمَ اللقاء الأخير...

شكراً..شكراً جزيلاً سيدتي الكريمة...