المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تستضيفه "العمانية للكتّاب" "الثقافة في قبضة المال" محاضرة للكاتب اللبناني عيسى مخلوف


فاطمه القمشوعيه
03-10-2012, 01:08 PM
السلطنة:

تستضيف الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء السبت المقبل الشاعر والكاتب اللبناني عيسى مخلوف، وذلك بمقر الجمعية بالموالح، حيث ستتمحور المحاضرة حول تحولات المشهد الثقافي الراهن في العالم، وفي عالمنا العربي بالطبع، وذلك من خلال رصد علاقة الثقافة بالمال، وتحويل النتاج الإبداعي إلى سلعة تخضع لعملية البيع والشراء كأيّ سلعة كانت. تساهم في هذه العملية التقنيات الجديدة ووسائل الاتصال الحديثة وفي مقدّمتها التلفزيون، وهناك مجالات إبداعية كانت أساسية في الثقافة الإنسانية طوال مئات السنين، وفي مقدمتها الشعر والمسرح والفلسفة، وأضحت اليوم في موقع الهامش؛ لأنها غير قابلة للتسليع ولا يمكن إخضاعها لمعادلة العرض والطلب، إنها العولمة الاقتصادية التي من أجلها يتمّ توظيف كلّ شيء ليس فقط الآداب والعلوم والفنون، الفكر والاجتماع، الأخلاق والتكنولوجيا المتطوّرة، وإنما أيضاً البيئة والطبيعة، المناخ والصحّة العامّة، بل وحياة الإنسان نفسها على الأرض، فإذا كان العالم يتغيّر ومعه يتغيّر المعنى الثقافي، فكيف تطالعنا آثار هذا التغيُّر في التعبير الإبداعي بأشكاله المتنوّعة؟ ما انعكاساته على العالم العربي الذي يعيش الآن فترة مخاض صعبة ولحظة تحوّل تاريخية ؟ هل يكفي الاقتصاد وحده لتحقيق النموّ والتقدّم، وهل يستقيم التقدم التقني والتكنولوجي فعلاً بدون تقدّم على المستويات الإنسانية والمعرفية والجمالية؟

وعيسى مخلوف، كاتب وشاعر لبناني مقيم في باريس، درس في جامعة "السوربون" وحاز منها على شهادة الدكتوراة في الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية.

وهو يعيش على مفترق بين الثقافات المختلفة. له مؤلفات عدة في الأدب (شعراً ونثراً)، وفي البحث (تفاحة الفردوس/ تساؤلات حول الثقافة المعاصرة). وقد نقل إلى العربيّة الكثير من النصوص الأدبيّة والفكريّة من اللغتين الفرنسيّة والإسبانية، ومنها مسرحية "مهاجر بريسبان" لجورج شحادة والتي تمّ تقديمها في "مهرجانات بعلبك الدولية"، صيف 2004.

كما سبق له أن ترجم نصوصاً للعديد من كتّاب أمريكا اللاتينية ومن بينهم الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخس، ويعتبر من أوائل من ترجم لبورخس إلى العربية ويعمل حالياً مديراً للأخبار في "إذاعة الشرق" في باريس، وكان قد أشرف على القسم الثقافي في مجلّة "اليوم السابع" التي كانت تصدر في العاصمة الفرنسية، كما عمل مستشاراً خاصاً للشؤون الثقافية والاجتماعية في منظمة الأمم المتحدة، في إطار الدورة الحادية والستين للجمعية العامة (2006 - 2007).

من مؤلفاته: "نجمة أمام الموت أبطأتْ"، "عزلة الذهب"، "عين السراب" وكتاب "رسالة إلى الأختَين" الذي حاز على جائزة ماكس جاكوب الفرنسية العام 2009.

وأيضا من مؤلّفاته أيضاً مسرحية "قدّام باب السفارة" بالاشتراك مع نضال الأشقر، وقد تمّ تقديمها في بيروت وبعض العواصم العربية والغربية، ومسرحية "شروق" التي ستُقدّم الصيف المقبل. ويصدر له في بيروت، هذا الشهر، كتاب جديد بعنوان "مدينة في السماء". وقد نُقلَت بعض كتبه إلى لغات عدّة.

وقد نالت مؤلفاته الكثير من الاهتمام والقراءة والمناقشة يقول الشاعر السوري أدونيس عن كتابه "تفاحة الفردوس" الصادر العام 2006 إنه "كتاب جدير بالقراءة، المسألة التي أثرتها منذ سنوات في كتابي «الصوفية والسوريالية» (دار الساقي)، حول العلاقة بين رامبو والصوفية. وليس وحده مَن ناقش أو يناقش هذه المسألة. غير أنه الأكثر معرفة وموضوعية وترصُّناً. لذلك أجدني فرحاً بنقاشه، وبالحوار معه.

ويسرّني أن أعود، لمناسبة هذا الكتاب، لكي أوضح من جديد ما كنت أوضحته أكثر من مرة. منذ البداية، شدّدت في مقدمة «الصوفية والسوريالية» على أنني أفصل كلياً بين الصوفية مُعتقداً، والصوفية منهجاً في المعرفة والكتابة، وفي العلاقة بالعالم. الإيمان شيء، والمنهج شيء آخر. فليس الذين يتخذون العقلانية منهجاً، على سبيل المثال، يؤمنون جميعاً بمعتقد واحد. وابن رشد هو أوّل من نبّه في الفكر العربي إلى ضرورة هذا الفصل. ولئن كان رامبو يشترك مع النفري، كمثل آخر، في خصائص رؤيوية وتجربيّة وكتابية كثيرة، فإن ذلك لا يعني أن رامبو أصبح صوفياً، أو أن النفري أصبح رامبوياً.

مع ذلك ظل الجميع يناقشون هذه المسألة، كما لو أنني أقول إن رامبو صوفي، معتقداً. وهذا ما لم أقله قطعاً، ويستحيل أن أقوله.

وقال عبده وازن عن كتابه "رسالة إلى الأختين" الصادر عن دار "النهار" (بيروت)، ليس هو بالرواية التي تتوسّل فن المراسلة على عادة روايات كثيرة، وليس هو أيضاً ديواناً شعرياً يعتمد تقنية الرسالة على غرار ما فعل بعض الشعراء قديماً وحديثاً. قد يكون هذا الكتاب بحسب ما يوحي عنوانه مجموعة نصوص اتخذت ظاهراً طابع الرسالة كي تتمكن من الجمع بين تلقائية الكتابة الحرّة و"موضوعية" الرسالة بصفتها نصّاً موجّهاً من كاتب (مرسل) إلى قارئ (مرسل إليه)، على أنّ القارئ هنا قد يكون قارئ الرسالة تحديداً (امرأة بلا اسم) والقارئ في المعنى الشائع وهو قارئ الكتاب أياً كان. إنّها إذاً لعبة مرايا خصوصاً عندما يبدو الكاتب - المرسل أشبه بالراوي الذي يستعيد أجزاء من ماضٍ غراميّ سارداً إياها للعشيقة التي من المفترض أن تمثل "المرسل اليـ(هـ)ا". لا يفتأ الراوي يذكّر العشيقة (التي كانت) بما جمع بينهما طوال علاقتهما وكأنه لا يكتب الرسائل إلا ليكتب ذاته معيداً اكتشافها على ضوء العلاقة تلك. لكنّ اللافت أن الرسالة التي يكتبها لا تلتزم مبدأ "الموضوعية" الذي تفترضه كتابة الرسائل عادة، بل هو يكسر هذا المبدأ جاعلاً مادة الرسالة ذاتية بامتياز. إنها رسالة ونصّ في آن واحد، رسالة في معنى مخاطبتها الآخر (الذي هو العشيقة) ونصّ في كونه كتابة تجمع بين التداعي والتذكّر والتعبير الحر والتأمل والتوهّم والتوجّه الشعري.

كما كتب أحمد أبو دهمان "في عين السراب أو "سرابات" تقرأ في عيسى مخلوف لبنان الإنسان، لبنان المسافر في اللغات، في الشعر، في الموسيقى، في مجمل الفنون وفي تعددية الكون والتاريخ تقرأ كل الديانات السماوية وما قبلها وما بعدها، تقرأ جلجامش وألف ليلة وليلة، تبتدئ بصاحبه ودليله الأرجنتيني الأعمى بورخس وتنتهي بأم عيسى، وفي صحبة هؤلاء الثلاثة ترى ما لا يرى وتسمع ما لم تسمع من قبل. تقرأ شعراء تعرفهم ولا تعرفهم، تسمع الموسيقى التي سمعتها سلفاً وكأنك لم تسمعها من قبل؛ لأنها هذه المرة مليئة بألوان لبنان وجباله التي لم يرها أحد قبل هذا النص.

بينما كتب صلاح ستيتيه عن (عين السراب) "هل للسراب عين ؟ للسراب مركز، بالتأكيد. وفي كل مركز، ثمة عين فعلاً. عين تنفتح في اندهاش على أشياء هذا العالم وعلى حدس النفس. تراقب وترى، ولو من طريق الحلم، ما يجري وما لا يجري. عين تنغلق على نورها الداخلي. عين على شفير أن تتكوّن فيها، أحياناً، دمعة: دمعة الانفعال المفتون. دمعة الألم المتمالك والمكتوم. الألم على ما كان، أو ما ضاع في صورة نهائية.

كل ذلك يطالعنا في كتاب عيسى مخلوف، هذا الكتاب الصافي والذي يثير الرعشة في النفس. إنه كتاب الساعات على غرار كتب الصلوات القديمة. كتاب اللحظات الضائعة لكن المضمومة والمستعادة، برهة قبل غيابها، من خلال الكتابة - هذه الكتابة العذبة والنضرة كماء نبع تظلّله، هنا وهناك، خضرة تتمايل فوقه.

يوميات سَفَر، وهو سَفَر سري كأنه معاينة دقيقة للوضع الذهني والنفسي لرجل، لكاتب يتساءل بعدما وصل إلى منتصف العمر: مَن أنا ؟ ما العالم ؟ ما الحياة والموت ؟ ما الارض ؟ ما هذا الحب المبلل بمطر حنون ؟ وما هذه الألوهة الحاضرة في أعماق النفس، تضيء قليلاً هذه الخسارة الخطرة والمكتسية طابعاً كونياً ؟ وهي تأخذنا في سباقها الغريب نحو العدم، نحو ما قد لا يكون عدماً.
كتاب عيسى مخلوف هو كل ذلك في آن واحد. جبران خليل جبران كان وقع في عشق هذا الكتاب، وكذلك خورخي لويس بورخس.

كاتبان يعرفهما كاتبنا تمام المعرفة إن الآداب العربية المعاصرة التي هي في الغالب نتيجة تصعيد ثقافي أو عاطفي، تفتقد هذا النوع من الكتابة الداخلية الحميمة، المؤلفة من ضوء وظل متداخلين، حيث الشغف يقال في صوت خفيض، وحيث نتقدم مع من نبوح له وهو القارئ ذاته، يكتب عيسى مخلوف ليقرّ لنا بأن سر العالم، في ما وراء الاندهاش والفتنة، قد لا يكون إلاّ صورة للكآبة. يكتب ليجعل كل قارئ من قرّائه قريباً له وصديقاً