المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموسيقار ياسر عبد الرحمن يحاور بـ"كمانه" أوركسترا بودابست السيمفونية في دار الأوبرا


سالم الوشاحي
05-12-2012, 07:01 AM
السلطنة:-

تطل دار الأوبرا السلطانية مسقط على جمهورها مساء الغد، عبر نافذة من الأرابيسك العربي الأصيل، التي ينحتها الموسيقار المعروف ياسر عبد الرحمن بأنامله الذهبية، بمصاحبة أوركسترا بودابست السيمفونية في ليلة يذوب الشرق فيها سحرا على أنغام القانون والعود والربابة، مع كل دقة قلب ينبض بها أوركسترا بودابست السيمفونية شموخا وعنفوانا.
هي ليلة الفنان ياسر عبد الرحمن، الملحن والمؤلف الموسيقي المصري، ابن الأديب الراحل عبد الرحمن فهمى، الذي تلقي تعليمه بمعهد الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، وحصل على شهادة البكالوريوس في الموسيقى بتقدير (امتياز) عام1983، وقررت إدارة المعهد تعيينه معيدا لآلة الكمان، وحصل على درجة الدكتوراه في التأليف الموسيقي من ألمانيا.
بدأت موهبة التأليف الموسيقي في الظهور عند ياسر عبد الرحمن في منتصف الثمانينات، وقام بعدة محاولات جادة في هذا المجال، إلى جانب تمسكه الشديد بالآلة كعازف محترف، ولم يفترق عنها حتى وقتنا هذا، ثم بدأ ظهور أول عمل فني له كمؤلف موسيقي عام 1989، حيث قام بوضع الموسيقى التصويرية لفيلم (الإمبراطور) التي نال عنها جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لأحسن موسيقى تصويرية، بعدها ترشح لمسلسل (الوسية) ثم (السقوط في بئر سبع) حتي مسلسل (المال والبنون) الذي كان بمثابة الشرارة الحقيقة لانطلاقه، وبدأ اسمه يلمع بين الأوساط الفنية. تم تكريمه عام 2005 من مهرجان الموسيقى العربية ليصبح أصغر مكرم في تاريخ المهرجان باعتباره رمزا من رموز الموسيقى في مصر. بعدها انهالت عليه الجوائز لأحسن موسيقى تصويرية في المهرجانات العربية والدولية ،،
حينما داعبت أنامله أوتار الكمان ..
كان اللقاء في فندق الإنتركونتيننتال، حيث نظمت دار الأوبرا السلطانية مسقط، لقاء صحفيا مع مجموعة من صحفيي الجرائد المحلية صباح أمس مع الفنان ياسر عبدالرحمن، تطرق اللقاء ودارت أسئلة الحضور حول أمسية الغد، معرجة على مشواره الفني، منذ أن داعبت أنامله أوتار كمان والده، فإلى تفاصيله ..
* كونك عاصرت عمالقة الموسيقى، عبدالوهاب والموجي والطويل، وعاصرت أيضا موسيقيي اليوم وفنانيهم، يعتبرك النقاد جسرا للتواصل بين الجيلين، فكيف ترى إبداع كل جيل على حدة ؟
** لكل زمن رجاله، فمن ناحية جيل العمالقة، لا أستطيع أن أقارن بينهم وبين الأجيال الأخرى المتعاقبة، لأن المقارنة ستكون ظلما للطرفين، فالأوائل هم جيل الرواد، ومن لم يعش هذه الفترة فهو ليس محظوظا على الإطلاق، وأنا شاهدت هؤلاء العملاقة منذ أن كنت صبيا صغيرا، ولا أستطيع أن أصف لك الجو الفني الذي كانوا يعملون من خلاله، هؤلاء اعتمدوا على موهبتهم الفطرية والدراسة المتأنية، أما جيل اليوم فعاش التكنولوجيا التي أصبحت طابعا يغلب على الكثير من الفنون.
* .. وهل أفادت هذه التكنولوجيا الفن، أم أنها أضرت به ؟
** لا أستطيع أن أقول إن فائدتها مطلقة، وضررها أيضا مطلق، ولكنها أفادت في حالات، وأضرت في حالات أخرى، وهذا يعود إلى الشخصية التي تستخدم هذه التكنولوجيا، فهناك من يعرف كيف يستخدمها وفي أي الحالات، وهناك آخرون يستخدمونها لأنهم ليست لديهم أي خلفية ثقافية فنية موسيقية، ولم يسبق أن درسوا الموسيقى من قبل، ولديهم قصور في هذا الجانب. وفي المقابل نجد أجيالا لم تستطع مجاراة الطفرة التكنولوجية الهائلة التي نعيشها، فتحرم نفسها منها وتضيع عليها فرصة اللحاق بالآخر، ولذا نجد أن الغالبية من موسيقى اليوم تشبه بعضها؛ لأنها تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، دون أن تكون لديها خلفية موسيقية درستها في أحد المعاهد الموسيقية، أو على يد أحد الموسيقيين، لذا نجد البعض يحضر مكتبات أصوات كاملة، ويجعلونها خلفية موسيقية لإحدى الأغنيات، عن طريق تقطيعها بطريقة تتلاءم مع الكلمات المغناة، فمثلما تكون المقارنة صعبة بين الأجيال، فمن الصعب أن تحدد أن التكنولوجيا تفيد الموسيقى أو تضر بها.
* الكثير شبه موسيقاك بموسيقى عبدالوهاب، وحفلك بدار الأوبرا السلطانية مسقط، ستكون عبارة عن مزج ما هو شرقي بما هو غربي من خلال المؤلفات والمعزوفات الموسيقية، أريد أن أعرف الكثير عن هذا الحفل وكيف تم الإعداد له ؟
** لو عدنا للشق الأول من السؤال أجيبك مسرعا، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أقارن نفسي أو أحد يقارنني بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وهو شرف طبعا لا أستحقه. أما عن حفل دار الأوبرا السلطانية مسقط، فإنني أحاول أن أعمل مزجا بين دراستي للموسيقى الكلاسيكية العربية، بأن أمزج بين الآلات الشعبية كالمزمار والربابة، ولي حظ كبير في كيفية التعامل مع هذه الآلات، وهو ما أعتبره حالة خاصة جدا، وهي كيفية التعامل مع عازف لا يقرأ النوتة الموسيقية ولا يتعامل معها، وأن أدمج هذه الآلات مع الأوركسترا كاملا، وقد قدمت أعمالا أدخلت فيها هذه الآلات مع الآلات الغربية مثل مسلسل الضوء الشارد وموعد مع الوحوش.
معي عازفون على أعلى مستوى من مصر في الجيتار والبيانو والدرامز، وسأقدم مجموعة كبيرة من مؤلفاتي الموسيقية وهي عبارة عن أحد عشر عملا موسيقيا، مثل : فارس بلا جواد، الإمبراطور، التوأم، الضوء الشارد، أيام السادات، ملاكي إسكندرية، موعد مع الوحوش، ناصر 56، هي فوضى، ليلة البيبي دول، المال والبنون.
* دائما ما يعرف الجمهور المغني أكثر من معرفتهم بالموسيقي أو مؤلف كلمات الأغنية، فهل ترى أن الموسيقي في العالم العربي مظلوم في هذا الجانب ؟
** هذه القضية نسبية، وتحددها ثقافة الشعوب، وهي متباينة أيضا، فبعض الشعوب تسمع الموسيقى عن طريق الغناء، وهناك من الشعوب لديها من الثقافة ما هو أوسع وأشمل من ذلك، بحيث تكون الموسيقى مستقلة بذاتها كفن من الفنون، غير مرتبط بالغناء، ولكنني أرى أن هذه الثقافات اختلفت بسبب وجود الكمبيوتر والإنترنت والوسائل السمعية وسائل الاطلاع الحديثة، لذا نجد الأجيال الحديثة تسمع الموسيقى الأجنبية بشكل مكثف، ومن خلال هذه المؤلفات الموسيقية، بدأ اسم الملحن والمؤلف الموسيقي يعلق في أذهان الكثيرين.
* يعتبر التباين والاختلاف بين الأشياء والأجيال سنة من سنن الكون، ويبدو أن قدرك دائما ما يجعلك حالة خاصة بين هذه الأجيال، وإن كان المتذوق لموسيقاك عرفك جسرا للتواصل بين هذه الأجيال الموسيقية، فإنه يراك الآن وأنت تدير حالة خاصة من التناغم بين الآلات الشرقية والأوركسترا الغربية، فكيف استطعت أن تقوم بهذا التناغم وكيف تراه ؟
** تتم حالة التناغم عن طريق تقريب وجهات النظر، فالعازف من خلال الأركسترا العالمية تكتب له نوتة موسيقية تعود على قراءتها خلال تقديم معزوفاته أو من خلال المشاركة مع العازفين الآخرين، وبعض الأعمال تحتوي على الربع تون الشرقي، الذي تعودنا على سماعه في موسيقانا الشرقية، فأنا لا أستطيع أن أضعها له في النوتة الموسيقية، لذا ما أقوم به هو التحايل عليها بنغمات أخرى دون أن تضر العمل الموسيقي، ومن غير أن يتغير سياق الجملة، وفي المجمل هي محاولة مني كي أوفق بين ما هو شرقي وما هو غربي عن طريق الاندماج بينهما، وهي في الحقيقة مسألة في غاية الصعوية.
* كثيرا ما تستوقف موسيقى التتر المستمع، فتعلق في ذهنه لفترات طويلة، فهل السبب في ذلك مرده عملية التراكم التي تحدث لدى المستمع من خلال تكرار التترات مع كل عرض للمسلسل، أم ارتباطها بالحكاية الدرامية، أم أن هناك أسبابا أخرى ؟
** أنا بدأت أؤلف موسيقى التترات سنة 1990م، بمسلسل الوسية، وكان التليفزيون المصري به ثلاث قنوات فقط، وكان العمل يعلق في ذهن المشاهد أو المستمع من أول لقطة، هذا إذا كان العمل يستحق، ويظل اسم صاحب العمل ملتصقا في الذاكرة الجماهيرية، ومع انتشار القنوات الفضائية وتعددها، أصبح الموضوع في غاية الصعوبة، لأنه مع هذا الزخم لن يلصق في ذاكرة المستمع أو المشاهد إلا العمل فائق الجودة.
* عندما يسند إليك عمل درامي لتقوم بعمل تتر له، هل هذا يتطلب منك قراءة العمل ككل، أم أنك تكتفي بما تسمعه من المؤلف أو المخرج عن حكاية المسلسل ؟
** كل واحد وله طريقته، فالبعض يكتفي بما يسمعه من المؤلف أو المخرج،
والبعض يقرأ العمل كاملا، وأنا أهتم ببيئة العمل قبل كل شيء، حتى أعرف لغة الخطاب.
* هل لدى ياسر عبدالرحمن طقوس ترتبط بكتابته لمؤلفاته الموسيقية ؟
* الموضوع لا يرتبط بطقوس معينة قدر ارتباطه بالانطباع الذي يتولد لدى الإنسان أيا كان إبداعه، والمسألة مرتبطة أكثر بحالة المبدع والتراكمات التي تتولد لديه، ومقدار ما يختزله من مشاعر، يستدعيها وقت الحاجة.
* هل من عمل موسيقى تعده للدراما العربية يجسد الحالة العربية الراهنة ؟
** أنا عملت فيلم اسمه (ساعة ونص) وعرض على شاشات السينما في وقت قريب، وأنا أرى أن أحداث الفيلم مجتمعة تحدث في الشارع المصري. وطبعا هذا العمل من الأعمال التي اختزلتها الذاكرة لفترات طويلة، لأنها أحداث يعايشها الشارع المصري كل يوم.
* هل فكرت في تقديم عمل موسيقي للأطفال ؟
** لم أقدم عملا مستقلا بذاته للأطفال، ولكني قدمت للأطفال موسيقى أغنية من خلال مسلسل (للعدالة وجوه كثيرة) وقدمه كورال الأطفال المشارك في المسلسل، وكان عملا ناجحا.
* لو عدنا لبدايات الفنان ياسر عبدالرحمن كيف يراها، ولماذا الآلات الوترية تحديدا ؟
** والدي عبدالرحمن فهمي (رحمه الله)، كان كاتبا وأديبا، وكان يقيم في البيت جمعية أدبية أشبه ما تكون بالصالون الأدبي، يجمع فيها كبار الكتاب، أذكر منهم صلاح عبدالصبور، فاروق خورشيد، عبدالغفار مكاوي، وكان هؤلاء الكتاب يقومون بإلقاء إبداعاتهم، ويقوم والدي (رحمه الله) بعزف بعض المقطوعات الموسيقية على آلتي العود والكمان، تصاحب هذا الإلقاء، بما يمكن أن نسميه (موسيقى تصويرية) فأنا وأخوتي نشأنا على حب الكمان وعشقنا العزف عليه، بعدها دخلت المعهد، ثم كانت رحلتي في عالم الموسيقى منذ أن كان عمري خمسة عشر عاما، كانت البداية مع مسلسل (في بيتنا رجل) وكان السيناريو والحوار لوالدي، وقد رشحني والدي لعمل الموسيقى، دون أن يخبرهم بصلته بي، ولم أقف عند هذه التجربة كثيرا، كغيرها من التجارب. بعدها كان اللقاء مع المخرج طارق العريان ووالده المنتج رياض العريان من خلال موسيقى فيلم (الإمبراطور) بعدها توالت الأعمال، وتشكلت من هذا خلال التراكم شخصيتي الفنية التي يعرفني من خلالها الوسط الموسيقي والفني.