المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللباس هُوية..!!


سالم الوشاحي
21-01-2013, 06:50 AM
اللباس هُوية..!!

د. صالح الفهدي

جريدة الوطن


ما يرتديهِ الإنسانُ يعكسُ شخصيته، فبه يقيَّمُ ذوقه، وعليه يُقاسُ خُلُقه، وهو المكوّن للإنطباع الأوّل الذي يبدأ في التشكّلِ عند ظهور المرء، كما تصف ذلك المقولةالشائعة"يستقبلك الناس بثيابك ويودعونك بكلامك" فلا غرابةَ أن يستكشفَ المستقبِل جوهر القادم.
والسائد عند كثيرين أن اللباس ليس إلاّ قطعةَ قماش تسترُ الجسدَ أو تغطي مواطن العورة فيه، وهذه نظرةٌ محدودة، وتفكيرٌ قاصرٌ إذ للباس معنىً أعمق من منظرهِ الخارجي فـ""الثياب في هيئتها ولونها مظهرٌ؛ ولكنَّها في حقيقتها تنمُّ عن جوهر!"1.
وإذ أنظرُ بأسفٍ وأسى إلى الكثيرِ من الشبابِ وهم يرتدون ملابسَ النّومِ في الأسواقِ والمساجدِ والطرقات والمقاهي وغيرها لأقول بأن الوضعَ لو استمرَّ على ما هو عليه فإن "دشداشة النوم" قد تكون ذات يومٍ قريب لباساً وطنيّاً يُرتدى في المناسبات الرسمية وغير الرسمية..!! وإذا كنّا نستهجنُ رؤية العماني وهو يرتدي ثيابَ النّومِ في الأماكنِ العامّة فماذا يقولُ غير العماني وماذا يدور في خلده من انطباعات..!
إن النظرةُ المحدودة هي التي وضعت اللباس موضعاً حقيراً بتصويرهِ على أنه "مجرّد قطعةَ قماشٍ"..! بينما "اللباس يحدِّد الهوية" كما يقول المصمم جان كلود جتروا، والهوية هي التي تعكسُ انتماء الإنسان والإنتماء يعكسُ امتداده التاريخي واعتزازه بوطنه وثقافته وخصوصيته.
وكم أشعرُ بالغيرةِ والإستفزاز الداخلي وأنا أشاهدُ شاباً أو مجموعةً من الشبابِ في المقاهي أو الأسواق أو المساجد أو المراكز والعيادات الصحية أو الطرقات وهم بملابس النوم الملوّنة وكأنّما نهضوا توّاً من فرشهم ومضوا لقضاءِ مصالحهم بحجّة أن ملابس النومِ هي أخفُّ وأسهل ..!! وإن صحّ ذلك فأين هي هيبةُ الرجلِ في مثلِ هذا اللباس؟! وكيف يرى نفسه وهو يرتدي دشداشة نوم مقلّمة بخطوط ملوّنة، أو مقسّمة بمربعات ذات تلاوينَ وأشكال؟!
اللباس له أثرهُ المنعكس على نظرةِ الإنسانِ لشخصه، وعلى كلامه وسلوكه، فمن يرتدي لباسه الوطني يشعرُ بمسؤوليته التي يلقيها المجتمع على كاهله، والعكس صحيح فمن يرتدي ملابس لا تمثّل مجتمعه يشعرُ بأنه لا يحمل إرثاً اجتماعياً وتاريخياً على كاهله ولهذا فإنه قد تخفّف من المسؤولية الإجتماعية والأخلاقية نحو مجتمعه وتاريخه..! واللباس يعكس نظرة الإنسان إلى نفسه، فكل لباس "ليس مجرد قطعة قماش" إذ له أثره النفسي الداخلي على الإنسان، ولينظر الواحد إحساسه وهو يرتدى هذا اللباس أو ذاك وليستشعر الأثر الذي يتركهُ في نفسه.
ولقد رأيتُ في مناسباتٍ مختلفة اعتزاز أفرادٍ ينتمون لشعوب مختلفة بلباسهم القومي التقليدي الذي لبسوه ليعكسوا افتخارهم بتاريخهم وأوطانهم، في حين سمعتُ في إذاعةٍ من إذاعاتنا أن متصلةً عابت على أحدهم في مناسبةٍ من المناسبات عدم ارتدائه الزيَّ الوطني وهو على سدّة التكريم في أحد المحافل، قائلة: كنّا سنسعدُ أكثر لو شاهدناه في زيّه الوطني. يقول أحدهم " ما نلبسه هو انعكاس لشخصياتنا، لمجتمعنا ولتاريخنا" هذه هي الحقيقة شئنا أم أبينا.
أمّا أن يقتصر اللباس عند البعض على أنّه "مجرّد قطعة قماش" فهذا قصورٌ في النظر، وخللٌ في الذوق، فاللباس غطاءُ الحشمة الظاهري، يقول أحدُ الأصدقاء" إني والله لأستحي أن أخرج للسلام على أمي بملابس النّوم" وهي في فناء بيتي..!! وفي المقابل فإن الكثير من الشباب لا يأنفون مواجهة مجتمعٍ بجميع شرائحه بملابس النوم..! لقد سفه البعض النظرةَ إلى نفسه، فسخف بما يلبس وأسقط ما يرتدي ولم ير له من معنى سوى أنه "مجرّد قطعة قماش" يواري بها المرءُ سوءته فلبس ما شفّ وضاق من الملابس، ولم يكترث بما يراه عليه الآخرون. ولكم أشعر بالإمتعاض وأنا أرى رجلاً بملابسِ النوم يتسوّقُ برفقة زوجته، وكأنّهما في مطبخِ منزلهما يتناولان الإفطار..! ولمّا تفشّت هذه الظاهرة داخلياً فاضت نحو الخارج إذ أصبح الكثيرون يعبرون بها الحدود خارج الوطن حتى منعوا لأن الفكرة قد بدأت تصل إلى الآخرين بأننا اتخذنا لباساً موازياً في حلّنا وترحالنا هو لباس النوم..! إنما لم يقض المنعُ على ملابس النوم في الأسواق والمراكز والمستشفيات وغيرها ولهذا فالظاهرةُ ستظل على حالها -إن لم تجد من يوقفها- لحين ظهورِ موضةٍ جديدة..!
أقول بأن الإنسان كلٌّ متكامل بتوافق الجوهر مع المظهر إذ لا بد وأن يُكمِلُ شمائله الفاضلة، وأخلاقه الرفيعة بحسن التأنّق في اللباس، وموائمة الظهور لكل مقام، فلكل لباس مقامه الذي يناسبه و"اللباس أسلوب حياة" كما يقال، أمّا أن يستخف بما يلبس فهو يسيء إلى نفسه قبل إساءته لمجتمعه وتاريخه. وإنني لأتباهى وأشعرُ بالسعادة وأنا أرى شباباً لبسوا أحسن الثيابِ في المقام الذي يتطلّب أن يكونوا عليه بمظهرهم ذاك، لهذا فنظرة الآخرين مبنية على نظرة الإنسان إلى نفسه، فليضع الواحد نفسه في الموضع الذي تستحقه ولا يلوم الناس بعد ذاك إن أجلّوه أو بخسوا من قدره لما ارتدى من لباس..!