المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صورة شعرية


سالم الوشاحي
22-01-2013, 06:23 AM
أفق
صورة شعرية آخر

عثمان حسن جريدة الخليج الإماراتيه


الارتعاشة التي تظلل قصيدة الشاعر، هي بالضرورة من عناصر نجاح هذه القصيدة، وطالما كان الشعر صادراً عن تلك اللحظة الحسية، الجارحة والمباغتة أيضاً، كان شعراً شفيفاً وصادقاً وأبعد ما يكون عن مجرد كونه لعبة لغوية تدور في متاهات لا حصر لها من الغموض والإبهام .



اتجاه الصنعة الشعرية في أواخر العصر العباسي نحو المغالاة في الجناس والتورية والمقابلة والطباق وأجناس المحسنات البديعية كافة، كانت سبباً في دخول الشعر في عصر الانحطاط وتحوله إلى مجرد لعبة لغوية .



ولأن الشعر كان على الدوام معنياً بالإنسان، فقد اقترن بالجمال والبهاء وكل ما هو ساطع ونوراني، وقد اقترب من حدود السخرية السوداء، وهو يتفقد العالم مصدوماً بالهلع، أو لعله كان مأخوذاً بالمفارقة التي تتبدل في تضاريس الكون، كأنها لوحة موسيقية تشكيلية مثل كومة الثلج التي تستثير الشاعر الأمريكي جوزف كالار، وهو يراقب انشقاق السماء بالضحك، ويرصد جوع الرجل المنحني ضد الريح، المرتعش من الجوع الذي يبحث عبثاً عن كسرة خبز، في قصيدته (الآن سيسقط ذلك الثلج) .



شعر كهذا، حاضر لدى لانجستون هيوز وهو يفتش عن شيء من الحب ما بين الولادة والموت، بل هو يستحث الكائن على أن يعثر على هذا الحب ولو بشق الأنفس، سيما أنه محتوم عليه أن يعيش صعوبة الولادة وقساوة الموت .



هو حاضر في قصائد قارىء تاريخ الفن محمد حميدة وهو يفتش بين الأنقاض عن مرئيات شعرية متأملة في الكون والحياة، ينحتها بريشة فنان يلتقط أحاسيس مفارقة من الصخور والأشجار والأنهار والكائنات على خلاف تنوعها . . كقوله مثلاً: “تؤدي الصخور أدوارها، ببراعة ممثلين صامتين، على خشبة مسرح كوني فتقضي سنوات عمرها المديد، ملتحمة مع بعضها بعضاً، في جسد ملتحم، لجبل شاهق، يعيش الحياة متأملاً الطريقة التي يقفز بها، ضفدع ضئيل من مكان، إلى مكان” .



الشعر مخيال فني يفكك العناصر ويعيد بناءها تبعاً لموقف نقدي من الحياة ذاتها، يتبدى في التأويل الذكي، ويلتصق مع وحدة تأملية فلسفية للكون، من دون أن تفقد حقها في ممارسة بناءات هرمية من التفكيك والبناء، تبعاً لقوة رصد الصورة ومحمولها الفكري الرصين .



الشعر صور ومرئيات في كل ما هو واقعي ومتخيل، تشبه مرئيات الشاعر روبرت فروست المتوفى عام 1963 وهو يقارب بين فكرتي فناء العالم سواء بالنار أو الجليد، في قصيدته “النار والجليد” من ترجمة شهاب غانم، حيث يقول: “بعضهم يقول إن العالم سينتهي بالحريق، وبعضهم يقول بالتجلد، ومن خلال ما ذقته من الرغبة، أؤيد الذين يفضلون الحريق، ولكن لو كان العالم سيفنى مرتين فإنني أعرف ما يكفي من الحقد لأقول إن الدمار بالجليد أيضاً أمر جيد ويؤدي الغرض نفسه” .



هي شعريات تنفذ إلى عمق المشهد، وتعيد تفكيكه تبعاً لمهارة حاذقة، ضمن جنس أدبي لعله يكون الأقوى على رصد الحياة .