المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في أمسية لـ قراءة نور وبصيرة «سنوات النّار» توثّق الشتات.. وقيم النضال الوطني


سالم الوشاحي
23-01-2013, 05:12 AM
في أمسية لـ قراءة نور وبصيرة «سنوات النّار» توثّق الشتات.. وقيم النضال الوطني

تغطية: بدريّة العامري:--جريدة عمان



الزبيدي الروائي والإنسان كان حاضِرًا في جلسة الاثنين الّتي نظّمتها مبادرة القراءة نور وبصير، في صالون القراءة الذي استعرض رواية "سنوات النّار" العمل الروائي الجديد لأحمد الزبيدي، كان الزبيدي حاضِرًا بتفاصيل أعماله.
الزبيدي ضالِع في الكثير من التفاصيل التاريخية والسياسية والاجتماعية التي مرّت بها المنطقة، من خلال معايشاته وأسفاره وخبراته، فنجده في عرضه لشخوص عمله الجديد"سنوات النّار" ـ الذي ظلّ لثلاث سنوات حبيس دار الفارابي ـ يتحدّث عن الشتات العُماني والهجرة الجماعية في فترة ما قبل السبعين، حيث دفعت الظروف السائدة خروج العمانيين بالآلاف والمئات إلى الخليج العربي ووصلت هجرتهم إلى أبعد من ذلك بودابست وموسكو.

الرواية توثق في مجملها الوضع البائس الذي عايشه العمانيون في الشتات، من امتهانٍ ومعاناة، كان فيها للشيوخ والقيادات آنذاك دور كبير، مما أصّل دوافع الكفاح الوطني الّتي قاتل لأجلها العمانيّون بضراوة، فسرده يسلّط الضوء على القيم التي انتفض الأفراد لأجلِ تأصيلها، في محاولة لاستعادة قيمة الإنسان التي سُحقت في الداخل والخارج، وإثبات الرفض الكلّي لأي امتهان وتهميش تمارسه السلطات.
للرواية فضاءات متعدّدة بدءًا بالجنوب إلى فضاءات الغربة، ورغم تعددها إلا أن القيود والعُقد تفرض سطوتها حيثما كانوا، فضمن شخوص الرواية "نصرى كتيبة" المرأة السياسية التي تظهر في العمل باسم حركي، تظهر "نصرى كتيبة" حالما يهاجر أحد أبطال الرواية من عمان إلى بلادها "سوريا"، فتربطهما علاقة حب، إلا أن الاثنين سيعانيان من القمع.
يذكر الزبيدي في معرض حديثه في الصالون أن الرواية هي إعادة "تخليق" للبشر في الزمان والمكان روائيًّا، ففي الجزء الأول من روايته ثمة إشارة إلى طريق "الخرابات"، وهي قرية متخيلة تدور فيها بعض الأحداث، ويسكنها الكثير من الشّخوص المتخيلة أسماؤهم، وهنا ركّز الروائي على إشكالية الأسماء والجغرافيا، حيث يكون الكاتب مضطرًا بحكم القبلية المتغلغلة في المجتمعات المحافظة إلى خلق شخصيّات بلا عوائل تجنبا للمساءلات، وتشابه الأسماء.
ويرتبط الزبيدي بشخوص رواياته ارتباطا وثيقا، إلا أنه حالما يشرّدها للقارئ يشرّدها من ذاكرته أيضًا وفي ذلك إجهاد نفسي له، لأنه يعايش شخوص رواياته في اليقظة والمنام، يحادثهم ويعيش معهم ويشكو لهم معاناته، مشبّهًا روايته بالجنين في أحشاء الأم، ما دام في مقر مكين هو ملكها، وحالما يخرج للحياة يصبح ابن بيئته، فالمتلقي بقراءته يقوم بإعادة قراءة للعمل الأدبي شعر أو رواية أو غيره، وهو بذلك يعيد إنتاج هذا العمل، وفق رؤاه ومسلماته الاجتماعية والثقافية.
يرى الزبيدي أيضًا أن إعادة الإنتاج قد تكون أكثر إبداعا من رؤية الروائي، فهو بعمله يسلّم القارئ أصحابه، ويعود ليلتقي بأصحاب آخرين في عمل جديد، كما يعمد الزبيدي في أعماله إلى إعادة الشخوص الذين يعدّهم رموزًا للحركة الوطنية العمانية ويرى أن عناصر النضال الوطني لن تموت، هي عناصر خالدة لا تموت، عناصر متجدّدة يشرقون مع كل شمس تطل على هذه البلاد، فيكرّرها في كلّ الروايات، مثلا راية وعبيد العماني في روايته "انتحار عبيد العماني "، وفي "إعدام الفراشة" أضاف شخوصًا أخرى، وفي هذه الرواية أضاف لهم أسماء جديدة: (حامد، وأم صخر، ونصرى كتيبة) لكنهم بلا شك سيأتون بشكل مختلف في "امرأة من ظفار" العمل الروائي القادم للزبيدي. "سنوات النار" قاربها الكاتب سماء عيسى الذي تحدث في الأمسية برواية الإفريقي غينوا اتشيبي "الأشياء تتداعى" إذ يرى أنّ التجربتين تنحدران من ثيمة واحدة، حيث ركزتا على تفكك العالم القديم أمام الغزاة الاستعماريين، ووظفتا الأساطير، أساطير إفريقيا لدى غينوا اتشيبي وأساطير جنوب عمان لدى الزبيدي بشكل خلّاق، حيث تنقلان روح القتال الضارية أمام الغزاة، إنها تراجيديا الإبداع، وكما توحّدت آلهة إغريقيا مع غينوا اتشيبي يرى أن آلهة ظفار القديمة رحلت مع "سنوات النار" للزبيدي، رحلت ساحرات أفريقيا وساحرات خور روري مع الإبداعان وبهما.
يرى سماء عيسى في عمل الزبيدي إدانة، حيث يقدّم في روايته " سنوات النار" نقدًا حادُّا للحركة السياسية المضادة، والرفض للماضي وللواقع.. والمضاد لا يأتي إلا رفض للخطاب السياسي السائد، كما يرى في رواية الزبيدي تأسيسًا لعالم جديد عن طريق استقراء الماضي، فدائما ثمة من يأتي مذكّرا بالماضي؛ لأنه من الماضي نقرأ الحاضر، ومن الحاضر نستشرف آفاق المستقبل.. دائِما ثمة من يأتي مذكِّرا بالدم، لأنه من الدم تسري الحياة في الأوصال.
في تجربة الزبيدي الجديدة ثمة ارتباط حميمي بين الماضي والحاضر كما يرى سماء عيسى، هذا الارتباط المفقود بين عالم مضى، وعالم قادم، وعالم قام على أنقاض الماضي وخرائبه؛ ليكتشف القارئ بعدما يتم القراءة أن ما كان يعتقده فقدان إنما حاضرٌ معه وبينه، أي أنه لا مناص من الفكاك من الدم.
وكما يشير سماء عيسى أن "سنوات النار" تضع قارئها وجهًا لوجه أمام الموت، يعني ذاك أنه أمام الحياة بشكلٍ آخر، فدائما ثمة من يأتي ليضيء طريقًا مظلما، كان السير فيه كمن يسير في ظلامٍ حالك، هكذا هو الزبيدي كما يراه سماء عيسى يأتي لينير شموع الكتابة المفقودة، وليذكّر بثيمات الهجر والفراق والموت، الثيمات التي رسخت في الأرض عميقا ووجدت لها جذورا في الباطن المتوهج البعيد، بقراءتنا لسنوات النار نحن بتعبير سماء عيسى نقف جميعًا على تلة كمن ينظر إلى مدينة تحترق وإلى يابسة غرقت في الطوفان، وإلى رصاص مجهول يغرق الأرض.. الزبيدي في روايته وهو يتجه إلى الماضي يذهب بنا للمستقبل