المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأديب الفلسطيني رجب أبو سرية: القصة القصيرة فن يحتاج قدرة على الإدهاش


سالم الوشاحي
24-01-2013, 05:43 AM
الأديب الفلسطيني رجب أبو سرية: القصة القصيرة فن يحتاج قدرة على الإدهاش
غزة ـ من عبد القادر إبراهيم حماد:


تمتد مسيرة الأديب الفلسطيني رجب أبو سرية على مدار عشرين عام بدأها من خلال مشاركته في مسابقة سعاد الصباح بالقاهرة عام 1991م وفوزه بجائزة الرواية الأولى بين الشباب العربي عن روايته "دائرة الموت".. هو روائي وقاص أصدر أربع روايات ثلاث منها ورقية عن دور نشر عربية وفلسطينية والرابعة تنشر الآن على شكل مدونة إلكترونية وهو بصدد مشروعه الخامس.. أصدر ست مجموعات قصصية ورقية والكترونية، وكتب عددا من المسرحيات، وآخر ما أنتج مجموعة نصوص شعرية.. وابو سرية كاتب سياسي، له مقال مقال نصف أسبوعي يكتبه منذ نحو ستة عشر عاما في "الأيام", وهو سياسي معتزل حيث كان عضوا بشكل متتابع في أكثر من تنظيم فلسطيني, وهو الآن مستقل تنظيميا منذ نحو عقدين من السنين, ومتابع للشأن السياسي العام في فلسطين ويحاول بين الفينة والأخرى التدخل فيه من خلال خلق رأي عام حول ما يعتقد أنه الصواب.
(الوطن) التقته في زاوية من المشهد السياسي والثقافي الفلسطيني، فكان الحوار التالي:
* أحقاً تشوه السياسة المثقف؟
** نعم أن أسلم قياده لها, لا تشوهه فحسب, بل تجعل منه شخصا انتهازيا ان ارتبط بسياسة نظام حاكم أو سلطة حاكمة أو دوغمائيا حسب طبيعة أو نوع السياسة التي يرتبط بها, والمثقف يجب أن يحرص على وجود مسافة بينه وبين السياسة, يراقبها ويقوم بانتقادها, ويحاول أن يصوب أداءها بما تنطوي عليه الثقافة من قيم إنسانية, تفتقر إليها السياسة عموما.
* كروائي، ماذا تعنى لك رواية "دائرة الموت" وهي أول رواية بالنسبة لك؟
** "دائرة الموت" هي أول القطاف, وهي فاتحة القول, أحبها جدا, لأنها ومنذ أن فازت بالجائزة ونشرت, جعلت من مشروعي الثقافي مشروعا جديا, وأنقذتني عمليا من إغواء السياسة, أنها مثل الولد البكر, الذي تعتبره ولي عهدك, لذا أعتبرها حارس رواياتي وأعمالي عموما, وربما كان أيضا لظروف كتابتها, ما يذكرني بأهمية أن تقترب الحروف من حافة الخطر, حيث كتبتها في أجواء المواجهة, في المواقع العسكرية, واستعرضت فيها قدر الفلسطيني في مواجهة الموت وهو العاشق للحياة, والتي يدافع عن حقه بها بصدره العاري.
* المشهد الثقافي الفلسطيني، كيف يقيمه رجب أبو سرية؟
** أظن أن فاعلية وتأثير الواقع الثقافي الفلسطيني قد تراجعت كثيرا, ويكاد المشهد أن يكون قاتما, ومحزنا برتابته وقلة حيلته, أقيمه دون المتوسط, فحيث مازالت قضية فلسطين قضية تحرر وطني, أضيفت إليها مهمة التفعيل الداخلي أو إضافة البعد الديمقراطي المجتمعي, فإن المهمة قد تضاعفت على عاتق الثقافة الفلسطينية, هل يقول الواقع بأن المشهد الثقافي عير خير ما يرام أو انه يقوم بواجبه تجاه شعبه وتجاه وطنه؟ أنا أشك بالطبع وأقول لا يقوم بهذا , لذا لابد من تفعيل المشهد وبث روح التحدي فيه.
* أنت قاص وروائي، بالتأكيد لك طقوس كتابة خاصة، حدثنا عنها؟
** طقوس الكتابة عندي ربما لا تكون خاصة جدا, ولكن في كل الأحوال ودائما أخشى من أن يجيء يوم وأعجز فيه عن كتابه شيء له قيمة, لذا أنا مسكون بالتجديد وربما التجريب وربما كان هذا سبب تنوع أشكال الكتابة عندي, كذلك أخشى جدا لحظة الكتابة الأولى, بمعنى أن مفتتح النص يعذبني, ولا أبدأ الكتابة عادة ـ حتى كتابة المقال ـ إلا بعد أن تسكنني فكرة النص أياما وربما أسابيع وأحيانا سنينا، كما حدث معي في رواية "حرم الرئيس", بعد ذلك أبدأ كتابة النص مع ارتشافي لفنجان قهوة, وعادة أفضل الكتابة الإبداعية في الليل ـ بعد منتصف ـ أو قبل الفجر بقليل, وقبل أن أكتب, أحيط نفسي بأجواء, تشبه أجواء من يحضر الأرواح, بمعنى أغلق الأبواب والشبابيك, أغلق الهواتف, وانعزل لأركز, وأحس أني أعيش مع أبطال رواياتي, بعد أن استحضرتهم وأقمت مدينتهم التي يعيشون فيها.
* لمن تقرأ؟
** أقرأ لمحمود درويش ونزار قباني, وقرأت مارجريت دوراس, ماركيز وإيزابيل أليندي وكل أدب أميركا اللاتينية, وطبعا لجبرا وغسان كنفاني, وأقرأ كل نص جميل, والأدب الروسي, وأعشق التقارير الصحفية الاجتماعية, ومغرم أنا بالصورة الدرامية, أقرأ أيضا ميثولوجيا, وكلما كانت هناك مناسبة أعود لأصل النص, وبالطبع أعتمد حين قبل أن أشرع بكتابة نص في توفير المادة المناسبة التي تساعدني في دخول أجوائه والإحاطة بعوالمه, لكن يمكن القول بأني مولع بقراءة محمود درويش وجبرا إبراهيم جبرا.
* وقف المثقفون العرب بجانب الثوار في الميادين العربية ضد الطغيان، كيف ينظر رجب أبو سرية لهذه الثورات، وهل فعلا هي فرصة ليثور القلم على مقص الرقيب ؟
** طبعا وأكثر من ذلك, علينا دائما أن لا نفصل القلم عن الواقع, وعلى المبدع مهما علا شأنه وأيا بلغ من الشهرة أو التحقق أن لا يترفع عن الناس أو عن الفعل المجتمعي, خاصة في لحظات صنع التاريخ, وإلا فإنه سيجد نفسه ملقى على قارعة الطريق, ليس فقط القلم يتحرر الآن من مقص الرقيب, بل أن المجتمع يتحرر من سطوة الحاكم المستبد, وأظن أن المبدع تحرر كثيرا من سطوة الرقيب بفعل ثورة الاتصالات وانتشار الوسائل الإعلامية ومواقع الانترنت, والمدونات, وكذلك أدوات التواصل الاجتماعي, لكن إسقاط أنظمة الاستبداد وفتح المجتمعات العربية وإقامة أنظمة أكثر ديمقراطية بالقطع يشيع مناخات حرية أكثر, لذا أستغرب وقوف بعض الكتاب أو المثقفين على الهامش أو عدم تأييدهم لثورات الشعوب العربية أو مساندتهم لبقاء أنظمة حكم الفرد, طبعا أتحدث عن بعض الكتاب والفنانين, وأظن هذا يعود إما لأن بعض هؤلاء متحقق في ظل هذه الأنظمة, ويرتكز إليها في شهرته ووجوده أو أن بعضهم متخوف مما هو قادم أو أنه مضلل بفعل دعاية الأنظمة خاصة تلك التي تدعي أنها "ضحية" مؤامرات خارجية, أو أن سقوطها سيجيء بحكومات أسلامية, بغض النظر إن كانت متشددة أو معتدلة.
* حدثنا عن رواية "عطش البحر"؟
** بعد أن نشرت "دائرة الموت" , بدأت أنظر لنفسي وربما أتعامل مع ذاتي باعتباري مشروعا روائيا, لذا بدأت فورا أفكر في النص التالي, ولأني أعتبر تجربة أي مبدع إنما هي تجربة متصلة فإني كنت وما زلت أفكر قبل أن أشرع بكتابة نص جديد, فيما سيضيفه هذا النص لي وللمكتبة الفلسطينية والعربية, لذا أحاول أن أقدم في كل عمل شيئا ما جديدا إن كان على صعيد الفكرة أو تكنيك الكتابة (بناء النص) أو اللغة, بدأت أجواء عطش البحر بمداهمة بئري الأولى لوجداني, أقصد كانت أجواء الانتفاضة الأولى ما زلت قائمة, بدأت أتذكر مسقط رأسي ـ غزة ـ أتذكر بحرها وشوارعها, وأتذكر طفولتي فيها, وصادف أن كنت مشاركا في مؤتمر ثقافي في بلدة ليبية اسمها جنزور قريبة من العاصمة طرابلس, وكنت أجلس كل مساء على شاطئ البحر, حيث بدأت تتخلق الشخصيات ويتشكل عالم الرواية في ذهني ويشاركني تفاصيل أيامي, هكذا أياما لا أعرف طعم النوم, أرقني النص كثيرا, لأني أحببت أن أداعب ذكريات الطفولة والوطن المتخيل والمشتهى بحروف من ذهب, بدأت أرتعش فعلا وأنا أكتب هذا النص خشية أن لا يرتقي إلى مقام الوطن المنتفض في ذلك الوقت. وقد جاء في فصلين, وكأني كتبته دفعه واحدة ـ دون تقطيع ـ يعني "على نفس بالبلدي هاها " , ثم دفعت به إلى المطبعة, وصادف أن عدت إلى أرض الوطن قبل أن أستلم أي نسخة من النص, وكأني كنت أتنبأ بأني سأعود لوطني, أو كأن القدر قد كافأني على أني تذكرت وطني وأنا في الغربة فأعادني إليه!
* نسألك عن الرواية الفلسطينية، إلى أين وصلت؟
** رغم أنه سائد في أوساط المهتمين بالشأن الروائي, استنادا إلى لوكاتش, أن الرواية هي ابنة المدينة أو أنها ملحمة البرجوازية, ورغم أن الفلسطينيين لم يحرروا وطنهم من الاحتلال بعد ـ أي أنهم لم يقيموا دولتهم أو مجتمعهم الخاص, بحيث يشكل على الباحث مثلا ـ واجهت هذا حين قمت بكتابة دراسة عن الرواية الفلسطينية في المنفى عام 1999م لمؤتمر الرواية الفلسطينية الأول الذي أقامته جامعة القدس، أبو ديس بمبادرة من الراحل عزت غزاوي، أن يحدد من هو الروائي الفلسطيني أو أي الروايات هي الرواية الفلسطينية, وان كنا أمام أكثر من نموذج لهذه الرواية, إلا أن الفلسطينيين قدموا راوية فلسطينية مهمة, بالنسبة للمتحقق الروائي العربي, هناك جبرا وإميل حبيبي وغسان كنفاني وسحر خليفة, وكثير من الروائيين الفلسطينيين حضروا برواياتهم في مؤتمرات الرواية العربية, واعدت عن رواياتهم الدراسات الجامعية والمقالات النقدية وكذلك حققوا حضورا إعلاميا على المستوى العربي, في حضرة الشعر الفلسطيني أقول بأن الرواية الفلسطينية, حققت المكانة الثانية في الفعل والحضور والتأثير, أكثر من القصة مثلا أو المسرح أو السينما أو الموسيقى.
* الأجسام الثقافية الفلسطينية، أين هي وما دورها كما ترى أنت؟
** بعد أن حضر النص الثقافي بعد النكبة عام 48, وبعد أن بدأت ثقافة المقاومة, أو شعراء المقاومة في إعادة بعث الهوية الوطنية, وبعد أن تولت فصائل الثورة قيادة الشأن الفلسطيني بعد معركة الكرامة, نشأ الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين عام 72, لكنه نشأ متأثرا بالبرنامج السياسي, واكتفى بتنظيم الحضور الفصائلي في الحقل الإعلامي والثقافي, واهتم بتوحيد جهود الكتاب والإعلاميين المحيطين بالثورة, لذا اضطر مئات من الكتاب الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية أن ينخرطوا في صفوف الاتحادات العربية وحتى كتاب فلسطين المحتلة منذ عام 48 كانوا خارج إطار هذا الاتحاد, أي أنه لم يسبق وان توحد الكتاب الفلسطينيون في "جسم" أو إطار نقابي أو مؤسسي واحد, لكن الآن هناك فرصة عبر استخدام المستحدث التقني "الانترنت" لان تتوحد الثقافة الفلسطينية عبر التفاعل الإلكتروني, أما ما هو قائم من اتحادات أو روابط فهو منقسم إلى قسمين: الأول اتحادات م ت ف (اتحاد الكتاب والفنانين) وهو محسوب لفتح والسلطة, وهو متماه منذ سنوات مع برامج المنظمة أولا, ثم السلطة تاليا, وأصابه الشلل التام منذ عقود, وهو في حالة موت سريري لا شك فيه ـ أقصد ما يسمى بالاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين ـ الذي لم ينجح منذ نحو 8 سنوات حتى في إقامة حياة داخلية طبيعية، ثم ما بدأت تحدث حركة حماس من روابط (رابطة الأدباء ورابطة الفنانين في غزة) طبعا من خلال إطلاق تسمية روابط تريد أن توحي بأنها ليست بدائل عن الأطر الرسمية, لكن الواقع يقول إنها أجسام انقسامية, كما كان حال تجمع الصحفيين الخاص بهم أيام نقابة الصحفيين, المشكلة هنا تكمن في أن السلطة الثقافية الرسمية، تحتاج إلى تثوير وإصلاح جذري, لكن "معارضتها" القوية تجيء من قبل قوة ليست أكثر منها ديمقراطية, بصريح العبارة كتاب وفنانو فتح وحماس لا يختلفون كثيرا عن سياسيي فتح وحماس!
هناك المستوى الثاني وهو المراكز الثقافية وهي تعمل بـ"القطاعي" وهي غير موحدة ضمن سياسة عامة أو ضمن إطار تنظيمي واحد, على غرار شبكة المنظمات الأهلية مثلا, كما أنها خارج دائرة المحاسبة المالية والفنية والثقافية, وهي تعمل ـ تقريبا ـ في الخفاء وبعيدا عن عيون الناس, وهذا يضعف دورها على مستوى الوطن أو على صعيد رسم سياسة ثقافية عامة.