المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المجنونة يحذر بمقدمها حامل علم أحمر


سالم الوشاحي
26-01-2013, 05:30 AM
المجنونة يحذر بمقدمها حامل علم أحمر
أحمد الرحبي


إذا ما استثنينا الحروب ووسائلها وآلات فتكها الحديثة، وهي طواحينها التي لا تعدم آبار الدماء المؤممة لها خصيصا، لاتني تدور كسمة بارزة لعصرنا،وحوادث سقوط الطائرات وهي الأكثر توفرا لضمانات الأمان والسلامة من كل وسائل النقل الحديثة،وحوادث القطارات وغرق السفن، تعتبر السيارة هي المهدد الأول من بين وسائل النقل الحديثة أو قل المخترعات الحديثة على أعم تقدير لحياة الناس، فليس على السيارة صعوبة أن تملأ سلة حصادها في سنة بملايين الضحايا وهي تنطلق مجنونة لا تعرف حدودا لجنونها في الشوارع والطرقات فما كان يبدو مجرد تنقل سهل وسريع بواسطتها،أو رحلة أو نزهة آخر الأسبوع، ينقلب فجأة إلى حادث أليم تذهب نتيجته أرواح بريئة وتصدم بأسى الفقد والحزن من جرائه أنفس كثيرة.
ولعل مستخدمي هذا الاختراع في بداياته كانوا يحدسون بهذه الخطورة التي ستنتج عن اختراعهم على حياة الناس وسلامتهم حيث اعتادوا ضمانا لسلامة المارة أن يتقدم هذه الآلة في مسيرتها ولم تكن بعد في تلك البدايات وجودها بتلك الكثافة كما هو الحال عليه في وقتنا الراهن، حامل علم أحمر يتقدمها راجلا محذرا ومنبها المارة وأصحاب عربات الخيل في الطرقات والدروب، من هذا البلاء القادم ،وهي الآلة التي تحمل في جسمها من الحول والقوة للاندفاع إلى الأمام بعزم يجعلها تتفوق على كافة وسائل النقل التقليدية على البر في ذلك الوقت إذا ما استثنينا السكك الحديدية، بفضل طاقة الاحتراق التي تستعر في جانب من أحشائها، تمدها بهذا الحول والقوة.
ولو أمكن التفكير يوما تحت إلحاح هذه الخطورة التي تشكلها السيارات والمركبات على السلامة العامة،صياغة وتنفيذ إعلان تليفزيوني عن شدة هذه الخطورة على الأرواح وتهديدها لها، حيث ينشد من ورائه هذا الإعلان رسالة إعلانية تتميز بقوة المضمون وفعالية التأثير في المشاهد أكثر ربما من تلك الإعلانات التي تملأ شاشات القنوات والمحطات الفضائية والملصقات والبوسترات على الواجهات الإعلانية والإعلانات المطبوعة في المجلات والصحف السيارة، عن السيارة والتي اعتادت ان تتغزل بأقوى مفردات ورموز اللغة الإعلانية في مزاياها من حيث مقومات السرعة والمتانة، فلن يوجد أنسب توظيفا كثيمة رئيسية قوية في هذا الإعلان،من حامل العلم الأحمر، حيث أن الإحصاءات وأرقامها التي تزداد ارتفاعا يوما بعد يوم في العالم لضحايا حوادث السيارات ، يجعل استدعاء حامل العلم الأحمر استدعاء رمزيا شيئا ضروريا ونحن نتناول ونبحث ونحاول أن نلم بجوانب هذه الظاهرة العالمية لحوادث السيارات التي تنضاف جرح آخر يثعب بالدم في الجسم البشري العالمي لعصرنا،ضمن نزيف دموي غزير متواصل يعيشه العالم بفضل الحروب ومخالبها المسنونة المتوحشة على الجسم الإنساني البرئ الأعزل الضعيف الخائف المرعوب وهو يقف وحيدا في ثلاجة الموتى الواسعة العملاقة التي زج فيها السياسيون والعسكريون وتجار السلاح وشركات النفط ،مصير العالم بلا رأفة ولا رحمة.
واذا ما نظرنا إلى الاختزال في الوقت الذي باتت تحققه السيارة لإنسان العصر الحديث نجد ان الحوادث المروعة الكثيرة على الشوارع والطرقات الناتجة عنها التي تكاد تعم ظاهرتها كافة دول العالم، هي الاستحقاق الطبيعي للضريبة التي يجب على الإنسان أن يدفعها منقودة بروحه وحياته وعلى حساب سلامته، مقابل الاندفاعة للأمام والقفزة التي حققها بواسطة هذه السيارة.
ولو أن كثيرا ممن يستخدمون السيارات وعوا هذه الحقيقة واستوعبوا الخلاصة منها لترددوا حقا في الاستسلام لإغراء السرعة الاندفاع للأمام بلا ضمان مؤكد لسلامتهم.

جريدة الوطن