المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تجاوز ثقافة الآخر


سالم الوشاحي
27-01-2013, 05:37 AM
تجاوز ثقافة الآخر
منّي بونعامه
جريدة الخليج الإماراتيه


ذات يوم طرحت سؤالاً على قامة ثقافية معروفة، لم أكن إخال أنه سيتعامل معه بنوع من اللاموضوعية، أو يلعب على وتره الحساس . كنا بصدد الحديث عن الثقافة العربية ومدى إمكان مقارنتها بالثقافة العالمية أو ثقافة الغرب على وجه التحديد . سألته هل ترقى الثقافة العربية إلى المقارنة بثقافة الآخر على الأقل في منجزها الراهن؟ لم يكن جوابه مقنعاً بالنسبة لي بقدر ما أحالني إلى اتهام مبطّن، وكأنني أشكك في قيمة التراكم الثقافي العربي وما أنجزه فطاحل العلماء من مئات السنين من نتاجات اقتات عليها الغرب حيناً من الزمن، وبنى عليها أسس حضارته وتقدمه .



ما أعتقده أننا لسنا بحاجة إلى المنافحة عما أنجزناه للعالم من قبل، ولا في سياق استعراضٍ لما قدمناه من عطاءات ونتاجات مهمة أثرت العالم الغربي، وأسهمت في نهوضه، لكننا بحاجة ماسة فعلاً إلى النظر في ما أنجزناه من بعد، فذلك هو الأدعى والأولى والأهم، وليس البكاء على أطلال بالية، ودمن خالية، عفا عليها الزمن .



استدعى هذا الموقف ما تعالق في ذاكرتي من كتابات تبدو أنها ماتزال تراوح مكانها في نظرتها للماضي، أو ما تزال حبيسة له على الأقل .



الحديث عن المقارنة بين الثقافتين، من المفروض أن يكون مربوطاً بسياق إنتاجهما، حتى تكون المقارنة من الناحية المنهجية مبنية على قوام سليم، لكن المثير في الطرح أنه يكاد يتجاوز اللحظة الآنية، أو الراهنة، أو يتجاهلها بالأحرى، لأن الواقع لا يوحي أصلاً بجدوى المقارنة، ولا حتى بإمكانها . وهذا ما يعززه ركون المثقف العربي في أغلب أحواله إلى الارتماء في أحضان الثقافة الأخرى، استحضاراً واستشهاداً كلما عنّ له سبب، وكأنه يتخذ منها مرجعية ثابتة وأساسية تعضد فكرته، وتدعم طرحه وتفسيره . ولك أن تتخيل حجم المفاهيم والمصطلحات المعرفية والرؤى والأفكار المتداولة في حقل الثقافة العربية، وهي مستجلبة في الأصل من ثقافة الآخر، وهي أداوته المنهجية والمعرفية التي صممها على مقاساته، بل إن الاحتفاء بما يتم انجازه في حقل الثقافة الغربية أكثر من الاحتفاء بما أنتجه، أو ينتجه مثقفونا ومبدعونا .



وهذا يؤكد غياب المرجعية المؤهلة للاستشهاد بأقوالها، وأفكارها من البيئة الثقافية للمثقف، أو لأنها قد لا ترقى إلى مستوى الاستشهاد من منظوره الخاص . كما قد تعني قصوراً في أفق المثقف نفسه، ليس هذا من قبيل المنطور الخلدوني الذي يؤسس لخطاب الغلبة وما يتصل به أو يتفرع عنه من أفكار، بل من زاوية الرغبة الملحّة في التجاوز، بمعنى محاولة التخلّص من “العيش” على فتات الثقافة الغربية، وتجاوزها وفق إمكانات المثقف العربي، وتراكماته الثقافية . بيد أن التجاوز المنشود لا يمكن بناؤه على أساس التنظير، ولا بالتمني، بل بالعمل الجاد، من أجل التأسيس لمرحلة مهمة في حقل الثقافة العربية، تبنى على قوائم تتماشى وطبيعة البيئة الثقافية العربية وخصوصيتها .