المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعرة رولا حسن: لا توجد مواكبة شعرية حقيقية للشعر الجديد


سالم الوشاحي
03-02-2013, 02:14 PM
تصر الشاعرة رولا حسن على أن العاطفة هي روح القصيدة وبهذا المعنى فهي لا تريد أن تكتب نثرا شعريا بات شائعا لدرجة أن هناك روايات بكاملها صارت تعتمد على هذا النوع من الكتابة وترى من جانب آخر أن عقلية الإلغاء والإقصاء كرست الكثير من الشعراء في الجرائد والمجلات الرسمية وغير الرسمية وغيبت أجيالا بأكملها مؤكدة أن هناك شعراء وشاعرات مجيدين ربما لم ينشروا قصيدة واحدة ولم ينتبه إليهم أحد.
والشاعرة رولا حسن تكتب القصيدة النثرية وتجسد من خلالها كل ما في داخلها من حزن وفرح فتأتي مليئة بالصور والألفاظ الرقيقة نظرا لما تمتلكه من موهبة أدبية وثقافة شعرية كما أنها كتبت العديد من الدراسات النقدية التي غلب عليها الطابع المنهجي والإبداعي.
وفي حديث خاص لوكالة سانا قالت حسن: أنا امرأة تحب الفرح أركض إليه كما الأطفال لكننا يبدو كما قالت الشاعرة اللبنانية التي تكتب بالفرنسية إيتيل عدنان اننا مخلوقون من جذور الحزن لذلك تنتهي أفراحنا بالدمع والحرائق ولا أنكر أني عشت آلاما في حياتي ربما كانت أكبر من مقاسها وبين رغبتي العارمة بالفرح وبين الألم الذي قطع مسافات شاسعة ليصل إلي كنت أنا بلا رتوش ومن ثم كانت القصيدة التي هي جزء حقيقي مني القصيدة التي طالما قالتني مضيفة أن كل ما لم أستطع أن أقوله عن كل ما يعتمل في داخلي وإن حاولت مرارا أن أخفي هذا الألم عميقا عميقا لكن الشعر لا يعرف الكذب الشعر يمضي عميقا إلى أماكن جراحنا ويقيم.. الشعر وحده من ينتبه إلى المرايا وهي تتكسر داخلنا.
الآن وبالرغم من كل الزيف الذي يخيم على حياة الجميع أشعر بسعادة لا توصف تمنحني تلك السكينة وذاك التوازن وهي أني كتبت تلك القصيدة التي تشبه ذلك الزعتر البري الذي ينبت هناك في قريتي وتشبهني وأني لم أكن في يوم في حالة فصام عما أكتب.
وأضافت حسن: لا يوجد هناك في مجتمعي أو في الشرق كله امرأة حقيقية ليست متعبة.. عندما تعي المرأة وجودها وكينونتها وتسعى إلى الحصول على ما تستحق في الحياة من حرية وحب واستقلالية هل سيقدم ذلك لها على طبق من ذهب.. لا لا أعتقد ذلك لقد عانت المرأة عبر أزمان طويلة من الظلم والتهميش.. وربما لا تزال.. سأتحدث هنا عن المرأة الكاتبة كمثال أو لنقل بتعبير آخر المرأة التي تحاول أن تكون هي المرأة في مجتمعاتنا تعاني من الظلم ما تعانيه فهي إن كانت عاملة فالمسؤولية مضاعفة عليها فهي مسؤولة عن واجباتها البيتية زوج وأولاد فوق عملها خارج البيت أما إذا كانت تعمل في حقل الإبداع فعليها وسط زحام هذه الواجبات أن تجد مكانا هادئا ومستقلا لتمارس عملها الإبداعي هذا إن بقيت سليمة ولم تتعرض لنكبة من نكبات الحياة القاسية.. وهذا أمر تحدثت عنه الكاتبة البريطانية فرجينيا وولف في نصها الساحر الغرفة حيث أكدت على استقلالية المرأة المادية والمعنوية لتتفرغ للكتابة.
وقالت صاحبة مجموعة الأرجح نحن من يغني الآن.. أنا أريد أن أكتب قصيدة فيها شعور وعاطفة لا أريد نثرا شعريا وهو أمر بات شائعا لدرجة أن هناك روايات بكاملها باتت تعتمد على النثر الشعري والتداخل بين الأجناس بات أيضا يثير اللبس فالسرد استعاره الشعر والحكاية من قبل والرواية أخذت الشعرية من القصيدة وفي هذا اللغط كله أنا أصر على تلك العاطفة التي هي بمثابة روح القصيدة ثمة قصائد سردية لكنها بلا عاطفة تعتمد على الحرفية أو الصنعة لكنها تفتقد الروح وأنا هنا لا أنكرها كقصيدة فهذا أحد دروب التجريب الذي ذهبت عبره قصيدة النثر بالرغم أن من نجحوا فيه قلائل جدا أما من فشلوا فهم كثيرون لذا نجد أن القصائد تتشابه وكأن ثمة قصيدة واحدة يكتبها عدة كتاب أما عندما يجري تجيير العاطفة لصالح الجغرافيا الشعورية في تضاريس القصيدة بعيدا عن الوقوع في فخ السيولة العاطفية فإن الأمر مختلف وهو أمر أصر عليه دائما وأعتبره استراتيجيا.
وقالت حسن إن السرد الشعري وحده لا يصنع شعرا.. لكل قصيدة روح وحين تفتقدها تموت والعاطفة هي روحها والمهم كيف نجير هذه العاطفة لصالح القصيدة أو لنقل بعبارة أخرى كيف نعبر عن مادة العالم ومفرداته بإبداع عاطفة جديدة موجودة بالأصل داخلنا وهو أمر أكد عليه شعراء كبار كالشاعر الفرنسي ميشال كولو في نصه المادة العاطفة الصنعة وحدها لا تصنع الشعر.. هو الشعر لأنه عالم الروح فكيف نسلبه إياها.
وبينت حسن أنه ثمة شعراء وشاعرات كتبن قصائد تفيض بروحهم أذكر على سبيل المثال لا الحصر مرام مصري وفيوليت محمد وإيمان إبراهيم ولينا تقلا وعلي الطه وهنادي زرقا.. وحسين بن حمزة وجوان تتر ولينا شدود ومازن الخطيب ومعتز طوبر وجمال ملحم وعماد الدين موسى وآخرين.. المشكلة أنه تم تكريس الكثير من الشعراء في الجرائد والمجلات الرسمية وغير الرسمية ضمن عقلية الإلغاء والإقصاء وللأسف فتحت هذه الخيمة غيبت أجيال بأكملها وهناك شعراء وشاعرات مجيدون ربما لم ينشروا مرة واحدة ولم ينتبه إليهم أحد.. أما عن إثبات وجود قصيدة النثر فقالت حسن هذا أمر آخر فإثبات الوجود الآن وكما في أي وقت يحتاج إلى مؤسسات تتبنى النشر ومجلات مختصة وجرائد مهتمة بأجيال الكتابة الجديدة فأين نحن من كل هذا.. قصيدة النثر لا تزال تعامل وكأنها ابنة غير شرعية للشعر بالرغم من الكم الهائل من النشر الخاص لا توجد أي مواكبة نقدية جادة مهتمة ولا توجد حركة تهتم بالشعراء الجدد وإنتاجهم.
وهنا أريد الإشارة إلى ما قاله ت إس أليوت فيما يخص الحراك الشعري في أي ثقافة إنسانية هو.. أن ابتكار شكل جديد من الشعر يعد من أهم الأحداث في تاريخ الأمة.. فإذا كانت القبائل العربية تقيم الأفراح لميلاد شاعر واحد فإن ابتكار شكل أدبي جديد يعني قيام حركة شعرية متكاملة أي ميلاد عشرات الشعراء المجيدين بل وقيام ذاكرة أدبية جديدة تنفي الجمود والتحجر.
وأوضحت حسن لا توجد مواكبة شعرية وحقيقية للشعر الجديد في سورية ومنذ الثمانينيات لا يوجد نقد شعري حقيقي يقرأ الجديد ويكشف عن الجماليات المستجدة في القصيدة العربية.. لو رجعنا إلى السبعينيات لوجدنا كتبا نقدية اختصت في التجربة الجديدة فظهر نقاد كجمال باروت وكمال أبو ديب ثم تلاهم نزار بريك الهنيدي والدكتور غسان غنيم أما الأجيال الجديدة فلم تحظ باهتمام نقدي تستحقه.. يمكن أن أرجع هذا إلى أمرين أولهما أن حركية الإبداع مستمرة في تقديم تطورات الواقع المختلفة وتغيراته التي لم يستوعبها النقاد الذين وجدوا أنفسهم أمام شعر جديد ومغاير تمام المغايرة للواقع الشعري القريب مضيفة أنهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن تمثل هذا الإنتاج الشعري أو إعادة إنتاجه في صورة نقدية لأنه ينطلق من أسس معرفية ووجودية عن العالم مختلفة عن تلك التي كانت عند النقاد لذا فهم وأقصد أي النقاد يرفضونه لأنه لا يتفق والصورة التي تكونت عن الشعر فالشاعر الجديد يسعى إلى لغة جديدة وتراكيب وصور مختلفة عن السائدة ذلك نتيجة لإيمانه أن اللغة القديمة بتراكيبها وصورها لا تستوعب ما يريد أن ينقله من صدمة للوعي والعقل والوجدان.
ولفتت الشاعرة حسن.. برأيي أن التغييرات التي طرأت وتطرأ على العالم لم يعد هناك على إثرها الشاعر المقدس ولم تعد هناك مركزية للذات وإنما ذات الشاعر الآن هي جزء ضمن الكل في صيرورة الحياة اليومية.. هذا كله جعل النقاد في حيرة من أمرهم وأقامهم في موقفين إما رفض لهذا الشعر الذي صدر في الثلاثين سنة الأخيرة أي منذ الثمانينيات لعدم تطابقه مع الصورة المسبقة لديهم أو رفضه لأنه مغاير للنمط السائد في الشعر والمثير في الأمر أن هناك نصوصا تنمو وتولد في رحم الواقع الثقافي لها ملامح جديدة وتجسد الزمن العربي في صورة مختلفة تماما.
وأشارت حسن إلى أنه في غياب حركة النقد هناك عدم اهتمام وسائل الاتصال المعاصرة من صحف وأجهزة إعلام بالنصوص الشعرية الجديدة التي تبدو في نظرهم أحيانا متطرفة وخارجة عن القانون الشعري السائد ويرجع هذا إلى أن النصوص الشعرية الجديدة هي اجتهادات فردية والنقد هو عمل يقوم على التنظيم المؤسسي لأنه يقوم على نظرية جمالية ومنهج معرفي وهي أدوات ثقيلة تحتاج إلى تسليح قوي بالمعرفة والخبرة العميقة بالنصوص.
وعن كتاباتها النقدية قالت حسن: أنا أحاول إيجاد نص آخر مواز للنص الذي قرأته والكشف عن جمالياته الفنية الأمر أحيانا يشبه كما لامست حالة الشعر أحس وأنا أكتب عن الشعر أني أعطيه حقه بالحياة مرة أخرى أما عن رغبتي بحضور ثقافي ما فلن أجامل في هذا الموضوع فهذا حقي مادام لدي مشروعي في هذا المجال.. لقد تابعت بقراءات لا أعرف إن كانت تعتبر نقدا أغلب الإصدارات الشعرية والكتابات الشعرية الجديدة منذ بداية التسعينيات في سورية في صحف داخل سورية وخارجها واعتبرت حسن أن الإضاءة على ذلك أمر يستحق الاهتمام بينما هناك مؤسسات بأكملها تعتم على ذلك أو تتجاهله وتركز على تجارب وأناس أخذوا حقهم وأكثر هناك جيل جديد يكتب في سورية ويجب الانتباه جيدا إليه وإعطائه ما يستحق من الاهتمام.
وختمت الشاعرة حسن: أود أن أوجه كلمتين أولاهما للقائمين على الثقافة بأن المكان يتسع للجميع.. أفسحوا المجال للجيل الجديد ليأخذ دوره.. لماذا لا يكون هناك مشروع خاص بالنشر للكتابة الجديدة و لماذا لا نرى كتابا من الجيل الجديد في المجلات الثقافية الرسمية ولم هناك أسماء مكرسة وأسماء تستحق غائبة.
الكلمة الثانية للشعراء.. الشعر هو صوت الأمم ووثائق حراكها ليكتبوا.. قصيدة النثر ما تزال تحتاج إلى الكثير من الجهد والمثابرة وسورية غنية وتتسع للجميع.
للشاعرة حسن أربع مجموعات شعرية هي كسرب لقالق بيضاء- شتاءات قصيرة -حسرة الظل -الارجح نحن من يغني الآن
جريدة عمان