المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرجة الثقافية


سالم الوشاحي
06-02-2013, 06:00 AM
أفق
الفرجة الثقافية
منّي بونعامه



يمكن القول إن ثقافة الفرجة في بلداننا العربية ثقافة عالية ومترسخة إلى أبعد الحدود لكن ضمن سياقات معينة، وفي نطاقات محددة، ونادراً ما تطال الجانب الثقافي إلا على نحو لا يرقى للمقارنة والتشبيه .



الفرجة في المفهوم المتداول ترتكز على استقطاب وجذب حضور مكثف للمهرجانات والفعاليات والأنشطة الترفيهية التي يراد لها أن تحدث نوعاً من التسلية والترفيه لدى الإنسان العادي لتبديد رتابة الحياة التي يعيشها في واقعه، والانتقال به من حالة الضغط النفسي والعقلي إلى حالة من الترويح عن النفس . وتستقطب مثل هذه المناسبات ومثيلاتها أعداداً كبيرةً من المتفرجين الذين ينساقون خلف الرغبة في تغيير روتين الحياة . وهذا ما يفسر بشكل واضح تزايد أعداد المتفرجين والمقبلين على الفعاليات الترفيهية من حين لآخر، بل إن عدد الحضور في مباريات رياضية، أو حفل غنائي، أو مسابقة فنية ليستعصي أحياناً على الإحصاء والحصر، في حين لا نكاد نرصد عدداً قريباً من ذلك في نشاط أو فعالية ثقافية مهما كانت وسائل الدعم والحشد والترويج، ما ينم عن حالة من توجه ذائقة الجماهير إلى التسلية والترفيه، وعزوفهم، بل وإضرابهم في الأغلب عن القضايا الثقافية الجادة، وذات الأفق الواعد .



إن توجّه الذائقة العربية إلى الترفيه والتسلية على نحو مبالغ فيه أدى إلى تقليص مساحة مقعد الحضور الثقافي، الذي كثيراً ما يكون شاغراً في أغلب أحواله، وهو أمر قد لا تنطلي آثاره السلبية على المتمعّن الفطن، لأنه يؤدي إلى تغييب التفاعل الثقافي المنشود، الذي يعمل على تطوير العمل الثقافي، وتحريك الراكد في الساحة من أجل وضع أسس ثابتة وقويمة في عملية النهوض .



ثقافة التسلية والترفيه في حد ذاتها لا تشكل خطراً على واقع الثقافة ولا على مستقبلها كذلك إذا ما تم التعامل مع الفرجة الترفيهية بشكل عقلاني لا يلغي الجانب الثقافي الذي يعتبر المعبّر الحقيقي عن مدى تطلعات أمة وآفاق نهوضها، لذلك يمكن المزاوجة بين الفرجة في بعديها الترفيهي والثقافي، بمعنى ترسيخ قيم الفرجة الثقافية على نحو يستقطب الحضور بشكل مطرد، حتى نتخلص من موسمية العمل الثقافي، الذي يلقي بظلاله الكثيفة على قلة أعداد الحضور، الذي غالباً ما يرتبط هو الآخر بالشخصيات الثقافية التي تحضر أمسيةً أو نشاطاً ثقافياً معيناً، وتجذب بأسمائها الوازنة عدداً معتبراً من الحضور، بينما يفتقد ذلك العدد في الحالات العادية، وهذا ما يشعر المثقف أو المبدع أحياناً بعدم الرغبة في الاستمرار في المشاركة في نشاطات ثقافية طالما أنها لن تحظى بحضور مقبول .



ترسيخ مفهوم الفرجة الثقافية أصبح أمراً لا مندوحة عنه في راهن الثقافة العربية، من أجل تعميق ثقافة التفاعل والتجاوب مع المنتج الثقافي، وإحلال التوازن بين الترفيهي والثقافي . وهو منوط بالمؤسسة الثقافية من ناحية، والمثقف من ناحية أخرى، ولا يمكن تفعيلها بمنأى عن هذين العنصرين المحوريين . وتعكس التجربة الثقافية الغربية هذا المعنى بشكل واضح .


جريدة الخليج