المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقل الباطن كنزٌ تردمه مخاوف الوعي


سالم الوشاحي
06-02-2013, 06:23 AM
قراءة: بدريّة العامريّة -


كتاب العقل الباطن لجون كيهو لا يختلِف كثيرًا عن مثيلاته التي ناقشت مثل هذه القضايا، وهي عديدة وكثيرة، ربّما يكون هو أقرب لـ "السّر" لـ روندا بايرن، يتقاطع الكتاب أيضًا مع كتاب د. علي الوردي " خوارق اللاشعور" في بعض النُّقاط.
اللافت في " العقل الباطن" ترجمة مصطفى دليلة أنّ لغته قريبة وشفيفة، لا تكلّف فيها، كما أنّه يطعّم فصول الكتاب بالحوادث والإثباتات المعاشة. الكتاب ينبُش في طاقات العقل الباطن، ينصح بالتأمُّل والاستقراء، ويتحدّث عن تأكيد الأمنيات لتصبح واقعا، وفائدة التخيُّل، وقدرته على المُساعدة بشكلٍ فاعِل في تحقيق المرجو.
الكتاب ليس ببعيدٍ عن المستجدّات العلميّة، رُغم قربه من جوهر الإنسان إن استطعنا أن نسمِّيها "روحا"، يُحاول الكتاب كذلك أن يُعيد الإنسان ويلفت انتباهه إلى شيء مُهم ربّما غاب عنه في زمن الماديّات وتحكّم الآلة ..يُحاول إعادته لطاقة هائِلة داخله لو استغلّها لحقّق الكثير مما يرجوه.
كما أنّ اللافت في طريقة عرض الكتاب أنّ لغته سلسة متناسبة مع فئات عدّة، وهي لغة محفِّزة؛ تستنهض الكثير من الأفكار وتدفع للتّجريب، يقول المترجم إن فكرة الكتاب جاءت ترجمة وتجميعاً لفلسفة وآراء مجموعة من كتاب وفلاسفة ورجال أعمال أمريكيين عظام في منتصف القرن العشرين، مؤسسي ومبدعي فلسفة النجاح أمثال ديل كارينجي ونابليون هيل وغيرهم. لكنه طبعه بطابعه الخاص وخبرته الشخصية وأبحاثه التي قام بها خلال العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين. جميع موضوعات هذا الكتاب جذابة وتستأثر بذهن القارئ وعقله، ولا بد أن تولد ذبذبات طاقة تحث العقل على التفكير والعمل.

يقع الكتاب في 19 فصلا ..جاء الفصل الأول منه بعنوان (وجهة نظر أخرى عن الواقع) وفيها يتحدّث جون كيهو عن تأثير العقل الباطن بشكلٍ عام كتمهيد لما يحويه الكتاب ولما سيتركه من أثر في نفس القارِئ.
وكما يقول "فإنّ عالمنا الداخلي حسّاس جدًّا، وبتفاعله مع العالم الخارجي تنتفي الفُرص لدينا لإدراك القوة التي نملكها، ومن سخرية القدر ان الإنسان يبدأ بتغيير الواقع الموجود فيه في اليوم والسّاعة والدقيقة التي ينتفي فيها تأثّره المستمر بهذا الواقع" هذا ضمن ما جاء في الفصل الثاني من الكتاب المعنون بـ (الوعي) وقد افتتحه بـ ( فكّر وكأن كل فكرة من أفكارك مكتوبة بأحرف مضيئة في السّماء ليراها الجميع" من كتاب الحكمة "الميرداد")، فالوعي الداخلي عبارة عن قوّة هائلة نحسّ بها في كل ناحية من نواحي حياتنا، وعليه يرتكز نجاحنا وفشلنا، كما ركّز جون كيهو في هذا الفصل على "الأفكار" بكونِها ليست مجرّد هاجس عابر إنّما تتشكّل ماديًّا، لذا دعا في هذا الفصل إلى التركيز على الأفكار الإيجابية الناجحة التي تجعل من الإنسان منتجًا، مؤكِّدًا على وجوب مراقبة الأفكار وتوجيهها شطر النجاح، فهو لا يعزو فشل المرء وإخفاقاته للظروف والبيئة المحيطة، بل يؤكّد أن الأفكار هي الوحيدة القادرة على إعاقة أي نجاح وتحطيم أي طموح، لذا يرى انّه على المرء تغذية حياته بوعي وطاقة ناجحة دون النّظر للظروف المعاشة سابقًا وحاضرًا.

(الاستبصار أو التمثيل الفكري)

وهو فصل يدعو لتفعيل الخيال بكلِّ إمكاناته.. أي تخيُّل الوضع المُراد تحقيقه ومعايشة الأفكار لكأنّها حقيقة، فالتخيُّل من أفضل الإمكانيات الديناميكيّة للإنسان إذا استطاع أن ينظّم نفسه جيدًا، يأمر جون كيهو المتلقّي في هذا الفصل " فكّر أكثر بأشياء تقوم بعملها أو تقتنيها، وليس بأشياء قد تحدث أو لا تحدث".. مؤكّدًا أنّ الواقع الذي نرسمه بأفكارنا ونفكّر فيه باستمرار سيصبح مسرحًا لأهدافنا وأشكالنا المليئة بالطاقة، إن هذا " الفيديو" هو قوّة حقيقيّة ستعمل مع الوقت لصالحنا.
يقول ليليان وايتنغ "عندما يكون الشيء أو الهدف موجودًا كفكرة، فإن تحقيقه في شكلٍ محسوس ومرئي عائد للزمن فقط، التخيّل دائما يسبق التنفيذ"، وفي الفصل الرابع (غرس الأفكار) يذكر كيهو شروط للاستخدام الناجح لطريقة غرس الأفكار وذلك عن طريق التشبّع بالفكرة في امتلاك ما يريد المرء، والإيمان بالحصول عليه، وممارسة ذلك بشكلٍ منتظم يوميًّا وبلا انقطاع لمدة خمس دقائق على الأقل.
يفتتح فصل (التأكيد) بمقولة لـ برايس ماردن " إمكانيات التدريب الذهني غير محدودة، ونتائجه أبدية، لكن قلّة فقط هم الذين يستطيعون توجيه أفكارهم بالاتجاه السّليم، الذي يوفّر لهم النجاح، ويجري كل شيء في العادة بشكلٍ عشوائي"
مؤكدًا أن هذه الطريقة قد اُستخدمت خلال آلاف السّنين في الأديان والسحر على شكل صلوات وإيماءات، وتستخدم الآن أنماط مختلفة من البشر لعقد الصفقات العلمية، والتخلّص من الأمراض المختلفة، والتعرّف على أناس جدد، والفوز في المسابقات.
فالمرء حالما يؤكّد على الأفكار إنما هو يؤثّر عليها، ويدفع بها للتحقّق مشترطًا وجوب التأكيد الإيجابي دائِما بعدم استخدام جمل النّفي كـ " أنا لا أقلق" إذ ان العقل غالبًا يُسقط أدوات النّفي ويركّز على الصّور الهدامة، ووجوب قصر جُمل التأكيد، كما أنّه يرى أن لا أهمية لموضوع الإيمان بالتأكيد، فمع الوقت سيأتي لا يجب التّركيز على هذا الأمر.

في فصل ( الإدراك) يلفت جون كيهو انتباه القارئ إلى خطأ شائع يقوم به الكثيرون، إذ يحتفون بنجاحاتهم بشكلٍ مؤقّت، وسرعان ما يتلاشى الإحساس بالنجاح ليبدأ التركيز على تحقيق أهداف جديدة، يهدر المرء هنا طاقة هائلة مخصصة للنجاح بغرسه فكرة عدم تحقيق شيء والتركيز على ما لم يتم إنجازه بعد، إلا أنه يمكنه إعادة استخدام طاقة النجاح في الإنجازات السابقة، وتحقيق نتائج مذهلة عن طريقها، فكل نجاح يليه نجاح آخر إن واصلنا نجاحاتنا ببعضها وأقررنا على الدّوام بوجود إنجازات في حياتنا.

العقل الباطن ( اللاوعي)، يؤكِّد جون كيهو في كتابه بالمزيد من التّحفيز على مقدرة العقل الباطن في صُنع ما نظنه معجزات، يكفي أن نفكّ رسغ العقل الباطن من العقل الواعي الذي هو سبب للكثير من التأخُّر والتردُّد والفشل، فالعقل الواعي يُسيِّج الكثير، يكون كصاد لذبذبات العقل الباطن ومؤطِّر لها.. العقل الواعي هو العقال الذي يمنع الذي يحول دون انطلاق العقل الباطن، لذلك عند التنويم المغناطيسي مثلا، وبما أنّ العقل الواعي حينها يكون مُحالا للتنويم فإنّ العقل الباطن ينشط إلى درجة يُمكنه تذكُّر ما لا يستطيع أو ربّما نستطيع القول ما يعجز عنه العقل الواعي، يذكُر الكاتب حادثة طموحه في تغيير وضعه، وقد كان يتخيّل طرق التغيير ويعيشه في خياله .. وهذا ما يؤكّد أنّ له عظيم الأثر في تحقّق ذلك التغيير وبلوغه لما أراد.
في فصل (الحدس) يستحضر كيهو حوادث ومواقف لنجاحات كان الحدس هو سببها، فحالما يستمع الإنسان إلى صوته الداخلي فإنه يتوصّل لحلولٍ سليمة، ويقترح أفكارًا مبدعة، وينظر للأشياء بعمق أكبر، يرى كيهو أن الدماغ البشري ليس سوى قطعة من مجسّمة هائلة، وكل جزء من هذه المجسّمة يحوي الكل، فالوعي من الممكن أن يشمل الخبرة الشخصيّة والمعارف في الوقت الذي يرتبط فيه العقل الباطن بنظام كامل يسمح بالدخول إلى بنك المعلومات المخزّنة لدى المرء، وبالإمكان الدخول إلى بنك المعلومات ذلك عبر الحدس.

(الأحلام) في هذا الفصل يتطرّق الكاتِب أيضًا إلى أهميّة الأحلام، وكيف أنّها رسائِل مشفّرة لا يُمكن إلا لمن اقترب من ذاته وتفهّم لها أكثر أن يفكّ شفرتها، الأحلام هي رسائِل المستقبل.. وهي كما يقول أحدهم أنّ الأحلام غير المفسّرة أشبه برسائِل لم تُفتح بعد، هي رسائِل رمزيّة، ينصح جون كيهو في كتابه بمراقبة الأحلام فهي لغة الرمز المنسية، كل جديد فيها تحول خفي للإنسان، ويرى كيهو أن الفهم الصّحيح للأحلام مفيد جدًّا؛ لأن الإنسان سيشعر آنذاك بالرضى والاطمئنان لحصوله على توجيهات وإرشادات من عالمه الداخلي، فتفسير الأحلام عبارة عن جدل مباشر بين المرء وعقله الباطن، فعندما يلم الإنسان بتفسير الحلام فإنه سيفهم وجود علاقة بينه وبين شئ ما موجود بداخله قادر على كل شيء.
يقول ابراهام ماكلو" إن مستقبل الإنسان موجود بداخله، إنه يعيش بداخله في هذه اللحظة" من خلال هذه المقولة يفتتح كيهو الفصل العاشر (الواقع)، فالواقع عملية متحوّلة وليست ثابتة، ولا يُمكن للأفكار أن تُحدث التغيير بشكلٍ مباشر هي عملية تراكميّة، لذا يجب تعضيدها بالأفكار الإيجابيّة لمدى بعيد ودائم.
(التركيز والتأمّل) انطلاقًا من فكرة ( كل فكرة هي قوة مسيطرة على الإنسان) يعرض كيهو محاسن التّركيز والتأمّل لتعضيد قوّة الأفكار بكونه طاقة تحتاج للمراس والتّدريب لتؤتي أُكلها، فمن خلال التركيز والتأمل يمكن للمرء التحكّم بأفكاره، مما يجعل الذهن أكثر صفوًا ونقاءً، إذ ان التأمل يشحذ العقل ويسمح له بالتعمّق ورؤية الأمور بوضوح أكثر مما تبدو عليه.
لا توجد ناحية من نواحي حياتنا إلا وللإنسان فيها نظرة وعقيدة وفي فصل (وجهات النظر وترسيخها) يوضّح كيهو كيف أنّ مصائر الإنسان هي نتيجة لمعتقداته وأفكاره، فكم من مرء آمن بـ ( الحسد) وأثره وتأذّى نتيجة ذلك الإيمان، وكم من مرءٍ آمن بفشله وعدم مقدرته فلم يبرح مكانه، في هذا الفصل يوضّح كيهو ترسّخ المعتقدات في العقل الباطن وتأثيرها على الواقع، فالعقل ماكِر وجاهِل في آن، لذلك يجب تعزيزه بالأفكار والمعتقدات الإيجابية لتمضي الأمور وفق ما يشاء المرء.
يتشكّل تقييمنا لأنفسنا من التخيّل الفكري لجميع المفاهيم التي تشكّلت خلال سنوات عمرنا كلّه، حيث ينطبع هذا التخيّل في العقل الباطن كليًّا لدرجة أنه يبدأ يعيش بذاته وننسى بكل بساطة أننا نحن الذين خلقناه وتاليًّا بإمكاننا تغييره وإعادة تشكيله، وفي فصل(تقييم الذّات) ثمّة نصائِح وخطوات لتعزيز الذّات والثّقة بها مما يدفع بالمرء إلى ترسيخ صورة ناجحة في العقل الباطن عن النّفس ليتترجم بعدها واقعًا معاشا.

(توجهات إبداعية) إن الإلهام والتخيّل ضروريان جدًّا في جميع نواحي حياتنا، والقوّة الإبداعية التي من الممكن أن ترفدهما هي قوة موجودة في كل إنسان بكونها جزءا لا يتجزأ من تركيبته، إلا أنّ البعض غيّب هذه الطاقة بفعل المحيط والأفكار السلبيّة المتأصّلة في اللاوعي، جو كيهو في هذا الفصل يذكر ست توجّهات إبداعية من الممكن أن تحسّن حياة الإنسان تتلخّص في: (كُن باحثًا، اِسأل كثيرًا، احمل كومة أفكار، اخترق القاعدة بكسر العادة، اسمح لخيالك بالعمل، اِملأ البئر) كل هذه التّوجهات تنصب في الخروج عن المألوف والتفكير بطرق جديدة ومبتكرة والتساؤل في المألوف والبحث فيه وعنه.

( لا مشاكل بل إمكانيّات فقط) في هذا الفصل يتناول كيهو ما يراه الإنسان مشاكل على أنّه إمكانات ضروريّة للتطوّر، معززًا نظرته للأمر بالكثير من المواقِف.

في فصل (طبّب نفسك) يُركّز كيهو على تأثير الأفكار في الاستشفاء وذلك بذكر بعض الحوادث والمواقف التي من خلالها تمكّن بعض المرضى من معالجة ذواتهم عن طريق الأفكار والإيحاء الذّاتي.
في (وعي الإنسان النّاجح) ذكر كيهو خمس خطوات لتوليد تفكير الإنسان النّاجح أوّلها "طوّر في نفسك عقيدة الإيمان بالنجاح" من خلال بعض المعتقدات الواجب الإيمان بها وتطبيقها كالعالم مليئ بالثروات، والحياة تحمل لنا دائِما السعادة والرضى، وكل ناحية من نواحي حياتنا مليئة بعدد لا متناهٍ من الإمكانيات والفرص، ونجاحي مرتبط بي فقط. والخطوة الثانية: ابحث عن الوفرة وجدها حالا؛ وذلك من خلال البحث والاجتهاد وتعزيز وعي الإنسان الناجح.
والخطوة الثالثة: كن واثِقا أن النجاح موجود في كل مكان، ما عليك سوى البحث عنه وتعزيز أفكارك وشحذ همّتك، أمّا الخطوة الرّابعة: اِسمع أشرطة تسجيل واقرأ كتبًا في تطوير الذّات، وانتمِ إلى جمعيّات وهيئات هدفها تحقيق النجاح.
الخطوة الخامسة: قارن نفسك دائما بأناس ناجحين سواء كانوا أحياءً أو أمواتا، فطاقة النجاح تخترقك باستمرار عندما تكون في مجتمع كالمجتمع الشبيه لمطامحك، فالمرء قادر على امتصاص هذه الطاقة بمجرد وجوده في بيئة كتلك.
(علاقاتنا المتبادلة) في هذا الفصل يتطرّق كيهو لطبيعة علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وكيف يمكن لهم أن يتقبلوا الآخرين بكل عيوبهم ومزاياهم، وكيف يمكن أن نركّز على الجانب الإيجابي في علاقاتنا، وكيف أنّ تصوّراتنا عن الآخرين واعترافاتنا لهم من الممكن أن تؤثّر في سلوكهم وتعاملهم معنا، إذ نستطيع أن نشحذ الآخرين بقوّة وإيجابية من خلال نظرتنا وتعاملنا معهم.

(ثابر على تجربتك وستتخطّى النتيجة كل التّوقعات) في الفصل الأخير يؤكّد كيهو كيف أنّ المثابرة والتأكيد بالأفكار الإيجابية وغرسها والاعتناء بها كيف لكل ذلك أن يصنع إنسانًا ناجحًا، لكن ذلك كلّه لن يكون إلا بالتمرين والممارسة والتأمّل واستغلال الطاقات الكامنة في النفس البشريّة.
الكتاب في مجمله هو نبش في حقيقة الكنز المجهول في باطن كل إنسانٍ منّا، الكنز المردوم بالكثير من الطبقات المخشي أن تكون قد التصقت به، كل ما على الإنسان أن يعي لأهميّة اللاوعي ويعزّزه بالتفكير الإيجابي، كما أنه تجدر الإشارة إلى أن المخاوف وتدخلات العقل الواعي هي من ألد الأعداء للعقل الباطن وتجليّاته، إذ تُحدث تشوّشًا لصفائه مما يجعل المرء بعيدًا عن كنزه، العقل الباطن مكمن النجاحات التي من خلالها يمكن للإنسان أن يحقّق ذاته، ويساعد الآخرين على تحقيق ذواتهم.
جريدة عمان