المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنا والآخر


سالم الوشاحي
09-02-2013, 04:06 AM
أفق
أنا والآخر آخر تحديث:السبت ,09/02/2013


إبراهيم اليوسف

مرَّت دورة العلاقة بين “الأنا” و”الآخر” خلال التاريخ البشري بمراحل ومحطات عديدة، تجاذبتها رؤى متناقضة، تنوس بين إلغاء الآخر، فكراً، في إطار إلغائه- وجوداً- وممارسة من خلال قبوله، والاعتراف به، في المقابل، على أساس أن له الحق في الوجود، والرأي، والتفكير، شأن سواه، وذلك ضمن معايير أخلاقية دينية شرعية دنيوية، لابدَّ من الاحتكام إليها في تنظيم هذه العلاقة، حتى يسود المجتمع والعالم الوئام والحب والتفاهم .



إن العالم يضم بين ظهرانيه مِللاً وأقواماً وشعوباً كثيرة، لكل منها ثقافتها، ومقوّمات حضارتها، وتاريخها، وتراثها، وأدبها وفنها، وإذا كانت اللغة لدى أيِّ شعب أو مجتمع من علامات الخصوصية والاختلاف الإيجابيين، فإنه في العام 1977 تم رصد عدد لغات ولهجات العالم، وتبين أنها تصل إلى العشرين ألفاً، وإن كان هناك من يقدرها، الآن، بأنها تتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف، كما أننا نعلم أن لغات هائلة قد غابت نتيجة “هيمنة” ثقافات أخرى عليها، أو بسبب ويلات الحروب أوكوارث الطبيعة من براكين وزلازل وغيرها، ولا تزال ثمة أشكال من الأخطار محدقة بلغات بل بثقافات الأمم والشعوب، في زحمة سطوة مجرد لغات قليلة، باتت تهيمن عالمياً، وهو موضوع آخر . ولعل دارسي الإنتربولوجيا قد أفلحوا وهم يجعلون من اللغة مدخلاً لاستكناه واستكشاف خصوصية أية ثقافة أو أية حالة بشرية، إذ إنها، حقاً، خزان الحضارة، كما هي خزان التمايز، للثقافات البشرية جمعاء، وإن كان بين الثقافات الأصيلة كلها، ما هو إنساني مشترك .



إن وجود علامة فارقة في تراث أيِّ شعب من شعوب العالم، حالة إيجابية، وهو يفتح الباب مشرعاً أمام تلاقح الثقافات، وتطورها وتقدُّمها، وهي إحدى سنن الكون ونواميس الحياة، لنكون “شعوباً وقبائل” “نتعارف”، حيث إن التنوع الآدمي، في خريطة العالم، يعدُّ أحد العوامل المهمة التي تخدم ديمومة وغنى الثقافة الإنسانية العامة، وتشكل دعامتها الكبرى .



ولا يمكن لأيِّ مجتمع أن يحقق ما يصبو إليه من رقي وحضارة ورفاه وعمران وسعادة، ولا أن يتم زج الجهود كافة في خدمة أبنائه، ما لم تكن أواصر العلاقة بين المكونات التي تعيش بين ظهرانيه متوطدة على أسس سليمة، صحيحة، تمثل مصالح كل هؤلاء سوية، لاسيما أنهم يجسدون ثقافات مختلفة، وأن الحكمة البشرية الكبرى، تكمن في تكريس ثقافة قبول الآخر، وثقافته، واختلافه، بل إبداع الموازين الكونية بين الناس، على أسس من الاحترام والاعتراف بخصوصية الآخرين، في كل مكان .



وثمَّة مهمَّات كبيرة، أمام “الإنتلجنسيا” في مثل هاتيك البقاع في العالم، تظهر الآن، وتكمن في أن يحضوا على ثقافة العيش المشترك، وقبول الآخر، مادام أنه شريك معه في هذا العالم، لأن مجرَّد الدَّعوة إلى محو لغة ما، أو نكس راية ما، وفرض مجرد ثقافة عليه، يعدّ نتاج ثقافة وبائية، وتدلُّ على خلل لابدَّ من التطلع لوضع حد له، باعتباره تهديداً لنا جميعاً .



جريدة الخليج