المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التاريخ الثقافي الإماراتي


سالم الوشاحي
10-02-2013, 04:47 AM
أفق
التاريخ الثقافي الإماراتي

منّي بونعامة



التاريخ الإماراتي تاريخ قديم وموغل في القدم، هذا ما تحيل إليه الحفريات الأثرية في العديد من مدن الدولة . وتلقي المصادر الموجودة كذلك أضواء كاشفة على حقب مهمة، ومراحل متمايزة، وأطوار تاريخية كان الإنسان الإماراتي حاضراً فيها بذاته ووجدانه وكيانه . عانق البحر، وغاص في أعماقه، واستخرج منه اللؤلؤ والدرر، وجاب القفار، وانغمس في الصحراء وشمسها اللافحة التي تركت بصماتها المعبّرة على قسمات وجهه وجبينه، وتأقلم مع الحياة على شظفها وصعوبتها آنئذ، وأنتج وأنجز وفق ممكنات حياته، وراهن معيشته، وصنع أدواته وغزل زيه وملبسه، وصنع مسكنه وفراشه بنفسه .



قصة التاريخ هنا لم تكن قصة عابرة تمر مرور الكرام، من دون أن تحدث أثراً، أو تخلّف بصمة تظل ماثلة ما تعاقب الجديدان، بل كانت قصة عميقة، ذات دلالة ومغزى، قصة أفلتت من حصر وال ديورانت في موسوعته “قصة الحضارة”، وتجاوزت المنظور الخلدوني . بيد أن النظرة للتاريخ، نظرة فاحصة تكشف النقاب عن أهم المراحل التي استعصت أو أفلتت من التدوين تشي بأن ثمة جوانب من التاريخ الإماراتي لا تزال مطمورة ومنسية، ولم يتم دراستها دراسة معمّقة، وهي من الأهمية بمكان .



ما كتب من التاريخ الإماراتي حتى الآن يمكن اعتباره متميزاً كماً ونوعاً، وإن كان بعضه ينزع إلى الاجترار والتكرار لما سطّر من قبل . بيد أنه من الملاحظ في ما كتب من ذلك التاريخ غياب العنصر الثقافي إلا لماماً، بل لا يزال التاريخ الثقافي بشكل عام خلواً من الدراسة المتخصصة والبحث الجاد باستثناء اهتمامات عابرة لا تحيل إلى تعمق كاف في الموضوع رغم أهميته، وما يحفل به من قامات فارعة حفرت أسماءها في ذاكرة الزمن، وسطرت بأناملها جوانب من الثقافة المحلية التي تعكس اهتمامات الإنسان الإماراتي الثقافية رغم ما كان يكابده من مصاعب . من بين هذه الأسماء المؤرخ والأديب عبدالله بن صالح المطوع، وحميد بن سلطان الشامسي، والشيخ محمد بن سعيد بن غباش، وسالم بن كلبان، والشيخ عبدالرحمن بن حافظ، والشيخ مانع بن راشد بن مكتوم، والشيخ أحمد بن حجر بن البنعلي، والشيخ عبدالله بن علي المحمود، ومحمد علي شرفا الحمادي، والشيخ أحمد بن الشيخ حسن الخزرجي، والشيخ عبدالعزيز بن حمد المبارك، وعبدالله بن محمد الشيبة، وغيرهم كثير .



إن حقيقة الحركة الثقافية التي بدأت ترتسم ملامحها مع أولئك الرعيل الأول من رواد النهضة وسدنة الثقافة والمعرفة في هذه البلاد تشي بمدى عمق الوعي الثقافي لدى الإنسان الإماراتي، وتنسف التوصيف السطحي الذي يختزل الدولة في بعدها الاقتصادي الذي بدأ بالتساوق مع طفرة النفط، متجاهلاً الجذور الثقافية والحضارية الضاربة في القدم، حيث الشواهد لا تنبئ إلا عن ماض أثير ارتسمت ملامحه في وجه صحراء فسيحة .


جريدة الخليج