المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خيبات "كمائن العتمة"


سالم الوشاحي
12-02-2013, 06:03 AM
أفق
خيبات "كمائن العتمة"
محمد ولد محمد سالم

“كمائن العتمة” هو العنوان الذي اختارته الكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي لروايتها الجديدة، وقد استطاعت أن تخرج فيها من تصوير نموذج “فتاة التجارب” التي تقع عليها كل أشكال القهر والظلم الممكنة كما صورتها في روايتها “زاوية حادة”، إلى تصوير فتاة تعاني مشكلات في جانب محدد من حياتها، فبطلة “كمائن العتمة” تعاني فقداناً مزمناً للحب، وفشلت في الظفر بفارس أحلام على مستوى طموحاتها ومعاييرها، مما جعلها تعيش في عتمة مزدوجة، فجانب منها مفروض أسرياً واجتماعياً بحكم كونها فتاة تولد وتعيش في أطر ومحاذير متعددة، وجانب آخر فرضته هي على نفسها لأن تجارب الحب التي خاضتها لم تلب طموحاتها، فانكفأت على ذاتها، وأغلقت عليها غرفتها أغلب الوقت، فصارت تعيش مع العتمة وكمائنها التي لا تنتهي، ولم تعد تذكر هل هي حية أم ميتة .



تبدأ الكاتبة سردها من تلك اللحظة الضبابية التي صارت البطلة سارة تعيشها حيث تحولت غربتها إلى غياب عن الوجود، فهي لا تعرف ما إذا كانت ميتة أو حية، وفي هذا البرزخ العقلي تتذكر بدايتها، وكيف تشكلت أحلامها ثم ماتت وتلاشت تباعاً، فكانت بداياتها مع اللعب الطفولي وكيف كانت أمها تدللها، وتراقب كل حركاتها خوفاً عليها، ثم تتذكر صديقتها نسيم التي كانت تفيض حيوية، ثم فقدت أمها فانقلبت حياتها إلى تعاسة وألم وترك ذلك في نفس البطلة جرحاً وعتمة إشفاقاً على صديقتها اليتيمة، ولم تلبث “نسيم” أن تزوجت ففقدتها نهائياً، وتحضرها صورة جارتهم العجوز التي اكتشفت في مكتبتها كتب الأدب والفن، ونهلت منها مخالفة طموح أمها التي كانت تريدها فقيهة داعية .



ثم تتذكر الفتى حمود، والطبيب الجرّاح الذي أشرف على عمليتها والشاب حسن، وكلهم رموز لخيبات متتالية، وأخيراً سعد الذي نشأت بينها وبينه علاقة صداقة عن طريق الدردشة عبر الهاتف والمسنجر، وحين التقت به أصيبت بخيبة أمل وتركته، وعلم أبوها بذلك اللقاء فقرر حبسها في غرفتها، وهنا ينكشف سبب مهم من أسباب تلك العتمة المطبقة التي تعيشها البطلة .



“في كمائن العتمة” لا يجد القارئ حكاية أو قصة متتالية من أولها إلى آخرها، بل عملية تداع حر تستذكر فيها البطلة مقاطع من حياتها، وكان يمكن لعلاقة البطلة بسعد أن تشكل قصة جيدة، لو أن الكاتبة جعلتها هي صلب الرواية، خصوصاً أنها تحمل عنصر المفارقة، وهي ذات دلالة نفسية واجتماعية عميقة، لكنها انشغلت عنها بأحداث جانبية عادية، لكن ما تميزت به فاطمة المزروعي في هذه الرواية هو قدرتها على تحليل نفسية بطلتها، وتفسير دوافعها، وكذلك بناؤها لأحداث مقنعة في الغالب، وقد وفقت في اتّباع تقنية التداعي مما أتاح لها حرية اختيار وسهولة الانتقال من حدث لآخر .
جريدة الخليج