المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الظاهرة الصوتية في الشعر


سالم الوشاحي
18-02-2013, 04:53 AM
حل وترحال
الظاهرة الصوتية في الشعر آخر تحديث:الاثنين ,18/02/2013


جودت فخر الدين




لقد أُهملت الظاهرةُ الصوتيةُ في الشعر . أُهملت إلى حدٍّ بعيد . وربما، بسبب من ذلك، تراجع الاستماعُ إلى الشعر .



لقد تكاثرَ عندنا القائلون إنّ الشعر بات يُكتبُ لكي يُقرأَ، لا لكي يُقالَ أو يُلقى أو يُنشَد . وهذا التحوّل، بالنسبة إلى شعرنا العربي، يشكِّلُ انعطافاً خطيراً . نظراً إلى أنّ الشعرَ العربيَّ- عبْر تاريخه- كان ظاهرةً شفويةً ( أو شفهيةً ) في الدرجة الأولى، أي أنه كان يُنْظَمُ لكي يُحْفَظَ ويُقال، مُحْتفيا- إلى أبعد الحدود- بما هو صوْتيّ، وإنْ كان هذا الاحتفاءُ عند البلاغيين والنقّاد العرب القدامى دليلاً على تقديرٍ كبيرٍ للمعاني التي ينبغي أنْ تنطويَ عليها الظاهرةُ الصوتية .



تتزايدُ في أيامنا عزلةُ الشعر والشعراء، وتكادُ الكتابةُ الشعريةُ تصبحُ طقساً فردياً خالصاً، يتوجّهُ فيه الكاتبُ إلى نفسه . أما عددُ المهتمّين بالشعر، مستمعين كانوا أو قرّاءً، فهو في تناقصٍ مطّرد، على الرغم من تكاثر المناسبات التي يُدعى فيها الجمهورُ إلى سماع الشعر، في المؤتمرات أو المهرجانات أو الندوات . . . الخ .



إلى ذلك، يتضاءلُ عددُ الشعراء المشهورين في العالم العربيّ . ونستطيعُ القول إنّ الشعراء الذين يواظبون على إلقاء قصائدهم في المناسبات الشعرية باتوا معروفين، أو حاضري الأسماء، أكثر من أقرانهم الذين يستنكفون عن الإلقاء، أو الذين لا تسنحُ لهم الفُرَصُ لذلك . هل نفسِّرُ هذا الأمرَ بغير القول إنّ الشعرَ لا يزال مطلوباً للسماع أكثرَ منه لمجرّد القراءة؟



ننطلقُ من هذه الملاحظة الأخيرة لنستأنف كلامنا على الشعر بما يمثِّلُهُ من ظاهرةٍ صوتية، غيرَ غافلين عن واقع انصراف الناس عن الشعر، وكأنه بات عرْضاً بلا طلَب . ننطلقُ من ذلك لنقول : لماذا لا نفكِّرُ في طريقةٍ لتقديم الشعر يمكنها أنْ تكونَ أكثرَ فاعليةً وجذْباً لدى الجمهور من الطرائق المتّبعة حتى الآن؟



ولماذا لا نعيدُ الاعتبار في هذه الطريقة للقِيَم الصوتية في الشعر ؟ طالما أنّ الاستماعَ يمكن أنْ يكونَ مرغوباً من الناس أكثرَ من القراءة، التي تتطلّبُ درجةً معيّنةً من الكفاءة والمتابعة . وفي هذا السبيل، ألا يمكن استثمار بعض الوسائل الإعلامية، وبالأخصّ التلفزيون؟



إن المادة التلفزيونية هي التي تستطيع الوصول إلى جميع الناس بمنتهى السهولة، ولكنْ عليها أنْ تصِلَ بصورةٍ جيّدةٍ لكي تكونَ مقبولةً ومؤثِّرة .



والاعتباراتُ التجاريةُ مهمّةٌ جدّاً في هذا المجال، كما هو معروف . وتقديمُ الشعر من خلال التلفزيون، وفي تركيزٍ على قِيَمهِ الصوتية، دونه عقباتٌ كثيرة، أبرزُها مجافاتُهُ لجميع الاعتبارات التجارية إذا صحَّ التعبير . وفي أساس هذا الواقع قناعةٌ شبهُ عامةٍ بأنّ الشعرَ بات في هامش الحياة، ولم يعُدْ من الأهمية بحيث ينبغي التفكيرُ في تقديمه إلى الناس على نحْوٍ لائق .



هنا تبرز المسألة التربوية التي تتمثّلُ في خطأ ابتعاد مؤسساتنا التعليمية والإعلامية عن الاهتمام بالشعر . وفي هذا الابتعاد ما يعبِّرُ بوضوحٍ عن مشكلتنا الثقافية، والحضارية بعامة . فما نطالب به في هذه المقالة، ليس إذاً تقديم الشعر عبرَ وسائل الإعلام- وفي رأسها التلفزيون- بأية طريقة من الطُرُق، وإنما نطالب بتقديمه على نحْو تتجسّدُ فيه اتجاهاتٌ تربويةٌ وذوْقيةٌ وجمالية، تستطيع أنْ تُعيدَ إلى الشعر حضورَهُ البهيّ، الذي يوفِّرُ لحياتنا أفضلَ المسوِّغات . وهذا الأمر يتطلّب من مؤسساتنا المعنيّة بالأمر وعياً بأهمية الشعر أولاً، واتجاهاتٍ غيرَ تجاريةٍ في تقديمه إلى الجمهور ثانياً .



تحاول بعض القنوات التلفزيونية عندنا- من وقتٍ إلى آخَر- أنْ تقدِّمَ برامجَ أو فقراتٍ تتّصلُ بالشعر على نحْوٍ أو آخَر . إلا أنّ النتيجة تكون في الغالب تشويهاً للشعر وتنفيراً منه، كما يحصلُ في برامج التعليم ومناهجه، خصوصاً في المراحل الابتدائية، إذْ ينشأ التلميذُ على النفور من الشعر العربيّ، وتالياً من كلِّ درْسٍ يتّصلُ باللغة العربية .



أخلصُ إلى القول إنّ إعادة التركيز على القِيَم الصوتية للشعر، يمكن أنْ تؤدّيَ إلى تحسين حضوره في حياة الناس، بل إلى تأكيد هذا الحضور وتعزيزه . ونحن لم نستفِدْ في هذا السبيل من وسائل الإعلام، وبالأخصّ من التلفزيون، الذي لا يجري استثمارُهُ في خدمة القضايا الثقافية الجوهرية، وإنما يجري استثمارُهُ- ويا للأسف- لأغراضٍ تجاريةٍ أو دعائيةٍ فقط .

جريدة الخليج