المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين لغتي الشعر والسرد


سالم الوشاحي
18-02-2013, 05:01 AM
بين لغتي الشعر والسرد آخر تحديث:الاثنين ,18/02/2013


إبراهيم اليوسف

لايزال الحديث عن لغة الشعر يأخذ حيِّزاً كبيراً في الدراسات النقدية، في مجال الشعر والأدب، حيث تعدّ اللغة الأداة الرئيسة في كل أدب مكتوب، شعراً وسرداً، في آن، إلى الدرجة التي عدّ فيها بعضهم القصيدة عبارة عن “عمارة لغوية”، وإن براعة الناص وخبرته تكمنان وراء إبداع النص وتمايزه، سواء أكان بالنسبة إلى تجربته الشخصية، أم تجربة سواه، ومن هنا، فإن بعض هاتيك الدراسات النقدية إنما ينطلق من عنصر اللغة في القصيدة، كي يراه الأصل، ولتعدَّ العناصرالأخرى فروعاً، وتنويعات، سواء أكانت الصور أو الإيقاع أو الأخيلة . . إلخ، بل إنه يتم استقراء كل هذه العناصر وغيرها، من خلال تلك الأداة نفسها .



وبدهيٌّ، أن هناك مستويين دلاليين للمفردة، يكمن المستوى الأول منهما في بعدها المعجمي، كما يكمن بعدها الثاني في مستواها الإبداعي، وهناك ثمة فرق كبير بين هذين البعدين على صعيد المفردة الواحدة، وإن كنا سنجد أن المفردة تظل أسيرة معنى واحد، تكاد لا تبرحه البتة، بيد أن المفردة المستخدمة في النص الإبداعي تتميز بأنها متحولة، إذ تتجاوز معجميتها، وأحاديتها، إلى حيث رحابة المعنى .



إن الرصيد المعجمي، لدى أي منا، لا يمكن أن يعينه على إنتاج نص إبداعي، من دون أن يتم إعادة بث الروح فيه، اعتماداً على تجربة المبدع، وموهبته، وذلك لأن هذه الذخيرة من الكلمات، إنما تظل مجرد معين له في عالم الخطاب الشفاهي لديه، وذلك في ظل غياب مقومات الإبداع الأصيل لديه، ولهذا فإن هناك بوناً واسعاً بين حدي التعبير: الوظيفي منهما، والإبداعي، على حد سواء، وهو ما لا يدركه كثيرون، بل إنه ليخلق ما يمكن وسمه بالوهم لدى حفظة النصوص، والمفردات، الذين قد يستخدمونها في حدود عاديتها، من دون أن يضفوا عليها أية بصمة إبداعية، حتى وإن كتب بعضهم في مجال النظم، الخالي من روح الشعر والإبداع .



ولعل المتلقي العادي، يستطيع أن يميز بين لغتي الشعر والسرد، من خلال تجربة القراءة، لأن هناك فروقاً شاسعة بين استخدام المفردة في كل من هذين الرافدين الإبداعيين، إذ إن تغير حال المفردة الواحدة في الشعر والقص، على سبيل المثال، إنما يعود إلى روح الناص الذي يمنح المفردة خصوصيتها هنا أو هناك، بل إن الناص نفسه هو من يستطيع جعل المفردة موائمة لفضائها الروائي، أو المسرحي، لأن المفردة الواحدة تتحول دلالياً، وفق توظيف مستخدمها لها .



وإذا كان هناك لكل جنس أدبي لغته الخاصة، التي يمارس مبدعها عملية خلقها، اعتماداً على قدراته، وإمكاناته، فإن المبدع الأصيل هو الذي يستطيع تجاوز لغته الذاتية، بين عمل إبداعي وآخر بالنسبة إليه، سواء أكان شعراً أو سرداً، وهكذا بالنسبة إلى لغة سواه، من دون أن يظل في حدود أية أطر مسبقة، بل أن يتحرر منها، ليحقق ثنائيتي التجاوز المعروفتين في هذا المجال بالنسبة للذات والآخر، لئلا تكون لغة أي نص نسخة “فوتوكوبي” عن أية لغة سابقة عليه، وهو يكسر بهذا أية شرانق من شأنها أن تمارس سطوتها عليه، كي تكون لغته صدى روحه، وانعكاس احتراقات عالمه، بعيداً عن أية صوى ونماذج أخرى سابقة عليها .



ومن أهمِّ ما يميز لغة الشعر عن لغة السرد، مخبرياً، هو أن لغة السرد ممكنة التحليل، على ضوء القراءة الأولى، إضافة إلى أن الهوة تتقلص بين أية قراءة وأخرى، في حال امتلاك هذين القارئين لأدوات القراءة، بيد أن الأمر يختلف -تماماً- أمام لغة الشعر، حيث إن مثل هذين القارئين لا يمكن لهما أن يستقرئا ويستخلصا المعادلة اللغوية، لأي نص شعري، بالدرجة نفسها، بل إن تعدد قراءات القارئ الواحد تمكنه في كل مرة، من اكتشاف آفاق جديدة في النص نفسه، إلى ما لا نهاية له من التأويل تبعاً لدرجة إبداعيته .

جريدة الخليج