المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تحفظ التاريخ الشفوي العماني


سالم الوشاحي
19-02-2013, 07:06 AM
هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تحفظ التاريخ الشفوي العماني





الرواية الشفوية مكملة للوثيقة المكتوبة -
المشروع مصدر علمي بحثي يرفد الذاكرة الوطنية -
انطلق مشروع التاريخ الشفوي (المرويّ) الذي تعمل عليه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية مع بداية السنة الجديدة ، وذلك سعيا منها في توثيق وحفظ التاريخ الشفوي الذي يمثل جزءا من الذاكرة الوطنية إلى جانب الوثيقة المكتوبة، حيث تم تشكل فريق عمل متخصص ومدرب في مجال التاريخ الشفوي ومجهز بكل الأدوات الفنية والتقنية التي يحتاجها العمل، وقد باشر فريق العمل لإنجاز المهمة الجديرة بالاهتمام الموكلة إليه لحفظ جانب من الإرث والمخزون العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والأدبي الذي تختزنه الذاكرة البشرية وهي عرضة للفقدان بالعديد من المسببات أهمها الوفاة أو المرض أو التقدم في السن وما يصاحبه من ضعف الذاكرة، والتي يحتفظ بها العديد من أبناء هذا الوطن ممن كان لهم دور مهم في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها ، أو من الذين عاصروا التطور الذي تعيشه البلاد في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد- حفظه الله ، ويأتي اهتمام الهيئة بهذا المشروع ايمانا منها بأهمية توثيق تاريخ عمان التليد من خلال حفظ الرواية الشفوية، حيث يمثل مشروع التاريخ الشفوي (المروي) إضافة جديدة ومركز اشعاع مهما للمعرفة البحثية، ويعد من الركائز الأساسية في توجه الهيئة لتكوين بيئة داعمة للبحث العلمي وقادرة على الإسهام الفاعل في حفظ ذاكرة الوطن، ولضمان بقائها كرصيد تاريخي حي للبلاد، من خلال اجراء المقابلات التوثيقية مع صناع الحدث أو المشاركين فيه أو مع أصحاب الفكرة والتجربة اليومية .
منهجية عمل مشروع التاريخ الشفوي

ويعتبر التاريخ الشفوي ( المروي ) من الوثائق الوطنية المهمة ، والتي لا تقل أهمية عن الوثائق المدوّنة، إذ أن كلاهما تحفظ جوانب مهمة من ذاكرة الوطن يستشف من خلال مضمونها الذي يوحي إلى التوثيق الشفوي وهو جزء من الوثائق الأخرى التي تحفظ ذاكرة الوطن ، والتي تبين للمواطنين والباحثين من داخل السلطنة وخارجها أن للوطن ذاكرة يجب أن تحفظ ، فالرواة هم من لديهم المعلومة والدراية، ومن عايشوا الأحداث أو شاركوا فيها، أو سمعوا عنها، أو أولئك الذين انتقلت اليهم تلك المعلومات من جيل لآخر، ويبقى هؤلاء مرجعا لهذه الوثائق الشفوية.
كما أن ذاكرة الإنسان تتعرض للضعف وتصاب بالنسيان في بعض الأحيان، فكان توجه الهيئة وسعيها نحو حفظ الرواية الشفوية لما لها من قيمة تاريخية وبحثية في كشف الحقائق وإبرازها و حفظها. ويأتي مشروع التاريخ الشفوي ، كأحد المشاريع الهامة على المستوى الوطني ، تقوم به الهيئة لأجل أن تبقى ذاكرة الوطن محفوظة، لا تتأثر بعوامل الزمن ولا يلفها النسيان ، ليعود إليها كل باحث وطالب معرفة . ويقوم فريق العمل في مشروع التاريخ الشفوي بإجراء المقابلات - وإدارة المشروع وفق الأسس العلمية - المتعارف عليها في هذا المجال، والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين .

أهمية التاريخ الشفوي

والرواية الشفوية تعدُّ مصدرا آخر لا يقل أهمية عن مصادر كتابة التاريخ عند المؤرخين، وإحدى طرق اكتشاف المعارف والحصول على العلوم ، حيث أنها تحتوي على معلومات - واحداث وقراءات استقوها - من خلال مصادر شفوية، فينقلوها عبر كتاباتهم ، بعد أنْ يقوموا بتمحيصها وتحليلها ، وهو ما سلكه المؤرخون التي تتميز أقلامهم بالموضوعية والنزاهة على سبيل الاختصار لا للحصر كأن يقول : حدثنا فلان عن فلان ، وذكر فلان ، وقال لي فلان وغيرها . وقد وجدت الرواية الشفوية مكانتها البارزة في التراث الإسلامي ، حيث أن جذور الرواية الشفوية تعود إلى رجال الحديث النبوي الشريف الذين كانت لهم رؤيتهم الواضحة ، والتي تقوم على ضوابط معينة كحال الرواة ومعتقداتهم والقبول والرد والعدالة وغيرها من الأسس التي تبنى عليها مصداقية الرواية الشفوية. فالهدف من اعتماد الهيئة لمشروع التاريخ الشفوي (المروي ) هو تحقيق غايات سامية ، وأهداف نبيلة تتمثل في حفظ الذاكرة الوطنية الشفوية ، ومن أهمها سرعة الوصول إلى الأشخاص الذين يمتلكون المعلومات والمعارف الشفوية التي تضيف رصيداً آخر للرصيد الوطني من الذاكرة المحفوظة.

عناصر مشروع التاريخ الشفوي

إن الخصائص الأساسية التي ينبغي أن يرتكز عليها للقيام بهذا المشروع: أولا الإعداد: ويتم من خلال تدريب وتأهيل الكوادر البشرية والموظفين والمتعاونين من الباحثين المسجلين لدى الهيئة ، وكذلك اقتناء الأدوات والمعدات من كاميرات وأدوات تصوير وصوت ، وأجهزة الحاسب الآلي وأجهزة أخرى . كما ينبغي أيضاًً إيجاد مكاتب وأماكن مخصصة لهذا الغرض تُجرى فيها المقابلات سواء أكان داخل الهيئة أو خارجها، وتهيئة المخازن لاستقبال المواد وحفظها، وتجهيز الأدوات ، والمكاتب المعدة لتفريغ المقابلات.
ثانيا: التجربة قبل الشروع في العمل الميداني وعلى نطاق واسع ، وذلك من خلال إجراء مقابلات تجريبية لمعرفة طرق إدارة المقابلات ، والحوارات الشفوية، و التعامل مع الضيوف ، ونوعية الاسئلة التي تطرح في المقابلات وغيرها من الجوانب المتعلقة بالمقابلات، وقد تم تقويم ونقد المقابلات من قبل المسؤولين وأصحاب الخبرة والتجربة .
ثالثا: إعداد كشوفات بأسماء الأشخاص المرشحين لإجراء المقابلات معهم نظراً الى أنّ سلطنة عمان تزخر بالكثير من الشخصيات البارزة في مختلف ميادين الحياةِ سياسيا، اقتصاديا، اجتماعياً، وفكرياً، واداريا، وفنياً وغيرها ، فمن الأهمية بمكان القيام بعمل حصر أو مسح ميداني عن هؤلاء الأشخاص .
رابعا: فتح بريد إلكتروني مخصص لمشروع التاريخ الشفوي من أجل سهولة التواصل مع الأشخاص المرشحين للمقابلات والباحثين والقائمين على المشروع بالهيئة، وكذلك لاستقبال أي ملاحظات واقتراحات وآراء من قبل الجمهور والمتابعين للتاريخ الشفوي .
وخامسا: توزيع الأسماء حسب المجالات الاقتصادية والاهتمامات أو التوزيع الجغرافي وذلك حسب الطرق المناسبة في اعداد الكشوفات وقوائم الأسماء للشخصيات وهي أن يتم توزيعهم حسب مجالات اهتماماتهم ، وحسب معارفهم ومعلوماتهم التي قد نجدها متوفرة لديهم ( كالفقهاء ، والأدباء، والقضاة، والمشايخ ، والإداريين ، والعسكريين، والمزارعين، وأرباب السفن البحرية ، والصناع الحرفيين ،والفنانين وغيرهم ) أو حسب توزيعهم جغرافيا.
سادسا: التنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة والأهلية من أجل إنجاح المشروع ، فمن الضرورة أن يتم التنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة والأهلية ممن لها تجارب في هذا المجال، أو التي لها علاقة بمثل هذه المواضيع، بغرض الوصول الى الأشخاص ، وتسهيل مهمة فرق العمل ، وتكمن آلية التعاون والتنسيق في مخاطبة وزارة الداخلية ( أصحاب السعادة المحافظين والولاة) وتعريفهم بمشروع التاريخ الشفوي (المروى ) وأهدافه ، ومن أوجه التعاون تزويد الهيئة بقوائم الشخصيات التي يجدون إنها مرشحة لإجراء المقابلات معها ،والإيعاز إلى الأفراد أو تسهيل مهام فرق العمل والتعاون معها ، وكذلك زيارة فريق العمل من الهيئة إلى مكاتب أصحاب السعادة المحافظين والولاة، وعقد لقاءات معهم بحضور المشايخ والأعيان ، وتعريفهم بمشروع التاريخ الشفوي وأهميته وأهدافه، والاستماع الى آراء ومقترحات الحضور، والرد على استفساراتهم والإجابة على تساؤلاتهم.
سابعا: التغطية الإعلامية فالعمل في مشروع التاريخ الشفوي ، حرياً به أن يحظى بتغطية إعلامية واسعة ، كون المشروع مشروعاً وطنيا يهدف إلى حفظ الذاكرة الوطنية الشفوية.
ثامنا: التعاقد مع باحثين مختصين لأن المشروع وطني وكبير، والأمر يقتضي تضافر الجهود من قبل الأشخاص الذين لديهم القدرة على الدخول ضمن فرق العمل بالمشروع كمتعاونين.
تاسعا: التعاون مع بعض الجهات الحكومية لأن بعض الجهات تمتلك برامج وفعاليات مشابهة لمشروع التاريخ الشفوي ، ويمكن الاستفادة من تجاربها ، أو حتى استنساخ ما لديهم من رصيد المقابلات .

كيفية العمل في مشروع التاريخ الشفوي

العمل في مشروع التاريخ الشفوي سينتج عنه وثائق وملفات، تستدعي أنْ يكون تصنيفها وفق نظام إدارة الوثائق الذي تضطلع به الهيئة ، ولكي يتم التعامل بكل سهولة ويسر مع المواد العلمية والتسجيلات والمقابلات، وكذلك سهولة الرجوع إليها من قبل العاملين بالمشروع أو حتى الباحثين مستقبلا ، فالمشروع بحاجة إلى مراعاة عدة قواعد أهمها، تصنيف المقابلات بما يتلاءم مع المضمون والمحتوى اجتماعياً ،وثقافياً ، وسياسياً ، واقتصادياً، وعسكريا، واداريا، وفنيا، وغيرها، وتفريغ المعلومات ( المقابلات ) من الصيغ الرقمية إلى مادة كتابية مطبوعة ، وكذلك مراجعة المادة المفرغة وتقييمها ( لغوياً وعلمياً ) من قبل لجنة مختصة، أو باحثين مؤهلين للتعامل مع نصوص المقابلات والحوارات الشفوية ، أيضا التأكد من سلامة الأجهزة المستخدمة في المقابلات ، والتأكد من نقل المقابلات من أجهزة المتعاونين إلى أجهزة الهيئة ، لضمان سريتها وعدم تسربها إلى خارج الهيئة، و تهيئة الأماكن ( المكاتب) المناسبة لإدخال البيانات وإجراء عمليات التفريغ ، وإعداد جداول مدد استبقاء للمقابلات لضمان إتاحتها للجمهور بعد خضوعها لمراحل التدقيق والتحليل وفق قانون الوثائق والمحفوظات الوطنية في سلطنة عمان ، ومن القواعد أيضا عدم عرض المادة العلمية المستخلصة من المقابلات إلا بعد التأكد من سلامتها وجودتها وبُعدها عن كل ما يثير بواعث الخلاف، أو يسيء إلى الآخرين ،سواء أكانوا أفرادا أو جماعات ، أو الإساءة إلى العادات والتقاليد، أو مذاهب دينية وغيرها .

إدارة مشروع التاريخ الشفوي

يمثل مشروع التاريخ الشفوي نقلة كبيرة في عمل الهيئة ، ويبرز سعيها الحثيث لحفظ الذاكرة الوطنية للبلاد ، والمتمثلة في الاهتمام بالرواية الشفوية باعتبارها مصدراً لا غنى عنه في تعزيز الرصيد الوطني من الذاكرة ، وليس غريبا إذا أطلقنا عبارة الوثيقة الشفوية على الرواية الشفوية ، باعتبارها الوثيقة المدونة ، فالوثيقة المدونة كانت وثيقة شفوية تتناقلها الألسن ، وتحفظها العقول ، وهي عرضة أكثر من الوثائق المدونة (المكتوبة ) للتغيير ، نظراً إلى حالة الانسان ،وما يعتريه من ضعف في الذاكرة لتقدمه في العمر، أو لأسباب أخرى صحية أو اجتماعية أو سياسية ، تؤدي إلى فقدان الوثيقة الشفوية ، وحتى يصل المشروع إلى مرحلة متقدمة من منهجية العمل والتطور في الأداء ، فإنّ ذلك يحتاج إلى إدارة ناجحة تعمل على تحقيق تطلعات الهيئة ، وترسم الملامح المستقبلية للمشروع، وقد اسندت مهمة الإدارة إلى كفاءات لقيادة العمل والإشراف عليه بكل اهتمام لموظفي دائرة البحوث والدراسات بالمديرية العامة للبحث وتداول الوثائق للهيئة.

مجالات المقابلات الشفوية

تشمل خطة و منهجية العمل إجراء مقابلات مع شخصيات مختلفة، منهم معاصرون لأحداث ، أو مشاركون في صنع أحداث بعينها، أو كانوا شهود عيان ، أو سمعوا، أو رأوا ، أو نقلوا رواية من مصدرها، أو من مصادر موثوقة ، أو من خلال الحوارات مع من لديهم معلومات في مختلف المجالات ، و معارف في ميادين شتى ، ومن أوجه المقابلات أنْ تكون في، المجالات الاجتماعية ، والثقافية والفقهية ، والتاريخية ، والزراعية ، و الفلكية، و التعليمية، و الصحية، والبحرية ، والتجارية، والعسكرية ، و الأمنية، والقضائية ، و الإدارية، والرياضية والفنية وغيرها ، كما أن بعض المقابلات يجب أن تكون مركزة على مجال دون غيره ، فإنّ التركيز على جانب يعطينا نظرة أحادية ، لا تفتح آفاقاً (للبحث العلمي) وستشمل المقابلات كلا من كبار السن ممّن لديهم معلومات عن البلاد وتاريخها، و عن العادات والتقاليد، ، وكبار المسؤولين في الدولة من مدنيين وعسكريين ، والشيوخ والأعيان ، والقضاة ، والولاة والمعلمين، و الأطباء، والمهندسين، والمثقفين، والرواة، والتجار، والمزارعين، والصنّاع، والإعلاميين ، وأصحاب الحرف والمهن وغيرهم من كلا الجنسين.

أسس الرواية الشفوية

والرواية الشفوية التي تُوصف بالمصداقية والموضوعية، هي بلا شك وثيقة تاريخية مهمة، بشرط أنْ تُبنى على عدة أسس يجب التثبت بها ومعرفتها عند إجراء المقابلات ، أو عند تفريغها ،أو عند مراجعتها و تدقيقها ، و من تلك الأسس، أولا: النظر والرؤية و المشاهدة ، ونعني بها أنْ يكون الشخص المُقابَل قد رأى وشاهد و نظر مجريات الأحداث. ثانيا: المشاركة، بحيث أن يكون الشخص قد اشترك في حدث معين، أو كان من صانعي ذلك الحدث ، أو كان حاضرا عند وقوع الحدث . ثالثا: المعاينة؛ أي أن يكون الشخص قد وقف على عين المكان ، و عاين موقع الحدث بعد حدوثه ، والتأكد من نتائج ذلك الحدث. رابعا: المساءلة؛ كأن يكون الشخص المقابل قد قام بتوجيه سؤال إلى عالم أو فقيه، أو قاضٍ ، أو مؤرخ ، أو مفكر ، أو تاجر وغيرهم.

مميزات الرواية الشفوية في البحوث العلمية

للرواية الشفوية مميزاتها التي تجعل منها مصدرا إضافيا مهما في البحوث العلمية ، من خلال ما يتوفر فيها من عناصر ، و أهمها، أولا: المعلومات التي يتحصل عليها الباحث من الرواية الشفوية والتي تغطي جوانب واسعة ببحثه، عدا إنها تزوده في بعض الأوقات بمعلومات أخرى لم تخطر على باله ، في كونها تدخل ضمن موضوع بحثه. ثانيا: تكشف للباحث على جوانب من الصفات الشخصية للأفراد فيمكنه بعدها من إبداء الرأي في مصداقية أحاديثهم . وثالثا: يشعر الأفراد المقابلون بمكانتهم ، وبدورهم الذي قاموا به من خلال تلك الأحداث التي يتكلمون عنها.

بداية العمل

بدأ فريق عمل مشروع التاريخ الشفوي بإنجاز بعض المقابلات الشخصية لعدد من اصحاب الفكر والتجربة الذين عاصروا أجيالا متعاقبة، وشهدوا أحداثا كثيرة، كما أنتجوا فكرا وبحثا رفدوا فيه البحث العلمي، كما أن لديهم مخزونا من التاريخ الشفوي الذي يعد مادة علمية مهمة جدا، وعليه قام الفريق بتسجيل المقابلات التي تم اجراؤها مع هذه الشخصيات ، كما أنه سيتم التواصل مع شخصيات أخرى حسب جدول زمني محدد، لتكون جزءا من الذاكرة الوطنية، ولتكون الرواية الشفوية مكملة للوثيقة المكتوبة
جريدة عمان