المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثقافة الاعتذار


سالم الوشاحي
20-02-2013, 06:16 AM
أفق
ثقافة الاعتذار آخر تحديث:الأربعاء ,20/02/2013


إبراهيم اليوسف

لا يمكن النظر إلى الفعل الثقافي إلا كبنية متكاملة، وإن كان مفهوم الثقافة يعد الحاضنة الأكبر للنشاط البشري المنظم، ليكون الفكر والفلسفة والإبداع والنقد وحتى السياسة من ضمن مفردات هذه الحاضنة . ولعلنا -في المقام نفسه- لا يمكن أن ننظر إلى الممارسة اليومية للكائن البشري- بشكل عام، وللمثقف- بشكل خاص، إلا كتجسيد لواقع ثقافته، لنكون أمام تمظهرات هائلة، لاحصر لها للثقافة، يمكن الإشارة إلى بعض ملامحها، بدءاً بالعلاقة الناظمة في البيت، ومروراً بكيفية التفاعل مع الآخرين، سواء أكان في الشارع، أم المدرسة، أم مكان العمل .



ولعل الثقافة، في ضوء مثل هذه المكونات -وهي جزء مهم منها فحسب - تجعلنا ندرك أن الفعل الثقافي يرافق المرء، منذ أن يفتح عينيه على النور، ليستمر ذلك طوال حياته، إذ يمكن النظر إلى أية ممارسة سلوكية من لدنه، على أنها- في التالي- تجليات ثقافية، تتبدى عبر رموز وإشارات وحركات وأفعال، تسهل من عملية استقراء أثره، في كل محطة يمر بها، سواء أكانت موقفاً، أم إنتاجاً، ضمن المحددات الزمنية، اللحظية، والعامة .



ومادامت تفاصيل الفعل الثقافي، تمتد على مساحة واسعة في حياة المثقف، كما سواه، فإن مُهمة الثقافة تغدو بهذا المفهوم جد مهمة، إذ يمكننا اعتبار كل ما يبدر عن المرء إنما هو ترجمة ثقافية خاصة من لدنه، عن كل ما يتناوله، صغيراً كان أم كبيراً، مادام هناك نواظم، ومعايير، تتأسس ضمن محوري الخير والشر، الجمال والقبح، وغيرهما من الثنائيات الأخرى التي تكاد تكون واحدة، أولاً وأخيراً .



إن المرء خلال تواصله الحياتي مع الآخرين، يصدر مواقف مستمرة، تنوس بين طريقة معاملة الآخرين، وكيفية التفاعل مع سلوكاتهم وأفكارهم، سلباً أو إيجاباً، وهي قد تكون مواقف ناضجة، دقيقة، صائبة، أو سريعة، خاطئة، حيث إن كل الاحتمالات واردة، تبعاً لقراءة اللحظة المعيشة من قبل قارىء الحدث المتناول .



وقد أكدت التجربة الحياتية، أن من شأن عامل الزمن، أن يستجلي الأمور على حقيقتها، لإزالة أي التباس يكتنف الحدث الذي تتباين وجهات النظر في تقويمه، ولعل بعض أصحاب وجهات النظر قد يقعون في أخطاء فادحة، نتيجة عدم استبيان الآفاق أمام نواظرهم .



ومن هنا، فإن من اللزام على المثقف، أثناء اكتشاف أي خطل في وجهة نظره الشخصية، المبادرة للإعلان عن ذلك، دونما أي تردد، لأن في ذلك ما يعزز من حضوره، ومصداقية خطابه، وينم عن شجاعة ثقافية، مادام قيام المثقف بإعادة النظر في أي موقف أبداه، إنما يخدم سيرورة وجدوى خطابه . إن ثقافة الاعتذار، وفق هذا المفهوم تنم عن نضج معرفي، وثقة بالذات، وإخلاص مع النفس، والعالم، ومع الثقافة، والفكر، ومتلقي الخطاب الذي لا أهمية لأي خطاب من دونه .
جريدة الخليج