المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مانغويل عاشق الكتب


سالم الوشاحي
23-02-2013, 06:24 AM
أفق
مانغويل عاشق الكتب آخر تحديث:السبت ,23/02/2013


محمد إسماعيل زاهر

بعد كتابه الشهير “تاريخ القراءة”، يصدر الأرجنتيني ألبرتو مانغويل “المكتبة في الليل” ليتحول بذلك إلى أحد أكثر الشغوفين بالكتب في التاريخ . للكتاب في العمل الأخير قصة خاصة بمانغويل، فبين السرد والتأريخ يحكي عن مكتبته التي شيدها فوق حظيرة ماشية تعود إلى القرن الخامس عشر في الجنوب الفرنسي، والقارئ لا يمكن إلا أن يفاجأ بكتب مانغويل تتحدث معه، يستمع إلى نصائحها وإرشاداتها، تمنحه الحكمة أحياناً وتشعره بالسكينة في أحيان أخرى وتدفعه كثيراً إلى التفكير والتأمل .



يحول مانغويل المكتبة إلى أسطورة، “مكتبة” مانغويل تمتلك سلطة وهوية وخيالاً، هي وطنه الأول، يتجول بين برج بابل ومكتبة الإسكندرية، يقفز على الزمان ليحشد كل براهينه وحججه الرافضة للكتاب الإلكتروني، يسرد قصة توثق للكتاب، يضع قائمة بالكتب التي يود أن يمتلكها وتصورات لترتيب الكتب على الأرفف، يحلم بالكتب التي يود قراءتها وإن لم تكتب بعد، يرصد أهم المكتبات في العالم ويفاضل بينها، يأخذ المتلقي في رحلة طويلة يمر خلالها بموقع الكتاب في الثقافات المختلفة والعقبات التي اعترضت الكثير من الكتب .



يهتم مانغويل أيضاً بالمفردات التي ربما لا يلتفت إليها الكثيرون منا مثل التعليقات التي يتركها البعض على صفحات الكتب المستعملة، أما حكاياته عن الرقابة على الكتب ومنعها وأحياناً حرقها فتؤكد مقولة أن “للكتب أقدارها الخاصة” .



مئات من الأماكن والشخصيات والأحداث المرتبطة بالكتاب والمكتبة يرد ذكرها في مؤلف مانغويل، هو عمل موسوعي ممتع مكتوب بلغة سلسة تبتعد عن التنظير، ويربط بينها مانغويل نفسه الذي كثيراً ما يتحدث بلسان الراوي وكأن المتلقي يطالع رواية في صياغة أدبية رفيعة المستوى .



وبعيداً عن المتعة التي يجنيها القارئ لكتاب مانغويل نلاحظ وجود رسالة تنويرية واضحة تتناثر مفرداتها بين سطور “المكتبة في الليل” . “الرواية” في الكتاب تناقش قيم التسامح وقبول الآخر وحرية الإبداع والتفكير وهي نفسها الأفكار المطروحة في عمل مانغويل السابق “تاريخ القراءة”، وكأن ثنائية القراءة/ الكتابة لا يمكن أن تزدهر إلا في مناخ تشيع فيه روح التنوير .



تنقصنا في الساحة العربية الآن مثل هذه الكتابات، حيث تغيب عنا مقوماتها الأساسية: اللغة العالية، الموسوعية، القدرة على الإمساك بعقل القارئ وعينيه، وبراعة التصوير والإحاطة بجوانب الموضوع كافة، تنقصنا ليس من باب الترف الفكري، وهو مطلوب ولكن ليس في راهن الأحداث العربية، تنقصنا لأن هذه الأحداث نفسها أثبتت أنه بعد عقود عدة من انعزال المثقف العربي ونخبويته ما زالت الساحة تحتاج وبإلحاح وربما أكثر من أي وقت مضى إلى قيم التنوير والتعايش المشترك .


جريدة الخليج