المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلام


بيت حميد
06-08-2013, 01:42 PM
الآن يجلس بجانبي زميل العمل محمد، سألته إن كان اليوم هو التاسع والعشرين من رمضان فصحح لي أنه الثامن والعشرين وهو يشير مستشهداً بجريدة الرؤية الملقاة على الطاولة.
حين أعاني الإحباط تغيب عنّي التواريخ والأيام. وإن كنت لا تعرف ما معنى الإحباط فهو ببساطة فقدان الأمل في الأيام القادمة. وتلك الحالة هي أشد الحالات تدميراً بالنسبة للإنسان لأنها ببساطة قد توصله لقناعة أن لا فائدة من التقدم مع الأيام لأنها لن تحمل إلا الألم والأسى.

لا أخفي عليكم، كنت في مرحلة ما من مراحل المراهقة أعتقد أن هذا الكون ومخلوقاته إنما جاء وخلق من مادّة أصلية واحدة، وأن من يستطيع الحصول على تلك المادة يستطيع أن يعمل ما يشاء منها. بالطبع تشير الدراسات أن بداية الخلق كانت في وجود أخف العناصر وهو الهيدروجين، ثم تكوّنت العناصر الأخرى بعد ذلك. وبوجود النانو تكنولوجي يمكننا اليوم-نظرياً على الأقل- صنع أي شيء من أي مادّة بتلاعبنا بالمادة على المستوى الذرّي.......وهكذا تحققت نبوءتي الساذجة.

آسف...وأعتذر بشدّة. سرحت بعيداً في الفقرة السابقة. لكن هكذا هي حالي دوماً منذ عدّة أشهر.
يطرأ على تفكيري خاطر .... أرجو أن لا تضحكوا عليّ...هل يزيد الصوم من مشاعر الحبّ والشوق؟!.
منذ بداية رمضان وأنا أكابد وأعاني، ويعلم الله كم أعاني. ربما للأمر تفسير منطقي. حين يصوم الإنسان لا تحتاج الأمعاء لكثير من الدم المحمل بالطاقة والاكسجين كما هي عادتها حين تقوم بالهضم، ولذلك يتوفر الدم المغذي للمخ والقلب بشكل مريح......فينطلق الاثنان في ملكوت الخيال.

آهـ من ملكوت خيالها. يتعبني جمال خيالها إلى غير حد. أرفع أشرعة استسلامي لهواها ، يهدهدني مرّة، ويعصف بي مرّة، وتستمر الرحلة.
أعود لإحباطي.....بدأت الآن أفكر بشكل مختلف. مادة الخلق الأصلية التي ذكرتها قبل قليل..... يغالبني ظنّ، أن إحباطي قد يكون مادّة خلق أصلية للتغيير. لكن الإحباط وحده لا يكفي، فالهيدروجين –كما في النظريات- احتاج في البداية لطاقة أو شرارة لتتخلق منه العناصر اللاحقة.
إذن أنا محتاج لقوّة يمنحني إياها شيء ما لأحيل بها هذا الإحباط لشيء ما مفيد في قابل الأيام.......فقط أحتاج لكلمة منها....للفتة.....لإشارة.....أي شيء منها سيفجر كل أكواني.

بيت حميد
08-08-2013, 02:19 AM
إذا أردت أن تعرف كيف هو قدر والديك فقد يعينك على ذلك أن تسأل من فقد والديه. كثيراً ما نسمع من البعض أقوالاً شبيهة بـ "أبي لا يفقه شيئاً مما يدور هذه الأيام".....أو..."أبي معقّد، لا يفهمني" ....أو..."أمي تفكيرها قديم". لكنهما –الأب والأم- عرفا كيف يأتيان به لهذه الدنيا ويربيانه ويطعمانه ويكسيانه ويؤدبانه ويعالجانه و و و ......

حين نفقد والدينا، حينها لا نذكر إلا كم كنّا مقصرين في حقّهما، ونشعر بالندم حيث لا ينفع الندم.

الآن أذكر حين كان أبي يأتي لي بثياب العيد، كان ينتظر اللحظة التي يرى فيها الفرحة في عيني......أحياناً كنت أتذمّر من نوع الثياب أو من لون النعال فيخيب بعض أمله في الفرحة..........ليت الزمان يرجع، ليته يرجع ولو نقص ذلك من عمري وسأقبل بأي شيء....سأنثر سنيني وأيامي لأرى الفرحة في عينيه.

بيت حميد
10-08-2013, 12:58 AM
أريد لغة لها وحدها.


طلبت منّي يوماً أن أقول فيها شعراً. وكنت أنوي أن أفعل، لكن الكلمات كانت تتهيّب جمالها وتستحي فتتهرب مني. احترت كيف أفعل.....تذكّرت يوماً كنت أجلس فيه إلى الشنفرى بظل أيكة. كان يمسح بيده على رأس حيته المتدلية على صدره وبصره يتابع أليفه الذئب وهو يلاحق ذبابة مخادعة......في لحظة إلتفت لي وكأنه يحاول اصطياد خاطرة مرّت على قلبه، قال

-اللغة هي أعظم أداة يمتلكها الإنسان على هذه الأرض، وبسببها تصبح للأشياء قيمة. انظر لهذا الوادي المعشب......ما قيمته لو لم نكن فيه؟!.....وما قيمتنا أنا وأنت والوادي لو لم نمتلك اللغة لنتحدّث. كانت الأرض ثم نحن ثم اللغة......وكل ما جاء بعد ذلك تلعب اللغة الدور الأسمى في تكوينه.

لم أفطن لدقة كلامه حينها فقد كنت مشتاقاً لسماع أخبار حبيبته التي التقى بها في رحلته الطويلة بين عناقيد الأقمار عند منبت السماء. ولأنه ذهب مجدداً لرؤيتها فقد كان علي أن أنتظره حتى يرجع.
تحينت لقاءه حتى كان ذات صباح. لمحته يسابق ذئبه وحيّته منطوية على قوسه الضخمة. أقبل علي بوجه جميل كأنه البدر. عيناه صافيتان جميلتان...بشرته كأنها ذهب رطب.....تضيء النجوم بين تموجات شعره. قلت له

-الشنفرى....أيها العزيز. كم اشتقت لك. أنت أجمل كثيراً عن آخر مرّة رأيتك!!!....ماذا حدث؟!

-هل تصدّق.....حدث هذا بعد أن اقتربت منها وتكاثفت عليّ رائحة أنفاسها كقطرات النور.

-حقاً!!!!......أيّ رائحة هذه التي تفعل كل هذا؟!

-لقد تذوقتها على شفتي ..... ليتني أستطيع أن أصف لك طعمها . كأنها الرحيق الأول الذي خلق منه الكون، مازال طرياً في فمها .......قالت إني إن شربت منه أستطيع أن أكون قمراً أو نجماً.......وأستطيع أجعل البحر حلواً........وأني سأصبح شاعراً.

-حقاً.....في الحقيقة أنا جئت أسأل عن موضوع الشعر بالتحديد، وقد عرفت ما أريد الآن.

بيت حميد
26-08-2013, 05:16 PM
في العقل هناك منحنيات وعقد سرّية لا يبلغها العقل الواعي السابح في ملكوت التفكير. في تلك المنحنيات والعقد توجد ألطف المشاعر، وأرق الكلمات، وأجمل الصور.....في كلٍ منها تنتشر مجّرات تتلألأ من شِعرٍ ونثر..

من هناك أشتهي أن أقطف لكِ عقداً من فيروز أزرق..... لكن كيف الوصول لهناك ؟!؟!...كيف السبيل وأنا بعد لم أزل هائماً في شريان رقيق أخضر أسفل خدّك. وأرتعد شوقاً لخيطين أحمرين رسمتهما ملكة اليراع في بياض عينيك.

متى سيتوقف انبهاري بكِ كي أستطيع أن أحبّك وأنا أتنفّس؟!.....متى ستتوقف خيوط النور عن التراقص حول أطراف شعركِ لأكحل عيني بها؟!؟!......

ماذا سيحدث يا ترى لو كحّلت عيني بأطراف شعرك؟!؟!؟....ربّما ستنساب السماء أكاليل بين يدي......وقد تعشقني إناث الفراش.......ويغدو دمعي شهداً أخضر