المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال


عمر حامد
14-11-2013, 07:13 PM
"" ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

(لم تتورط هذه الساحة يوما في في اكرام ضيوفها بمواقف المركبات, ولكن الوضع في نهار هذا اليوم كان مختلفا عن باقي الاوضاع في العام, فالمركباتُ كانت تُزاحمُ بعضها كما لم تتزاحم من ذي قبل, فلا بصيصَ أملٍ لقادمٍ جديد ولو على بعد اميالٍ ممتدةٍ امتدادا بعيدا.)


،،،، السطور السابقه كانت مُقدمةً صاغها الصحفيُ النشيط لتغطية خبر هذا التجمهر
وفي الحقيقة لقد كان الوضعُ تماما كما وصفهُ بقلمه, ولكن هذا الوضع لم يكن صعبا على صحفيًّ متمرسٍ كسيف
فقد تعود هذه الاجواء في احتفالٍ ما، او مؤتمرٍ او معرض او ما شابه, ولكن الرجل لم يتعود يوما ان يُغطي خبرَ مُظاهرةٍ بأسم الشعب،
وربما حماستهُ للتغطية الجديدةِ هذه،
هي من جعلتهُ يصُفُّ مركبتهُ خلف مركبةٍ أُخرى مُضيقا عليها الخناق للخروج بعد هذا التجمهُرِ المشحونِ طاقةً ومطالباتٍ وربما احتجاجات.




قرقعَ الصحفي سيف اصابعهُ بحماسةٍ مُعلنا رصاصة الانطلاق، فسيف لم ينم ليلتهُ جيدا مُتأثرا بالأفكارِ الصادرةِ والواردةِ
الى ذُهنه بشأن رحلته, ناهيك عن وساويسه وتساؤلاتهُ عن هذا النهار :
هل سيصل عدد المتظاهرين الى الألف؟
وهل ستتصدى قوات الامن للمتظاهرين
بحيث تُغتال حماستي هذه قبل أوانها؟ إلا أن قرقعت اصابعهُ كانت دليلا على رضائه ،
فلم يُخيب المتجمهرين ظنونه، ولم يغتال الامن حماسته, فالتفت عندها
الى زميله المصور وقال : "الحمدلله حُريةُ التعبير في بلادنا لا تزالُ بخيرٍ يا صاحبي", وأردف سيفٌ بعد ذلك الى
صاحبه خُطة تغطيتهُ لهذا اليوم, فأشار الى المصوربأن يسلك طريقا ويسلك هو طريقا أخرى على غير العاده!, وسيتسلحُ
هو بالاضافةِ الى دفتره وقلمه بهاتفهِ النقال ليعينهُ إذا ما احتاج الى تصويرِ شاردةٍ او واردَةٍ هُنا أو هُناك... الشمسُ زاغت عن
كبد السماءِ بقليل.. سيفٌ يزاحمَ الاجساد كما لم يُزاحمها يوما, فكانت رائحةُ العرق تُلهبُ حماسته, ولمعةُ جبين المتظاهرين تُنيرُ
طريقهُ وقلمه, وكان الصحفيُ النشيطُ يبتسم كل ما رأى العساكر والمتظاهرين جنبا الى جنبٍ بلا خِلافٍ رُغم فرق الغايةِ بين هاتين
الفئتين, عكّر صفو هذه الملاحظات سؤالٌ أطلقهُ احد الشُّبّانِ هُناك مباغةً الصحفي : "هل انت صحفي؟" فأجابهُ سيف بالإيجاب,
فباغتهُ الشابُ بسؤالٍ لم يكن في ذهنه: "اليس لديك مُطالباتٍ كباقي الشعب هُنا لتشاركنا؟"!! فاكتفى سيفٌ بابتسامةٍ لا يصعُبُ
للمتلقي تفسيرها : (ابتسامةٌ بلهاء عاجزه), عِندها تبختر الشابُ ماضيا في طريقهِ! وسط ابتسامات الرضى والنصر التي امتدت
عرضيا على وجوه المتظاهرين المتواجدين, وكيف لا يمضي الشابُّ متبخترا وهو من عجز صحفيٌّ بالاجابة عن سؤاله؟،شعر
سيفٌ بتقلبٍ في معدته فهذا السؤال وتلك المُباركه من بقية المتظاهرين الذين شهدوا السؤال المستحيل سَرّبت الى خُلد سيف
شعور الاستهداف من بقية المتظاهرين!! وكأنماهُ أحدُ الجُدارن التي تقف ضد حُريّة التعبير!! تمنى سيف لو أن يُسقطُ الشاب أرضا
ويركلهُ ركلا, ويضربهُ ضربا مُبرحا يختمهُ بلكمةٍ في وجهه تبقى كدمةٍ في وجهه طول عُمره! إلا ان صحفيا كسيف يؤمن بالرأي والرأي
الاخر أعاد سؤال الشاب اليه مرارا وتكرارا وهو يحاول الهدوء التام للإجابةِ عليه, سؤالٌ كانت اجابتهُ سهلةً بداخله:
(ااااه زيادةُ الرواتب), الحقيقةُ التي لا يستطيع سيف ان يُنكرها هي انهُ جُزءٌ لا يتجزأ عن الشعب, لا يوجدُ بينهُ وبين هذه
الجموع فرقٌ في الحاجةِ الى حُرية اطلاقِ صوت المطالبات! فخامرهُ ذُهولٌ بشعورٍ عجيب اكتشفهُ مؤخرا في نفسه : (الانانيه)
وذلك عندما اعترف في قرارة نفسهِ بأنهُ يتمنى ان تكون كُل المطالبات تتركز في نُقطه واحده : (زيادة الرواتب)!..
فحار سيفٌ في امره: (هل يتمنى الموت والهلاك للشاب؟ أم يشكرهُ ويدعو لهُ بالخير
والسعاده بعد ان ساعدهُ في كشف حقيقةٍ ما كانت خامرةً في عقلهِ الباطن؟؟!!).

(1)

انفرد سيف بعد السؤال المستحيل الى رُكنٍ بعيدٍ خارج نطاق المظاهرة الكبيرة, ليتسنّى له اخذ استراحة المُحارب
وتدوين بعض الجمل التي لم يستطع تدوينها وسط الحشود, فاتكأ على احدى المركبات هُناك وأشعل سيجارةً أخذ منها نفسا
طويلا نفثهُ عدة أمتار, وما ان شرع بفتح غطاء قلمه, حتى أتاهُ صوتٌ رقيقٌ ناعمٌ جميلٌ يُستحالُ ان يوجد في هكذا مكان!! :
(عمي لا تُدخن هُنا, أنت تَضُرُّني!) فالتفت الى منبع الصوت, فكان قادما من نفس المركبة المتكىء علهيا, ولم ينتبه سيف
الى ان المركبةَ كانت مُدارة المُحرك, فإذا بها طفلةٌ صغيرةٌ أطلّت برأسها من نافذةِ المركبةِ المتواضعه! طفلةٌ لا تتعدى العاشره
من العمر, وجهها مُستديرٌ كالقمرِ المُنير, عيناها البُنُدُقيتانِ كانتا ناعستان بفعل الشعر الناعم المنسدلِ عليهما, تضادُ
المشهدين بين الاصواتِ الخشنه والجوهِ الصارمةِ المطالبةِ وسط الحشود وبين هذا الصوت والوجه الملائكي داخل هذه
المركبة, جعل الامر يختلط على سيف الذي تحرك الى الطفلةِ مُبتسما بلا شعورٍ وهو يرمي بالسيجارةِ ويطأُها بقدمه,
انحنى الصحفيُ الى الطفلةِ وقال وهو يتهيأ لبدايةِ حوارٍ شيّق بهدف التسليةِ والتغيير:
سيف: "اسف يا حلوتي" ..

(وأضاف السؤال المعتاد لبداية الحوار مع اي طفل) : "من اسمك؟"
فردت عليه الطفله : "اسمي وصال"
فرد سيف عليها : "وصال.. يا الله .. اسمٌ جميلٌ في مكانٍ ليس مُناسب" !
وصال : "ولماذا هو غيرُ مناسبٍ هُنا"؟
سيف : "أممم أتعرفين ما معنى اسمك يا وصال؟"
وصال: "يقولُ بابا بأن اسمي يدل على التواصل, وعندما ولدتني امي كانا ابي وأمي بعيدين ومُتخاصمين!
لهذا تفائلوا بي وأطلقوا علي اسم وصال!!" ..

بُهت سيفٌ من ذكاء الطفلةِ وكيف انها اجابتهُ بما كان هو يريد ان يفسر لها سبب عدم مناسبة اسمها لهذا المكان..
رمش سيفٌ بعينيه وتفحص الطفلة جيدا وقال وهو يعدل من نظارته
: "كم عمرك يا وصال"؟
وصال وهي ترفعُ كفّيها : "عشره!" ط
سيف: "ومع من اتيتِ الى هُنا؟"
ترد عليه وصال: "اتيتُ مع بابا بعد ان الححتُ عليه"!
سيف متعجبا : "وهل هذا مكانٌ تُلّحين عليه يا وصال"؟
فأجابته وصال: "سمعتُ ابي يتحدث مع عمي دائما عن هذا اليوم, وكانا يستعدان له طويلا فأصررتُ على المجيء",
(ثم ابتسمت وقالت) : بابا لا يرد لي طلبا !"
هُنا استغل سيف الفُرصه : "وصال .. الناسُ هُنا يُطالبون بمطالب.. فبماذا يُطالب والدك؟؟"
وصال : "سمعتُ بابا يتحدث كثيرا عن المستشفيات"..
(ومن ثم ابتسمت وهي تحني رأسها بدلال وقد ربطت ساعديها ) :
"ولكن هذا لا يهمني.. ما يهمني هو التلفاز!" ..

قهقه سيفٌ قليلا وهو متعجب وقال :
"التلفاز!!! , الا يوجد تلفازٌ في بيتكم؟"
فأجابت وصال ببراءه: عمي عمي انا لا أُطالبُ بوجود تلفاز في منزلنا، ولكن أُطالب بأن تكون هُناك برامج جميله على التلفاز!!!

أيقن سيفٌ بأن هذه الطفلةَ ليست كباقي الاطفال، انها بلا شك تسبقُ عُمرها بأعوام, فأراد ان يعرف كيف لها بهذا الذكاء وهذه الحكمه ,

فباغتها: "اين يعمل بابا يا وصال؟"
وصال : "بابا يعملُ مُدرسا, انت من اسمك وماذا تعمل؟",
سيف: "انا اسمي سيف.. أعملُ في مجال الاعلام" ..
فقالت وصال قاطبةً جبينها مُستفهمه: إعلام؟؟

عندها شعر سيفٌ ببعض الراحه حيث تأكد بأن هذه الطفله في النهايه لا تتعدى كونها طفلةً تجهلُ بعض الامور.. فقال لها مُفسّرا :
"نعم الاعلام يا وصال, والاعلامُ يشمل التلفاز والجرائد والاذاعه, اما انا فأعمل صحفيا في الجريده".

عندها ابتسمت وصال وضربت بكفيها وقالت :
"صحفي!! قُل لي ذلك من البدايه! اممم هل تعرف ان تكتب قصّه؟"
فتلعثم سيف قائلا: "قصه! انا لستُ قاصا يا وصال, ذلك مجالٌ اخر.."

عندها لاحظ سيف الخيبةَ قد القت بأذيالها على وجه الطفله الصغيره.. مما جعلهُ يسألها :
"لماذا تسألين عن القصه يا وصال" ؟

وصال : حتى اقرأها قبل النوم!! اندهش سيفٌ وقال:
"أتقرأين دائما يا وصال؟" ..
فأجابته الطفله وصال : "نعم .. دائما اقرأ قصص الاطفال" ..
فاستكمل سيفٌ سؤالهُ بأن قال: الاطفالُ في سنك يا وصال تقرأ لهم ماما قبل النوم .. لماذا لا تقرأ لكِ ماما؟
وصال : ماما ذهبت مع الله يا عمي..!


هُنا انساب دبيبٌ ما على وجه سيف مقاوما نزول دمعةٍ ساخنه, أحسَّ بأنهُ قابل لُطف الفتاة بجهلٍ منهُ اصابها بحُزنٍ ما..
إلا ان الفتاة الذكيةِ انتبهت لذلك ففتحت حوارا اخر عن المطر, وكيف انها تشتاقُ اليه! الأمرُ الذي جعل من سيف يحترم
هذه الطفلةَ اكثر ويحبها اكثر وأكثر, فقد فطن انها تودُ ان تُخرجهُ من طور الحديث عن والدتها المتوفاه!.. وبينما هم كذلك
إذ لاحَ سؤالٌ في رأس سيف يسألهُ لوصال.. سؤالٌ كان من المفترض ان يسألها قبل الان!:

سيف : "في أي صفٍّ انتي يا وصال"؟
إلا أن سيف لم يُرزق اجابة هذا السؤال, وذلك عندما لاحظ شخوص عيني وصال الى خلفه!
وصاحت به مبتسمه : بابا قادم ! .. انتبه عندها سيف واستوى مُعتدلا بعد انحنائته الطويله, وهبَّ مُحيياً والد وصال
الذي بدت على وجهه علاماتُ القلق من هذا الغريب بجانب السياره, فصافح سيف على عجل وانحنى الى ابنته للأطمئنان
عليها, بعدها تبادل سيف وابو وصال اطراف الحديث, وأبدى سيف اعجابهُ الشديد بسرعة بداهة وصال وتعلقه بها,
وبينما هم كذلك اذ بوصال تقول :
(بابا خذ من سيف رقم هاتفه النقال لانه وعدني بكتابة قصه لي اقرأها قبل النوم!!)
فابتسم سيفٌ متورطا بطلب وصال ولكنهُ شعر بالسرور لأن هذا الطلب غرس أملا جديدا في نفسه لملاقاة وصال في يومٍ آخر،
فتبادل مع والدها الارقام, وما ان ركب والد وصال السياره مودعا الصحفي سيف، حتى اطلت وصال من خلف النافذه وهي تقول :
(عمي سيف هل لي بطلبٍ أخير..؟)
فأجابها بالايجابِ مُبتسما,
فردت عليه: (عِدني بأن تتوقف عن التدخين!)!,
فرسم الصحفيُّ ابتسامته العاجزه مُجددا وقال : (أعدك يا وصال, أعدك),


فمضت عندها المركبةُ ووصال تُرفرفُ بكفها الصغير مودعةً عمها الكبير, الذي صاح هاتفهُ النقال معنونا اسمه زميله المصور,
الذي طلب منهُ بمحادثةٍ سريعةٍ ان يتوجه الى السياره (حالا)!.


ما ان وصل سيف الى سيارته حتى وجد معركةً كلاميةً قد نشبت بين زميله المصور وثلاثةٌ من الشُّبان,
تبين لهُ بأنهم أصحاب المركبةِ التي ضيق عليها سيف الخناق بمركبته, وبحركةٍ من القدر كان احدهم هو الشاب
صاحب السؤال المستحيل الذي احرج سيفا.. وما ان وضحت الوجوهُ لكل الاطراف صاح الشاب مُستهزأً بالصحفي سيف :
(أذهبت للبحث عن إجابةٍ ما؟ أم انك لا زلت تُكابر؟),

ففضل سيفٌ تجاهل هذا الشباب المشحون, وركب مركبته مُشيرا لزميله باللحاق به, وما ان تحركت المركبه,
حتى بدأ زميلهُ المصور بنقل الاحداث التي شاهدها في معمة المظاهره واصفا الوجوه والمطالبات والنداءات,
واستمر المصور في الثرثرةِ بينما سيفٌ سارحٌ بعيدا في الطفلةِ صاحبة العيون البندقية!.

يتبع ,,

عمر حامد
14-11-2013, 07:14 PM
(2)
مرت الأيام متبوعةً بالاسابيعِ التي شاخت الى مرحلة الشهور وسيفٌ على حالهِ يزاولُ مهنتهُ التي شغفتهُ حُبا ونشاطا،
وكان كُل ما اشعل سيجارةً تذكر الطفلة الذكية صاحبة العيون البندقية! لذلك لم تغب وصالُ يوما بل ولا ساعه عن باله,
رغم ذلك لم يفي بوعديه: (عدم التدخين , والقصة المنشوده) مُتعللا بانشغاله, ولكن مشكلة سيف الرئيسة لم تكن الانشغال وإنما
(التسويف) فكان يعد نفسه بداية كل اسبوع بأن يقوم بالاتصال بوالد وصال نهاية الاسبوع في الاجازه لزيارة وصال واهدائها القصة..
وفي يومٍ ما كان شتاؤهُ باردا, فردَ سيفٌ يداهُ عرضيا بشدّه مُحاولا التلذُذَ من التعب الذي نالهُ بعد كتابةِ مقالٍ ما, فنظر الى مكتبه المنثورةِ
أشيائهُ هُنا وهُناك فلمح خربشاتهُ التي حاول ان يحلب منها افكارهُ الاولى في كتابة قصه لوصال, نظرَ اليها باستسلامٍ ونفث آهةً طويله,
ففتح بعدها زُجاج نافذة مكتبه فإذا بالشمسِ قد مال ميزانُها الى المغيبِ مُعلنةً وقت الاصيل, فشتت تأملهُ هاتفا مُوسيقيا من نقاله, فحركَ
سيفٌ نظارتهُ مُمركزا نظرهُ على الوافد الجديد الظاهر على الشاشه :

(ابو وصال يتصل بك).. ارتبك سيفٌ شيئا ما فتحمحم قائلا:


"اهلا" ,

فأجابهُ صوتُ رجُلٍ مهزوم :
" اهلا الاخ سيف؟" ,


فدار بينهما حوارٌ سريعٌ طلب ابو وصال منهُ ان يلحقهُ بالمستشفى وان يلتقي بهِ عند البوابة الرئيسية!!,
انطلق سيفٌ بمركبته من لحظته متوجها الى المشفى وعلاماتُ الاستفهام قد نالت منهُ ما نالت.. وما ان وصل الصحفيُّ
الى البوابه الرئيسه حتى استقبلهُ ابو وصال مُحييا اياهُ بوجهٍ شاحبٍ راضٍ بقضاء الله وقدره, لم يطل ابو وصال الحديث مع الضيف
المطلوب وأشار عليه ان يتبعه , فمشى سيفٌ خلف الرجل وكل ما مر على قسمٍ انقبض قلبه! فلم يكن حادثا قد اصاب الصغيره!
لأنهم تعدو قسم الطوارئ! فماذا حدث يا تُرى؟ مشى سيفٌ خلف الاب المكلوم وقلبهُ أشدُّ ما يكونُ من الهلع!..

الى ان وصلا قسم معنونا بـ(قسم الاورام السرطانيه).. هُنا وقف الدمُ مُكابرا في عروق الرجل الصحفي! فأمسك بذراع ابو وصال
بحنو وقال :
"هل ..."

فأجابه الأب :
"نعم اخي الكريم.. مصابه بالسرطان منذُ فترةٍ طويلةٍ مما أجبرها على ترك المدرسه مُبكرا! "!!

عندها استرجع سيفٌ لقاءهُ مع الصغيره, وكيف ان آخر سؤالٍ لم يرزق اجابته كان كفيلا بأن يكتشف وضع وصالا لهُ من اول لقاء!,
طلبت الممرضةُ من سيف ان يلبس كمّامةً طبّيةً قبل الشروع بالدخول, فلبسها سيفٌ بيدٍ تنتفض, ودخل مع والدها الى المكمن الذي
فيه تفترش وصال السرير.. كانت الفتاةُ مُكممةً فاها هي كذلك, وأول ما نظرت اليه ضاقت عيناها البندقيتان, فتبين لسيف ان
وصالا ابتسمت, فتمنى لو انهُ يخلع الكمامةَ من ثمه ويقبل جبينها المُرهق بفعل الحاجبين الجميلين المرفوعين مدة طويلةً من الزمن..
جلس سيفٌ بجانبها وأمسك بكفّها الذي نقلhttp://contentcache-a.akamaihd.net/items/it/img/arrow-10x10.png (http://avb.s-oman.net/#) الى كامل جسده أمواجا من الدفئ.. وتيّاراتٍ من الكهرُباء.. فحنا برأسه يُقبل كفيها الصغيرتين, فعجزَ ان يرفع رأسهُ كي لا يزيدَ من كربها بأن تكتشف دموعهُ المنحدره.. ولكن نشيجهُ الذي تحول الى نحيب ممتواصل جعلهُ يستسلم
للأمر ويرفع رأسهُ الى الطفلةِ ويقول :

"أميرتي الصغيره, لا قصّةً لدي أُعطيكِ إياها, فكل قصص الثعالب والارانب مُملةً لطفلةٍ مثلك, ولكنني أُقسمُ لك بأني سأقلع عن التدخين بمجرد الخروجِ من هُنا..

وصال .. لماذا لم تخبريني يومها عن مرضك, على الاقل كُنتُ سأشارك المتظاهرين مُطالبا لك مد يد العون للسفر خارجا للعلاج!
لماذا لم تحاولي ذلك عزيزتي؟" ..


فابتسمت وصالٌ عندها وقالت بصوتٍ يكادُ تتقطعُ خيوطه :
"انا صوتٌ واحد, وهم الالاف من الاصوات! فكيف لي ان اكون انانيه؟؟!!"


عندها انبهر سيفٌ من ردها.. وتأكد من انانيته التي كانت تجبره ان يتمنى لو ان كل المطالبات تتفق مع مطلبه في زيادة الرواتب!!

فقال لها :
"وصال يا حلوتي ... اتعلمين .. لو ان كل المتظاهرين يفكرون مثلك, لكانت الدنيا كلها بخير"!
فردت عليه وصال :
"كيف ذلك يا عمي؟" ,


فتجاهل سيفٌ هذا السؤال وأردف قائلا:
"في هذه المرّه يا عزيزتي عند خروجك من المشفى لن تتفسحي في مُظاهرةٍ ما"
(قالها مُبتسما مُداعبا اياها محاولا اخراجها من كربها وبث الروح لديها من جديد) ..
"بل ستخرجين رأسا معي الى مزرعتي الجميله, ستلعبين مع ابنتي الصغيرتين (صفا ومروى) وستسعدين هناك,
ستركضين في الفيافي وستجنين ثمار البيذامِ وستُلاحقين صيصان الدجاج كما تفعلُ بناتي"


فردت عليه ببراءة الاطفال :
"لكن الطبيب يمنعني من ذلك ها انا امكُثُ هنا من ثلاث أشهُر تباعا, في السابق كنت اغادر المشفى وأعود اليه,
ولكن يا عمي المستشفى ليس بهذا السوء, فالمكوثُ هُنا يمنحني الوقت الكافي للقراءه!!"

ما ان اكملت وصال عبارتها الاخيره حتى دخلت الممرضه تطلب من سيف الرحيل لغرز ابرة الكيماوي في جسد الصغيرة الهالك..
عندها قبّل سيفٌ كفها وودعها وهو يقول: "غدا سآتي اليك في الصباح الباكر, وسأجلبُ لك مُفاجأةً جميلةً فكوني قويه يا اميرتي
انتي لا تزالين بخير" , فقالت وصال : "غدا صباحا؟ أنا في انتظار المفاجأه يا عمي العزيز, سلم لي على صفا ومروى" فودعها
بقلبٍ هالع .. وما ان وصل الى عُتبة الباب وغلقه وراءه حتى انفجر باكيا كما لم يبكي من قبل.. وحادث بعدها ابو وصال الذي شرح لهُ
وأن حالة ابنته في آخر مراحلها.. فودع سيفٌ ابو وصال واعدا اياهُ ان يكون هنا صباحا.




انطلق سيفٌ بسيارته الى مقر الجريده لا المنزل, وذلك لتحضير المفاجأه للطفله الصغيره, المفاجئةُ كانت عبارةً عن مقالٍ طويل
يتحدثُ فيه عن وصال, واصفا إياها وبرائتها ودروسها التي لقنتها لسيف بدون ان تشعر, كتب الصحفي المقال وسلمه مدير التحرير
الذي وافق سيفا في نشره, انتظر سيفٌ طيلة الليل لطباعة الجريدة ولم ينم ليلته, فتارةً يتذكرها ويبتسم وتارةً تنزلُ دموعٌ من
عينيه الزائغتين حُزنا .. في تمام السابعه كان سيفٌ قد ركن مركبته في مواقف المستشفى, يحمل في يدهُ مطوية الجريدة وفي يده
الاخرى عُلبةُ السجائر أحكم عليها قبضتهُ ورماها في سلة المهملات بلا عوده, اتصل الصحفي بوالد وصال, ولا مُجيب, فعاود الاتصال
مرارا الى ان تم الرد عليه من قبل ابو وصال:
"وصال في ذمة الله يا اخي العزيز!"


فلم ينبس سيفٌ ببنت شفه! فأضاف ابو وصال:
"توفت في الساعةِ الثالثةِ فجرا, لم أشأ ان أُزعجك",

فما كان من سيف إلا ان قال: "وهل ينامُ المحبُ والمحبوبُ مُعتل!"،


بعدها توجه سيفٌ الى مسجد العزاء, وبقي مع المعزين الى بعد صلاة الظهر
وتوجه بعدها الى المقبره بمعية والد وصال.. وما أن وصلا الى القبر الذي لا يزالُ رطبا.. حتى فارقهُ والد وصال وهو يبكي ويقول:
"لقد رَحَلتَ مُبتسمةً يا سيف.. لن أبقى معك.. فذلك شأنٌ بينك وبينها.."


وما ان ابتعد والد وصال عن المكان، حتى جثا سيفٌ على رُكبتيهِ وشرع يقول :
"أميرتي.. أعلمُ بأنك تسمعينني الآن, أنا أؤمن بذلك" ..

فابتسم بعدها وقال:
"لقد تركتُ التدخين يا وصال" ..


ثم تنشج قليلا وفتح الصحيفة, وأخذ يقرأُ لها المقال.. وأعادهُ لها مرارا وتكرارا..
تحدث فيهِ عن الدروس التي علمته إياها, وعن منيته بأن يقرأ الشعب كله دروس وصال البريئه.
بعدها قرأ الصحفي الفاتحه على روح وصال, وودع المقبره, رأسا الى منزله فعزته زوجته في مصابه الجلل.
بعد عام رزق الله سيفا طفلةً ثالثةً اطلق عليها اسم وصال. (انتهى)..

ناجى جوهر
15-11-2013, 01:26 AM
السلام عليكم كاتبنا المتألق عمر حامد
سُعدت جدا و أنا أتجول معك في جمال
الوصف ودقة التصوير وجاذبية الأسلوب
حقيقة ما أن انتهي من قرأة سطر حتى يكون
الفضول قد سبقني إلى إلتهام السطر الثاني
أسلوبك جذاب و وصفك دقيق ما شاء الله
و أجدك قد أثريت النص بالتشويق اللازم
فحين تتاح لنا الفرصة سنعرف مراحل تطور
علاقة سيف بوالد وصال, وسنكتشف
قدرة سيف على كتابة القصة القصيرة
أكتفي بهذا الجزء على ان أقرأ بقية القصة
قريبا إن شاء الله
و تقبل تحياتي

رحيق الكلمات
15-11-2013, 09:47 PM
عودا
احمد اخي عمر
انه لم الرائع فعلا ان
أتجول بين كل هذا السرد الرائع
بل انني اجد ان كلمة رائع لا تنصفك
قرأت القصة مرتين ومع ذلك لم أشعر بالملل
بل عشت الحدث معك
وهذا هو ما أسميه تشويقا
دام قلمك المبدع
في انتظار الجديد

سالم الوشاحي
16-11-2013, 05:13 PM
مدهش هذا الحضور أخي عمر حامد

عوداً أحمد إن شاء الله ...

شكراً كبيره لهذه القصة ولنقاء هنا

في انتظار القادم والذي يتبع بـ شغف

فقط لي ملاحظه نتمنى منك التواصل وعدم الإنقطاع

عن أحبتك هنا....

تحيه وتقدير

وهج الروح
16-11-2013, 06:31 PM
ما ادهشني ليس اسلوب القصة والسرد ولكن. تلك


المشاعر وتلك المواقف القوية بكل حرف وكل. سطر



ما اجمل تلك المواقف التئ تبني اشخاص بالحياة يحملون


الكثير في تغير انفسهم وان كان العمر قاب قوسين او ادنى



ما اروع تلك الطلفة وما اروع ذاك الصحفي الذي يحمل بين يده


كلمات ليست كلمات ...... بجد ابداع رائع ودائما ما يشدني ليست


الطريقة في السرد ولكن ذاك الاحساس الحاظر بكل شموخ قلم وعزة


شخص تغلب ع عادة لاجل ان يوفي بوعده مهما كان خوي. عمر



حظورك جميل لا تجرمنه منه تحياتي لتلك الارواح الحاظر بين سطور


هذه القصة وتحياتي لك

عمر حامد
16-11-2013, 07:39 PM
السلام عليكم كاتبنا المتألق عمر حامد
سُعدت جدا و أنا أتجول معك في جمال
الوصف ودقة التصوير وجاذبية الأسلوب
حقيقة ما أن انتهي من قرأة سطر حتى يكون
الفضول قد سبقني إلى إلتهام السطر الثاني
أسلوبك جذاب و وصفك دقيق ما شاء الله
و أجدك قد أثريت النص بالتشويق اللازم
فحين تتاح لنا الفرصة سنعرف مراحل تطور
علاقة سيف بوالد وصال, وسنكتشف
قدرة سيف على كتابة القصة القصيرة
أكتفي بهذا الجزء على ان أقرأ بقية القصة
قريبا إن شاء الله
و تقبل تحياتي



مرور جميل اخي جوهر.. وتعليق راق لي

بانتظار عودتك

أمل فكر
20-11-2013, 02:16 PM
قصة محزنة
تكاد تكون حقيقة بالفعل
وأروع مافي القصة صبر وتفاؤل وابتسامة الطفلة وصال...

رائع أخي الكريم
وفقت