المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العسكري


ناجى جوهر
29-12-2013, 11:38 PM
العسكري

مستوحاة من واقع حياة الشعب العماني
قبل حكم جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظّم

ناصر ثالث أبناء أبيه,ووحيد أمه العرجاء
يكبره أخوه سالم بسنوات خمس,أمّا محمود فأكبر من سالم بثلاث سنوات
أختهم شيخه ذات السبعة عشرة ربيعا أصغر من ناصر بسنة
يقطن ناصر مع والديه و إخوته في قرية داخلية,تحيط بها بساتين النخيل
و يمد الفلجُ أهلَ القرية بما يحتاجون إليه من ماء
إلى جانب بعض الآبار الإرتوازية
تمتلك أسرة ناصر منزلا تقليديا يتكون من ثلاث حجرات ومجلس
إضافة إلى المرافق المعروفة
http://up.arabseyes.com/uploads2013/29_12_1313883458284321.jpg (http://up.arabseyes.com/)
ومع إنه أصغر الأبناء الذكور إلا أن إعتماد أبيه عليه كان كاملا
إذ يتصف بصفات حسنة وخصال حميدة, فهو صبور صادق رحيم
تفضيل والده له أوقد نار الغيرة والحسد في قلب عمته أم محمود
فكانت تحاول دائما الحطّ من قدره وتهميش دوره في معاونة أبيه
وكثيرا ما تفتعل الشجار مع أمه المسكينة لإغضابه و إسفزازه
وكانت بمناسبة و بغير مناسبة تدعي الفضل والصلاح لولديها دونه
ومع ذلك فقد كان محبا لأخويه محمود وسالم و أخته شيخه
ويتلطّف في معاملة عمته أم محمود ولا يرفض لها طلبا
إلا إن كل ذلك الإحسان لم يفت في عضد الكراهية
التي تملأ جوف أم محمود و إبنتها شيخه,حتى تحوّل ذلك الحسد
إلى حِقدٍ وغل تطفو توابعهما على لساني المرأة و إبنتها بين آن وآخر
و أضحى الكره موجها لسلوك شيخه و أمها نحو ناصر وأمّه العرجاء
فلا تتأتى لهما فرصة إلا واستغلتاها لصياغة مكيدة أو مقلب
أو تدبير حادثة أو إصطناع مشكلة,يدفع او تدفع أمه رسومها
و من ذلك ما قصّه على بعض الأصدقاء وقد كانوا
عائدين من تعزية أقارب لهم في إحدى القرى,قال ناصر:
وصاني بوي مرة ع السوق,وعطاني شوية غوازي
وقال لي:أباك تشتري بذي الغوازي شوية قهوة وصحن حلوى
و إن تبقّى معك شيء من الغوازي ييب معك ودام لحم أو سمك
يقول ناصر:فلما يبت لغراض وشافتهم عمتي أم محمود
قامت تصورخ علي وتقول:
قليل الأدب.هين باقي الغوازي يا سارق؟
ما رديت عليها و مشيت صوب غرفة أمي
لكنها لحقتني مع أختي شيخه وهن يصيحن ويسبيني
الحمد لله أنا مسكت نفسي و سكّت ما رديت عليهن
بسّ أمي هداها الله شوي حارة,ما أستحملت ذاك السباب
فما أنتبهت لها إلا وهي
قابضة على رقبة عمتي أم محمود,وأمي تكفخها طراقات وتصيح
فيها:ولدي ناصر ما سارق,ولا قليل أدب
حشّمي نفسش مرة ثانية سلموه وللاّ تشوفي ضرب غير عن هذا
يقول ناصر:أنا إستغربت من الموقف,أمي الضعيفة
العرجاء تضرب هذيك الناقة وتهددها
وعمتي أم محمود صايرة مثل السّنور لا تهشّ ولا تنشّ
وهي تستعذر وتقول:
سامحيني فاطمة الشيمة,آني غويت في حسبة الغوازي
هيه نعم حسابك برابر يا ولدي يا ناصر
أمّا أختي شيخه فراحت تجري في الشارع من خوفها
وهي تولول و تصورخ:لحقونا يا ناس ناصر وأمه
يضربوا أمي لحقونا يا ناس ...
كان والدي في الطوي يشوف الناس تتحرك و تجري صوب
بيتنا لكنه ما يسمع لصوات
أما أخواني محمود وسالم فكانوا فسابع نومه
المهم ان الجيران تجمعوا ودخلت عمتي موزة أم سليمان قبل الكل
وهي كما تعرفون أخت عمتي سلمى أم محمود
وفي تلك اللحظة كنت أنا واقف في الوسط بين أمي
و عمتي سلمى أحاول أفصل بينهن
فلمّا شافتني أم سليمان كذاك تأكد لها إني فعلا ضربت
أختها.فما كان منها إلا أن هاجمتني
كأنها لبوة موتورة,وكفختني سطار راشدي ورّاني
النجوم وقت الضحى,وقبل عن تصكني بالكف الثاني
هجمت عليها أمي من الخلف,وعضت أذنها عض الوحوش
ففزعت عمتي أم سليمان وأخذت تزعق وتستغيث
ولم تستانس عمتي سلمى على مساعدة أو نجدة أختها
لكنها زجرت بنتها:شيخوه شيخوه هينش سلط الله عليش
يا الله سيري ييبي الخيزران من غرفة أبوش
ويوم جابت شيخه الخيزران تصدّت لها عيشه بنت
خالي راشد بن سعيد,وأخذت منها العصى وقالت لها:
إذا تدخّلتي تراني عغسّلش بذي الخيزران لين أسلخ جلدش
فأرتعبت شيخه و راحت تركض إلى أخوينا النايمين نوم العرسان
من حسن الحظ إنّ سالم ومحمود ما راموا يجو إلا بعدما
الناس تدخلوا و فكوا الأشتباك.وجاء أبوي وعرف السالفة كلها
وعلى الرغم من بكائهما الشديد,وإصطناع المسكنة والمظلومية
فإنّ أبوي ما صدقهن عمتي ام محمود و أختي شيخه
أما ام سليمان فردّت إلى بيتها وهي تمسك أذنها الدامي
أثناء تهديد أبوي ووعيده لأمي وعمتي وأختي شيخه
دخل محمود وسالم وهمه نُصّ نايمين,ولمّن شافهم أبو على ذيك الحالة
صاح فيهم:وأنتو هينكم يالثيران؟
قال سالم:واه.مو فيه؟ أيش إستوى؟
مرّة أبوي كان زعلان عالآخر,وباغي يشتمهم
لكنه لاحظني أكتم ضحكتي
عندها ماعاد تمالك نفسه فضحك,وأنفجرت أنا من الضحك معاه
حكّ أخوي محمود رأسه وهو يسألنا:
أيه أنتو الثنين,خبرونا مو فيه ويش صار بدل عن ذي الغشمرة؟
خرجنا انا وأبوي إلى الطوي بعدما تأكدنا من سيادة السلام في المنزل
لكن عمتي سلمى إستعادت بعض شجاعتها لمّأ إنفردت
بأمي مع ولديها وإبنتها,فأخذت تشتم أمي وهي تردّ عليها
لين تعبن وسكتن وحدهن
وحين خرج أخوي سالم وكان عازم يروح السوق زعقت عليه أم سليمان
وحين دخل عندها وشوشت له بكلام كثير
فرجع سالم البيت زعلان واجد,وتكلّم مع أخوي محمود
وبعد شويّة تفاجيت فيهم جايين الطوي ومع كل واحد منهم
عصا خيزران,كان والدي يصلي الضحى في ذيك اللحظة
فلمّا ريتهم عرفت ان أم محمود قد كذبت عليّه وحرّضتهم
من شان ينتقموا مني,لكني ما شعرت بخوف أو بقلق لأني
أحيد أخواني مساكين,وأحيد طبايعهم زين
فما خليت الشغل اللي كنت أسويه ولا تركته
فلما قربوا كثير لاحظت إنهم مترردين وخايفين
عن الوصول إلي فنهمت:
محمود سالم.فلمّا سمعوا صوتي ولّو
لكني ناديت مرة ثانية:
محمود تفضّل تعال.أخوي سالم تفضل قرّب قرّب
فرميوا العصي وأقبلو بوجيه فرحانة كنهم شعروا بطمانينة
و لمّا دخلوا السبلة خليتهم يجلسوا في صدر المجلس
وعطيتهم فوالة وهي شوية رطب وقهوة,فأرتاحت
نفوسهم وانبسطوا إلي وفتح سالم فمه بعد سكوت طويل وقال:
أخوي ناصر الله هداك,كيف تضرب أمي؟
وهي عمتك وزوجة أبوك,ونحن إخوانك؟
و أضاف محمود:هيه صحيح هذا عيب عليك ناصر
فما حبيت ان أكذِّب أمهم في هذيك اللحظة
فقحمت قدامهم وبركت على ركبتي وقلت:
أرجوك محمود,أرجوك سالم,سامحوني آني غلطان
و قبل عن أكمل كلامي سمعت صوت أبوي وهو يقول:
محمود سالم.ناصر ما ضرب أمكم, وعمره ما مد يده عليها
ولا على شيخه حتى,لكن أمّكم وهمت
سألني سالم:صحيح ناصر؟
فقلت له:صحيح اخوي محمود,أمك في مقام أمي
فكيف أضرب أمي.لكن انا وقفت بينهن فشكت عمتي
أم سليمان,وتوهمت إني أضرب عمتي ام محمود
وقف سالم وقال:إرخص لي باه, باسير حال خالتي
أم سليمان وأعاتبها على ذي الوشاية
قال محمود:وانا معك
فقال أبوي:لكن تلكموا مع خالتكم بأدب و إحترام
فردّ محمود:إن شاء الله أبوي
لم تكن هذه المعركة هي الفاصلة بين أم ناصر و ضرتها أم محمود
بل تلتها وقائع و معارك ومكائد كثيرة,تحزن ناصر وأمه وأبيه
غير إن أخويه الكبيرين سالم ومحمود كانا في منأى
عن الشعور بالغيرة والحسد,فشغلهما الشاغل كان دائما الرمسة
الليلية مع شلة سليمان إبن خالتهما,يسهرون معه الساعات الطويلة
في لعب الورقة والسوالف التافهة
ثم ينامان معظم النهار ولا يصحوان إلا عصرا
ما لم يطلب منهما أحد توصيلة إلى بلدة أو قرية من القرى المجاورة
كما إنهما لا يتمتعان بالذكاء أو الفطنة التي تشعرهما بنوع
من الغيرة تجاه أخيهما الأصغر,الذي يتولى إدارة شئون
الأسرة,ويأمرهما وينهاهما في غياب الوالد.
ولقد بذلت أمهما قصارى جهدها في زرع شرارة
الحقد في نفسيهما إلا انها لم تفلح
فكانا كلما طلبت منهما إنجاز مهمة يظهران من خلالها
براعتهما وحكمتهما يبادران إلى ناصر لطلب
المشورة والنصيحة والتوجيه الذي لا يبخل به عليهما
إلا ان كثرة الطرق تفل الحديد كما يقول المثل
لذلك تأثر سالم ومحمود بكلام أمها المتكرر
و بنفثها سموم الحسد والغيرة زرعت شرارة الحقد
والكراهية والبغضاء بين الإخوة
وقد إنحنت في كيدها منحى خطيرا,إذ أخذت تحرضهما على أبيهما
وأخيهما,وتتهمهما بغل الغلة,فمساء يومٍ عاد فيه محمود وسالم من
رحلة سفر,إستقبلتهما اختهما شيخه خارج القرية,وما إن لمحت أخويها
حتى اخذت تجري نحوها كأنها مجنونة,حاسرة الرأس,شاكية باكية
تلطم خدّيها وتشق ثيابها,فأصيبا بالذهول,وإستغرقا وقتا طويلا قبل أن
يفهما كلمات عيشه التي تخنقها العبرة فتجعلها مجهولة المعنى
وبعد عناء طويل
فهم محمود وسالم أنّ والدهما قد طلّق أمهما وطردها من المنزل,وأن
ناصر و أمه هما من حملاه على ذلك.فسأل محمود أخته شيخه:
و توّ أمي هين؟
قالت شيخه:ما حيد,يمكن مع خالتي موزة
غذ محمود وسالم الخطى برفقة شيخه,وقد تمكّن منهما الغضب حتى وصلوا
إلى دار أبيهم,ومن محاسن الصدف أن يكون ناصر و أمه و أبوه في
زيارة بعض الأرحام في تلك اللحظة التي وصلت فيها شيخه وشقيقاها
اللذين هدأت سورة غضبهما قليلا,وساعد عامل الإجهاد الذي يعانيان منه
على تبريد أعصابهما,غير أنّ شيخه خانها ذكاؤها البسيط في تقدير حالة
أخويها الجسدية,فلم تترك لهما فرصة للراحة,وأذّنت في أذنيهما مرارا
وتكرارا حتى أغضبتهما.فقال لها محمود ساخطا:
أوه أذّيتنا,خلاص عاد لمن يردّ أبوي وناصر,عنعرف السالفة
تو خلّينا ننام شوي شيخوه
لكن هجعة سالم ومحمود طالت حتى النهار التالي,فلم يصحوا إلا على
صراخ شيخه: محمود سالم.بسّكم عاد,الدنيا صارت عصر
وعندما دخلا المجلس فوجئا بخروج ام ناصر من الدار,فهمّ سالم
بمهاجمتها,إلا أنّ محمود منعه وقال:
تو مو يقولوا الناس علينا إذا ضربنا حرمة أبونا؟
قال سالم:تستاهل,هي راس البلاوي,خليهم يقولوا بو يقولوا
وأضافت محضر الشرّ شيخه:صحيح بو يقوله أخوي سالم يا محمود
أم ناصر هي راس لفعى,
قال محمود:إنتي سيري حالي أمي وخليها تجىء من شان توخذ حقها بيدها
ونحن عنشوف شغلنا مع نصّور و أمه العرجاء
و بعد خروج شيخه بقليل دخل ناصر حاملا سجّادة جديدة يريد أن يفرشها
في غرفة أمّه
وحين رآه سالم هجم عليه صائحا:الله أكبر عليك ناصروه,كذاك تسوّي بأمي يا الخسيس
وصل خنجره يريد أن يطعن أخاه,فرمي ناصر السجّادة
في وجه سالم,و أمسك بيده التي تقبض على الخنجر,وحاول إنتزاعها منه

يتبع الجزء الثاني إن شاء الله

عبدالله الراسبي
30-12-2013, 12:13 AM
اخي العزيز والقدير ناجي جوهر كعادتك لا تاتينا الا بالجميل والرائع
نص في غاية الجمال وسرد رائع
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي

خليل عفيفي
30-12-2013, 12:36 PM
أخي ناجي جوهر
أيها الكاتب الفذ والأديب المبدع
يسعدنا ويسرنا أن نبقى هنا نستظل بروعة فكرك وجمال روحك
لك التقدير داعيا لك بالتوفيق والعمر المديد

أبو مسلم الصلتي
30-12-2013, 12:48 PM
أخي الكريم ناجي
أتمنى لك التوفيق دائما في جميع كتاباتك
دمت بود

ناجى جوهر
30-12-2013, 11:18 PM
أهلا و سهلا أخي العزيز عبدالله الراسبي
يسعدني مرورك الجميل
حفظك الله و رعاك

ناجى جوهر
30-12-2013, 11:21 PM
الجمال و الروعة نجدها في إطلالتكم
أستاذ خليل عفيفي
شرفني مرورك الرائع
تقبل تحياتي

ناجى جوهر
30-12-2013, 11:22 PM
وفقك الله و حفظك و رعاك
أخي الشاعر و الباحث أبو مسلم الصلتي
تقبل تحياتي

أمل فكر
01-01-2014, 02:15 PM
السلام عليكم
قصة ممتعة ومثيرة للفضول.. كما عودتنا أخي الكاتب

بوركت.. وفي انتظار التكملة..

متابعون

ناجى جوهر
01-01-2014, 02:59 PM
السلام عليكم
قصة ممتعة ومثيرة للفضول.. كما عودتنا أخي الكاتب

بوركت.. وفي انتظار التكملة..

متابعون

شكرا لمتابعتك وتعليقك الراقي امل فكر
إحترامي

رحيق الكلمات
01-01-2014, 08:31 PM
سرد جميل وابحار رائع في اللهجة العمانية ننتظر التكملة وبحماس بالغ
تحيتي لك

زياد الحمداني (( جناح الأسير))
01-01-2014, 09:07 PM
هنا تتآتى المتعة في ملامسة التسلسل الجذاب من عذوبة السرد وجزالته , أمتعت القلب أخي الرائع أ. ناجي جوهر , أخذتنا إلى ما قبل السبعين فأنست جوارحنا نحو تلك الأحداث الجميلة بما صورتها من بسمات ممتلئة في أرجاء سردك الأخاذ...

ناجى جوهر
01-01-2014, 11:30 PM
السلام عليكم أستاذة رحيق الكلمات
شهادة تمنحني الكثير من الثقة والإقدام
شكرا جزيلا لك