المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرواية العربية الفانطاستيكية


ناجى جوهر
23-01-2014, 10:37 PM
الرواية العربية الفانطاستيكية
الجزء الأخير

منهجية مقاربة النصوص الفانطاستيكية
وتأويلها على المستوى المنهجي

لابد أن نستحضر عند مقاربة النصوص العجائبية بنية الأحداث والعوامل والفضاء الزمكاني,والخطاب من رؤية وصيغة أسلوبية وزمن السرد؛إذ إن للعجائبي كما قلنا سالفا زمنا خاصا به هو زمن الحاضر في تشابكه مع الزمن الواقعي والزمن الخيالي.فبينما يميل العجيب إلى استشراف لحظات المستقبل، والغريب يعود إلى الماضي للاحتكام إلى تجاربه وأحداثه الواقعية.
ويدرس النص الروائي العجائبي في بنيته الكلية التي تستقطب جماع عناصره ومكوناته.والحاضر هنا ليس اللحظة الزمنية التي تتوسط الزمنين الآخرين، وإنما لحظة كتابة النص لحظة واقعيته.
وبناء على ما سبق،فإن النص الروائي العجائبي يطرح صعوبة كبيرة على مستوى التأويل وغموضا إشكاليا لدى القارئ.فإذا كان النص الروائي الكلاسيكي يخلق رموزه من أجل القراءة المباشرة ويشي بها منذ الملامسة الأولى ويطورها مع مسار الرواية،فالنص الحداثي،بشكل عام والعجائبي بشكل خاص، مايزال يبحث عن قارئه المتخصص.لأن الرواية لاتفصح عن أدواتها وعن ميكانيزم اشتغالها إلا من خلال التأويل،ليس تأويل الحياة العامة،ولكن تأويل الحياة ذاتها التي ينشئها النص.والإشكال يطرح من زاويتي القراءة والكتابة ذاتها التي تعني أحيانا البحث عن أدوات خارج نصية للتفسير.
ومن بين القضايا التي يثيرها الأدب العجائبي أولا سيطرة القراءة النموذجية الكلاسيكية،بحيث إن القارئ استقر على مجموعة من الأدوات (للتصور والنقد) ولا يمكنه أن يزن الأشياء إلا من خلالها.وكل ما خرج عن ذلك يتحمله إما الكاتب وإما النص
( اتهامه بالضعف).والقضية الثانية تتمثل في حداثة النص العجائبي الذي يبحث عن قارئ لا يسمح التكوين التربوي الكلاسيكي بنشوئه بسهولة،كثيرا ما يغيب ولا يحضر إلا في ذهنية الكاتب كقارئ ضمني.وإذا كنا نعتبر أن القارئ جزء من فاعلية الكتابة. نحن- كما يقول واسيني الأعرج- في حاجة ماسة للتفكير في هذه العلاقة التي تحتم وجودها بشكل خاص النصوص التي رهنت بناءها الداخلي على مجموعة من الصيغ والأدوات العجائبية التي لا تستحضر أسرارها منذ القراءات الأولى. فالقراءة تبدأ بالاصطدام منذ السطر الأول أحيانا،والمسألة لاتطرح فقط على الصعيد اللفظي والجملي،ولكنها تتعدى ذلك باتجاه تقنيات الكتابة،والدلالات التي تفترض من إعادة تركيب دقيق للنص من أجل التأويل الأقرب إلى خدمة القراءة والنص من منظور القارئ طبعا، لأن كل تأويل في الجوهر له علاقة حميمية مع صاحبه وأشواقه.

الرواية الفانطاستيكية في الأدب الغربي

من المعروف أن الأدب الغربي زاخر بالروايات ذات الطابع العجائبي بدءا من النصوص اليونانية وصولا إلى الرويات الحديثة في الغرب. وهناك من يربط ظهور الخطاب العجائبي بسنة red"]1770م[/COLOR]، لأن الفانطاستيك جاء كرد فعل على الخطاب التنويري العقلاني الذي يمجد العقل والمنطق والعلم والطبيعة. ومن رواده الأوائل كازوتCazotte وبيكفورد Beckford ووالبول Walpole . وبعد ذلك تطور الخطاب العجائبي مع الرواية السوداء في انجلترا مع آن راد كليف Ann Radcliffe ولويس M.G.Lewis، وفي ألمانيا وخاصة مع هوفمان E.T.A. Hoffmann.
وفي فرنسا، سنجد كثيرا من كتاب الخطاب العجائبي وخاصة نودييه Nodier، وفيكتور هيجوHugo، وبلزاك Balzac،وكوتييهGautier، ومريميهMérimée ، وفلوبير Flaubert، وموباسانMaupassant، ودوديه Daudet، وجول فيرنVerne ، وإدغار ألان ﯧوPoe، والروسي گوگول Gogol. ولا ننسى كذلك كلا من هاوثورن، Hawthorne وأوسكار وايلد Wilde، وبرام ستوكرStoker، وهنري جيمس Henry James، وگوستاف ميرينك Gustave Meyrink، ولوڤگرافت Lovecraft، وكافكا Kafka ، وبورخيس Borges ، وكورتزار Cortàzar .
وقد اهتمت الرواية الفرنسية الجديدة الفرنسية بالعجائبي مثل: ألان روب گرييه Grillet في روايته "تبولوجيا مدينة شبح"، وكلود أولييه Claude Ollier في روايته " أور أو بعد عشرين سنة". وقد اهتم كثير من الكتاب الفرنسيين بالغريب L étrange على مستوى الوظائف السردية وتفعيله على المستوى الحدثي مثل: ميشال بوتورBotur في رواية " درجات" و" مرور الحدأة"، وگرييه في" الممحاوات" و"الرائي
le voyeur " ، وكلود سيمون في "العشب" و"الأجسام الناقلة"، وروبير بانجي Robert Pinget في "الولد" .
ويمكن التمييز بين نمطين من الرواية العجائبية: فهناك الرواية العجائبية التقليدية كما نجدها عند بلزاك وميريمي وهوغو وفلوبير وموباسان في القرن التاسع عشر الميلادي. وهناك الرواية العجائبية الجديدة التي ظهرت في القرن العشرين مع رواية المسخ لكافكا والأنف لگوگول حيث ينعدم التردد والدهشة وتصبح الأمور فوق طبيعية عادية لا تثير فينا الاستغراب.

الرواية الفانطاستيكية في الأدب العربي

أما في أدبنا العربي، فقد عرف السرد العربي القديم محاولات إبداعية عديدة تنهل من معين الخيال العجائبي مثل: كتاب ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والسير الشعبية كسيرة فارس اليمن ملك سيف بن ذي يزن وقصة الأمير حمزة البهلوان وسيرة الأميرة ذات الهمة وسيرة بني هلال الكبرى وسيرة الزير سالم وسيرة عنترة بن شداد...الخ.
ولم يستثمر الأدب العجائبي بشكل فعال ووظيفي في الرواية العربية إلا مع الرواية الجديدة التي حاولت التجريب لتكسير النمط السردي القديم وتأصيل الرواية العربية وربطها بتراثها العربي القديم والمشاركة في ارتياد آفاق العالمية عن طريق تمويه الواقع والسمو بالخيال وتغريبه بشكل عجائبي واستلهام النصوص العجائبية الموروثة عن طريق التناص.
هذا، وإن أهم عامل كان وراء ظهور هذا الأدب العجائبي في الحقل العربي يتمثل في طبيعة الواقع الموضوعي: التاريخي والسياسي.
وقد ظهرت خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين عدة نصوص عكست طبيعة هذا الواقع الغريب، وحاولت التعبير عن ظواهره بطرائق إبداعية مختلفة، تستند إلى المفارقة والباروديا والسخرية والتحول الممسوخ.
وتندرج الرواية العجائبية المكتوبة باللغة العربية في إطار الرواية الجديدة التي انطلقت مع بداية الستينيات وهي تروم التحديث والتجريب من أجل تأصيل الرواية العربية. ومن النصوص ذات الطابع العجائبي روايات جمال الغيطاني وهي: وقائع حارة الزعفراني وكتاب التجليات وخطط الغيطاني والزيني بركات والزويل...، و صنع الله إبراهيم في اللجنة وتلك الرائحة، و يوسف القعيد في شكاوي المصري الفصيح ويحدث في مصر الآن والحرب في بر مصر وأيام الجفاف وبلد المحبوب... ونجد كذلك رواية الحوات والقصر للطاهر وطار، وحمائم الشفق لخلاصي الجيلالي، وألف ليلة وليلتان لهاني الراهب، وروايات سليم بركات كفقهاء الظلام وأرواح هندسية والريش ومعسكرات الأبد والفلكيون في ثلاثاء الموت والفلكيون في أربعاء الموت ورواية مدينة الرياح ، وأبواب المدينة لإلياس خوري...
و في الرواية المغربية، نستحضر بعض النماذج كرواية عين الفرس والضلع والجزيرة للميلودي شغموم، وبدر زمانه لمبارك ربيع، ورحيل البحر ومهاوي الحلم لمحمد عزالدين التازي، وأحلام بقرة لمحمد الهرادي، وجنوب الروح لمحمد الأشعري، وأوراق لعبد الله العروي.
ويلاحظ أن هناك من الكتاب من لجأ إلى التلوين بالعجائبي ضمن تأليفهم الروائي نظرا لرغبتهم في التجريب والتنويع كما هو الشأن عند نجيب محفوظ والطاهر وطار والميلودي شغموم...وهناك من اختار الخطاب العجائبي خطابا فنيا لرؤية العالم ورسمه بالتحولات والمسوخ كما عند سليم بركات وبنسالم حميش في "سماسرة السراب" ويحي بزغود في روايتيه "الجرذان" و"طوق السراب".
ونستنتج أن هناك ثلاثة أنواع من المراجع التي استند إليها الخطاب العجائبي العربي، وهي:
1- مرجع التراث العربي في جانبيه السردي و التاريخي كما هو الحال لدى نجيب محفوظ في" رحلة ابن فطومة" والطاهر وطار في" عرس بغل".
2- مرجع التراث المحلي والاشتغال على اللغة كماهو الشأن لدى سليم بركات في كل رواياته.
3- مرجع التراث العالمي والواقع العربي كما عند صنع الله إبراهيم في" اللجنة" ومحمد الهرادي في"أحلام بقرة".
وترتبط" بنية العجائبي في الرواية العربية بالذات والتاريخ واللاشعور. وتحتل اللغة موقعا بؤريا في بناء العجيب وتوجيهه انطلاقا من نسق الحوار أو المنولوج الاستيهامي، عبرهما يتنامى العجائبي ويحدد موقع الواقعي. فهو بناء لغوي ولقاء بين المألوف واللامألوف ، بين أدوات طبيعية وأخرى فوق طبيعية غيبية لإيجاد حالة من الزج بالواقعي ، بكل وضوحه الكاذب وأوهامه المغلقة، في المأزق".
إذاً، يستمد العجائبي وجوده الفني في الرواية العربية من التراث العربي والإسلامي في جانبه السردي من حكايات وتصوف وأخبار... ومن الملل والنحل والمعتقدات الشعبية، ومن عنف الواقع وإكراهاته، فضلا عن تأثيرات المثاقفة، وهضم كل هذه المعطيات في رؤية فنية حداثية وبنية انتقادية للظواهر الاجتماعية والفكرية والعربية".
ويتضح كذلك أن الروايات التي توظف العجائبي باعتبارها تيمة أساسية ومهيمنة شكلا ومضمونا ووظيفة قليلة كما عند بنسالم حميش وسليم بركات ومحمد الهرادي ويحيى بزغود... بخلاف الروايات التي توظفه باعتباره خطابا تناصيا وجزئيا فهي كثيرة إلى حد ما؛ مما يجعلنا نقول مع الباحث المغربي الدكتور شعيب حليفي"يمكن اعتبار العجائبي خصيصة تمييزية في الرواية العربية، لم يتم استثمارها بشكل موسع وكامل، وأيضا لم يتم تطويرها حتى تصبح علامة مرجعية، وذلك نظرا لغياب كم روائي في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى غياب نقاش نقدي يضع العجائبي ضمن الأسئلة المطروحة على الإبداع العربي".
وعليه، فإن توظيف الخطاب العجائبي القائم على الغرابة والتردد بين الواقع والخيال المموه والصور المجازية المفارقة من أهم مظاهر تجديد الرواية العربية الجديدة ومن أهم تجليات تأصيلها.والهدف من هذا الخطاب هو تجريب التقنيات الغربية الحديثة واستعارة القوالب التراثية في السرد والحكي من قصص ألف ليلة وليلة والحكايات العجائبية الغربية وكذا من القرآن والحديث النبوي الشريف والنصوص التي تحوم حول المحشر الأخروي بطريقة عجائبية، ولكن مع ذلك، فإن الرواية المغربية لم تستثمر الفانطاستيك إلا مع أواسط السبعينيات وبداية الثمانينيات أثناء لجوئها إلى التجريب والتأصيل مع روايات أحمد المديني وعز الدين التازي ومبارك ربيع وغيرهم.
ويلاحظ محمد برادة أن مصطلح الفانطاستيك بالنسبة للأدب والنقد العربيين أصبح متداولا ورائجا خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، كما صار يشكل محورا بارزا في استراتيجية الكتابة القصصية والروائية، ولاسيما بعد ترجمة كتاب تودوروف" مدخل إلى الأدب العجائبي" وتلخيصه والتعريف به من قبل الدارسين والباحثين في الأدب الفرنسي والأدب العربي. وقد يفسر هذا الاهتمام بالنزوع إلى تكسير قالب الواقعية الضيقة والبحث عن طرائق الترميز وتمرير الانتقادات الاجتماعية والسياسية والدينية.
ويخلص الأستاذ الدكتور شعيب حليفي في كتابه (شعرية الرواية الفانطاستيكية) إلى أن "مكونات الخطاب الفانطاستيكي في الرواية العربية استطاعت أن تخلق التوازن الذي يجعل من الحكي التجريبي سؤالا أساسيا في الثقافة العربية، مما جعل مداخل البحث في سردية التعجيب في هذا النوع التعبيري مفتوحة على نسق نوعي من العلامات، ومرصدا دائما للمفارقات بين الطبيعي- العقلي وفوق الطبيعي- اللاعقلي، بين المتناقضات والكوابيس والاستيهامات المتصدعة...
إن الرواية الفانطاستيكية تطمح لأن تكون أكثر من مرآة تنعكس على صفحتها تبدلات الواقع المختلفة، فتهتك حجب الزمني والآني المألوف والمباشر وتستشرف آفاق المطلق والمحتمل الغريب عبر هذا السياق تؤسس الرواية العربية لشعرية مفارقة هي شعرية الرواية الفانطاستيكية".

خاتمــــــــــة

تلكم إذاً نظرة موجزة ومختصرة عن الخطاب الفانطاستيكي/ العجائبي
تعريفا ودلالة ووظيفة وبناء. وتلكم كذلك لمحة مقتضبة عن كيفية استثماره في الخطابات القصصية والروائية قديما وحديثا في الآداب الغربية والعربية موروثا وتجنيسا وتجريبا وتأصيلا.

و دمــــــتم بخـــير

منقول بتصرّف

[/CENTER]

عبدالله الراسبي
26-01-2014, 10:23 PM
اخي العزيز والقدير ناجي جوهر تسلم على هذا النقل الرائع
نص جميل وطيب
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي

زياد الحمداني (( جناح الأسير))
29-01-2014, 09:49 PM
من الممتع المكوث والتذوق من إناء المعرفة , تعجبني الفانطاستيكية بما تحمله من تصورات عجائبية منطقية ومادون المنطقية , ممتع هذا الأسلوب الراقي , والجزء الأخير عساه لا يكون الأخير بما تنورنا به اخي العزيز , فهذه المواضيع جذابة تستقطب الفكر المتذوق ...

جزاك الله خير على هذه المادة الرائعة بك اخي الكريم أ. ناجي جوهر

ناجى جوهر
03-02-2014, 12:00 AM
اخي العزيز والقدير ناجي جوهر تسلم على هذا النقل الرائع
نص جميل وطيب
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي



أهلا وسهلا بك يا أبا نصر
الفئة المستهدفة من هذا البحث هم المهتمون
بالقصة القصيرة وبالحكاية الشعبية على وجه الخصوص
فلقد إهتم العالم بالحكاية الشعبية كرافد
من روافد الإمداد والغرس بالقيم الإنسانية النبيلة
وهي أقدم أنواع الأدب التي مارسها الإنسان
كوسيلة تربية وتعليم وتسلية
وفي العصر الحديث أخضعت الحكاية الشعبية
لدراسات خرجت بنظريات وقواعد تحدد خصوصية
هذا الفن الأدبي الراقي
وبالمناسبة أذكر هنا بعض القزانين الني
توصل إليها الباحث أوليرك
الذي بحث الآلاف من القصص
وتوصّل الى قوانين سُميّت بإسمه,ومنها:
- تنتقل شفهياً .
- مجهولة المؤلف .
- بدايتها هادئة ونهايتها مفرحة وغالباً ينتصر الخير فيها على الشر.
- فيها عنصر التثليث ( ثلاثة أحداث ، ثلاثة شخصيات ..... ) .
- فيها أمنيات وتطلعات مخفيّة تستجيب لرغبات الشعب.
- يتخللها حوار .
- فيها سجع واستعارات .
- فيها خوارق وتلعب بها الصدفة دورها .
- يدور فيها صراع بين قوى الخير والشر أو بين أطراف متضادة .
- هدفها تربوي ، تعليمي ، ترفيهي ، وفيها غالباً حكمة معيّنة .
- تتخللها أسئلة بديهية يطرحها الراوي ، لخلق جو من التوتر وشد الانتباه .
- يجب أن تحتوي على التوأمان .
ليس بالضرورة أن تتوفر جميع هذه العناصر في جميع القصص الشعبية

شكرا لك اخي عبد الله الراسبي
وتقبل تحياتي