المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "مقنيات ...وطن وطفولة " **ذاكرة وسيرة لعادل الكلباني*


محمد الراسبي
08-02-2014, 08:43 PM
في معرض الكتاب القادم .. عن دار مسعى للنشر

*"مقنيات ...وطن وطفولة " **ذاكرة وسيرة لعادل الكلباني**

**

صدر مؤخراً عن دار مسعى للنشر والتوزيع في البحرين كتاب (مقنيات.. وطن وطفولة) للكاتب والشاعر **عادل الكلباني. *فيه يأخذنا إلى عوالم بلدته مقنيات الواقعة في ولاية عبري في عمان، تلك البلدة التي قضى فيها طفولته حيث أصيب بالشلل، وبات طفلاً معاقاً لا يستطيع أن يحرك قدمه، لكن هذا لم يكن ليعيق فيه مرح الطفولة و(شيطنتها)، فيسرد تلك الحكايا الجميلة عن الطفل الذي يريد أن يثبت لنفسه قبل الآخرين أنه يستطيع التغلب على إعاقته.

شخصيات آسرة تلك التي يخرجها الكاتب من ذاكرته في تلك القرية الصغيرة، قصص مشوقة عن حكايات الصبيان والرعاة ومعلم القرية والعم الذي لا يعرف كيف يتصرّف مع الطفل (الأعرج) الذي لا يكفّ عن افتعال المشاكل. فتخرج قصص الكتاب بعفوية شديدة قادرة شدّ انتباهنا للتعرف أكثر على ذلك الطفل.

في مقدم *الكتاب *شهادات في تجربة الكلباني من الشاعر سماء عيسى وعبدالله حبيب وعبدالرزاق الربيعي مؤكدين في شهاداتهم **أن الكلباني يقدم نموذج جدير بالإنتباه في التجربة العمانية من خلال كتابة الذات ليس بما هي تخيل أو تخييل وإنما بما هي ذاكرة (تنجب العشب والطحالب والأسى) حيث تداعيات الذاكرة الشخصية المكتوبة هي موهبة للقادرين على الحياة بوصفها فعلاً جميلاً وباعتبارها عيشاً وملحاً بين من لا يلتقون إلا في الحبر

·***جدير بالانتباه

يقول عبدالله حبيب في مقدمته *للكتاب (يذهب بنا عادل الكلباني الى المنطقة اﻷ‌كثر حرجاً وخصوبة في معاناة الكتابة:**الحنين.**وكان جان جينيه قد قال ان "تاريخ اﻷ‌دب كله هو تاريخ للحنين".**يسرف بنا عادل الكلباني هنا وهو يقذف الكرة في غرفة في البيت ليحطم النافذة والمروحة وكل الطريق، ثم ليمنحنا الدرب إلى الذاكرة كي نركض في "المديسوه" و"التولة"، وكل ذلك يحدث إكراماً لخاطر أكبر كذبة يمنحنا إياها:**كذبة اﻹ‌صابة بالشلل في القدم إبان شرخ الصبا.**بهذا فنحن ﻻ‌ نريد منه سوى أن يُعَرِّج على مكامن الوجع كي نطمئن إلى ان أقدامنا لن تخذلنا في الطريق إلى أول ما شاهده مالك بن فهم.**وفي هذا السِّفر يتمرأى عادل الكلباني في أنموذج جدير باﻻ‌نتباه من صيرورات الكتابة العمانية المعاصرة )

·*روح التمرد

أما الشاعر سماء عيسى *فيكتب على ظهر الغلاف *شهادته مشيرا الى ان هذه التجربة للكلباني

(بها قدر من الحميمية والحنين لا مدى له ولا اتساع محدد ﻷنه اكبر في الحزن وفي الوجد وفي العذاب ،تبلغ ذروة الجمال هنا في الجذر المأساوي والتمردي في آن.لا تدرك شروق المأساة في الريف العماني الغابر عن شروق التمرد في روح هذا الصبي،الذي حتى اليوم لم يغادر أرضه الا نادرا....
ومع تجدد شروق الحياه،تتجدد روح الابداع،كتجدد روح الفصول،وتجدد رحيق الطفولة في وطنه الأم ).

*

*

·*الألم المضيء

ويذكر عبدالرزاق الربيعي أ*ن (هناك كتّاب ابتكروا جغرافيا جديدة فوضعوا مدنا على الخرائط ،هذه المدن كان يمكن لها أن تكون نسيا منسيّا لوﻻ‌ أنّهم أضفوا عليها من أرواحهم ومخيلتهم وإبداعهم الكثير ، مثلما فعل الشاعر الرائد بدر شاكر السيّاب حيث كتب عن "جيكور " القرية التي أمضى طفولته فيها )

ويعرج *الربيعي *الى الحديث عن تجربة الشاعر عادل الكلباني قائلا بأنه ( واحد من الذين التصقوا بالمكان ، وجعلوه أيقونة في نصوصهم ، فوضع قريته "مقنيات " على خارطة الجمال عندما جعلها مرتكزا من مرتكزات نصّه اﻹ‌بداعي ،فمن "مقنيات" انطلق ليحفر اسمها على صفحات مدوّنته من خﻼ‌ل تداعيات وذكريات يغلّفها الوجع وتطفو منها لغة اﻷ‌لم ، لكنّ ذلك هو "اﻷ‌لم المضيء " كما يصف أحد الشعراء ، فلقد أضاء الكلباني في كتابه وجه المكان ونثر عليه تفاصيل محتشدة ذاكرة مبدع احتفى به من خﻼ‌ل استحضاره في نصوص هذا الكتاب الذي جمع عدّة ثنائيّات : الماضي والحاضر ، والمكان والزمان ، الشعر والسرد)

****

*

*من (مقنيات ... ذاكرة النخل والماء) للشاعر عادل الكلباني ، يقول :

*
(لمقنيات فيضان من التاريخ والأحداث والذكريات، سُميت بهذا الاسم كما يقول الرواة لكثرة قنواتها المائية، فيها فلج (المحيدث) في الحاجر، عينه تنبجس من أم الفلج ويسقى به نخيل الفالق بساتين وضواحي.... وفلج (المُـدق) عينه تتفجر من أم الفلج في صلب الوادي ويمتد تقريبا لمسافة كيلو متر واحد ويسقي نخيل البلد حتى تصل حدود سواقيه البصرة وشاط، وفلج (القرواني) في الجناة يتدفق مخترقا غابات النخيل في روعة تدعو للدهشة من فن نحت السواقي للعمانيين القدامى إذ إن هذه التقنية الهندسية في الحفر تجعل المياه تسيل بانسيابية على مستويات وحدود منضبطة لا ثغرة فيها للسهو والخطأ.
***
ومما يزيد علامات التعجب والفخر في (الجناة أو الجنة كما يقول أهلها) كيف استطاع العمانيون القدامي زراعة هذا الكم الضخم من النخيل! في امتداد عمودي وافقي يجتاحك فردوسها من كل جانب ويغريك بمنظرها البديع، وإذا هفت نفسك الى نضرتها داخل ظلالها المعتقة برائحة النخل والتراب والماء والمشي على قدميك خصوصا إذا بدأت رحلتك الخضراء من مدخلها في الوادي الذي تقبع بالقرب منه شجرة (زام) ضخمة تفرد أحضان ظلالها كأم رؤوم فإنك ستقطع ما يقارب نصف كيلو متر تقريبا أو أكثر تسيح بعينيك في مداها الأخضر عن يمينك وشمالك تنوس فيها أشجارها الباسقات تعانق الضياء والمطر بالثمر النضيد)