المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعتوهة والعجوز الجزء الأول


ناجى جوهر
06-04-2014, 09:31 PM
قصة طويلة


المعتوهة والعجوز

الجزء الأول


تقعد كل صباح أمام كِسْرِ مرآةٍ قذر , في ركن من غرفتها المبتذلة

تتغنى بروعة الجمال , وبرشاقة القد التي وهبها الله , سعيدة مغتبط

يسمع من مرّ بدارها ضحكاتها المدوية

وأغنيتها القديمة المفضّلة :

سبحان من سواك يا بشارة **** وصـورّك فرحة للـعــيـن

مالك مثيل جمال وشــطارة **** محلى شــفاهك والجبـين

سبحان من سواك يا بشارة

وهي حقّا باهرة الجمال , صغيرة السن لم تتجاوز العشرين سنة من عمرها

يغريها الجو الربيعي المعتدل على الغناء والإستبشار

بيد أنَّ هيئتها الرثة وتصرفاتها البلهاء , تشير إلى خلل جسيم في عقلها

وعطب مفضوح في توازنها النفسي

إذ كانت تصاب بهلع شديد كرد فعل مبالغ فيه على الضوضاء العالية

والحركات الصاخبة المفاجئة

ولم تكن تبريرات الأهل تزيد على إعتقادهم بأنها ضحية عين حاسد أو مس

وقد عانى والدها كثيرا من عذاب ضميره الذي استيقظ متأخرا

بعد أن شاهد بعيني رأسه المليء بالخرافات ما تجرّعته فلذة كبده

من اضطرابات عصبية وكوابيس مفزعة

إذ أنَّ مشهد الإغتصاب في ليلة دخلتها ما فتئ يعاودها في نوبات

صرع وإضطراب نفسي حادّ , تصاب من جراءها بضيق التنفس

وتشعرُ بطنين في الأذنين , والآم في الصدر وعنفا في نبضات قلبها

ثم لا تلبث أن تفقد توازنها ويغمى عليها.

وعندما حصل لها ذلك أول مرة حُملت حملا عنيفا

مقرونا باللعنات , ثُمّ حبست لوحدها طوال الليل في غرفة منعزلة

فأزدادت ذعرا وهلعا , وأحدثت وتبوّلت في مكانها

وعندما عُلِمَ عنها ذلك أصدر عليها المجتمع حكما نافذا بالجنون

وأضحى التعامل معها متسما بالخوف والحذر , أو بالإستخفاف والسخرية

وإذ كان مستوى المحيطين بها الثقافي والعلمي لا يتعدى قعر المعرفة

ولإنعدام وسائل الترفيه والتسلية في البلدة , فقد أُستُغِلَّ مرضها

كمصدرفكاهة يفي بالحاجة إلى التسلية والضحك والمرح

فعمل الجميع على نسج أشكال الإضطهاد ضِدّها

بهدف إيصالها إلى أقصى درجات الهلع والذعر

عندئذ يمكنهم التلذذ بما يصدر عنها من أقوال وأفعال مجنونة

فكان بعض الشباب التافهين يكمنون في طريقها ليلا

فمنازل القرويين متلاصقة , وشوارع البلدة ضيقة مظلمة

فيرصد التافهون تحركاتهاوخطواتها

وعندما تقترب منهم يقفز أحدهم أمامها فجأة

وقد إرتدى ملابسا مخيفة , ويصرخ بغلظة في وجهها

فتصاب بالهلع والرعب

وتصرخ مستغيثة ولا تلبث أنْ يغمى عليها

عندئذ يضحكون جميعا , ويسعدون بارهاب المسكينة

أمّا البنات فكن يستغلين رغبتها الجامحة في إستعادة طفولتها المنهوبة

فيستدعينها للعب معهن

وعندما يجدنها قد إنسجمت وأستطابت اللعب و التسلية

تتسلل إحدى السفيهات من خلفها , ثم تصرخ في أذنها بفضاضة ولؤم

فترتاع من ذلك وتصاب بالإنهيار التّام

فتسرهن تعاستها سرورا عظيما

و من ثم يطلقنا الضحكات والتعليقات الساخرة

كانت هذه الأحداث تنخر في قلب أمها , ولا تملك لها دفعا

فلقد إتّفق الجميع على جنون بشارة , فلا يعترضون أبدا

على ما يفعله أبناءهم بتلك المسكينة , لأنها في نظرة

نذير شؤم وتعاسة , فلا حقوق لها ولا كرامة

فكانت أمّها تلقي باللوم والتقريع على والد الفتاة

وتعاتبه على شناعة فعله , بتزويجها وهي طفلة لا تعي

فأنهار جلده جراء ما لاقى من توبيخ منها , وسخرية

وإستهزاء من الناس

وأحزنه كثيرا ما تتعرّض له إبنته من إمتهان وعذاب

ووقع فريسة عذاب الضمير , ولم يعد يطيق نفسه

خاصة وأن الذين ضحى بابنته لإرضاء تقاليدهم المتخلفة

لم يثنوا على فعلته , ولم يمتدحوا حماقته , ولم يكترثوا له ولا لمصيبته

ولم يسمعه أحد منهم كلمة شكر , او عرفان أو مواساة

أو تشجيعا على تمسكه بالعنصرية البغيضة , بل كانوا يلمزونه

ويتهمونه بالطمع في قيمة المهر المعروض عليه من الشيخ الفاني

فتحاشى مجالسهم وتمنى الموت العاجل

ولكنَّه سيتحاسب على تلك الجريمة لا محالة

فلقد أضاع مستقبل الفتاة , وحرمها من حقها في التعليم , والتّمتُّع بالطفولة

تزلفا من الماكرين اللئام , الذين زرعوا في أذهان أمثاله من الحمقى

الفخر بما ليس فخرا , والاعتداد بالأحساب والأنساب

وقد حارب الله ورسوله العصبية جاهلية , والعنصرية المقيتة

عاشت بشارة بعد وفاة والديها مع عمة لها قد بلغت من العمر عتيا

إلا أنها تتمتع بالصحة والعافية , وسلامة العقل والحواس

فقاست معها مرارة أخرى , أشد إيلاما وأفدح ضررا

إنها خيبة الأمل في اقرب الناس اليهما

يتبع إن شاء الله

وهج الثريا
06-04-2014, 09:50 PM
قصة رائعة ومشوقة أ. ناجي جوهر وتحمل أهداف نحن بحاجة الى توعية الناس بها وأخذ العبر منها ..
سلم فكرك وبانتظار بقية الأحداث ..

أطيب التحايا أستاذي المبدع ..

ناجى جوهر
06-04-2014, 10:13 PM
قصة رائعة ومشوقة أ. ناجي جوهر وتحمل أهداف نحن بحاجة الى توعية الناس بها وأخذ العبر منها ..
سلم فكرك وبانتظار بقية الأحداث ..
أطيب التحايا أستاذي المبدع ..

أسعد الله قلبك أيتها العزيزة / وهج الثريا
كم أن سعيد بهذا اللطف الجميل من قلمك
لا زلت أقاسي مع عمليّة التنسيق
وها انتِ ما شاء الله تبعثين في
نفسي التفاؤل والحيوية
فجزاك الله خيرا
وحفظك ورعاكِ
وأسعدك ربي في الدنيا وفي الآخرة
ولك عاطر التحايا واصدق الأماني

عبدالله الراسبي
07-04-2014, 05:46 PM
اخي العزيز والقدير ناجي جوهر قصه جميله جدا ورائعه
ودائما تاتينا بكل جميل ورائع
ونحن في شوق لمعرفة الاحداث القادمه
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي

زياد الحمداني (( جناح الأسير))
07-04-2014, 08:35 PM
أخي العزيز الفاضل الكاتب أ. ناجي جوهر...

سرد قصصي نابض بالحياة قريب من القلب بما يحملهُ من إبتسامة اضحت في المُحيّى سلسبيلا..

ذكرتني بعجوزٍ الله يرحمها لما كنت في العاشرة نكمن لها كمينا ، حتى مرة حفرنا لها حفرة وجعلناداخلها نملا اسود (سماسيم) ووضعنا عليها غطاء في وضحِ النهار لم يكفينا وقوعها بل السماسيم قامت بمهمتها يعني جريمة منظمة ... وكانت اثناء حياتها رحمها الله ضعيفة النظر ووقعت فيها كانت رحمها الله وغفر لها فطنة ثاقبة البصيرة وعقابها مُميز بما لهُ أثراً لردةِ الفعل آنفة الذِكر لا أخفيك علماً أن الفكرة الجُرمية كنتُ أساس إنشائها....


دائماً لرقي سردك الإبهار الذي من خلاله نستشعر قيمة السرد أخي العزيز...

ناجى جوهر
07-04-2014, 11:49 PM
اخي العزيز والقدير ناجي جوهر قصه جميله جدا ورائعه
ودائما تاتينا بكل جميل ورائع
ونحن في شوق لمعرفة الاحداث القادمه
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي



أسعد الله أيّامك يا أبا نصر
سعيد والله بهذا الإطراء الذي أفتخر به
وآمل ان أكون عند حسن ظنِّكم
دمت بخير اخي الشاعر الجميل عبد الله الراسبي

ناجى جوهر
07-04-2014, 11:55 PM
أخي العزيز الفاضل الكاتب أ. ناجي جوهر...

سرد قصصي نابض بالحياة قريب من القلب بما يحملهُ من إبتسامة اضحت في المُحيّى سلسبيلا..

ذكرتني بعجوزٍ الله يرحمها لما كنت في العاشرة نكمن لها كمينا ، حتى مرة حفرنا لها حفرة وجعلناداخلها نملا اسود (سماسيم) ووضعنا عليها غطاء في وضحِ النهار لم يكفينا وقوعها بل السماسيم قامت بمهمتها يعني جريمة منظمة ... وكانت اثناء حياتها رحمها الله ضعيفة النظر ووقعت فيها كانت رحمها الله وغفر لها فطنة ثاقبة البصيرة وعقابها مُميز بما لهُ أثراً لردةِ الفعل آنفة الذِكر لا أخفيك علماً أن الفكرة الجُرمية كنتُ أساس إنشائها....


دائماً لرقي سردك الإبهار الذي من خلاله نستشعر قيمة السرد أخي العزيز...


هلا والله بالروعة
هلا بالثقافة
هلا بالأخلاق الحميدة
ما اسعدني بوجود أناس على هذه
الدرجة الرفيعة من الذوق والفهم
لكنني عاتب عليك على ما فعلت
بالعجوز المسكينة رحمها الله
ولا أخفيك أنني كنت في طفولتي
في منتهى اللطف والتعقّل بحسب الثقاة
ولا يفوتني ان أهنئك بالإشراف
وأعلم علم اليقين انك كفوء وجدير
لك أسمى آيات التقدير أيها الرائع
وتقبّل تحياتي