المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغريب المريب الجزء الرابع


ناجى جوهر
16-04-2014, 10:48 PM
الغريب المريب

الجزء الرابع


وقد ترك لنا أبي

ثروة ضخمة من الإبل و رؤوس الماعز

وكنا نسكن في الريف الشرقي من المدينة

على بعد أربعة أميال من هنا, ولقد تزوجت من إمرأة فائقة الحسن والجمال

وأنجبت لي ولدين وثلاثة بنات , وكنا نعيش في هناء و لا يكدر صفو عيشنا مكدر

ثم أرسلني إخوتي برفقة شقيقي الأكبر إلى البحرين بغرض التفاوض مع أحد

أصدقاء أبي على ملكية أرض مشتركان فيها , وعدت من السفر بعد عدة أشهر

وقد أنهيت مهمتي بنجاح تام , إذ أنّ اخي توفاه الله فدفناه هناك

وكان صديق أبي قد منعنا من المغادرة قبل استيفاء حق الضيافة

فعدت وليتني لم أعد

فتعجبت البنات من قوله : ليتني لم أعد

لكنه سكت وأمعن في السكوت وقد اغرورقت عيناه بالدموع فبكت

البنات لبكائه وناحت لنواحه

ثم إنه إسترد رباطة جأشه فأسترجع وثاب إلى رشده ومسح دمعته

حينها عاجلته صغرى الصديقات بقولها : هاه ..

لماذا تمنيتَ أنك لم تعد إلى أهلك وعشيرتك؟

فقالت لها البنت الكبرى : أتركي المسكين وشأنه , يبدو أنه لا يريد أنْ يُحدّثنا

قال الرجل بإنكسارٍ: لا لا. منذ سنوات طويلة لم يفتح لي احد قلبه غيركنّ

وقد اعتبرتكن أخواتا لي كما طلبتن , وأنا أثق بكن كل الثقة , ولكنني لا أتمالك

نفسي عندما أتذكر الاحداث المفجعة التي عشتها.نعم كنت أسابق الريح

في رحلة العودة إلى الديار , وعندما إقتربت من مضاربنا تفاجأت بقلة

الرعي والرعاة في النواحي , فلم أرى غير قليل من الناس الذين لا أعرفهم

مع حيوانات قليلة , ولكنني لم أتوقف لأسأل أحدا , فالشوق والحنين يجراني

إلى الحي جرّا وقد حل المساء , وفرحتي بإنجاز المهمة قد أخفت عني كل شيء

ما عدا إجتماعي بإخوتي , وكان كل ما يهمني أن أفرحهم بنجاح الصفقة

وقد نسيت حتى اخي الفقيد , ولم أنتبه إلى الخراب الهائل الذي حاق

ببيوت وعرائش ومساكن العشيرة , ولم أتوقف إلا أمام ما كان مدخل بيت

العائلة الكبير ... ثم سكت

قالت الفتاة : ماذا تقصد بقولك كان؟

ألم تجد البيت؟

تنهد الرجل تنهيدة كئيبة..

ثم قال : لا ...لم أجد بيوتا ولا ناسا بل وجدت أطلالا وبقايا مساكن وحظائر

قالت البنت : لماذا؟

إلى أين رحل إخوتك وأهلك؟

قال الرجل : هذا ما كنت أسأل عنه نفسي فخطر على قلبي أنهم تركوا الديار

مكرهين , فإن المضارب ورثناه أب عن جد , والمياه والمراعي متوفرة بفضل الله

ولا يمكن لإخوتي ان يرحلوا هكذا , إلا لسبب لا يملكون دفعه وقدّرت ان المعتدين

هدموا المنازل على رؤوس القوم

قالت البنت : إذا ماذا فعلت؟

وأين أمضيت ليلتك؟

وهل عثرت على أهلك فيما بعد؟

ولماذا هجروا مساكنهم؟

قال الرجل : تمهلي قليلا أصلحك الله , فإنني بت تلك الليلة في خربة

من تلك الأطلال , ولم يغمض لي جفن من كثرة الهواجس والوساوس

التي راودتني , وعندما لاح شعاع الفجر امتطيت ظهر ناقتي و توجهت إلى

بعض الأحياء والمضارب المجاورة فذهلت لخلوها من الحياة أيضا

فأخذ القلق والحيرة يتبادلان قذف مشاعري وكأنها كرة يلهوان بها

وهكذا كلما توجهت إلى قوم أعرفهم لا أجد سوى آثارهم

وأخيرا وبعد طول بحث وعناء عن لي ما يشبه الخيمة

ينبعث منها دخان كثيف

فأيقنت بوجود أحياء قد يزيلون ظلمة حيرتي بنبراس المعلومات اكيدة

وما إن إقتربت من الخيمة حتى خرجت إلي عجوز تتوكأ على عصا

وقد غطت بخمار وجهها كعادة نسائنا , و إستقبلتني بحفاوة عظيمة

وترحاب كريم , فلما سلمت عليها وسمعت صوتي قالت : أ فلان أنت؟

قلت : نعم

فجلست وبكت بكاء شديدا

وبلغت قسوة حيرتي مداها لبكاء تلك المرأة

وأمسى قلبي أعظم انشغالا

لكنني تركتها حتى ثابت إلى رشدها وكفكفت أدمعها

وقبل أن أفتح فمي بادرتني بقولها :

أبري عظم الله أجرك ثم بكت

فلم أطق الصمت أكثر مما قد صمت فقلت لها:

بالله عليك يا خالة من أنتِ أولا؟

ثم ماذا حدث في غيبتي؟

أين إخوتي وأبنائي وعشيرتي؟

لماذا هجروا الديار؟

من الذي اعتدى عليهم؟

وفي من تعزّيني؟

أرجوك يا خالة أجيبيني ولا تخفي عني شيئا

فقد أصطليت بنار الجهل كفايتي

ويتبع إن شاء الله

وهج الثريا
17-04-2014, 07:49 PM
أمر يبعث الحيرة !!

ما الذي حل بأهل تلك القرية والقرية المجاورة والذي أباد الجميع مرة واحد ؟
وهل هناك عﻻقة بين الآثار التي ظهرت على جسده بالواقعة التي حلت بالقرية ؟

شوقتنا أ . ناجي لنعرف هذا الأمر الغريب المريب .. بانتظار بقية الأحداث بشغف ..
تحياتي العطرة

زياد الحمداني (( جناح الأسير))
17-04-2014, 08:11 PM
بدأت هنا الملامح تفي بما كانت المُخيلة تنسجة من خيارات آتية ، وبدأت الثقة تأخذ مجراها بين الأخذ والرد قولا ، حيث البنات قصصن لهُ واقعِهن حاليا بكونِ والدهن متوفي وقد ترك ثروة كبيرة وهن من يديرين تلك التركات ويعتمدن على انفسهن...

كذلك رجلنا المريب اخرج ما في سريرته من إبهام وأنه مليء بالهمومِ لمرورهِ دياراً بقت على اطلالها من غيرِ سكان وبقى مستوحشا تلك المظاهر المرعبة وهلمُ جرى إلى أن يصل إلى سردهِ لقصته التي تجسد بداية البداية لجمال هذه الرواية...

هنا اخي العزيز القريب من الوجدان أ. ناجي جوهر إثراء واضح بكل ما تحملهُ الكلمة من معنى وهنا أكررها الإفادة مضمونة...


بإنتظار الجزء التالي بارك الله فيك..