المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملوك الراس لحمر الجزء السادس


ناجى جوهر
12-05-2014, 11:14 PM
وقعت أحداث هذه الحكاية في عام
1979 ميلادية




حكاية رائعة


ملوك الراس لحمر


الجزء السادس

وادي الصبابة


صرخت صرخة مدوِّية سمعها جميع الخلق إلا الثقلين

فلقد كانت الأسياخ الزجاجية مستعرة

فلفحت يدي وكوت أصابعي ـ فتركت السنبلة نادما

وأخذت أنفخ الهواء على كفّي أبرّدها

بينما كان الشقر وإخوتي الإنس

يضحكون مسرورين بتعاستي متلذذين بعذابي

ثم رق لي أحدهم فجذبني من ذراعي

حتى أوقفني أمام عمود كريستالي

أخرج منه منديلا زهريا رطبا

وضعه على راحتي , فبرد الألم وزال الوجع في الحال

فأبتعدت عنهم وجلست وحيدا منفعلا

بينما ظلوا يتندرون ويتفكهون بما أصابني

وفيما كنت أنعي حظي العاثر

أقبلت عجوز مهجّنة من الشقر والرماديين

تحمل سنبلة فارهة في طبق ظريف

وعندما رأيتها قادمة إليّ تلفت روحي هلعا

وأشحت عنها بوجهي , فواجهتني بوجه صفيق

ومدّت إليّ كفا ذا شعر كوبر النوق العجاف

تريد مصافحتي , فتنحيت عنها وعبست في وجهها

لكنها حاصرتني ثم ناولتني الطبق مبتسمة

غير انني أدبرت عنها رافضا عرضها

فهمهمت كهزيم الرعد وأشارت إلى أصحابي

فرأيتهم يقضمون السنابل في سرور وشماتة

فتشجّعت قليلا وأنتزعت الكوز من يدها بفضاضة

فوجدته باردا تفوح منه رائحة زكيّة تثير الشهية

وعندما فتحت فمي وعضضت الكوز

تفسّخ عنه حب كثير إكتظ بها شدقي ولم أطق مضغها

ولم أتمكن من بلعها , إذ كانت قارصة لاذعة

نفثتها من فمي , فوقع الكثير من تلك الحبوب

على وجه العجوز المقعية أمامي

فغضبت غضبا شديدا واحمر وجهها غيظا

فخفت وذعرت وعدوت مبتعدا عنها , فطاردتني أمام الملاء

بينما كان القوم يضحكون ويفحصون الأرض بأرجلهم

ولم تطل المطاردة إذ كانت خطوة منها تطول على ثلاثا من خطواتي

فأمسكتني من حقوي , ورفعتني عاليا بيد من حديد

وأخذت تقرعني وتقبّح فعلي

وانا أحاول تخليص نفسي من قبضتها مستغيثا طالبا النجدة

ثم تركتني وانصرفت غضبى

فحمدت الله وتحاملت على نفسي حتى القيت بجسدي على السرير

وانا محبط حنق

وما إن غفوت حتى فقدت وعيي , ولم أنتبه إلا في اليوم التالي

قال حمود بَرْ غَبْرى :

كنت وقتها شابا في السادسة والعشرين من العمر

أجيد القرأة والكتابة , قصير القامة أسمر البشرة قوي عنيد

لبيب جسور , ولكنني كنت مشاكسا ذا عجلة وحدّة

وقد طال مكوثنا في ذلك المكان , وشعرنا بالملل والضجر

وكنا نشاهد الشقر كل صباح وهم ذاهبون إلى أعمالهم

ومدارسهم ومعاملهم , ممتطين تخوتا من المعدن تطير بهم

أفرادا أو جماعات

بينما كان الآليون يبنون ويحرثون الأرض وينسقون الحدائق

ويدهنون الجدران ويكنسون الشوارع ليل نهار

وقد توقفت تلك الحرب وعمّ السلام

فكنا نتألم ونحزن لحرماننا من حياتنا الطبيعية

وتاقت أنفسنا إلى الحياة والخروج والسؤال عن أصحابنا

فشاورت رفاقي وعقدنا النية على الإتصال بأولئك الشقر

فأستدعينا أحد الحراس , وقلنا له :

نرغب في مخاطبة رئيسك

فغاب قليلا , ثم عاد برفقة أشقر آخر ذي بزة حسنة

وهيئة مهيبة , فدخل علينا وسلم ثم جلس على أريكة

وقال : ماذا تطلبون؟

فقلنا له : لقد طال مكوثنا في هذه الدار , ولا نعرف ماذا

تنوون أن تفعلوا بنا , ولا ندري ما مصير رفاقنا

فقال : لا تخافوا ولا تستعجلوا

فقلنا له : فإنا نرغب في الخروج ومخالطة المجتمع

فنهض واقفا , وقال :

سوف أعاونكم على مخاطبة من هو أعلى مني رتبة

وأخرج من جيبه سوارا فضيا له فص من زمرّد أزرق

وضعه على طاولة وتكلم بكلام لا نفهمه

فإذا بنور ساطع يشرق من ذلك الفصّ , ثم ظهر

أمامنا وجه رجل كهل ذي لحية طويلة ووجه صبوح

فقال : السلام عليكم يا بني آدم

فألجمتنا الحيرة ولم ننطق

فقال الأشقر الذي معنا : ردوا السلام فإنه يراكم ويسمعكم

فقلت له مرتابا : وعليكم السلام

فقال ذلك الكهل : اعتذر إليكم عن التقصير في خدمتكم

فإن الرماديين قد أفسدوا هاشاباشا , ونحن مشغولون

بإعادة إعمارها , فكيف لي أن أخدمكم الساعة؟

فقلنا له : نرغب في معرفة مصير إخوتنا

فقال : إنهم في أيد أمينة , فلا تقلقوا عليهم

قلنا له : إنا نرغب في الخروج والتجول في مدينتكم

فقال : أما هذه فيسيرة , ثم تحدث مع الرجل

الآخر وأختفى

فأخذ ذلك الأشقر سواره وقال :

سوف نأخذكم اليوم في رحلة إلى وادي الصبابة فأستعدوا

فانصرفنا نهيىء أنفسنا للرحلة , ونحن فرحون

وبعد قليل سمعنا أصواتا كثيرة , فإذا بجمع عظيم من الشقر

رجالا ونساء وأطفالا قد توافدوا إلى الساحة القريبة من دارنا

وكان ذلك اليوم يوم إجازة لهم

ففزعنا وشعرنا بالخوف , غير أن صاحبنا أقبل مبتسما

و قال :

أتمانعون أن يرافقنا هولاء؟

فإنهم عندما علموا برغبتكم في زيارة وادي الصبابة

قدموا مسرورين وهم يتمنون مرافقة بني آدم

فقال له بعض إخوتي : لا بأس , فإنا نحب الرفقة

بينما كنت غير راضي وغير سعيد

فقدّم لنا الرجل تخوتا معدنية أمتطيناها

ثم إنطلق الركب , وسط صخب وهتاف الشقر

المبتهجين السعيدين بوجودنا بينهم

وشاهدنا أجزاء من المدينة وبعض أحيائها ومرافقها المذهلة

وكان الأنوناكي ينضمون إلينا كلما مررنا بحي من أحياءهم

وبعد ساعة هبطنا في وادٍ خصيب خضير ذي مياه متدفقة

من منابع لا نراها تجري عذبة رقراقة وتصبّ في بركة

ضحلة صافية كأنها عين ديك

العاب

يرى الناظر في قاع تلك البركة مناظرا مبهرة , فلقد نمت

فيه نباتات عريضة الأوراق متنوعة الألوان طويلة السيقان

تتماوج أغصانها مع تيار الماء الناعم

وتطفو أزهارها وزنابقها وأوراقها الكبيرة الحجم

الجميلة الشكل واللون على سطح الماء

وتزدحم في الوادي أشجار وشجيرات وجنيبات

على أشكال وأحجام متفاوتة , وقد شذبت أفرعها وهذبت أغصانها

ومهدت أرض الوادي ونضدت فيها المصطبات والمقاعد والقباب

ورأيت نباتا متسلقا عجيبا

يحمل أنواعا مختلفة من الأوراق والأزهار والثمار

وكانت هناك أشجار تفوح منها روائح عطرية تنعش القلب وتسعد الروح

ومنها ذوات روائح تجعل المرء يضحك سرورا أو يبكي أسا

وفي الوادي أشجار لا أدرك علوها أو إستدارة جذعها

ومن أعجب ما رأيت شجرة ذات أغصان تدور حول نفسها

محركة أوراقها العريضة دافعة الهواء بلطف

مشعرة الجالس في ظلالها ببرودة الجو وكأنها مراوحا عملاقة

ورأيت زهرة كبيرة ذات بتلات مزركشة

كثيرة تطير في الجو , تنثر عطرا وتضفي سحرا مرئيا

على المكان وحين أمسكت ببعضها وجدتها طرية ناعمة

لها رائحة نفاذة باردة على القلب

فلما تذوقتها بطرف لساني وجدت لها مذاق لطيفا مستصاغا

لكنني شعرت بالنعاس , فأدركني احد الشقر

وناولني بتلة أخرى بلون مختلف

فلما مضغتها شعرت بالنشاط والحيوية

ورأينا ما يسر القلب ويفرح الخاطر , من الفواكه الطازجة

والثمار اليانعة والزهور الناعمة

وتعشعش على أغصان شجر الوادي آلاف الطيور المغردة

البديعة الحسن الجميلة الريش

وجميعها قد الفت الشقر فلا تخشاهم ولا تبتعد عن طريقهم

وعندما أستقر بنا المقام رأيت القوم يفتحون علبا

أخرجوها من بطون التخوت , وعندما فتحت علبتي

وجدت فيها خيمة وكرسيا قماشيا وملابسا

وأشياء أخرى أحتاج إليها

ثم إنطلق الصبية إلى البركة والجداول يسبحون

بينما إفترش العجزة والمسنون الأرض المعشوشبة

وأخذ آخرون يتجولون في الوادي , بينما كان الشبان

يتسلقون الجبال والتلال

والعجيب أن شمسهم أصغر من شمسنا

وحرارتها أخف كثيرا وضوئها أبهى وألطف

وعندما إلتفت إلى رفاقي رأيتهم قد إنصرفوا

مع الشقر يسبحون ويتجولون وهم في منتهى الحبور

وفيما كنت أفكر في خطة لقضاء يوم سعيد

حانت مني إلتفاتة , فرأيت أعوذ بالله ما نكّد خاطري

وأحزن قلبي وأفزع فؤادي

إنها العجوز المهجنة

فدخلت خيمتي قبل أن تراني

إذ كانت تتفحص الوجوه ولا أظنها إلا باحثة عني

فقبعت أراقبها من فتحة صغيرة

وما لبثت أن مرت بجواري ومضت

وبعد أن إبتعدت عدة خطوات توقفت فجأة

وأمعنت النظر إلى الخيمة

وقد رأيت فتحتي منخرها تتسع , ثم كرت راجعة

فيئست من الإستمتاع بهذا اليوم الجميل

وقبل أن تصل إليَّ

يتبع إن شاء الله

عبدالله الراسبي
16-05-2014, 11:27 AM
اخي العزيز والقدير ناجي جوهر نص جميل جدا ورائع وسرد جميل
ونحن في شوق لمعرفة الاحداث القادمه
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي

أمواج
16-05-2014, 11:15 PM
الفاضل ناجي جوهر

نستمتع لهذا القلم المبدع والقصة الرائعة

ننتظر الأحداث القادمة

دمُت بكل خير

ناجى جوهر
17-05-2014, 09:44 PM
الله يعطيك العافيه استاذنا الفاضل ناجي جوهر
وننتظر البقيه
شكرا لك
\



أهلا وسهلا بكِ أستاذة / سوير
عافاك الله ورعاك
شكرا على المرور الرائع
تحياتي

ناجى جوهر
17-05-2014, 09:50 PM
اخي العزيز والقدير ناجي جوهر نص جميل جدا ورائع وسرد جميل
ونحن في شوق لمعرفة الاحداث القادمه
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي


السلام عليكم يا أبا نصر
نجد الرضا والبهجة والسرور
في إطرائك الراقي دائما
حفظك الله ورعاك أخي الشاعر
أبو نصر / عبد الله الراسبي
تحياتي

ناجى جوهر
17-05-2014, 09:56 PM
الفاضل ناجي جوهر

نستمتع لهذا القلم المبدع والقصة الرائعة

ننتظر الأحداث القادمة

دمُت بكل خير


أهلا بكِ أستاذة / امواج
شرفني هذا المرور الجميل
تحياي أستاذة / أمواج