المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملوك الراس لحمر الجزء العاشر


ناجى جوهر
11-06-2014, 01:14 AM
وقعت أحداث هذه الحكاية في عام
1979 ميلادية

حكاية رائعة

ملوك الراس لحمر



الجزء العاشر


عودة أبلاق تاز


إنّه وجه التعيس زعيم الرماديين الذين اختطفوا سفينتي ميمونة
يتبعه قطيع مسلح من الجنود الهمجيين, وقبل أن يروني غطست
في البحر حابسا أنفاسي , فاهتزّ السوار العجيب اهتزازا هائل السرعة
عند تغير البيئة , ثم افرز مجسّما معدنيا صغير الحجم امام ناظري
وانا في بطن البحر حابسا أنفاسي , فاخذ ذلك المجسّم يكبر ويتعاظم تحت الماء
ثم انفتحت لي بوابة اندفعت من خلالها وصرت داخل قبة معدنية منيرة
سميكة الجدران لها مقدمة زجاجية شفافة , سرعان ما طفت فوق سطح الماء
على غير ما أهوى , حينئذ أقبل الرماديون وأسرعوا نحو القبة شاهرين حرابهم
فأحترت في أمري ولم تسعفني فطنتي بحيلة أنقذ بها نفسي من قبضة الأعداء
فأخذت أردد : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فكانت إضاءة القبة تومض وتخفت بناءا على شدّة موجاة صوتي فزادت حيرتي
وعندما دنى مني الوحوش صرخت فزعا وبكل قوة : إنا لله وإنا إليه راجعون
حسبي الله ونعم الوكيل .. حسبي الله ونعم الوكيل
فتموّرت تلك القبة مورا عنيفا وتوهجت أنوارها تراجع الرماديون على إثر ذلك
مبهورين , ثم إستطالت وأمتدت حتى صارت كالدهليز الطويل
وإذا بخرزات معدنية كثيرة تتساقط أمامي لا تلبث أن تأخذ شكل الرجال الآليين
وظهرت أجهزة تحكم وأذرع وأزرار ومفاتيح عجيبة على جوانب المركبة
ثم ربط آلي حزاما سميكا حول صدري وسلمني ما يشبه الصولجان
وأقعدني على كرسيا فخما وانا مدهوش
ثم سمعت صوته من خلال السوار وهو يقول : الغواصة جاهزة سيدي
فحرت وأرتبكت ولم أحر جوابا وجلهت ما يتوجب علي فعله
غير أن الرماديين عاجلونا بضربات قاسية على بدن الغواصة من مركبات لهم
ذات أشكال مفجعة , فلمّا تكررت ضرباتهم وأنا ساكت صاح بي الآلي :
هل نهاجم يا سيدي؟ وأخذ يكررها
فقلت على غير وعي مني : هاجموا هاجموا
فرأيت الآليين يدوسون بأصابعهم المعدنية على الأزرار والمفاتيح ويكتبون
في مرآة مضيئة , ثم أنطلقت كرات عظيمة مشتعلة من جوانب الغواصة
إلى مركبات الأعداء في اللحظة التي أصابتها رمية أحدثت بها فتحة
تدفق منها الماء , فهرع آلي من أتباعي وتشكل على هيئة أسطواة لها ذراع
طويلة وأطلق لسان نار أغلق بها الفتحة المحدثة , ثم عاد إلى هيئته الأولى
وكانت مقذوفتنا قد إرتطمت بثلاث من مركبات الأعداء فسيرتها رمادا
ذائبا في ماء المحيط وظلت تلك المقذوفات تهاجم مركبات الرماديين
فأبتهجت وكبرت الله كثيرا وحين ترددت موجاتي الصوتية في الغواصة
مارت وإضطربت , فسمعت الآلي يقول لي : تراجع يا سيدي , مر بالتراجع حالا
فقلت على الفور : تراجع تراجع , لا تنفذ فتوقف الدوران
ولكننا تلقينا ضربات غادرة متتالية قلبت غواصتنا رأسا على عقب
وتدفق الماء إلى غرفة التحكّم , فرأيت الآليين يذوبون كما يذوب الشمع
فأغمي علي ولم أفق إلا على هدير الرماديين وهم يصيحون صيحات النصر
فلما فتحت عيني رأيت آليي سفينتي قد صاروا ركام خردة
وغواصتي بين أيدي الأعداء ينهالون عليها بمقامع من حديد
ويصهرون بدنها بحمم الجحيم
وسمعت ضحكا منكرا , فلما التفت رأيت أبلاق تاز واقفا في شموخ وزهو
فحاولت النهوض لكنهم كانوا قد أحكموا وثاقي , فأمر أحد أتباعه بنزع السوار
الذي البسنيه الأنوناكي الشقر , والبسني سوارا كأنه شوك السعدان
فأرتجف بدني وزاغ بصري وكدت أفقد وعي فتقدّم أبلاق تاز الحيوان وصفعني
صفعة هائلة أعاد بها إليّ توازني , فلما تحدّث فهمت ما يقول :
فّاذا به يهددني ويسخر مني ويقول : أخيرا وقعت في قبضتي أيها الآدمي الهزيل
لأرينك ما يسوءك , فليأتي الشقر لإنقاذك اليوم , ها نحن قد نقضنا العهد
وتحررنا من إتفاقيتهم المذلّة , ثم أخذ وقومه الهمج يضحكون كما تضحك القرود
فقلت له وقد أيئست من النجاة : لقد عاودك الحنين إلى تأديب الشقر أيها المغفل
فخنت وغدرت كعادتك , فرأيته يخنس ويصاب بالرعب , لكنه تظاهر بالجلد , وقال :
لقد كنت أيها الإنسان البائس ترغب بمنازلتي عندما سطوت على سفينتك
فهل لازلت تملك تلك الرغبة؟
ثم أخذ يضحك ويقهقه متقينا من أنني سأرفض تحديه
فصرخت في وجهه قائلا : ليس أحب إلي من تمريغ وجهك المشوَّه في التراب
والدوس على رقبتك الغليظة
فأمر بفك قيودي ثم تقدّم مني ساخرا , فلاحظت ثقل خطواته لما يحمل على كاهله
أسلحة وعتاد , ففكرت سريعا في كيفية إستغلال ثقل حركته لصالحي
فلمّا إقترب مني أخذت أناوره وأدور حوله مهرولا وهو يحاول أن يمسك بي
أن يلكمني , فكنت أدنو وأبتعد وألف وأدور واكرّ و افرّ
فإذا رأيت منه غفلة ركلته برجلي على الركبة فأستشاط غضبا وأسرع في مجاراتي
لكنني لم أمكنه من لمسي , فكان يزداد غيظا وحنقا وقد تأخر تغلبه عليّ
وحين رأيت التعب والإرهاق قد نالا منه وقفت أمامه وقلت مهيجا غروره :
أراك قد جبنت , هل تريد أن أعتقك من الصراع؟
فصاح غاضبا : انا أخافك أنت؟
ثم هجم علي هجمة ثور وحشي , فعاودت مناورتي وكنت أستفز قومه المحيطين به
قائلا : أنظروا إلى زعيمكم الجبان , إنه عاجز عن قتالي
فكانوا يحثونه على الفتك بي , فأحرج تماما , ولكنه يخشى من الإعتراف بالفشل
حتى أرهق وأخذ يترنح من الإعياء , ولم يعد بوسعه التماسك والوقوف
وقبل أن يهوي إلى الأرض قفزت قفزة عالية حتى صرت على منكبه
وطوقت رقبته بذراعي خانقا , فأخذ يغط ويخرج لسانه , فعضضت أذنه
ثم لكمته على أنفه بكل ما أوتيت من قوة , فتهاوى وخر صريعا
وأنا على ظهره , عندئذ هاج الرماديون وماجوا وأرادوا أن يمزقوا جسمي إربا
فقلت لهم : إن قتلتموني فلن يتمكّن زعيمكم من إسترداد كرامته
فاخذوني والقوني في الحبس
قال حمود بر غبْرى :
أما إخوتي الإنس ومرافقهم الأشقر فلم ينكروا غيابي
وأستمروا في سمرهم ولهوهم وقد طاب لهم السمر
على ضوء القمر وحتى بعد أن غاب القمر
وفي حبس الرماديين القذر قضيت ليلة تعيسة , ومع بزوغ الفجر صبّح عليّ وجه
فضيع لا أراكم الله مثيله إنه وجه فتيكه المراهقة , فإنّ سوء حظي
قد أنزلني في حبس تشرف فيه على تغذية المحبوسين
وعندما رأيتها مقبلة مع الحراس وشاهدتها تتفقد المحبوسين تناومت وأنكفأت على
وجهي لكي لا تعرفني , و تغطيت بخرقة قذرة كدت أختنق من نتن رائحتها
إلا أنها كانت أرحم بكثير من رؤية وجه فتيكه الطائشة
وعند مدخل زنزانتي سمعتها تسأل عني :
فقال لها الحارس السابق : إنه مخلوق غريب مستكين , وكان لا يعرف إنني آدمي
فأنصرفت فتيكه ولم تدخل علي , ففرحت فرحا مؤقتا
إذ أُخرجنا عند الظهيرة حفاة عراة إلا مما يستر العورة ووقفونا في طابور طويل
ننتظر تفتيش المشرفة المبجّلة , وكان قلبي يرتجف خوفا من وجود كرداس في الجوار
وبعد أن أغمي على الكثيرين من الأسرى أقبلت فتيكه تحمل درة غليظة في يدها
وأخذت تقرع بها رأس من لا يعجبها وهي تتفحص الوجوه
وعندما لمحتني من بعيد وعرفتني تخطت الجميع حتى وقفت أمامي وعيناها تقدحان شررا
ورأيت بسمة تشفّي صفراء على شفتيها الغليظتين
ثم سمعتها تقول لأحد أتباعها :
دع هذا الآدمي هاهنا في العراء حتى أنظر في أمره , وكانت تحسبني لا أفهم كلامها
فألهمني الله اللجوء إلى سلاح الإنسان الفتاك فصحت بها وقد رسمت على وجهي إبتسامة
أشرق لها الكونان : أهلا بالوردة المفتحة , أهلا بغزال البيد ما أسعدني برؤية قمر شعبان نهارا
آنسة فتيكه يا حبة القلب وثمرة الفؤاد لقد بحثت عنك يا حبي حتى عييت
لقد أتيت لإعتذر إليك عن ضعفي البشري
وها هو سعدي يتجدد برؤية طلتك البهية وإشراقتك السنية
وهاهي الأقدار تأبى إلا تجمعنا وتحقق هوى قلبينا
وأسترسلت على هذا المنوال وقد وقف الحراس مشدوهين لا يفقهون ما أقول
بينما كانت فتيكه تذوب عشقا وتموت غراما لأنها تفهم كلامي لكونها مهجّنة
غير أن نهيقا بغيضا قطع علينا لحظات الغزل المصطنع إنه أبلاق تاز
وقد شاهد ذهول وتقاعس فتيكه وأتباعها فأنتهرهم آمرا إياهم بمواصة التفتيش
فغمزت لي بعينها الحولاء وأنصرفت بعد أن كلمت الحارس
ولم يلبثوا أن أعادونا إلى الزنازين , وعندما حان وقت تقديم وجبة الغداء
رأيتها تأتي وقد أبدلت لباسها بلباس يشبه الذي قابلتني فيه سابقا
فأيقنت بالهلاك وسوء المنقلب مالم أرضي أنوثتها في هذه المرة
ولحسن حظي فقد كان يتبعها عدد من الحراس والخدم يحملون أطباق الطعام
لكنها تجاوزت الجميع حتى وصلت إلى زنزانتي وفتحت الباب وأندفعت نحوي في شوق
ولهفة وخفة عقل فأظهرت البشر والسرور , ومدد إليها يدا مرتعشة
فلما مدّت إلي ذراعها قبّلت يدها قبلة كادت تقتلني إستقذارا
فرأيت وجهها البشع يحمر خجلا وأنزوت في ركن الزنزانة غنجا ودلالا
وأنا أسترق النظرات إلى الحراس عسى أن يأتوا إلي خفافا أو ثقالا
فلاحظت أنهم لن يصلوا إلي إلا بعد عمر طويل
فقلت لفتيكه مخادعا : لقد أسعدني لقاؤك وأفرحتني رؤيتك ومددت إليها يدي مراقصا
لكسب بعض الوقت , فقبضت على يدي بكل حماقة وطيش
فدرت معها دورة أو دورتين وأنا أغنى ليالي الأنس في فينا ثم وقعتُ على الأرض متعمدا
فكاد قلبها يقع من الخوف علي وجلست إلى جواري تنفض عني الغبار
ثم سألتني : ماذا أصابك يا نور عيني؟
فقلت لها : لا شىء يا حبيبتي إنه الجوع فقط , فأنا لم أذق طعاما مذ أتيت إلى هنا
فهبت كأنها عاصفة مدارية , وصفرت صفيرا غير محتشم لقلة عقلها وضياع رشدها
فأتاها حارس مهرولا أمرته بإحضار طعاما لي , ثم أقعت أمامي تتنهّد كعادتها
فخشيت أن أتماوت هذه المرة , وأخذت أتغزل بها وأنشد
أشعار عمر بن ابي ربيعة وهي تقهقه سرورا
وانا ادعو الله في سري أن ينقذني من براثنها
وعندما أتى الحارس بالطعام أخذت تلقمني بكفها المشعر وتقشر الفاكهة وتقضم جزء منها
ثم تجبرني على تناول الجزء المتبقي ففاضت كرامتي إلى بارئها بسبب إستسلامي
لتلك البهيمة طمعا في النجاة , ثم سكبت شرابا في قدح مهول
أطبقت بفمها على فوهته فبلعت معظم المشروب دفعة واحدة وكانها تمضض للوضوء
ثم دفعت إلي القدح تريد أن ْ أضع شفتي مكان شفتيها
وعندما رفعتها إلى فمي وقد إنتقع لوني وتصبب جسمي عرقا
سمعنا صفيرا مزعجا , ودويا هائلا ورأينا الحراس يهرعون إلى الخارج في خوف ورعب
فأنتفضت فتيكه وهبّت واقفه , ثم طوقتني بذراعيها الطويلتين
وأحتضنتني حتى شعرت بقضقضة عظام عمودي الفقري
ثم أفلتتني وقالت مودّعة : سوف أعود إليك يا حبيبي بعد أن أعرف ماذا يجري
فجرى الدم في عروقي بعد أن ولّت , لكنه عاد إلى لجمود عندما أقبل أبلاق تاز مقطب الجبين
وقد لبس لباس الحرب وأمر جنوده بإنزالنا إلى السرداب وتشديد الحراسة علينا
وسمعت أحدهم يسأله : إلى أين وصلوا أيها المشير؟
يتبع إن شاء الله

سالم الوشاحي
12-06-2014, 11:55 AM
الأستاذ القدير ناجي جوهر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصة رائعة جداً يتمدد وينساب النسيج السردي

فيها دون تكلف أو تصنع ....

لله درك ... سنكون هنا معك من المتابعين

خالص التحية والإحترام والتقدير

زياد الحمداني (( جناح الأسير))
12-06-2014, 04:31 PM
اخي الفاضل العزيز الكاتب أ. ناجي جوهر...


مبهر بهذا الجمال الذي يستقطب الفكر ليخوض مصاف الخيال ليتوغل به ليرى جميع الأفكار قريبة سهلةِ المنال لذلك لا يسع القلم إلا أن يتغنى بهذا البذخ الرائع المبهج على مدى تسلسلل هذه الملحمة الأسطورية من هذه الرواية المذهلة ...


بارك الله فيك اخي العزيز ننتظر سماع إجابة المشير بفارغ الصبر بورك فكرا انت حامله..

ناجى جوهر
12-06-2014, 05:24 PM
أهلا بفراشة المنتدى الوفية
أهلا بالمصممة المبدعة
أهلا بالأستاذة / ســـوير
أسعدني مرورك أيما سعادة
حفظك الله ورعاك
وتقبلي تحياتي

خليل عفيفي
13-06-2014, 10:37 AM
الأخ ناجي جوهر
أيها المبدع والمقيم في القلوب

أذهلتنا تلك المفردات والقدرة على السرد بأسلوب أدبي شيق

لدرجة أننا كنا نتمنى أن نرى مجموعتك القصــــــــــــــصية

دفعة واحدة بين أيدينا

لك التقدير

ناجى جوهر
14-06-2014, 02:32 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شرفني مرورك أستاذ / سالم الوشاحي
وأبهجني ثناؤك أخي الشاعر / أبو سامي
حفظك الله ورعاك

ناجى جوهر
14-06-2014, 02:35 AM
أهلا وسهلا بك / جناح الأسير
شكرا جزيل على الإطراء أخي الرائع / زياد الحمداني
حفظك الله ورعاك

ناجى جوهر
14-06-2014, 02:38 AM
حفظك الله ورعاك أستاذ / خليل عفيفي
الف شكر على المرور أستاذ خليل
والف الف شكر على الدعم والتشجيع
وتقبل تحياتي