المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملوك الراس لحمر الجزء الحادي عشر


ناجى جوهر
17-06-2014, 10:26 PM
وقعت أحداث هذه الحكاية في عام
1979 ميلادية


حكاية رائعة


ملوك الراس لحمر

الجزء الحادي عشر

المحنـــــــــة


فأملت أن يكون الأنوناكي الشقر قد علموا بخيانة الرماديين
ونكثهم العهود والمواثيق , وأنهم قدموا لتأديبهم وإنقاذنا
من براثنهم , غير أن الرياح جرت بما لم تشتهي سفينة آمالي
ذلك أنّ أبلاق تاز رد على السائل قائلا :
لست أدري .وسوف أذهب لإتحقق من الأمر فأبقى هنا مع جنودك حتى أعود
ثم إنصرف مع أتباعه يتعقبون مصادر تلك النيران
وما لبثوا أن عادوا وهم يطلقون الرصاص في الهواء
وكان أحدهم يتحدث في مكبّر الصوت قائلا :
لا تخافوا أيها الرماديون
أولئك فرساننا قد عادوا من المهرجان
ثم أمر أبلاق بأخذنا إلى السرداب
فساقنا الحراس الغلاظ بالسياط الحارقة حتى أدخلونا
غرفة مظلمة أشبه بقبر , لا نور فيها ولا ضياء ولا نسمة هواء
وكنا ثلاثة عشر رجلا , حشرونا في زنزانة بطول خمس أمتار و عرض ثلاثة
أرضيتها ترابية وتنبعث فيها روائح كريهة , إن كتمت نفسي إختنقت وإن تنفست غصصت
تعج بالفئران التي تقارب الأرانب في حجمها , وصراصير أصغرها بحجم خُفّ البعير
وبق شرير شره وبعوض أضخم من الدبابير الأسيوية وجيش من نمل النار العتيد
وما إن دخلنا المقبرة حتى بدأت تلك القوارض والحشرات
بقرض أقدامنا وقرص أبداننا ولصع أنوفنا وآذاننا
فشرعنا نصرخ ونستغيث , غير أن الرماديين تجاهلوا محنتنا
وأغلقوا علينا كل المنافذ وأطفأوا مصادر النور
فبقينا في ظلمة تلك الزنزانة الحقيرة يصفع بعضنا بعضا
بالأحذية في معركة دامية مع الفئران والحشرات
ثم أرتفعت درجة الحرارة فهاجت تلك القوارض
وزادت رائحة الدم من سعار المخلوقات الجوعى العطشى
فأخذت تنهش لحومنا وتمتص رحيق قلوبنا دون رحمة
والدم يسيل إلى الركب من أطرافنا وأنوفنا وآذاننا
التي تعرضت لهجوم البعوض نتيجة الهرش الحاد
بينما كانت الصراصير تتسلل بين ملابسنا المهلهلة الممزقة
في محاولة لدخول بطوننا عبر الفم أو فتحتي الأنف أو الأذنين
أمّا البق فعندما يلتصق بالحسم فإنه لا يفلته إلا بعد أن
يتضاعف حجمه أضعافا كثير حينئذ يسقط تلقائيا لثقله وكأنه كرات تنس حمراء
فكنت أول من فقد وعيه , ولم أهنأ بغيبوبتي طويلا
إذ صحوت على هزات عنيفة تشبه الزلازل البركانية
فلما فتحت عينيّ رأيت رفاقي يخبطون الجدران بأيديهم وأرجلهم
ورؤوسهم المجروحة في محاولة يائسة لجلب النجدة
وعندما سمع السجناء المجاورون صراخنا وضرباتنا على الجدران
فعلوا مثلنا , فحدثت ضوضاء عارمة وضجة صاخبة
كبيرة في السجن , وأضطرب الحراس وفزعوا إلى قادتهم يستنجدون بهم
وما هي غير سويعة من زمن حتى عج السجن بالجنود الرماديين المدجدجين بالسلاح
فباشروا بدخول الزنازين وأنهالوا بالضرب والركل
والشتم على المعتقلين , فكان نصيبي ركلة على الكلية أفقدتني وعيي حينا من الدهر
وحين وعيت وجدتني مضطجعا داخل آلة تشبه
التابوت , وانا مقيد اليدين والرجلين , وقد كمموا فمي ووضعوا على رأسي خوذة عجيبة
وعندما فتحت عيني أخذت الآلة ترسل نورا متقطعا
ثم أضاء ذلك النور بشدة فرأيت منزلنا في الدنيا وما لبث النور أن أنتقل إلى داخل المنزل
فرأيت أبي وأخوي حمدانا وبشرا مقيدي الأيادي والأرجل
وقد ربطت أفواههم , ويقف بجوارهم كرداس وعدد كبير من الرماديين والمهجنين
بينما كانت أختي مستلقية على سريرها وهي ترتدي ملابسا غير محتشمه
فثارت نخوتي وأنفجر غضبي وحاولت أن أحرر يدي فلم أستطع
وفيما كنت كذلك سمعت ضحكات أبلاق تاز المستفِزّة
ثم رأيته يقترب منها , فكدت أجن من الغضب وحاولت مجدد
أن أتحرر في الوقت الذي رأيت فيه أبي وأخويَّ يتعرضون للإمتهان من قبل الرماديين
وشاهدت شقيقتي تمد ذراعيها إلى أبلاق تاز فأخذ يتخلص مما يرتدي قطعة قطعة
وسمعتها تقول له : هيا أسرع يا حبيبي
فجن جنوني ودخلت في نوبة جنون هيستيرية كدت أفقد على إثرها عقلي تماما
حينئذ سمعت من يقول لي : إهدأ إهدأ ليس هذا حقيقيا إثبت إثبت وأذكر الله
فقلت : لا إله إلاّ الله , لاحول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم
فهدأت أعصابي قليلا , ثم التفت إلى مصدر الصوت
فإذا بأحد الأنوناكي الشقر ممدا على تابوت بجواري
فلما نظرت إليه قال لي منهكا : إنها خدعة قذرة وليست حقيقة
إنّهم يتلاعبون بأعصابك
فأغمضت عيني سرورا وحمدت الله تعالى على نعمه
فما رأيته كان هلوسة بغيضة مزعجة , فلقد خدع الرماديون عقلي الباطن
وركزوا أجهزتهم على عواطفي
وتمكنوا بفضل التكنولوجيا التي سرقوها من الأنوناكي الشقر
ان يحفّزوا ذكرياتي ومخاوفي فرأيت ما رأيت
غير أن جروحي الخارجية كانت لا تزال تنزف وبشدة
بفعل قرض الفئران وعض البق وقرص النمل والبعوض
إلا أن هذا الألم لا يقارن بالألم النفسي الذي تعرضت له.
وفجأة دُفع باب القاعة التي كنا فيها بعنف وغلظة
ثم دخل أبلاق تاز هائجا , وتوجه من فوره إلى الأشقر
وأمر بإخراجه من التابوت , فأنتزعه الجنود
الرماديون بكل قسوة ووحشيّة , وأمسكوه من عضديه
فأندفع إليه أبلاق تاز وصفعه صفعة هائلة سمعت صداها وانا في التابوت
فرفعت رأسي قليلا وشاهدت الرمادي يمسك
بالأشقر ويهزه بعنف ويقول له : من أمرك بطمأنة الآدمي؟
ثم أنهال عليه ركلا ورفسا ولكما حتى أغمي عليه
فقال لجنوده : القوه في الجنزارة
فشعرت بحزن لم أشعر بمثله من قبل , وأسفت على عجزي
عن نجدة من أنقذني من الجنون والإنهيار
وكنت لا أعرف ماذا يقصدون بالجنزارة فكان
خوفي على المسكين يتعاطم وحزني يثقل
ثم أن أبلاق تاز أمر بفتح تابوتي , وحين نظر إليَّ غمزت له عيني هازئا
فأحمرّ وجهه غيظا وتشنج في مكانه حنقا وقبل أن يتلفظ بكلمة رفعت قبضتي متحديا
فجن جنونه وأخذ يرطم رأسه بجدران القاعة طيشا
وعندما حاول أحد الجنود تهدئته دفعه حتى طرحه أرضا فتركه الجنود لجنونه
ثم عاد إليَّ وقد فقد رشده تماما من شدة الغيظ
فأنتزعني من التابوت بعدما أمر بفك قيودي وأراد أن يفعل بي ما فعله بالأشقر
وقبل أن تمتد إلى يده صافعا رفعت أصبعي الوسطى في وجهه
فهالته جرأتي وقهره عنادي , فلقد طعنته في كبريائه طعنة نجلاء
وفيما كان يفكر في أفضل طريقة لإذلالي قال له الجندي السابق : سيدي إن آذيت
الأسرى فستكون هذه سابقة خطيرة في الأرض الثانية لا تغتفر
فرأيت قبضته تتراخى , ثم أفلتني وقال :
لم يسبق لإحد أن قهر أبلاق تاز العظيم سواك أيها الآدمي الوقح
وهذا الأمر تجب تسويته بيني وبينك , ولا بد لي من
تأديبك تأديبا مهينا أمام الشقر والرماديين والمهجنين معا
فقلت له : انا أسير أيها الغبي , ثم فقدت وعيي
فسكبوا على رأسي دلو ماء كأنه الزمهرير , فأستعدت
وعيي وفتحت عيني فرأيتهم ينصرفون
وبعد قليل عاد إلينا ذلك الرمادي الذي إعتدى عليه أبلاق تاز
ففك قيودنا وأقعدنا , ثم أمر بإطعامنا وإستدعى من يعالج جروحنا
وأظهر الكثير من الرحمة ثم قال قبل أن يغادر :
إن هذا الرجل قد أفسد علاقتنا بجيراننا الشقر وهو يجر البلاد إلى الدمار والخراب
ونحن مجموعة من الشباب المخلصين نحاول أن نمنعه , غير أن كبار السن
من الآباء والأجداد وبعض النساء والفنانين والقضاة والإعلاميين يؤيدون توجهه الخبيث
فأرجو منك تسليم هذه الرسالة إلى حاكم مدينة هاشاباشا العام
أو إلى نائبه أطغاي ذي الجدائل الحكيم وسوف أرسل إليكم من يعيدكم إلى مدينتكم
وعند منتصف الليل حضر ثلاثة شبان رماديون فأركبونا
تختا طائرا حط بنا على الساحل الذي أختطفني منه أبلاق تاز
وهناك وجدناهم قد أعدوا قاربا صغيرا ذاتي التحكّم أقلنا إلى الجهة الأخري من الشاطىء
وعندما وصلنا إلى رفاقي وجدناهم يغنون مع ذلك الكهل الأشقر
وكان له صوت ندي شجي وهو يعزف على آلة موسيقية عجيبة
تصدر عنها مختلف النغمات التي نعرفها والتي لم نسمع مثلها قبلا وكأنها تخت كامل
فلمّا رأونا ورأوا حالنا أصابهم الذعر , واخذوا يسألوننا عما حدث
فقلت لهم : الم تفتقدوني طوال هذه المدة؟

يتبع إن شاء الله

سالم الوشاحي
18-06-2014, 05:22 AM
الأستاذ الفاضل ناجي جوهر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميل ماابديت... مهارة في الصياغة تشد القاريء

من صورة لصورة ....شكراً على الإثراء هنا

متابع لجميل ماتبدع....

دام نبضك وتألقك ..

لك ولبهاء حرفك كل الود والتقدير ..

ناجى جوهر
18-06-2014, 10:39 PM
سلّمك الله دائما وأبدا أستاذة / سوير
من دواعي الفخر والسعادة ان نحظى
بهذه المتابعة المتألقة والتفاعل المثري
أسعدك ربي دائما وأبدا
سعيد انا بعودتك إلى الإشراف
فإنّكِ ستبعثين في القسم روحا جديدة
إن شاء الله أيتها المتألقة
تقبلي أجمل تحياتي
وأصدق أمنياتي

ناجى جوهر
18-06-2014, 10:51 PM
أهلا بالشاعر القدير والأخ الأثير أبو سامي / سالم الوشاحي
فإننا والشاهد الله نستلهم من سمو أخلاقكم دوافعا
تدفعنا لمحاولة الرقي بالمنتدى بقدر إستطاعتنا
وما تمدونا به من رفع روح معنوية له أثر ينعكس في إستماتنا
على تقديم ما نظن أنه من عوامل التقدم بمنتديات السلطنة الأدبية
ولله الحمد فإنّ قدراتكم أستاذ / سالم الوشاحي ومساهمات الأخوة والأخوات
هي عوامل جذب تضفي على المنتديات هالة صدق وبهاء ونبوغ
أستدل على ذلك بإنضمام كتاب وكاتبات وشعراء ومبدعون
إلى قافلة منتديات السلطنة الأدبية وبشكل مستمر
فأسأل الودود الرحيم ان يتم علينا نعمته بتحقيق العالمية لمنتدانا
والتألق المستمر لشاعراتنا وشعراءنا وكتابنا وفنانينا
وأتمنى أن أقرأ قصيدة جديدة هنا لصديقي الشاعر الجميل
جمعه المخمري
وتقبل تحياتي

زياد الحمداني (( جناح الأسير))
20-06-2014, 06:20 PM
أخي العزيز القريب من الوجدان الكاتب أ. ناجي جوهر..

بدأت المحنة تستطرد القوى التي ستتصادم بأي مرحلة فهنا الشقر لهم طريقتهم وهنا الرماديون ينتظرون بهدوء ما سيستقر في أذهان الشقر من نشوب حرب بينهم والآدمي هنا بين هذان القطبين يتوق لما تأؤول إليه الأحداث المتتابعة ..


اخي العزيز تسلسل هذه الملحمة الروائية الفريدة تسلب البنان لعذوبة جميع نواحيها من احداث ومباني ومعاني ، أسميها بوابة الإفادة جزاك الله خير على هذه الإيجادة المعتادة اخي الغالي...

ناجى جوهر
20-06-2014, 11:17 PM
سمى مقامك أخي الرائع / زياد الحمداني
لك جزيل الشكر وعظيم الإمتنان على التفاعل
حفظك الله ورعاك أستاذ زياد
وتقبل تحياتي