المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملوك الراس لحمر الجزء الثاني عشر الغيداء


ناجى جوهر
27-06-2014, 12:53 AM
وقعت أحداث هذه الحكاية في عام
1979 ميلادية


حكاية رائعة


ملوك الراس لحمر

الجزء الثاني عشر

الغيداء

فقالوا : لا والله ما كنا نظنك إلا في الجوار
فما الذي حدث؟ ومن هذا الرجل؟
غير أنني لم أجب على أسئلتهم إذ وقعت على الأرض
فاقدا الوعي والشعور , وعندما عادت إليّ عافيتي
وجدت نفسي في غرفة كريستالية الجدران والسقف
أرضيتها من الرخام الأبيض , وأثاثها مصنوع من المعادن الثمينة
والخشب الفاخر والزجاج القوي
وما إن فتحت عيني حتى رأيت وجها ملائكيا يشع نورا
وعلى ثغره إبتسامة لو رآها أقسى القساة لجثى
على ركبتيه معتذرا , و لنبضت جوارحه بمشاعر اللين والرفق
لذلك الوجه الطفولي حواجب رسمت بريشة الحسن البديع
وفي عينيه نهر طيبة وبراءة , يشع من جبينه الق غمر كياني
وغمسني في جدول سعادة وسرور وعشق وغرام
أحس به لأول مرة في حياتي
فنهضت من سريري وذلفت حتى وقفت منحيا للجمال الباهر
والسحر الحاضر , الجالس على طرف السرير
وأنطلق لي لسان كان من أخون خلق الله في الملمات
فإذا به يغرّد و يقول :
بالله عليكِ يا ربة الحسن والدلال , أحقيقة انتِ أم خيال؟
فأبتسم الثغر عن مثل حب الغمام , وقد توردت الخدود
وانثنى العنّاب يرسل همسا شهيا ونغمة أشجى
من عندلة العندليب
والتقطت روحي قبل أذني هذه الكلمات :
أنا إنسية مثلك , مكلفة بالسهر على راحتك
قال حمود برْغَبْرى :
فداهمتني نوبة جنون , وقمت أصفق بيدي
وأرقص طربا وأغني :
إنسيّة إنسيّة إنسيّة إنسيّة
بينما كانت الغيداء تضحك في سرور بالغ
وبعد أن رويت ظماء نفسي من البهجة
جلست مواجها قمر نصف شعبان وقلت :
أعتذر إليك يا ملاك الرحمة , فلقد حرمت
من السعادة ردحا من الزمن , وها هي مجسّدة
أمام ناظري أخاطبها وتخاطبني
فتوردت منها الوجنتان خجلا
ثم رمتني بنظرة قرأت فيها كل معاني الشوق والحنين
فوثبت حتى ركعت تحت قدميها وأمسكت بيدها
وقلت مستعطفا : أحبك يا ثمرة الفؤواد ولقاحة القلب
يا بهجة النفس وبلسم العليل
وأستفضت في الغزل الرقيق , ويشهد الله أنني
كنت أعني كل كلمة قلتها
فرأيت أدمعا حزينة تترقرق في مآقيها , وقد تغير
لون وجهها المشرق , وأختفت تلك القسامة
وحلت محلها قتامة غامضة وشحوب كئيب
فأشتعل قلبي أسا واضطرمت نفسي شجن
ولم أتمالك . نفسي , فبكيت لبكائها , وحزنت لحزنها
فلما رأت ما أصابني من هم وغم كفكفت دمعتها
ومدّت إليّ كفا أنعم من خد طفل رضيع
فقبضت عليها بكلتا يدي
فقالت لي : ما يبكيك أيها المسكين؟
قلت : بكيت لبكائك
قالت : وعلام أبكي انا؟
قلت : الله وحده يعلم
قالت : ما أعجب شأنكّ!
تحب من أول نظرة
وتبكي لرؤية العبرة
ما أشد خشيتي!
قلت : وما تخشين؟
قالت : أخشى أن تكون كاذبا , أخشى أن تكون متلاعبا
أخشى أن أسلّمك قلبي فتحرقه
أخشى أن أمنحك ثقتي فتخونها
أخشى أن أحبك فتستغلني
قلت : ما أعجب ما أسمع!
إنّك طفلة وتنطقين بحكمة الشيوخ
لا أراك إلا موتورة , قد جار عليك جائر
فمن هو؟
قالت : لا عليك , دعنا نغتنم لحظات السعادة
قلت : ليس أحب إلي من إسعادك
قالت : وانا كذلك
قلت : أحبك
قالت : وانا كذلك
قلت : هل تقبلين بي زوجا وحبيبا؟
فأشاحت بوجهها حياءا ودلالا
ثم جادت علي بإبتسامة رضا
فقلت : السكوت علامة الرضى , فدليني على والدك
قالت : أبي منك قريب
قلت : ومن هو؟
قالت : إنّه ...
وقبل أن تذكر إسم والدها أقبل علينا الشيطان فأنصرف الملاك
إنّه كرداس المنافق , وقد قلّم أظافره وحفّ شاربه وهذّب لحيته
يرافقه بعض الشقر وبعض إخوتي البشر
فلمّا رأيته هجمت عليه هجوم الأسد الغاضب وقلت له :
ما جاء بك أيها الخائن؟
غير ان مرافقوه تصدّوا لي , وحالوا بيني وبينه
فقال كرداس اللعين :
دعوه فلقد أصرفت في إيذائه , وبالغت في إزعاجه.
فتملكني العجب , وعدت إلى سريري واجما
فقال لي شيخ أشقر : إنّ الرجل قد أتى ليعتذر إليك
فهل تقبل إعتذاره؟
فسألت مستغربا : وما سبب إعتذارك المفاجىء أيها الخبيث؟
قال كرداس منكسا رأسه : لقد عرفت الضلال
الذي كنت عليه , وأحب أن أستقيم
ثم جعل يبكي بكاء التمساح
فقلت له : وعن أي شىء يتوب أمثالك؟
لقد علمت أنك تأكل حقوق الناس بالباطل
وأنّك تخون الأمانة , وتغدر بالمجتمع
فأرتفع بكاء كرداس وهو يصطنع البرأة ثم قال :
وكيف أكلت حقوق الناس؟
ومتى خنت أمانتي وغدرت بقومي؟
فسألته مقاطعا : الم توّظف أقاربك وأرحامك
وهم لا يمتلكون القدرات المناسبة
وتركت الذين يمتلكون المواهب والخبرات؟
الم تفرّق أموال الصدقة على أهلك
وذويك وحرمت الفقراء والمعوزين؟
فقال معترضا : وماذا في ذلك؟
اليس أقاربي وأرحامي أولى الناس برحمتي؟
فقلت له : هذا فيما تملكه أنت
أمّا ما هو للوطن فليس من حقّك التصر فيه
على هواك ورغبتك. فإنما أنت مؤمّن
على مصلحة الجميع , فمن واجبك
العدل في المعاملة
فسأل في خبث يريد إحراجي فقال :
ومتى رأيتني أفعل ما ذكرت؟
فقال له أحد الأنوناكي الشقر :
لقد رأيتك تدخل أحد أقربائك
على المدير , وكان قريبك قد أـى متأخرا
وقفزت على الذين حضروا قبله
وسأله آخر :
بالله عليك يا سيد كرداس
ماهي مؤهلات فتيكة ابنة أختك
لتوظفها كمشرفة على تغذية السجناء
فقال أشقر ثالث : إنها تملك موهبة
فريدة , ليست لدى غيرها
فأشرق وجه كرداس
غير أن الرجل قال : إنها نهمة جشعة
فضحك الرجال
فقلت له : لا عليك يا سيد كرداس , لقد سامحتك
عن حقي أمّا الذين ظلمتهم بتقديم أهلك ومعارفك
فانا لا أنوب عنهم , ولكنك ستدفع ثمنا غاليا ما لم ترضيهم
وأنى لك ذلك؟
فنهض يريد تقبيل يدي , فمنعته من ذلك
ثم غادر مع مرافقيه وقد حرموني من أجمل لحظات عمري
فجلست على السرير مغتاظا وقد تذكرت
أمثال كرداس في بلادي , الذين يستغلّون مناصبهم
ووظائفهم لخدمة أنفسهم وذويهم والمنتفون منهم فقط
و لا يراعون حقوق شركائهم في الوطن
ثم قررت أن أنتظر عودة الغيداء
وفيما كنت في الإنتظار رأيت بلّورة معدنية كانت مطروحة
تتمدد ويتغير شكلها لتصبح على هيئة رجل آلي صغير الحجم
أقبل عليّ وقال :
سيدي حان وقت قياس حرارتك والضغط
ثم دفع بأصبعه تحت لساني دون تواني
فكنت أشاهد كتابة على شاشة مزروعة في وسطه
ثم طوق عضدي بأصابعه وضغط عليه برفق
وبعد ذلك عاد إلى موضعه
فتملكني الضجر , وعاودني السأم وأحببت أن أغادر
لكنني تذكّرت الغيداء , فعزمت على الخروج في طلبها
فنزلت من على السرير , وما إن وضعت قدمي على الأرض
حتى سمعت صَلِيلا متواصلا , وإذا بالآلي يتقدّم مني قائلا :
أرجوك يا سيدي عد إلى فراشك , لقد لوثت الغرفة
يجب أن تستأن مني إذا أردت الخروج
فركلته برجلي ساخطا حتى فصلت رأسه
عن جسده , فتمخض عن كل جزء مفصول آلي جديدا
فهجما علي وكتفاني , ثم قيداني إلى السرير
وفيما كانا يعالجان ثورتي دخلت مجموعة من الممرضين والممرضات
يحملون أجهزة تشبه ماسح الألغام , وشرعوا في توجيه تلك الأدوات
إلى مختلف زوايا وأركان الغرفة
وعندما دنى مني أحدهم أخذ جهازه يصدر ذبذبات
صوتية وومضات ضوئية متقطعة , ترتفع كلما إقترب مني
فطفق الممرض في تمريره على بدني

يتبع إن شاء الله

خليل عفيفي
27-06-2014, 02:09 AM
الأخ ناجي جوهر
أديب وقاص مثلك ، بل وروائي يسعدنا أن نكون بالقرب
لك الشموخ

سالم الوشاحي
29-06-2014, 10:43 AM
الأستاذ القدير ناجي جوهر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصة رائعة وسرد متقن استوقفتني كثيراً

لأقراء تلك الزوايا الخفية....سنكون هنا بالجوار للمتابعة

دمت بهذا الحضور السامق

تحياتي وجل تقديري.

ناجى جوهر
30-06-2014, 10:09 PM
الأخ ناجي جوهر
أديب وقاص مثلك ، بل وروائي يسعدنا أن نكون بالقرب
لك الشموخ





شهادة تملأ الصدر فخرا وسعادة
بارك الله فيك أستاذ / خليل
ولا حرمنا من توجيه ونصح وإرشاد
الأستاذ الشاعر / خليل عفيفي
جزيل الشكر
وعظيم الإمتنانا
لقلبك الكبير أستاذ / خليل عفيفي
والف تحية
أرجو ان تقبلها من أخيك ناجي جوهر

ناجى جوهر
30-06-2014, 10:12 PM
أهلا وسهلا بكِ أيتها المصممة المبدعة
والمشرفة الوفية الأستاذة / سوير
أسعدني تفاعلك
وإندماجك مع الأحداث الخيالية
فأسعدك ربي وحفظك ورعاكِ
الف شكر والف تحية

ناجى جوهر
30-06-2014, 10:16 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا بأخي الأثير الشاعر القدير
الأستاذ / سالم الوشاحي
أبهجني والله هذا الإنطباع
وشرفني مروركم وأسعدني تفاعلكم
فلكم مني يا ابا سامي
الف تحية