المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءات شعرية لشوقي عبد الأمير وحديث عن أربعة عقود من العلاقة مع الكتابة


سالم الوشاحي
12-11-2014, 03:44 AM
في أمسية عراقية ..

تألق الشاعر الكبير شوقي عبد الأمير في أمسية شعرية أقيمت أمس الأول بسفارة جمهورية العراق بحضور لفيف من السفراء والمثقفين العراقيين والعرب والأجانب .
في بداية الأمسية التي قدّمها الشاعر عبد الرزاق الربيعي ألقت سعادة د.آمال موسى حسين سفيرة العراق المعتمدة لدى السلطنة كلمة باركت خلالها للحضور بسلامة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ودعت الله أن يعيده سالما إلى عمان لتواصل مسيرة النهضة مضيّها نحو الأمام ، كما رحّبت بالحضور وبالشاعر الذي انخرط في السلك الدبلوماسي من خلال عمله في منظمة اليونسكو خبيرا في العلاقات الثقافية والإعلامية الدولية ومستشارا في منظمة اليونسكو وعرضت جزءًا من سيرته الذاتية مسبوقًا بسيرة العراق (الحضارية والثقافية) وتجذِّرها في الوجدان الإنساني، وملتقى الثقافات واللغات، وكيف نجح العراق رغم المحن الطويلة والثقيلة التي ألمت به في النهوض والاستمرار في تقديم عطائه الثقافي وذلك بفضل أبنائه الذين حملوا مشعل الحضارة داخل وخارج الوطن يسلمونه من جيل إلى جيل وما الإرث الحضاري القديم من بابل وأشور وسومر على اختلاف تنوعاتها وتباين منجزاتها إلا بعض من بذوره التي تتخلّق فينا يوميا لتصنع مستقبلا حضاريا جديدا وجديرا بأن ننتمي إليه جميعًا.
وقال الشاعر عبد الرزاق الربيعي في معرض تقديمه للسيرة الذاتية لشوقي عبد الأمير «هو من الأسماء العربية البارزة في المشهد الثقافي العربي والعالمي، نظراً لإسهاماته الإبداعية والفكرية الثرية في هذا المجال. وهو خبير في العلاقات الثقافية والإعلامية الدولية، ويشغل عدة مناصب ثقافية وإعلامية مهمة منها: المدير الإقليمي لشبكة الإعلام العراقي بأوروبا، مكتب باريس، ورئيس لجنة الإصدار الجديد لجريدة الصباح العراقيّة. كما شغل منصب رئيس مؤسسة “كتاب في جريدة”، وعمل مستشارا ثقافيا للعراق في منظمة اليونيسكو بباريس.
وفي عام 2004م حاز شوقي عبد الأمير على جائزة ماكس جاكوب Max Jacob ـــ فئة الشعر العالمي بباريس. كما عين مستشاراً ثقافياً لمدير عام اليونيسكو فديريكومايور مكلفا بالمنطقة العربية. وانتقل الى مكتب منظمة اليونيسكو في بيروت لإطلاق أكبر مشروع ثقافي عربي تساهم جميع الدول العربية فيه ثقافياً وإعلامياً ومادياً وهو “كتاب في جريدة”.
أسس شوقي عبد الأمير المركز الثقافي اليمني في باريس وشغل منصب المدير طيلة ثلاث سنوات. كما عين مديرا لمركز رامبو العالمي للشعر في منزل الشاعر ارثررامبوArthur Rimbaud في عدن، وأصدر السلسلة الإبداعية “رقائم الهجرة” Les tablettes de l’Hégir “، وهي سلسلة تعنى بنشر روائع التراث العربي باللغة الفرنسية.
وقد عمل في السلك الدبلوماسي العربي في باريس كمستشار ثقافي لسفارة اليمن الجنوبي وكملحق إعلامي. كما أصدر مجلة “سبأ” SABA باللغة الفرنسية، وهي مجلة متخصصة في الحضارة العربية القديمة وعمل رئيسا لتحريرها مع المستشرق الفرنسي: كريستيان روبان.
وقال ان هذا الرجل يكفيه (مشروع كتاب في جريدة ولو لم يقدم غيره لكفى)، وأشاد الربيعي بدوره في خدمة الثقافة العربية شاعرا ودبلوماسيا ، وفاعلا في المنتديات الثقافية ،ومترجما ،متطرقا إلى لقائه به في صنعاء عام 1994م وكيف أنّ نصيحة شوقي عبد الأمير له كانت بمثابة (قبضة منقذ) امتدت إلى غريق في بحر الغربة، حيث قال له: إذا جئت إلى مكان فاترك أثرًا ولن يحدث هذا إلا بدراسة تاريخ وحضارة هذا المكان.
وقال الربيعي عن سيرة الشاعر شوقي عبد الأمير إنّه ومنذ بداية عقد السبعينات من القرن الماضي دأب الشاعر عبد الأمير على تطوير قصيدته من ديوان إلى آخر باختياره لموضوعات تكاد تكون صعبة ومعقدة بعض الشيء إلا أنها تضرب جذورها في عمق التاريخ العراقي السومري الذي هو العمق الحقيقي للحضارات الأولى في العالم ، وبالرغم من غيابه في سنوات الغربة الطويلة عن الخارطة الشعرية العراقية إلا أنه عرف كشاعر على مستوى الوطن العربي والعالم، فترجمت قصائده للعديد من اللغات العالمية وكتب وترجم باللغة الفرنسية وأصبحت له مكانة مرموقة في خارطة الشعر الفرنسي ونال جائزة (ماكس جاكوب) العالمية للشعر بعد صدور ديوانه (مسلة أنائيل) باللغة الفرنسية في باريس.
ومع الافتتاحية الأولى لقصائد الشاعر شوقي عبد الأمير ، نوّه إلى أنه سوف يلقي على أسماع الحضور (مقتطفات من مسيرته الشعرية) وربما تفي بالغرض حيث ستكون بمثابة (خارطة إبداعية وزمانية ومكانية) لمراحله الشعرية التي مرَّ بها منذ خربشت أظافره الصغيرة أول قصيدة شعرية على سطح الورق. وأهدى الأمير القصيدة الافتتاحية في الأمسية والتي بعنوان (في الطريق إلى مسقط) للشاعر العُماني (زاهر الغافري وزوجته أسمار عبّاس) شاكرًا لهم الفضل الكبير في دعوته إلى زيارة مسقط والإقامة والعمل فيها.
ثم ألقى عبد الأمير بقصيدة أخرى تطرق فيها إلى محنة (عودته لبغداد بعد ثلاثين عاما) وهجس فيها بتحولات طالت مشهد العراق، أفرحه دجلة الذي ما زال يجري، وساءته سامراء» بما طالها من حزن. فحكى للجمهور عن «سوء ما رأى»، والتي ضمنها ديوانه «محاولة فاشلة للاعتداء على الموت» وكتابا نثريا آخر أسماه «يوم في بغداد» يسجل فيه تداعيات رحلة العائد، يقارن المكان بين ذاكرتين قبل وبعد 35 عاما من «لوعة الغياب»، لكن عراقه الذي دعي يوما بلد المليون شاعر ما زال يفرخ شعراء.
وأنهى الشاعر أمسيته بإلقاء مجموعة من القصائد القصيرة أو ما يسمى بشعر (الومضة) أو ما يعرف في الأدب الياباني بشعر (الهايكو) غير أنها تميزت بتكنيك (المفارقة الصادم أحيانا، والساخر غالبًا). وبعد انتهاء الشاعر شوقي عبد الأمير من إلقاء قصائده التي استحوذت على إعجاب الجمهور وتصفيقه اختتمت بجلسة نقاشية شارك فيها الحضور ودار حوار ثري بين السفراء والمثقفين من جانب والشاعر الضيف من جانب آخر.
وحول سؤال أحد السفراء الأجانب حول الإشكاليات التي يعاني منها متحدثو اللغة العربية في التواصل. ردّ عبد الأمير بأن اللغة العربية تتميز على سائر اللغات الأوروبية والشرقية بعدد من السمات ومن أهمها أنّ اللغة العربية (لغة فعلية)، و(لغة صوتية)، و(لغة اشتقاق) غير أنَّ من يتحدث بها يحتاج إلى ذكاء منقطع النظير في السيطرة على (النظام الصرفي)، و(النظام النحوي).
وحول سؤال من الملحق الثقافي المصري أحد ضيوف الأمسية الدكتور شعبان الأمير دار حول الغربة الطويلة عن الوطن والأحداث العربية المتتالية ومدى تأثر تجربته بها، وما الذي أضافته إلى تجربته الشعرية؟ قال الشاعر شوقي عبد الأمير: (في الواقع إن أهم تأثير جاءت به «الغربة» على الكتابة عندي يتمثل في العلاقة مع اللغة في القصيدة. لقد أصبحت أكثر اقتصاداً وتغيّر لديّ منطق الخطاب بكامله. كنّا نكتب بلغة هي نفسها عائمة في محيط شعري ولهذا كان لا بد من الخروج من هذا الوسط الذي يفرض على القصيدة طقساً خاصاً والانتقال إلى لغة أكثر برودة وصرامة في نفس الوقت.. إن الانتقال إلى لغة أخرى سمح لي بالنظر من جديد إلى اللغة العربية واكتشاف مواطن عبقريتها وضعفها في آن. أما «الغربة» فأضعها بين قويسات دائماً لأنني لا أعتقد بمضمونها السلبي الشائع إنها اختيار وجودي تكويني تأسيسي للشاعر. الشاعر هو المغترب بامتياز وهو غريب أينما كان حتى بين أهله وظهرانيه. الشعر هو غربة ولهذا فإن الحضن العائلي والوطني والقومي يشكّلُ نسغاً مضادّاً للشعر لا بد من كسره والخروج عليه. ومن هنا فإن «كتاب» الترحال والمدن الجديدة والسماوات الغريبة هي الصفحات البيضاء والحقيقية التي عليها تكتب القصيدة.
وأنهى الشاعر عبد الرزاق الربيعي الأمسية بعد أن اتسعت دائرة النقاش بين الشاعر شوقي عبد الأمير وضيوف السفارة العراقية من كبار السفراء والمثقفين واعدًا الحضور بتقديم ندوة تالية تتمحور حول قضايا (اللغة والأدب والترجمة) تلبي العطش الثقافي وتجيب على التساؤلات المحورية والأسئلة العالقة في (ثقافتنا العربية).
وبعد انتهاء الأمسية قدّمت السفيرة العراقية هدية تذكارية للشاعر الضيف تقديرا لجهوده في خدمة الأدب العربي بوجه عام والعراقي بوجه خاص على امتداد رحلته التي أمضى منها 4 عقود في العاصمة الفرنسية باريس وتنقّل بين صنعاء ومسقط وبغداد ودوره الفاعل في الثقافة العربية.

جريدة عمان