المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيف الرحبي إلى السويدية عبر «الجندي الذي رأى الطائر في نومه»


سالم الوشاحي
24-12-2014, 05:49 AM
عبر ترجمة لهشام بحري ودار الحمراء للنشر والترجمة –
صدرت للشاعر والكاتب العماني سيف الرحبي ترجمة لديوانه (الجندي الذي رأى الطائر في نومه) باللغة السويديّة عن (دار الحمراء للنشر والترجمة) التي يشرف عليها المؤلف الناشر والمترجم هشام بحري الذي يقيم في السويد منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي، وقام بنشر ما يزيد عن 250 عملا. وهذه المرة الأولى التي يترجم فيها ديوانا كاملا للشاعر سيف الرحبي. وسبق أن صدرت منتخبات منتقاة من قصائد سيف الرحبي إلى عدة لغات بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللغة الهندية «الأوردو».
وبالعودة إلى مجموعة «الجندي الذي رأى الطائر في نومه» تبدو ثيمة الغياب وما تنتجه من حالات وتعبيرات مهيمنة على قصائد المجموعة. وتنضوي قصائد المجموعة كما كتب النقاد تحت ثلاثة أقسام هي على التوالي: البحيرة المسحورة التي غرقت فيها اخيرا، وبعصا الأعمى في ظلام الظهيرة، واخيرا قصيدة طويلة تحتل القسم الأخير بكامله تحت عنوان المجموعة «الجندي الذي رأى الطائر في نومه» في حين تبقى ثلاث قصائد خارج نظام الاقسام حاملة عناوينها منفردة وهي مفتتح المجموعة: «ضربة شمس»، «اشجار ترحل» و(ذكرى).
وقارئ الديوان لابد أن يلحظ لغة خصبة ورقيقة في صياغة القصيدة، وقد شذب الرحبي زوائد الكلام ليكتفي بالأقل كيما يمنح القارئ فرصة التحليق مع القصيدة.
وربما نستطيع ان نستشف من القصيدة الوحيدة الطويلة بين دفتي المجموعة (ثلث المجموعة تقريبا)، الجندي الذي رأى الطائر في نومه، تلك اللغة التي تطلق فعل الخيال كما تحرك تداعيات الاعماق، وهذه القصيدة التي كتبت وفق اسطر قصيرة تتقاطع معها أسطر طويلة عبارة عن استرسالات سقفها الشعر ترسم صورة لرجل يحاول أن يسترد حلما قديما ينتشله من عويل الحروب ونكراتها.
وعبر مقاطع القصيدة يلجأ الرحبي الى الحديث بصوت ضمير الغائب او بصوت الجماعة وحينا آخر بصوته هو.
ويعمل هشام بحري حاليا على ترجمة «معلقات لبيد بن ابي ربيعة وعبيد ابن الأبرص» إلى السويدية.
ومن أجواء الديوان المترجم حديثاً إلى اللغة السويديّة هذه القصيدة الأساسية في الديوان والتي تحاول استقصاء وحشيّة العنف البشري، فضحِه وإدانته في كل زمان ومكان .. منذ صخرة قابيل، المقتلة الاولى في تاريخ البشر الدامي، وحتى اللحظة التي يحتدم فيها هذا العنف الهمجي.
وبديهي أن الوضع العربي الراهن يستأثر بالحيّز الأكبر من هذه المجزرة السحيقة المتجددة في فضائها المفتوح على احتمالات الشر والدم المراق ظلماً وعبثاً..

الجندي الذي رأى الطائر في نومه

عليّ أن أبعثر الجهات والمرايا
كرجلٍ ينهض من نومه
بطيئاً متكاسلاً
الجهات التي تطوّقني بألسنة اللهب
فلا أستطيع الوقوف
متعثراً بصخور البارحة
ووجوه تتقاطر في نومي، برؤوس مقطوعة
وقامات مديدة تشبه النخل الذي خلّفه أبي
تشبه المغيب الناضج كثمرة.
عليّ أن أبعثر الجهات جميعها
كي أستطيع أن أتبيّنكِ
قطرة في ظلام الصحراء
وهذه الحشود التي تحصد رأسي
بمناجلها المثلّمة.
أن أتبين الضوء القليل الراشح في ليل القوافل
ذؤابة الحقل الدامي
وهذا الخلاء الطافح بالأشباح والبداة
وزئير الحيوانات المنقرضة
أن أتبينك، ربما في آخر محطة لقطار ودّعتك فيها،
من آخر مدينة للأقوام الثاوية في نومي.
تشيرين إلى البعيد.
باليد الهائمة في الهواء
تمتمة الشفاه التي تشبه الثمرة الناضجة
في المغيب
حركة الأصابع المثنية في وحشة الجسد.
عليّ أن أبعثر أشلاء اللحظة
وأسوق الجيوش إلى حتفها
كجندي يستعيد يوم حريّه
الجندي الذي رأى الطائر في نومه
فانتشله من بركة الدم
ومضى
كان يجري في حقول الظهيرة
في يده الطائر
على جسده زَرَدُ المعدن الثقيل
باحثاً عن مكان
عن سراب استراحة.
الجندي الذي رأيناه معا
على منعطف الطريق بين الشمال والجنوب
هو هو
أو يشبهه
كان يتحدث مع عمال القمامة
بستراتهم السميكة
لم يكن لابساً سترة المعدن بعد
بماذا كان يتحدث ويحلم؟
بماذا كان يومئ إلى رفاق الحانة؟
كان ليل ينكسر على رؤوسنا
كانت مدينة
بشرية كاملة من النمل تسرح في جروفه
النمل الذي بنى عرشه على الأرض
وليس على الماء
لم يكن لدينا بيت، باحثين عن مستقر
بين جبال ومدن وقرى
ضربها الإعصار ذات مساء
كنا نرقب طلائعه البهية
من شرفة تهتز عمارتها
رأيتها البارحة في نومي
لكن بصورة أكثر قتامة وذعرا
ورأيت أني ذاهب إلى نفق أبحث
عن محفظتي التي نسيتها في المقهى
كان الإعصار يلتهم كلّ شيء
كان يتلوّى كمن يفترس نفسه
بعذوبة
موجة هائلة من الزّبد والجنون
معراج قيامة،
قبلها أضاء المكان
عبر بضع عواصف تائهة
ما لبث أن دفع بأثقالها نحو الأعلى
في هذه اللحظة
تذكرت طوفان نوح
تذكرت لوتريامون
تذكرت القبلة الأولى بعد الإعصار
تذكرت الجندي تائها بين الصحاري
في يده الطائر
على رأسه خوذة المعدن
يركض في الهاجرة
يطارده شبح الأعداء
تطارده الظلال والثكنات
لم تكن الحرب التي كسرته
وليس الأعداء الذين سكنوا تحت ضلعه طويلا
بجوار قلبه المرتجف،
كان الطائر وهو يرفس في بركة الدم
كان الإعصار وهو يلتهم الأعماق
كان القبر المفتوح كنهر من عظام
الهالكين
مضى بصحبة الطائر
في ليل وحدته
بعيداً عن الثكنة
بعيداً عن الجماعة.
قال: «يا ربي هؤلاء قومي وأنت أدرى بهم وأني
لبرئ من حربهم وسلامهم.. أيها الطائر امنحني
قطرة من ماء روحك، امنحني السكينة».
كنا نبحث عن مستقر
وسط الضجيج والأزمات
وكان الطائر قبل وقوعه في بركة الدم
باحثاً هو الآخر
وسط عذوق النخيل المتمايل بفعل العواصف
في السحب الداكنة من غير مطر
وسط الأكمات

كان له فضاء
يذرع تخومه النجمية
جيئة وذهاباً
متنزهاً بين جنائنه ذات المخلوقات الأثيريّة
كأنما صُنعت من قُبلات ملاك.
فجأة ضاق به الفضاء
ضاقت به أحلامه
سقط في بركة الدم
عوى كذئب
لكن لم تكن له روح ذئب
وما فائدتها في لجة المعدن الهائج
ما فائدة الروح؟

في الفضاء رأى حروباً أخرى
رأى ثكنات نسور وأوبئة
شاهد المجرات تمخر ليلها السرمدي
وتحتل مجرات أخرى
أو تبيدها كرماد تسفّه ريح
رأى العنقاء تحلق فوق المرتفعات
وعلى مناقيرها الجثث
لكنه لم يسقط
ظل متماسكاً
بقلبه وريش أحلامه البسيطة
لم يسقط في بحر السلاح الهادر.

كان ضوء الدوار الحارق
الذي سقط عليه من الأرض
وهي تدور في جعبة كواكب أخرى
ضوء حارق اقتلعه من الجهات كلها
طوّقه بألسنة اللهب
ذاك القادم من جرح البشر السحيق
دار حول نفسه كثيراً
حلق في دروب جمجمته الصغيرة
وكأنما في دروب مجرات
تلك التي رآها في نومه.
ماذا يستطيع أن يتذكر؟
ربما رأى طيوراً أو حيوانات تسبح
في الضوء نفسه
والتي كانت أمه على مقربة من غدير أو مقصلة، كانت ذابلة
وهزيلة، كانت رفات عظام
شاهد اضمحلال الأمكنة
غارقة في سديم الوجوه
قال، هذا قدري.
قاتل عنقاء أيامه
قاتلها بمخالب نسر
سكنته روحها
سكنته زعقة الذئب.

كان القتلة يصطادون الفراشات
في الحديقة المجاورة
الضياء الناعس يغمر الممرات والوجوه
الضياء القادم من سماء مُتْرفة.
كان القناصة على رؤوس العمائر والأشجار
طار كفراشة وليدة
حلق كزهرة شمس
طاردته السهام والبنادق
أصابت جناحه الأيسر
( كان ذلك أول جرح في حياته بعد الولادة)
***
كان الطائر رسول الروح الهاربة من الأسر
كان الجندي رسول حرب
التقيا على منعطف القلب
على مُنْقَلب الصُدفة
طائر جريح وجندي مهزوم
لا لم يكن مهزوماً ولا منتصراً
كان الضمير الخبئ لحروب البشر والآلهة
النغمة الشاردة لناي مكسور
حمل ارثها من بابل وفرعون حتى عصور الذرّة
كما تحمل السحب أثقالها في الأزمنة
والمحيطات
حمل سرّ الأمانة.
***
كان النيل يجري
حاملاً الأبدية في خَرْجه
وكان دجلة والفرات
يوم لم يكن أنهارٌ على الأرض
لم تكن حضارات
الجفاف المُطْبق على العالم
والخنجر في الوريد.
كان دجلة والفرات
يحملان الزمن كأيقونة
كان بَرَدَى
كان النيل
كان الحوار الأكثر ترفاً في الظلام
وفي الأنوار الضاجة بالقرابين والآلهة
كانت الآلهة والملوك
كان الشعراء والكهنة الأكثر قدما من الآلهة
المواكب تمضي بالجنائز والمجد
الآلهات يتحمّمن في بحيرات الورد
يحلمن بالفتوحات.
كانت الأنهار في صمتها
الأكثر هديراً من آلهة الجند
الولائم تسفح تحت الأقدام
اهرامات لا مرئية من الدم
المواكب تمضي
الغيمة ترحل عبر النهر
ينشق عن قمرها
طائر وجندي
يرحلان عبر الأزمنة والمفازات.
***
تقدما في مشهد الحقيقة والأحلام
أشرفا على عاد وثمود
شاهدا الربع الخالي
مظلة أوهام نحيلة
في مخيّلة بدو رُحّل
حتى أضاءت الشمس عرصاته الكثيرة
فأطبق على رقبة العالم بقدم العملاق
التائه بين القارات
وتحت مظلته الرملية الضخمة
تمور جنان الأقوام البائدة
يمكن للكاميرا المحمولة على متن قاذفة نووية توشك على الانفجار يتبعها سربٌ من النوارس تخفق أجنحتها وتصيح – ليس صياح حزن وفجيعة من فرط ما اعتادت المشهد وأدمنته بل صياح عادي وربما بهيج – ان تتبع آثار أقدام لبداة تائهين مع جمالهم ومواشيهم حتى تصل إلى المنطقة الأكثر خطورة في صحارى العالم، منطقة «عروق الشيبة» فيغرقون في بحر الرمال الهائج للصحراء
«ولقد حلمت بعروق الشيبة، فبدت لي أكثر ارتفاعاً من جبال الهملايا(…) انحدر الرمل إلى منبسط ملحي في غور آخر كبير وفارغ بين الجبال الجرداء. كانت السلسلة في الجانب البعيد تبدو أعلى من التي نقف عليها. أجلت بصري باحثا بالغزيرة عن مهرب ما. وعند نهاية الأفق عندما اتحدت الرمال بالسماء لم أشاهد مخلوقاً في ذلك الفضاء اللامتناهي ولا حتى نباتاً يابساً يعطيني شيئاً من الأمل، فقلت في نفسي أننا لن نستطيع العودة .. لقد انتهينا فعلا».
* * *
وتحت مظلته الرملية تمور جنان الأقوام البائدة. «كانت مزدانة بالدر واللآلي الحمراء والبيضاء. كان لها بابان من الذهب بين مصراعي كل باب مسيرة خمسمائة عام. وقصورها وأنهارها الرحيقية أكثر من عدد النجوم وبناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب وأبوابها من الجوهر وحصباؤها اللؤلؤ وماؤها أحلى من اللبن وأحلى من العسل».

جريدة عمان

ذكرى
24-12-2014, 10:37 PM
مدعاة للفخر أن نرى إبداع كتابنا وشعراءنا يترجم إلى لغات مختلفة


كل التقدير لك سيدي القدير على النقل
دمت بخير