المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد الحارثي شاعر السرد.. والباحث عن منزلة بين المنزلتين


سالم الوشاحي
22-02-2015, 06:44 AM
في ندوة نظمتها كلية الآداب والنادي الثقافي –
متابعة ـ عاصم الشيدي –

غابت الأسئلة عن ندوة الاحتفاء بالشاعر محمد الحارثي والتي عقدت مساء الأربعاء الماضي وتبنى الحضور، فيما بدا، ما طرح في أوراق العمل والتي رغم ملاحظة البعض أنها ليست شاملة إلا أنها كانت محكمة وأغلبها بحوث أكاديمية محكّمة.
وكان متوقعا أن تثير الندوة الكثير من الأسئلة حول التجربة الثرية للشاعر محمد الحارثي سواء تجربته الشعرية أو حتى تجربته في أدب الرحلات والذي خصص لها ورقتين بحثيتين من بين خمس أوراق قدمت في الندوة، وكذلك تجربته السردية إلا أن أغلب الحضور في النادي الثقافي فضل تقديم مداخلات احتفالية وليس أسئلة للمحاضرين.
وكانت الندوة التي نظمتها كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس بالتعاون مع النادي الثقافي قد بدأت بتقديم الشاعر شهادة حول تجربته ومشواره الإبداعي.
وقدمت الدكتورة جوخة الحارثية ورقة بعنوان «تضافر الخطابات الثقافية والسياسية والتاريخية والسينمائية في «عين وجناح». تقول الحارثية في ورقتها « يطرح كتاب «عين وجناح» رؤية للعالم من خلال عيني رحالة عماني معاصر، يركب الطائرة والغواصة كما يركب الجمل والقارب الشراعي، يغوص في الجزر العذراء وتسفعه شمس الربع الخالي، يُثقَل بتعقيد مفاتيح بيته الزنجباري كما يطير من نافذة صديقه النيويوركي، إنه الأديب محمد الحارثي؛ يرى العالم بعين الشاعر، وإلماح الرحالة، وفلسفة المثقف، معبِّرًا عن رؤيته لهذا العالم بنص سردي متنوع لونُه متحدٌ نسجُه، نصٌ يستدعي نصوصا، ويصهر خطابات شتى.
وحولت الباحثة في ورقتها الكشف عن تضافر الخطابات المتنوعة في هذا النص، إذ إنه يستدعي خطابات ثقافية وسياسية وتاريخية، كما يستدعي السينما: فنًا وطريقة تشكيل، ولا ينفك يستدعي خطابا شعريا مميزا، كما سعت إلى اكتشاف آليات توظيف النص السردي للحارثي لهذه الخطابات المتنوعة، وتطمح إلى إلقاء الضوء على كيفية امتصاص هذا النص هذه الخطابات وإعادة تشكيلها، واستعادتها على أشكال جديدة من الوصف، أو الحوار، أوالمونولوج، أو الخطاب القصصي، أو التحريف الهزلي.
وتتبعت الباحثة أثر هذا التفاعل النصي على التشكيل السردي لكتاب الرحلة، وتلمس تأثير الخطابات المتعددة على رؤية العالم كما قدمها النص، فعلى مدار هذه الخطابات سيكون مدار محاور الدراسة، ناظرةً إلى مناهج السرد الحديث، متخذة نص الرحلة «عين وجناح» مدونةً لها.
بعد ذلك قدم الباحث حمود الشكيلي ورقة حول رواية محمد الحارثي تنقيح مخطوطة.. حيث تناول الشكيلي المحكي في الرواية بوصفه موضوعا رئيسا لأي رواية؛ إذ به يمكن للنص السردي، الرواية في العموم، أن يشد قارئا؛ ليصير هذا الأخير متحدثا بعد انتهاء قراءته ليقرأه آخر بعده. ثم حاول الشكيلي الإجابة على بعض الأسئلة التي طرحتها ورقته من حيث: ما الحكي بصفته أسلوبا وطريقة منهج لعرض الموضوع المغيب الذي جعلته الرواية أساسا يتحرك فيه الرواة الشخصيات؟هل استطاع الكاتب عبر الرواة الشخصيات تشييد أصوات متعددة؟ ما القيمة التي تمثلها الرواية إن قارناها بالمنتج الروائي المحلي؟
ثم عادت الندوة مرة أخرى إلى أحد أهم كتب الحارثي وهو كتاب «عين وجناح» والذي ضم مجموعة من رحلات الكاتب. حيث قدم الدكتور عبدالمجيد بنجلالي ورقة بعنوان «وقوفا على أعتاب «عين وجناح».. جدلية الأنا والآخر/ القوالب الجاهزة». وتقوم جدلية الأنا والآخر في عين وجناح وفقا لبنجلالي على تعدد صورة الأنا وصورة الآخر في الوقت نفسه بنوع من التناوب والتقارب. فبمجرد ما أن يترك الرحالة وطنه متجها إلى وطن آخر يدخل إلى الآخر، لكن هذا التحول مؤقت، لأنه رحالة يحمل معه ثقافته ونسقه الثقافي العام ليدخل إلى الآخر انطلاقا من ذاته وأناه الثقافية ليمثلها أمام الآخر.ويطرح بنجلالي مثالا على ذلك فحينما يحط الحارثي رحاله في الأندلس يبدو ممتلكا أوجها متعددة لتلك الأنا/ الشخصية. نجده يمتلك شخصية الأنا العربي القاهر، وصاحب الحق والحضارة وفضل على شبه الجزيرة الأيبيرية في الماضي، وكذلك شخصية الأنا الحالية التي تحمل كل مقومات التخلف والتقهقر، وتحمل الضرب على الرأس والإهانة والإحساس بالدونية. لكن الحارثي يؤسس بين الأنا الأولى والثانية «أنا» بين المنزلتين ويحاول أن يتلمس مكانا بينهما للتموقع فيه، وعدم التنازل أو التخلي كليا عن الأنا المعادلة للعزة والقوة.
ويخضع الآخر في رحلات الحارثي لمنطق متعدد في الرؤية، فهناك الآخر الذي قبع تحت سلطة الأنا ردحا من الزمن وأضاءت الأنا جنباته حضاريا ومعرفيا، وهناك الآخر الذي ينظر إلى الأنا اليوم نظرة دونية بحكم التقدم والتطور الذي يحظى به. وهناك كذلك الآخر المتوحش، ومن مظاهره ما تعرض له الكاتب من طرف الشرطة الإسبانية.
وقدم الدكتور محمد الغزي ورقة بعنوان «إيقاع السفر في شعر محمد الحارثي».. ويرى الغزي أن الشعر يلتبس كثيرا في قصائد الحارثي بالرّحيل وبالتيه وبالحلم؛ فالسفر لديه مثل الشعر وقوف على الغامض والمستتر والمجهول، ونفاذ إلى ما وراء الأشياء الملفّع بالغموض، سفور للكون والكائن معا ويرى الباحث أن كل أعمال الحارثي الشعرية تصور حركة الروح تتأبى على سلاسلها وتسعى عن طريق السفر إلى استبدال زمن بآخر وحلم بثان ومنظومة قيمية بمنظومة أخرى. والمدن في قصائد الحارثي تتحول إلى مصادر للمجاز.. وبالتالي مصادر للشعر. والشعر في مدونة الحارثي ليس وثيقة ذاتية أو تاريخية، فالنص هو الأصل وليس الشاعر ومن ثم فلا مجال للحديث عن الشعر بوصفه تدفقا تلقائيا للانفعالات، بل الشعر كما يراه الغزي في قصائد الحارثي تمجيد للغة ولإمكاناتها المجازية وطاقاتها الرمزية.
كما قدم الدكتور علي الكلباني ورقة بعنوان «أنماط القصيدة الحديثة وخصائصها الفنية في شعر محمد الحارثي»
وفيها وصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن محمد الحارثي هو شاعر السرد الذي يبني شعره بطوب السرد ويغلفه بصبغة شعرية لها ألوان مختلفة.. هذه الألوان هي مزيج من الخيال والفكر والغنائية.
وقال الكلباني إن الحارثي يظهر باستمرار في بدايات قصائده ولكنه أيضا يختفي باستمرار من نهاياتها، وهو يفعل ذلك بحذق اللاعب الذي يحتفظ بخيوط اللعبة ولا يظهر.
وتحدث الكلباني عن 7 أنماط بنائية في قصيدة محمد الحارثي.. بدأها بالنمط القصصي الذي يعتمد بناؤه على قصة أو حكاية أو حدث مسبب للقصيدة، وكذلك النمط السردي وفيه يقدم الشاعر رؤية سردية وكذلك النمط الوصفي أو الواقعي كما يسميه، والنمط الدرامي، والنمط الحواري والنمط المقطعي ونمط الومضة. وبعد ذلك فتح الباب لطرح الأسئلة لكن الحضور فضلوا المداخلات التي تجنبت الأسئلة ما عدا الشاعر سماء عيسى الذي سأل عن أسباب عدم شمولية أوراق العمل لكل تفاصيل تجربة الحارثي ومن بينها تصديه لتحقيق ديوان أبي مسلم البهلاني. وفضل محمد اليحيائي تذكير الحارثي لبدايات معرفته بالحارثي والتي تعود إلى عام 86 حينما ألقى الحارثي قصيدة في جامعة قطر احتفى بها أساتذة الجامعة لكن الحارثي رفض أن يعطيها لليحيائي لنشرها وعاود الأخير طلبها أكثر من مرة لكنه كان يرفض في كل مرة وتنبه اليحيائي الى أن سبب الرفض يعود إلى أن القصيدة بها ظل لشاعر عربي آخر. وفيما رفض اليحيائي كشف صاحب الظل فضل الحارثي كما يقول «فضح» نفسه وقال كنت متأثرا في القصيدة بالشاعر محمود درويش. ودعا الحارثي الشعراء الشباب في عمان إلى الخروج من عباءة التأثر بمحمود درويش وتشكيل تجاربهم الشخصية.
واستمرت بعد ذلك المداخلات التي كانت احتفائية بالشاعر محمد الحارثي في يوم حضره الكثير من أصدقاء الشاعر.

جريدة عمان