المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في عين الليل حكاية *


عُلا الشكيلي
06-03-2010, 11:19 AM
http://www.maktoobblog.com/redirectLink.php?link=http%3A%2F%2Fwww.alwatan.com%2Fdailyhtml%2Fashreea.html

أتنقّلُ في الضياع، حائرا وحيدا، مشردا مع الغياب، وكم يبني الغياب له من صروح في القلوب الضائعة المشردة في عتمة حزن!

كم من مغيبُ بيننا؟! كم هم الذين تتساقط الأحلام في مخدعهم، يستيقظون في الصباح الباكر، ونفوسهم مهشمة بالضياع . خاوية أروقة حياتهم إلا من الأقنعة،يُدارون بها خيبات العمر، وضجيج الألم والوحدة والضياع !

كمثلي أنا، ضحكاتي تتعالى بين الجموع، بينما فرحي في غيبوبة أبدية ! بداخلي طقوس حزن لا تنتهي. أفتشُ في الوجوه عن صدر، يأوي غربة الروح فيني . ابتسم، وأقرض الضياع أحزاني، أنا الذي أُخبر أساتذتي وزملائي وأبناء الحي كلهم، عن بيتنا الجميل ، وعائلتنا السعيدة، وأُختي الصغيرة، وأبي حين يبتسم يطوقنا بدلال، وأمي حين ترضعنا من ثدي الحنان!

احترفتُ الكذب، احترفته جدا.، لا أعرف من حقيقتي سوى أنني وجدتُ أرتع في يباب المشاعر، لا أب يدثرني بوشاح من حب، ولا أم تدفئني بوهج مشاعرها.

وتطلبين مني الزواج ؟! وتحلمين بالسكن ؟! أي سكن ذاك الذي تنشدينه يا فتاة الأماني المستحيلة ؟! أتطلبين السكن مع مُشرد مثلي؟! أضحكتني، وأنا أتقلب في جمرات الضياع ! أيضحك من يلسعه جمر الضياع؟! لما تُراني أقهقه وأنا أغرق! أغرق في يُم شديد العُمق، وكثيرُ من الغرقى يصارعون الموج بقهقهات غبية! غارقون في الضحك! أليس غريبا أن يضحك من يغرق؟! أليس غريبا أن يقهقه من تتنازعه أمواج الضياع؟! أليس غريبا أن يسكن الحزن عيناي وضحكي يضج بالمكان؟! ألم أقل لكِ أنني ضائع؟! قلتها مرارا لهم أيضا، ولكنهم لم يكونوا يسمعون إلا لنزاعهم المتناثر في عين الليل.

أتظنين، كما ظنوا، ان الليل أعمى؟! لا، الليل حاد البصر جدا، رأيتُ سواده مرارا وهو يلمع في مُقلة أبي ! أبي، أتعلمين شئيا عن أبي؟! أنا لا أعلم عنه إلا أنه رجل، وأنه والدُ لي ! لا أتذكر من ملامحه شيئا، ولكني أتذكر ذبذبات صوته وهي تغتال هدوء الليل !

سمعته في دُجى الليل، الليل كان شاهدا على ما حدث. يعلو صراخه ويُلقي يمين الطلاق على أمي، آلمتني وأوجعتني جدا سياط كلماته، وهي تجلد البراءة فيني ، بسياط من خوف " خذيه،معك، ربيه، أنا لا أريده" !

تركلني أمي، وتصيح في وجه أبي "هو ابنك، ربيه أنت "!

وتظل الكلمات واللكمات، تتقاذفني بينهم، ولا صوت يُسمع لي سوى النشيج، أبعثه عاليا، علهم يشعرون بحجم الألم الذي يسكن الروح بي .

يا فتاة تعبث يها الأحلام، لم يعد قلبي سكن للأحلام البريئة، ألا تعلمين أن ثمة حقدا على كُل شيء نمى بداخلي ؟! ألا تعلمين أنني أكره الأطفال والأزواج والنساء والرجال؟!
لاشك أنكِ لا تعلمين، أو ربما تعلمين ولا تعلمين. وأرى عيناكِ الآن تقذفان باللوم الكثير،حائرتان، ضائعتان، مُغيبتان جدا . أنا لا ألومك، ولن أُدافع عن نفسي، فحقيقة الحقد يسكنني فعلا، ولكن عليكِ أن تعلمي أنني لستُ سيئا، وإن صدرت مني كلمات تقذف بالشرر، فوميض الضوء في عيني يشي بما يسكن قلبي . أتعلمين أي شيء ذاك الذي يسكن قلبي ؟ ليس مُهما أن تعلمي .

هل قال لكِ أحدا من قبل أنني، وأي مُشرد مُثلي، ترميه الألسن بتهمه الضياع، هو بالأصل قلب معذب، جائع جدا،كان يحبو، حين رُكل بلا رحمة، وسيق إلى وادي من الحرمان !


أنا وأدتُ الحُب بداخلي، حين رأيتُ كم الأحزان التي تنمو وتتكاثر وهي ترضع من ثدي الحرمان . أنتِ تريين أنني مرفه جدا، أقطن بيت شبيه بالقصر، وجيبي ممتلئ دوما، أصرف بلا حدود، وأخرج بلا قيود، حياتي مسكونة بالترف،ولكنها مغبونة بالفوضى ! أتعلمين كم تغيبنا الفوضى ؟! تلك الفوضى التي تغرقنا بها الرفاهية، أتعلمين كم انكسار وخيبة تَقذِفُ في عتمة أيامنا؟! ، فوضى تشحن القلوب بالمزيد من سلبية الشعور . محفظة قلبي، مُفرغة إلا من الحزن والحقد ، كيف تأملين في أن أكون أبا صالحا لأبنائك؟!

أسألكِ بحق السماء، لماذا تُريدين الزواج ؟! لتأتين بالأطفال ؟! لتتسلي بأحزانهم ؟! لتقرضيهم التشرد مثلما أقرضني أبواي من قبل؟! أنا لا أفهم لما يتزوج الرجال ؟! ولماذا يمنحهم الله الأطفال ؟! إن كان الأبناء نعمة، فالبعض لا يستحق تلك النعمة، تعلمين تلك الوجوه المُبتسمة؟! تعرفين حقيقتها ؟! لا تغرك ثرثرة الفرح في سمائهم، هُم يائسون، ضائعون جدا .

دعكِ من ترف الشعور، لأنه يحترف الكذب! أنا أسرد لكِ حكاية كل يوم، وحكاية كُل ضياع يتربص بمن هم مثلي ।


لو تعلمين كم يعبث بي الضياع ! لو تُدركين كم تسكنني الأحزان! .
ليس مثلي من يشيدون صرحا من حُب. ليس مثلي من يتمركز حولهم الأمان .
لا تطلبين الزواج بي، فأنا، أخاف، أخاف جدا من تكرار الحكاية .
*نص نُشر في الثلاثاء لاماضي في ملحق أشرعة الثقافي التابع لجريدة الوطن

سالم الوشاحي
06-03-2010, 10:36 PM
علاُ الشكيلي / الله يعطيك العافيه

دائما أراك متألقه . دمتي للتألق

((أبوسامي))

أحمد ختّاوي
09-03-2010, 04:59 PM
تراجيديا تتراقص فيها الرؤى ، وموازين الزمكانية في لفح الليل ، وصيرورة الحنين ، والحنان الممزوجان بتردي الوضع المأساوي لجغرافيا ألم يدلف سراديب المواجع ، سرعان ما يغادرها إلى سراديب سراديب أخرى .. تلفحه آهات ، ومواجع أخرى تطل من ثقوب نبضات قلب يتطلع إلى ما هو أفضل ، يتساءل في لوعة .
تموسق أخاذ في هذه القصة التي استطاعت فيها علا الشكيلي أن ترسم خريطتها الابداعية في نسج وحكي أبعدها عن كيمياء التأوهات اللاسردية ، تمكنت فيه القاصة من ترويض الصورة ..
تقديري واحترامي .
أحمد ختّاوي

عُلا الشكيلي
14-03-2010, 08:05 AM
علاُ الشكيلي / الله يعطيك العافيه

دائما أراك متألقه . دمتي للتألق

((أبوسامي))

أبو سامي،
شكرا لدوام مرورك على مساحتي ،

لك باقات الياسمين وعطره

عُلا الشكيلي
14-03-2010, 08:08 AM
تراجيديا تتراقص فيها الرؤى ، وموازين الزمكانية في لفح الليل ، وصيرورة الحنين ، والحنان الممزوجان بتردي الوضع المأساوي لجغرافيا ألم يدلف سراديب المواجع ، سرعان ما يغادرها إلى سراديب سراديب أخرى .. تلفحه آهات ، ومواجع أخرى تطل من ثقوب نبضات قلب يتطلع إلى ما هو أفضل ، يتساءل في لوعة .
تموسق أخاذ في هذه القصة التي استطاعت فيها علا الشكيلي أن ترسم خريطتها الابداعية في نسج وحكي أبعدها عن كيمياء التأوهات اللاسردية ، تمكنت فيه القاصة من ترويض الصورة ..
تقديري واحترامي .
أحمد ختّاوي

أحمد ختاوي،
قد قُلت فأجزلت القول ،
فتلون قلمي بالحمرة ،
حياءا مما قلت بحقه .

شكرا لجمال اخلاقك .
شكرا لذوقك الراقي،
شكرا لوقتك سيدي

لك باقات الياسمين وعطره

لمسة ابداع
28-03-2010, 11:06 PM
الله يعطيك العافية
دمتي متألقة

نبيلة مهدي
31-03-2010, 05:34 PM
كنت وأثقة تماما قبل أن أقرائها أنها رائعة..
قصة حقا مؤثرة و تحمل الكثير من الشتات و الحزن..
رائعة أنت يا عزيزتي

كوني بخير

سالم بن حمدان الحجري
11-04-2010, 07:45 AM
غلا الشكيلي آراء جيدة

تستحق المتابعة

لك شكري

فهد العويسي
13-04-2010, 07:33 PM
لغة غارقة في العاطفة.... يغلبها التوهج


إلى الأمام أنت ِ مبدعة

سعيد الكندي
15-04-2010, 02:23 AM
علا الشكيلي
قصة جميلة ومؤثرة
شرفت بمروري هنا