المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جُرُمْ*


عُلا الشكيلي
14-03-2010, 08:10 AM
جُرُمْ

أنت واضح وصريح ، مريض بالطيبة جدا ، ولا أدري متى سيشفى قلبك من طيبته العمياء ؟! الطيبة تجلعك لا ترى ما وراء الأقنعة ، ولا تنتبه للسوس وهو ينخر في سنك .
كنتُ كلما أخبرتُك بوجوب الحذر منه ، وألححتُ عليك بضرورة غسل فمك بعد كُل حديث يدور بينك وبينهم ، كي لا تمكثُ فيه جرثومة نتنة ،إلتقطها ذات رذاذ متسخ بنجاستهم جدا ، تجرع ريقك آلاف المرات ، وتُمسد جبينك بقوة ، وتدور حول كعبتك ، تفرش، لحسن الظن، سجادة خضراء ، لتصلي فيها وحيدا ،وتظن أنهم خلفك ،يوحدون الصفوف ، ويسدون الثغرات بينهم ، بينما هُم يعمقون الحفر بين قدميك ،سوسهم ينخر في كُل شيء حولك .

وحين كُنت تعود باكيا ، في المساء من وجع الخيبات الكثيرة التي تلاحق طيبتك ، تشتكي أنك لم تستطع أن تردع تلك الطيبة عن قلبك ، وتُقصيها بعيدا عنك .
كنت بعد كُل خيبة منهم ، يعود قلبك يدخل محراب طيبته ، ليفترض حُسن النوايا في الناس كُلهم، حتى في الأسنان التي تركت آثارها على جسد النهار ، وضوءه يسيل بظلمة لا تنتهي ! وهم لا يزالون يثرثرون في الظلمة ، وضوءك لا يزال يزج نفسه إلى جحورهم . تفرش سجادتك ، تصلي لهم إثر كُل عواء ، ولا تفطن أن أسنانهم المضرجة بالحسد ، تتميز غيظا كُلما شاهدت الضوء يتحلق حولك ، فتأتي مُسرعة لتدُسك في الظلمة ، وتغلِق الأبواب عليك . وأنت لا تزال مغيبا بحسن الظن بهم ، كوليد مُغمض العينين ، لا يزال كُل شيء فيه طاهرا . يفصل ، بين طهرك ونجاستهم ، قماط لفته حولك قابلة إثر ولادتك مباشرة ، وبقيتَ وبقى الحبُ يرتع داخلك في براءة لم يعهدها العواء الذي يحوم حولك ، يكاد أن يقضم أضواء نهارك ، لذلك لاتزال روحك طفلة، طاهرة ترقد بسلام في مهد جسدك الغض .

وحين كنتُ أحاول أن أفك قماطك ، وأحرر روحك من طفولتها الأبدية ، كانوا هم يبعثون حشرجات مُخيفة تصدر من صدورهم المكتنزة بظلام الليلة المشهودة ، الليلة التي إبتلعوا سوادها كُله في بطون نياتهم ، حتى ضجت أرواحهم بالظلمة .
وعند ساقية كُل ظُلمة ،يمطون لك أعناقهم ،يتلون عليك سذاجتك ، يتجسسون على ما في مائدة قلبك ، ليسردوا آلام وجعك قي أذن الليل ، ينثرون سرك في الظلام ، وحين تشرق شمسك ، تكون قد فقدت ضوءها تماما ، وغاصت في لج من الظلمات، وسرك يتناثر على مسامع المكان من حولك .

تظل براءتك وروحك الطفولية تسأل عن سر غياب الضوء من عين الشمس ، وعن سر العواء الذي يتربص بأذن قلبك ! وكُلما هممت ببعثرة الظلمات من حولك ، ومددت للنور يدا ، وبصقت في عين الخطيئة ، وأشرقت الزقاق من حولك بنور طُهرك ، أخذتهم الريبة إلى دهاليز تشي بما يسكن نفوسهم من حسد ، ويظلون ينظرون إليك من طرف خفي ، يكادوا أن يزلقونك بأبصارهم كُلما إقترب ضوءا منك .

نصحتُك مرارا أن تزرر قميص قلبك الطيب ،وتُهاجر إلى حيثُ وطن لا فضاء يتسع فيه لنعيق غراب، وطن يزقزق الطُهر في فضاءه . أخبرتُك أن تُفرغ حقيبة ذاكرتك منهم في جُب النسيان .وتبزق عليها كُل ما تجمع في فمك .
لكن ،طيبتك، تحول بينك وبين ذلك ، وتظل تحدق في عين الشمس طويلا ، تُفتش عن ضوءها ، تسأل المكان عن حكاية رحيله.
حتى يُرى بريق الدمع في عينيك ، وتعود تنكمش على نفسك ، تقترض من الضياع خيباته ، ومن الغياب أوجاعه ، لتغرسها في قلبك ، وتطوف حول كعبتك تتلو حسن الظن، بالظلام من حولك !!

عُلا الشكيلي
*نص سردي

، نُشر في مُلحق آفاق التابع لجريدة الشبية ، اليوم الأربعاء الموافق ९\३\2010

أحمد خميس المجرفي
14-03-2010, 12:36 PM
ولكنه ذو طيبة يحسد عليها!
نص رائع جداا
شكراا

نبيلة مهدي
15-03-2010, 04:03 AM
و تبقى الطيبة تسكنه..

رائع جدا ما قرأته هنا..
رائعت أتِ يا عُلا
كوني بخير

سالم الوشاحي
15-03-2010, 07:29 AM
علا ٌ الشكيلي / كثيرا ماتمتعينا بهذه

الكتابات الجميله والقصص الرائعه

أختي الفاضله تقبلي مروري من هنا

((أبوسامي))

فاطمة محمد
23-03-2010, 10:04 PM
نص رائع علا

ماذا بقى ان كنا نرى ان الطيبة جرم؟؟

علا ...


من كانت الطيبة تسكنه كيف له الخلاص منها .. دعيه فهو اعلم بحاله.

لك شكرراااااااااااا .. وليتها تكفي