المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة ( صفحة من دفتر الذاكرة )


حمد السيابي
22-03-2010, 11:01 PM
صفحة من دفتر الذاكرة
على سرير المرض وفي مكان ما .. أقلب جسدي كل لحظة .. لعل تقليبه يخفف قليلا من وخز الألم .. ساعة الحائط في غرفة الأنين والحنين تعلن الرابعة .. لحظة ويتدفق الزوار لرؤية مرضاهم من أهل وأحباب وأصدقاء ..
وحدي من لا ينتظر أحد .. وحيد كقلبي .. ثقيل كذاكرتي ..
يدخل الزوار فرادا وزرافات وتأتيني أصوات المواساة وسؤال الصحة ونوع المرض من مختلف الأصوات رجالية ونسائية .. ضحكات وابتسامات وخشخشة هدايا تفتح ورائحة عطور أفتقدها منذ وصولي إلى هذا السرير ..
تأتيني الممرضة التي كانت تشفق لحالي تتعلل بقياس حرارة جسمي وضغط دمي وهي تطرح سؤالها المعتاد : حتى اليوم لا زائر أيضا ؟ من أنت أيها الصابر العنيد ؟
يحزنني كلامها ولكني أبادلها ابتسامة تخالطها دمعة حارقة من عين بللها الدمع دوما ، تتركني الممرضة مخلفة زلزالا في ذاكرتي وانفتاحا واسعا في ستارة سريري .. كنت أسأل نفسي : هل تعمدت ترك الستارة بهذا الشكل كي تقول لي انظر إلى ما حولك ؟ رغم ألمي ورغم ما أحدثته هذه الممرضة من ثقب في موقع حزني .. إلا أن صوتا هادئا أعاد ذاكرتي سنوات إلى الوراء .. حيث لا شيء إلا الفرح .. لا شيء إلا هي ..
يأتيني صوتها من بعيد .. أقلب ذاكرتي .. أجلس القرفصاء على سرير مرضي ..
أفتش في صفحات ذاكرتي عن هذا الصوت .. صوت كان يملأني جنونا ، ويقذف بي إلى أماكن الفرح ..
أغلق دفتر مذكراتي الذي كنت أسجل فيه أحداث يومي .. أخفي رواية (( عابر سرير )) تحت ملاءة سريري .. أمسح وجهي بمنديل ورقي وكأنني أمسح زجاج ذاكرتي ..
أسترق النظر نحو الباب على غير عادتي .. أحقا هي بعد هذه السنوات ، هل أراها ؟ هل أكلمها ؟ هل ألمس يدها ؟ وماذا عنها هل إذا رأتني ستعرفني ؟ هل ستكلمني ؟ هل ستمد لي يدها ؟
حتما ستشفق لحالي .. ستواسيني بكلمة أو كلمتين.. ستضرم في داخلي مشاعر الدهشة .. ستنفض رماد الماضي عن ذاكرتي .. ستفجر في لحظاتي بركان الشوق ..
ستحرك الدم في شراييني بلمسة يدها .. ستعيد إلى أماكني لسعة عطرها .. ستوقد من تحت غبار الذاكرة أحلام عمر تحطمت بصخرة عنادها ..
هي إذا جاءت لتفتح أبوابا مغلقة منذ زمن ..
هي إذا جاءت لتحطم ما تبقى من نوافذ للذاكرة ..
هي إذا جاءت لتنهي ما تبقى في جسد أتعبه الزمن ..
هي إذا جاءت لتمسح غبار ذاكرتي لتغطيها بضباب عطرها ..
جاءت على غير موعد كعادتها .. بعد أن غادرت أماكني ذات يوم .. ولكنها لم تغادر ذاكرتي أو دفاتري .. أراها في كل شيء جميل .. وأحملها في حقائب سفري.. وأضعها في خزانة ذاكرتي .. جاءت كعادتها في الوقت الضائع من السعادة .
في الوقت الضائع من لمسة عطرها ..ها هي تمد يدها بعد شهقة مفاجأة رؤيتها لي .. إذن هي تحفظ وجهي عن ظهر قلب بعد أن داست ذات يوم على أطيب قلب .. لتضعه في زاوية الإهمال والنسيان ..
تمد يدها ووجهها يقطر خجلا ويمسح دهشة ..
تمد يدها للمرة الثانية منذ أن غادرت زحمة المكان ..
الأولى عندما جاءت تعزيني لا لتواسيني في موت أمي .. فلا مواساة في فقدان الأم .. ذلك اليوم جاءت لتلمس يدي التي للتو غسلت ما علق بها من تراب قبر أمي ..
جاءت لتضع إكليلا من الشوك في يدي ..
يد قبل لحظة وضعت بها جثمان أمي في قبرها ..
يد قبل لحظة هالت التراب على أعظم مخلوقة عرفتها ..
يد قبل قليل غادرت قبرا ضم مدرسة للأخلاق ، للفضيلة ، للحياة ، للسعادة ، للحب .
مدت إلي يدها في ذلك اليوم لتخفف عني حزن الموت ، ولكنها أشعلت نار الذاكرة من تحت رماد الصبر ..
الصبر الذي واجهت به الحياة عندما اصطدمت بجبروت حقدها وهي تلملم أشياءها مغادرة مكانها نحو الآخر ..
جاءت اليوم لتمد يدها على غير موعد لتقول (( سلامتك ما تشوف شر )) ..
أي شر أعظم من الحرمان .. وأي حرمان أشد من فقدان أم هي مدرسة للحياة ، وفقدان قلب هو مصدر للحب ..
سحبت يدها المرتجفة وهي تقلب عينيها في المكان باحثة عن شيء ما .. أخذت تقلب أوراق مذكرتي قائلة : أما زلت تكتب هذيانك ؟ قالت كلماتها ممزوجة بابتسامة خجولة غادرتني بمسحة حزن على وجهها ..
هي إذن جاءت في اللحظة غير المناسبة وفي المكان غير المناسب ..
هي إذن لكنها تغيرت .. وجهها بدا شاحبا مع سمرة واضحة ، وكأن عناء الأيام مع الآخر أفقدها عطر الحياة ونضارة الجمال وشعاع الحب ..
هي إذن ولكنها ليست كما كانت ..
أودعت جسدي السرير .. وغطيته بملاءة بيضاء وأغلقت ذاكرتي ..

أحمد خميس المجرفي
23-03-2010, 11:21 AM
قصة جميلة تستحق الاعجاب والتقدير
تقبل مروري

سالم الوشاحي
24-03-2010, 03:19 PM
القصه حقا رائعه

ياحمد لك مني كل الود

تقبل مروري من هنا

((أبوسامي))

لمسة ابداع
28-03-2010, 11:08 PM
راااااائع....ومشكور ع الابداع

نبيلة مهدي
31-03-2010, 05:25 PM
بصراحة سرحت مع تلك القصة التي أخذتني بعيدا..
رائعة أنت يا أخي
كن خير

أمل فكر
11-04-2010, 08:06 PM
Salam my brother

The tools 4 this a story a new

be lik that always

Thanks-- we waite more from You.