المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التائه


أمل فكر
11-04-2010, 07:40 PM
التائه
بين أوراقي السوداء تائه ، بين خط يدي و خط يد الزمان ، بتُ لا أفرق بينهما و كأن بخط يدي كتبت لنفسي شقاء عمري بأكمله ، إلا تلك اللحظة الساطعة في دفتر عمري، لا أدري تلك الرقعة البهية خطي أو خط الزمان، تلك التي تحكي أن يوما تسللت حمامة بيضاء الثلج كالنور -لا يبدوا عليها تعب الصحراء- على نافذة غرفتي تلتقط حَباً قد نثرته ؛ لعل عابراً يلحظه فينقض عليه في تلك الصحراء الكبيرة ، فيؤنسني و أنسى بعض همي ... تلك الحمامة التي سرحتُ بها وأخذتني إلى تهادي لي أن تلك التي بالأمس أراها في طريقي و أتجاهلها ، رأيتها في ثوب أبيض ، أبيض كالحُبْ ، تمد يدها إليّ ، أنسقتُ أود لو أحضن يدها و أقبلها و أقسم أن تأخذني معها ، و لكن اندفاعي ذلك أفزع تلك الطائرة البريئة فطارت بعيداً لا تشتهي نافذتي و العش الذي عطرته لها و لا أصناف الحَبْ الذي أنثره لها ......
لعل هذا خطي الوحيد بين تلك الخطوط الموحشة الجافة على أوراقي . لم يبقى لي ما أفعله في قصري الخاوي في تلك الصحراءَ سوى أن أتصفح أوراقي و أن أعيش الألم و أذكر نفسي به بيد إني لم أنسى ، فدونه لا أحس إنه أنا ... لعله يثير بركان غضبي و به أمحو ما سأمحو ... و كانت الورقة الأولى : سعادة منقضية ، سعادة ثانية وتتحلى لي أنها باقية دائمة ، أخذ ما أريد من الحنونة و ينفذ لي كل ما أطلبه من محكومي حتى صرت حاكم نفسي . الورقة الثانية : أكَدَت إن السعادة انتهت رغم فغري رُسم مفتوح يحكي السعادة ولبها و ما هو إلا وهم السعادة , أصحاب وندماء على طاولة الرقص والسكر . و الثالثة تحكي : مشيي في شارع حيثُ فتاة تبيع الأزهار أحسبها -وكان دائما أول الليل - تعرض علَي حشيش الأغنام فأرميه من يديها ساخطاً ، غاضباً . و الرابعة تحكي : مدى حبي لوالديّ ، و لكن كان أخر لقاء بيننا حضن من وراء القضبان ، محكوم عليّ بشهور أحسستها دهور طويلة لن تنقضي ...... وبعدها خط في الورقة التالية : أني خرجت و أنا أثور غضباً على من غشني و ظلمني ، على من خدعني و عاش عمري ، و أنكر من هو حتى الآن ؟ فبنكراني له لا أغضب منه ، لا أغضب من نفسي فأقتل نفسي كما أقسمت . لقيتني في الطريق تلك الفتاة مجدداً ، غطى ثوبها المرقع على جمال وجهها أو إنه أنا بالأحرى من تجاهله ، همست لي بصوتها العذب بلطف رائع وكأنه يتسامع لي الآن ، و الآن أحس به ، همست: " أن بالورد نبض جديد صافي ، سينعش الروح الندية الطاهرة بقلبك ، فيلين و ينسك أفعال الحياة ، و يذكرك و هي مقطوعة من أمها أن الروح الطاهرة تبقى رغم شقاء جسدها ، و أن ذبلت تبقى ذكرــ آه.... " فلم تكمل ؛ دَفَعتُها بقوة آَنت أنةً ، شعر شيطان قلبي إن الألم و اللين سيهمسان له فقضى عليهما على الفور ، وسرتُ لسبيلي و لم التفت إليها ... تحكي ورقة الشقاء التي تليها هروبي من دياري إلى عالم أنكره بعيداً عن حياة لا أعلم لما سموها حياة ؟! ...
أمازال هناك من صفحات أخرى أم هذه ملاحظة أعياه الزمن رغم إن يدي ساعدته في كتابة أوراقي ، كتب ملاحظة صغيرة في الزاوية "_____
أنهكني هذا الدفتر، ارتميت على جنبي و أنا أقرآ سريعا غير مبالي بتلك الملحوظة ، فهمت "إن أنا غفيت ساعة استيقظت بعدها فإذ أنا ملاحق من طيفٍ ساقني إلى هذه الصحراء ..." أغلقتُ الدفتر أعلم ما المتبقي في تلك الملاحظة . سحبت غطائي إلي ؛ لأهنئ بنوم أرجوه عميقاً أبدياً .. فجأة أخذتُ ؛ أن أدركت للتو ما تائه بسببه آن هو إلا طيف تلك الفتاة ، رميت غطائي جافل ، فتحت دفتري سريعاً ، أخذت أطرافي ترتجف تلتصق بالدفتر ، و تريد أن تهرب و لا تفتحه ، أرتجف أدعوا ألا يكون هناك متبقياً من حياتي ، من الماضية ، أكملت قراءة تلك المنزوية في دفتر عقلي" أن لي يداً في موت من كانت تحلم بي إنساناً صالحاً ، تدعي لي بندم يُخرِّق حديد قلبي بدموعي ، بدموعٍ ساخنة خاشعة في تذويب كل قسوة كانت بي ، فلا تبقى سوى النسائمُ .. إنها تلك ..." الورد ؟!! لقد أذبلتها هي .. هي !!.. و هاهي ذكراها .. أينكِ يا فتاة ؟! أينكِ لتري كم أنا أسجد ، و كلي بكاءٌ بل نواح ... أتوسل أن تعودي و تدعينني إليك في بساتينكِ و حتى و لو كانت مرقعة فهي الأحبُ إليَّ كالذكرى المتيمة في عقلي و دفاتري ، الأحبُ إليَّ .. أينكِ ؛ لأستسمح منكِ و أرضا أن نحلق السماء معاً ، كالملاكِ و الشيطان الذي تربى على يديكِ و غدا آخر، و لا نعود إلى تلك الأرضُ التي لاقيتي بها ما لقيتي من أشد الذبول و حريق العيون المتجاهلة، و الله هي تلك العيون من نبَّهَ بؤبؤي النور من عينيكِ الخالصة على ثوبكِ المرقع المحترق منهم ، و ما كنتِ لتهتمين للثوب ما دام الجلد أنقى من ماء ينابيع الملوك أمثالي ... و لن نعود للأرض التي ما إن رحلتِ بدأتُ أفهم كيف أنا المُعاني ، المقاسي ، المُعَذبِ كالخادم لهذه الآلام... أينكِ .. لا تتركينني وسط جحيم صدري و أنتِ في راحة السحب الزرقاء و الخضراء ... فلتأخذيني .. أقسم عليكِ أن تأخذينني للساعة ....
إنما أنا سجينٌ لكل السجون : صدري و الصحراء ، و قلبي ، و القصرُ ... إنما هذه الصحراء قضبان حكم عدالة الحياة هذه .. إنما هنا روحها تدعيني إليها بطيئاً ، تلك التي أماتتها دفعتي تلك الهشة في غفلتي ...
.......................... أيا دفتري أناشدك و أنا أناشدك الآن
أحياً أنا أم ميتا ؟!

حمد السيابي
12-04-2010, 09:52 AM
سفر رائع بين حقول الكلمات
سفر مبدع بين السطور
سفر راق بين الحلم والواقع
أمل فكر
لقد حلقت بنا بعيدا بقصتك الرائعة كروعة كلماتك
شكرا
لك ودي

سالم الوشاحي
12-04-2010, 03:23 PM
أحسنت على القصه الرائعه

التي تاهت بي في دفاترك المنزويه

بين السجون والقضبان والصحراء

جميل هذا القلم يا امل فكر

((ابوسامي))

أمل فكر
18-04-2010, 01:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي احمد السيابي اشكر لك كلماتك الرائعة عن القصة
التي تغدو حقا رائعة حينما تستحق القراءة من قبل امثالكم/شكرا:)

اخي ابو سامي لك جل الشكر فالقلم الرائع مداده بنبض القارئ فلكم شكري:)