المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءه نقديه في قصيدة (فتافيت عشق) يقدمها الرائع علي خزام


سالم الريسي
19-04-2010, 03:34 PM
علي خزام المعمري ينبش أغوار فتافيت عشق من جميع الجوانب ويضىء سماء الشعر
بهذه المقرابه ،والتي أراها أنا قراءه نقديه متميزه من جميع النواحي
[COLOR="SeaGreen"](فتافيت عشق) لشاعر سعيد الشحي [/COL


[COLOR="Navy"]

يقول سعيد الشحي في "فتافيت عشق":

صكّــي أزاريـــر العتب واستريـحـــي
مــا عـاد به شــيٍ ٍ يثــير المشـاويــر !!
طعنت غيمي وانكـسـر "سـاق ريـحــي"
وذاك الشـجـر مـا عـاد حضن العصـافيـر
كنتـــي صغيــرة ... أسنــدك لا تـطيحــي
وكنتــي كبيـرة ... وكنت بعـيـونك كبيــر
لا ضـاق صــدر الأرض شــالك فسيحــي
وأصيـر- لــو يبّس خضارك - نــواويـر
مــــــن علّمك سـِــرّ الغلا تستبيحـــي ؟؟
طــارت فــراشاتك و حــطّت مع الغيــر
أزريت أبـــاهي بالريــاحيــن شيحـــي
وتعبت أســامح وألتمس لك معـــاذيـــر
الأرض رحبة ... والسماوات ...سيـحي
مـا عدّت أنا اللي لا سمع باسمك يطيــر
وان دقّــت طبــول المشــــاريـه زيحـي
بـاقـي فتافيت العشـق .. واكملــي السيـر
ولــو أتـعبـك كثـر الغرام استـريـحـــي
صكّــي أزاريــر الســـفـر و المشـاويـر
مـــا عــاد غيمك يحتمل طعـن ريحـــي
وما عادت أغصانك تشيل العصافير !!

المحور الأول: المفردات ذات الحروف الإيحائية و الجو النفسي للصورة الفنية:
من خلال القراءة الأولية لمطلع القصيدة نجد أن الشاعر قد بدأ نصه بجملة إنشائية بصيغة الأمر " صكي":
صكي أزارير العتب واستريحي *** ما عاد به شيٍ يثير المشاوير
ومفردة صكي تذكرنا للوهلة الأولى بالآية الكريمة" فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم" لكن المعنى مختلف جدا بين الآية والبيت، فمفردة صكت في الآية السابقة بمعنى ضربت يدها على وجهها على عادة النسوان عند التعجب، بيد أن مفردة صكي في مطلع القصيدة تعني "أغلقي" بدلالة مفردة أزارير، وهي مفردة فصيحة تعني: أغلقه بقوة، وهي مناسبة في هذا المطلع فحرف الصاد في صكي من معانيه الإيحائية الصلابة والقوة والصفاء، وهذا يناسب فعل الأمر في هذا الموضع، كما أن حرف الكاف يوحي بشيء من الخشونة والحرارة والقوة والفعالية، وفيه تفصيل بين وروده في أول المفردة وبين آخرها، وهذا التفصيل ليس موضعه في هذه المقاربة، كما أن مفردة استريحي بها حرف السين، وهو حرف صفيري يوحي بقوة انفعال الشاعر واقتناعه بما سيأمر به، والملاحظ أن القصيدة تشتمل على طائفة كبيرة من المفردات التي بها هذان الحرفان: انكسر، ساق، صغيرة، أسندك، صدر، فسيحي، سر، تستبيحي، أسامح، ألتمس السفر، أغصان، العصافير، بالإضافة إلى حرف الشين الذي يوحي كذلك بالانتشار والجفاف مثل: المشاوير، الشجر، فراشاتك، العشق، تشيل، وربما هذا هو سر استعمال الشاعر لمفردتي: العصافير، وفراشاتك، وهما رمزان: الأول (العصافير) يرمز به لذاته بطريقة غير مباشرة، والثاني (فراشات) ويرمز به للطاعن/ الطرف الآخر، حيث اختار مفردة العصافير المشتملة على حرف الصاد؛ لما يوحي به هذا الحرف كما أسلفنا سابقا، فالشاعر في هذه الأبيات صلب قوي، صافي النية والنفس من ناحية، ومن ناحية أخرى استعمل مفردة العصافير لما يرمز له من حبه للبيت والمأوى، فالعصفور لا يعيش إلا في العش على الأشجار، في حين أن الطرف الآخر ( الفراشات) لا عش لها ولا مأوى، ولعل الشطر الأول من البيت الثالث يفسر لنا مرحلة من حياة الفراشات ( كنت صغيرة أسندك لا تطيحي)، وهي مرحلة الشرنقة، ولكن بعد أن تكبر هذه الفراشات تتنقل من شجرة لشجرة، وهذا يمثله الشطر الثاني من البيت الخامس ( طارت فراشاتك وحطت مع الغير)، ناهيك عن الدلالات الإيحائية لحرف الشين في مفردة الفراشات، فهي محبة للانتشار وعدم المكوث في مكان واحد، وبذلك فهي لا مقر لها، ودائمة الحلول ضيفة على الآخرين، وهذه الكلمات المتضمنة لهذه الحروف أسهمت إسهاما كبيرا في تكوين الصورة الفنية للقصيدة، ورسم الحالة النفسية للشاعر، وهذا الانتشار لهذه الحروف في القصيدة جعل العاطفة الصادقة مسيطرة على أبيات القصيدة من أول مفردة في مطلعها "صكي" حتى آخر مفردة في ختامها"العصافير".
- المحور الثاني: العلاقات الثنائية بين مفردات البيت، ودورها في تشكيل الصورة الفنية:
لقد تشكلت الصورة الفنية للأبيات من خلال انتقاء مفردات تربطها علاقات ثنائية معنوية ذات جرس موسيقي يضفي على البيت/ القصيدة طابعا خاصا، فمثلا في مطلع القصيدة: صكي أزارير العتب، تشكلت الصورة الفنية على سبيل الاستعارة المكنية، حيث شبه العتب بقميص له أزرار، فحذف المشبه به، وأبقى شيئا من لوازمه، وهو أزارير، بيد أننا نجد علاقات ثنائية في البيت تشكل الصورة الكلية له، فهناك علاقة بين: صكي/ أزارير العتب، استريحي/ المشاوير، وأزارير/ تثير، فالشاعر الشحي أستطاع – من وجهة نظرنا- أن يوظف هذه المفردات مجتمعة في توليد صورة فنية رائعة، فلكل مفردة علاقة بالمفردة الأخرى، فأزارير العتب تناسبها مفردة صكي، والمشاوير التي توحي بالحركة والتنقل تقف ساكنة بعد مفردة استريحي، ومفردة تثير مرتبطة بالأزارير من حيث الإثارة الحسية.

وكذلك الحال عندما نتحدث عن البيت الثاني:
طعنت غيمي وانكسر ساق ريحي*** وذاك الشجر ما عاد حضن العصافير
فأولا هذا البيت جاء كإجابة للبيت الأول، فلماذا يأمر الطرف الآخر بالتوقف عن العتب "صكي أزارير العتب"، وتأتي الإجابة في هذا البيت لأن الطرف الآخر بادر بالطعن، وبهذه المفردة " طعنت" تبدأ الصورة الفنية بالتشكل على سبيل الاستعارة التصريحية، ولكن على شاكلة البيت الأول وبالأدوات نفسها- أدوات المفردات المنتقاة، والعلاقات الثنائية بينها- فمن المفردات المنتقاة بعناية فائقة: طعنت/ حضن، غيمي/ ريحي، انكسر/ ساق، الشجر/ العصافير، وتكاد بعض هذه المفردات - منفصلة- تسطح المعنى، وتهوي به إلى هاوية الخطاب المباشر الخالي من اللغة الشعرية، لولا ذكاء الشاعر في استخدام الإضافة اللغوية، فمن خلال البيتين السابقين نجد أن مفردتي " صكي" وأزارير" معا، ومفردتي" انكسر" و"ساق" معا ترسيان النص على مرسى المباشرة البعيد عن الصورة الفنية لولا مفردتا " العتب" و" ريحي" فهاتان المفردتان أدخلتا الأسلوب إلى حاضرة الصورة الفنية مكللا بالنصر على تلك المباشرة السطحية، وممتطيا الاستعارة المكنية.
وعندما نتحدث عن العلاقات الثنائية بين المفردات رغم تباعدها في البيت الواحد، ودورها في رسم الصورة الفنية، فإننا نتحدث عن علاقة معنوية في توظيف مفردة بعينها في ذلك البيت، فمثلا مفردة " طعنت" تستخدم للقريب، وتوحي بالغدر، لكنها مع مفردة "غيمي" نرى من الوهلة الأولى أنها لا تتناسب معها لبعد الغيم، وإنما يناسبها مفردة "رميت" ولكن عندما نتمعن في البيت نجد مفردة " حضن"، فكأن هذا الغيم ليس في السماء البعيدة، وإنما في حضن الطاعن/ الطرف الآخر، وكذلك العلاقة بين المفردات الأخرى السالفة الذكر، أي بمعنى آخر لماذا استخدم الشاعر هذه المفردات في هذا البيت؟ وما علاقتها ببعضها البعض؟ فمثلا هناك علاقة المأوى/ العش بين العصافير والشجر، وعلاقة القرب بين الطعن والحضن
- المحور الثالث: المفردات ذات المشاهد الاختزالية، وعمق الصورة الفنية:
يأتي البيت الثالث بنَفَس جديد مغاير عما سبقه من أبيات، فمن مشهد الطعن والانكسار، والعصافير والمشاوير، إلى مشهد من سنوات الطفولة، تمت صياغته بأسلوب خاص يختزل فيه طفولة الطرفين في خمس مفردات فقط، وهذا يوحي بأن الشاعر يحاول أن يركز على الحاضر/ المشكلة، وما استجلاب الماضي إلا سكين في خاصرة ذلك الحاضر، يقول الشحي: كنتي صغيرة... أسندك لا تطيحي
فهذا البيت يوضح بجلاء العلاقة الحميمة بين الطرفين(الطاعن والمطعون)، فبينهما لهو ولعب، وبينهما طفولة بريئة، وعلاقة ضاربة في القدم، وهذا سر ألم الطعن والغدر على المطعون/ الشاعر، وكأن مفردة "استريحي" في البيت الأول تشي بشيء من التذكير للطاعن المرتحل الذي كان كثيرا ما يلعب ويلهو، ويتعبه ذلك اللهو، ويكون المطعون/ الشاعر هو المُسنِد والمستراح إليه، فقد كان يلعب دور المعتني بالطرف الآخر، والخائف عليه، ويتضح من مفردة "اسندك" أن الشاعر أكبر سنا من الطرف الأول/ الطاعن، وهذا سر استغراب الشاعر في قوله " من علمك سر الغلا تستبيحي"*** طارت فراشاتك وحطت مع الغير.
وبخمس مفردات - كذلك- ينقلنا الشاعر إلى مشهد آخر:
وكنتي كبيرة... وكنت بعيونك كبير
نلاحظ أن البيت الثالث يحتوي على تاريخ الطرفين، وهو تاريخ مفعم بالحب واللطف والعناية، والاحترام والتقدير المتبادل.
والملاحظ أن مشهد الطفولة ينتهي بنهاية الشطر الأول، بينما المشهد الآخر تستمر الصورة الفنية على مدى ثلاثة أشطار فالشطر الأول ما ذكرناه سابقا: "وكنتي كبيرة... وكنت بعيونك كبير" أما الشطران الآخران فهما:
لا ضاق صدر الأرض شالك فسيحي*** واصير- لو يبس خضارك- نواوير.

- المحور الرابع: المفردات المعتمدة على العناصر الحسية، ودورها في تشكيل الصورة الفنية:
ونقصد بالعناصر الحسية الصور البصرية والسمعية والشمية والحركية والذوقية واللمسية في القصيدة؛ وذلك لأن الجانب الحسي يمثل مرحلة مهمة وأساسا للتصوير، ولكن هذه الحسية لا تعني الانحصار في إطار حاسة بعينها، فالصورة نتاج عدة من الحواس، تتضافر هذه الحواس في تكوينها والعمل على إيجادها في هيئة عمل فني مؤثر، ولا يمكن بحال من الأحوال رد عنصر الجمال في الصورة إلى حاسة معينة، أو قصره عليها، وربطه بها دون الحواس الأخرى، فالصورة إنما تتشكل على سبيل الصورة المتكاملة؛ لاشتراك أكثر من حاسة في تكوين الصورة الفنية
ومن أمثلة المفردات التي كثفت الصورة الفنية ذات العنصر الحسي البصري: خضارك مفردة لونية، العصافير وما تحمله من ألوان زاهية، وكذلك الفراشات، أسندك مفردة حركية، طارت حركية، ومن أمثلة مفردات الصورة الشمية: الرياحين وشيحي، ومفردات الصورة السمعية: سمع، دقت طبول، العصافير وأصواتها الجميلة.
ونلاحظ أن الشحي يوظف المفردة الشعرية ذات الاعتماد الحسي؛ ليشكل لنا صوره الفنية بطريقة خاصة جدا، فمرة باستعمال الحروف الإيحائية فمفردة صكي في البيت الأول تشكل صورة حركية تمتاز بالقوة والسرعة لاشتمالها على حرفي الصاد والكاف المشدد اللذين ذكرناهما سابقا وإيحاءاتهما، ومرة باستعمال أساليب إنشائية مثل أسلوب الاستفهام: من علمك سر الغلا تستبيحي؟ فالسؤال يشكل صورة سمعية قائمة على التعجب والاندهاش، وهي صورة رائعة بدلالة مفردة "سر" فالأسرار تكون بين طرفين غالبا، وربما تقال بأصوات خافتة؛ لضمان كتمانها، وعدم انتشارها، ولكن الطرف الآخر استباح هذا السر، وهنا يوظف الشاعر مفردة "علمك" توظيفا جميلا، فهو يمهد لمفردات أخرى تخدم المفردة الأولى "علمك"، وهي مفردات (طارت، حطت، الغير)، وكأنه يومئ من طرف خفي إلى (الغير)، وأنه هو الذي علّم (المسئول) إفشاء الأسرار، ومرة أخرى يستخدم المفردة الشعرية للمقارنة بين شيئين على سبيل الصورة الشمية مثل قوله: أزريت أباهي بالرياحين شيحي، فالمفردتان: أزريت، وأباهي تصوران المعاناة النفسية التي يمر بها الشاعر، وهو بين رمزي الرياحين والشيح بكل ما يحمله هذان الرمزان من لون، ورائحة، وشكل، ومنزلة في نفس الشاعر.
وكنا قد تحدثنا سابقا عن رمزي العصافير والفراشات من حيث دلالة الحروف الإيحائية، وهنا سنتحدث عنهما من حيث المقارنة بينهما على سبيل المفردات المعتمدة على العناصر الحسية، فالعصافير تحمل عناصر حسية حركية ولونية وسمعية، وفي المقابل نجد الفراشات تحمل -كذلك- عناصر مشابهة للعصافير في الحركة واللون، ولكن بينما فرق شاسع من حيث توظيف هذه العناصر في القصيدة، فالعصافير لم تترك الأشجار طواعية وإنما أجبرت على ذلك، بدلالة مفردات: ذاك، ما عاد، رغم ما يمثله الشجر من أهمية للعصافير بدلالة مفردة حضن، ورغم الهجرة المجبرة للعصافير فإنها لم تأو لمكان آخر، فلا توجد مفردات توحي بذلك، فهي – ربما- في انتظار العودة إلى حضن الأشجار، وهذا يجعل المتلقي في حالة انتظار لمصير هذه العصافير؛ فيضطر لمتابعة القصيدة، ولا يكون هذا المصير المجهول إلا في نهايتها " وما عادت أغصانك تشيل العصافير"، أما الفراشات فهي التي قامت بالطيران رغم أن هناك مكانا بديلا في حالة جفاف الخضار وهي النواوير، ولكن رغم ذلك اختارت الفراشات الطيران إلى (الغير)، والشاعر يوظف مفردتين في هذه الصورة الحركية: الأولى طارت بكل ما توحي به من حركة فضائية بدلالة حرف المد في مفردة طارت، والأخرى حطت بكل ما توحي به من سرعة وعدم تريث وتفكير، ومن حيث الصورة اللونية فكلا الرمزين ( العصافير، الفراشات) يحمل ألوانا زاهية، ولكن الأول لم يستخدمها في غواية طرف جديد، وأما الآخر فقد أغوى الرياحين/ الغير، وحمله على استقباله، أما الحركة السمعية فقد امتاز بها الرمز الأول/ العصافير
- المحور الخامس: المفردات الموحية بختام القصيدة، ودورها في إعادة تشكيل الصورة الفنية:
يرى ابن رشيق في العمدة أن ختام القصيدة " يكون محكما لا تمكن الزيادة عليه، ولا يأتي بعده أحسن منه، وإذا كان أول الشعر مفتاحا له، وجب أن يكون الآخر قفلا عليه" وكذلك اشترط غيره من النقاد القدامى والمحدثين عدة شروط لفظية ومعنوية في سبيل جودة الخاتمة وحسنها.
وفي "فتافيت عشق" لسعيد الشحي خاتمة خاصة، فهو - بذكاء- يختم قصيدته محاولا إعادة تشكيل الصور الأولى في بداية قصيدته، معتمدا على المفردات نفسها التي استخدمها في البيتين الأوليين، ولكن بصياغة جديدة موحية بغلق القصيدة، وختام موضوعها، وانقسمت تلك المفردات إلى فئتين: الأولى مفردات وردت في مقدمة القصيدة وكررت بالصياغة نفسها مثل: "استريحي،صكي،المشاوير،العصافير، ريحي"، والفئة الأخرى أعيدت صياغتها من جديد مثل: "أزارير السفر، غيمك، طعن"، مع وجود مفردات جديدة لم توظف في البيتين الأوليين، مثل: "السفر، وأغصانك، وتشيل، يحتمل"، وهو بهذا التشكيل الجديد في تقديم بعض المفردات وتأخيرها، وإيراد مفردات جديدة، وتغيير المضاف مرة، والمضاف إليه مرة أخرى، وهو بهذه الصياغة الجديدة لا يريد أن يشعر المتلقي بأن القصيدة ختمت فقط، وإنما يريد أن يضع النقاط على الحروف من خلال إعادة صياغة الصور، وكنا قد وقفنا عند مطلع القصيدة:
صكي أزارير العتب واستريحي*** ما عاد به شيٍ يثير المشاوير
ولنطل الوقوف عند البيت قبل الأخير في القصيدة:
ولو أتعبك كثر الغرام استريحي*** صكي أزارير السفر والمشاوير
فهذا البيت يحتاج نظرة موسعة، وربطه بأكثر من بيت في القصيدة، فهو يحمل مفردات جديدة: ولو، أتعبك، السفر، والغرام، كما يحمل مفردات ذكرت من ذي قبل: صكي، استريحي، المشاوير، وأزارير، فالمفردتان" صكي" و"استريحي" فعلا أمر، جاءتا في مطلع القصيدة غير مشروطتين، أما في البيت قبل الأخير فنلاحظ أسلوب الشرط بأداته " لو" وفعله:أتعبك، وجوابه: استريحي... صكي، فهما -هنا- مشروطتان بحالة معينة، وهي التعب وكثرة الغرام، في حين أن في مطلع القصيدة:
صكي أزارير العتب واستريحي*** ما عاد به شيٍ يثير المشاوير
ولاسيما في الشطر الثاني منه( ما عاد به شيٍ) ما يوحي بنفي أي سبب يحفز على "المشاوير"، فالفعلان صكي واستريحي يتحولان من لاشيء إلى حالة مثقلة بالتعب وكثر الغرام، وهذه الحالة تناسب التغير الذي طرأ على الطرف الثاني، فكأن هذا التعب وكثر الغرام سببهما " طارت فراشاتك وحطت مع الغير"، ومن الحضن الذي يوحي بالدفء والرعاية المادية والمعنوية المتمثلة في الأشجار الكثيفة التي تبني العصافير فيها أعشاشها/ الحضن إلى فتافيت عشق وأغصان غير قادرة على حمل العصافير فضلا عن بناء الأعشاش عليها، وتستمر المفردات الشعرية في إعادة تشكيل الصور الفنية في ختام القصيدة، ولنقارن بين بيت في المقدمة:
طعنت غيمي وانكسر ساق ريحي*** وذاك الشجر ما عاد حضن العصافير
وبين البيت الأخير في القصيدة:
ما عاد غيمك يحتمل طعن ريحي*** وما عادت أغصانك تشيل العصافير
ونلاحظ التغييرات الآتية في البيتين: أولا الشطران الأولان: ما كان ملكا للشاعر في الشطر الأول أصبح ملكا للطرف الآخر في الشطر الأول من البيت الثاني: غيمي/ غيمك، وما كان يفعله الطرف الآخر في الشطر الأول أصبح الشاعر فاعله لا محالة في الشطر الأول من البيت الثاني: طعنت/ طعن ريحي، ثم نلاحظ أن الشطر الثاني من البيت الأول به المفردات الآتية: الشجر، حضن، العصافير، والشطر الثاني من البيت الثاني به المفردات الآتية: أغصانك، تشيل، العصافير، وهكذا نجد أن المفردات لعبت دورا كبيرا في إعادة تشكيل الخاتمة، والشاعر قد أحسن اختيار مفرداتها، الجديدة، والتي أعيدت صياغتها من جديد، وعند المقارنة يتأكد حسن هذا الاختيار، فعندما ذكر الشاعر في البيت الأول مفردة الشجر كان أفضل مفردة تعبر عن أهمية الشجر للعصافير هي مفردة حضن، وعندما ذكر مفردة أغصانك في البيت الثاني كان أفضل مفردة تعبر عن الأغصان هي مفردة تشيل، والرابط بين الشطرين في البيت الثاني المفردتان الجديدتان يحتمل، وتشيل، فهاتان المفردتان حسمتا الموضوع، وأسرعتا به نحو الختام، فالغيم لا يحتمل الطعن المتكرر من الريح، والأغصان عجزت عن حمل العصافير، وهنا ترتسم في مخيلة المتلقي مفارقة عجيبة بين صورتين: الأولى في الشطر الأول من البيت الرابع: لا ضاق صدر الأرض شالك فسيحي، والصورة الأخرى في الشطر الثاني من بيت الختام: وما عادت أغصانك تشيل العصافير، ففي الصورة الأولى احتواء لا متناه من قبل الشاعر، وفي الصورة الأخرى عجز لا متناه من الطرف الآخر، وبذلك تنتهي القصيدة بالنسبة للمتلقي، بغض النظر عن ماهية هذه النهاية ؟؟؟.

علي بن خزام المعمري

نبيلة مهدي
19-04-2010, 05:50 PM
شكرا أستاذي العزيز سالم الريسي
على هذه التحفى الجميلة
وشكرا أيضا لأخي علي خزام المعمري
سأبقى هنا طويلا لأتعلم و لأقراء

علي بن خزام المعمري
20-04-2010, 12:26 AM
شكرا شاعرنا المبدع سالم الريسي على اختيار دراستي لعرضها في المنتدى، وأتمنى من الأخوة إبداء آرائهم حولها سواء مباشرة أو على الخاص، فآراؤهم محل تقدير واحترام وإعادة نظر فيما كتبت.
فلا تبخلوا علينا بما تجودون به.

علي بن خزام المعمري
20-04-2010, 12:29 AM
شكرا أختي نبيله على المرور
والبقاء طويلا عند مثل هذه الدراسات من سمات المهتمين والراقين والمستفيدين من كل شيء، فرب جوهرة في مربلة.

سالم الوشاحي
20-04-2010, 02:21 PM
شكراً لك أخي سالم الريسي على جميل ماجأت به
من قصيده جميله للشاعر سعيد الشحي (فتافيت عشق)
والشكر موصول للشاعر علي بن خزام على قراءته ونقده
لهذه القصيده الرائعه شكراً لكم جميعاً على هذه التحفه
((أبوسامي))

سالم الريسي
21-04-2010, 10:45 AM
شكرا أستاذي العزيز سالم الريسي
على هذه التحفى الجميلة
وشكرا أيضا لأخي علي خزام المعمري
سأبقى هنا طويلا لأتعلم و لأقراء



تسلمي يااخت نبيله وبارك الله فيك

وانتي بامانه مثال يحتذي به في المنتدي

وتشكري على أخلاصك وتواصلك مع هذا الصرح الرائع

كل التقدير لكي ولشاعر والاديب علي خزام

سالم الريسي
21-04-2010, 12:40 PM
الشاعر والاديب على خزام رجل سخر كل جهدة لثقافة والادب وليس لدي سوى أن أشكره على مايبذله وما يقدمه للوطن الغالي من جهد

فهد مبارك
05-02-2011, 10:35 PM
شكرا سالم على نقل قراءة علي خزام
وقراءة جميلة من علي

تحياتي