المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذاكرة مشتعلة


حمد السيابي
21-04-2010, 09:56 AM
ذاكرة مشتعلة
كان كل ما يتمناه وقدمه تطأ أرض الوطن أن يراها ولو كلمحة طيف .. ذاكرته مشوشة بأحلام الغربة وآمال العودة ..
تتبعثر أوراق الزمن أمامه وهو يغادر أروقة المطار .. نفسه تحدثه بكل شيء لم يتوقعه .. غيابها المثير عن قاعة استقبال العائدين .. لعل ظرفا طارئا حال بينها وبين الحضور .. حاول إيجاد الأعذار والإجابات عن تساؤلاته .. الحيرة تملأ نظراته كل المستقبلين لم يملئوا حيزا ضئيلا من أشوقه المشرعة كسفن العابرين نحو المجهول ..
ألقى بثقل حقيبته وخرج يلتمس أثرها .. منزل أهلها مغلق .. والجيران أخبروه بأنهم رحلوا إلى العاصمة منذ زمن ..
تتشابك خيوط الألم والشوق .. وتتعثر أفكاره وهو يسابق اللحظة نحو عينيها ..
منذ أن انقطعت رسائلها وهو يزداد أسئلة بلا أجوبة .. قدماه تلعقان أرصفة الشوارع حينا .. وحينا يلقي بجسده المتعب فوق رمال الشاطئ ..
موج البحر يعيده طفلا يحلم برؤيته وهو يلاحق الأغنام في مرعى قريته النائية .. قالت له ذات يوم أنها تتمنى رؤية البحر والمشي فوق رماله .. هاهو البحر الآن أمامه .. ولكن التي عشقته بعيدة لا يعرف لها طريق ..
ماذا لو كانت الآن معه ؟ أي حديث يتبادلان ؟ ماذا سيقول لها عن سنوات الغربة والشوق ؟ وماذا ستقول له عن أيام القرية والحارة القديمة ، والأحلام الكبيرة والصغيرة ؟ ماذا لو خرجت له الآن مع موج البحر ؟ بأي كلمات يعبر لها عن فرحته ؟ تترقرق دمعة من عينيه يغالبها بابتسامة تبعث على الأمل في لقاء قريب
يمتلأ الشاطئ بالقادمين .. يقلب نظراته الحائرة في الوجوه الباحثة عن مكان تفيض فيه المشاعر وتسكن على انكسار موجه العواطف ..
صبية فاتنة تتسكع وسط القدمين .. تمشي حافية القدمين فوق الرمال الناعمة .. تقذفه ذاكرته إلى زمن القرية وهو يسابق فتاة الجيران ـ الحاضرة الغائبة ـ فوق رمال الوادي .. طلبت منه أن تخلع نعليها كي تستطيع مسابقته .. لكنه يمنعها من ذلك حتى لا تتأذى قدميها وهما يفيضان نعومة وجمالا ..
تتكسر أمامه أمواج البحر الهادئة .. وتغزل الذكرى خيوطها أمام عينيه .. ماذا لو كانت معه الآن ليسابقها حافية القدمين فوق رمال الشاطئ .. ؟
ذاكرته ممتلئة إلى حد الفيضان .. تقوده قدماه إلى قبر أمه .. يمسح دمعة حارقة أشعلت داخله أنوار كلمات أمه وهي تتمنى عودته بسلاح الحاضر والمستقبل ..
كانت هي أكبر من الواقع .. وأمنياتها أقل من حقها ..رحلت عن الدنيا دون أن يمهلها القدر لتقول وداعا .. ودون أن يقبل رأسها ويديها .. ويجثو كعادته بين قدميها .. وهي ترفع أكف الدعاء ..
خيوطك يا دنيا متشابكة .. وعقارب الساعة تسابق الخوف نحو الضياع ..
يتململ في فراشه وخناجر يومه تمسح عنه غبار أحلامه المعتادة .. ( واقع الغربة أقل مرارة مما هو فيه ) حدث نفسه بهذه العبارة مرارا وتكرارا ..
يراقب ساعة يده : لست كعادتك أيها الليل .. طويل إلى حد الخوف .. وممل إلى حد البكاء ..
تتقاذفه الذكريات المشتعلة كشمس الصيف إلى حافة الهذيان ..
يفتح نافذته .. كل شيء هادئ إلا ذاكرته .. مشتعلة كحريق في معبد قديم ..
يلملم أوراق حقيقته .. تتساقط أمامه أوراق الغد المظلم ..
يقلب عينيه في أرجاء المكان .. تتجاذبه رغبات في قراءة رسائلها ..
ذاكرته مكتظة بأحداث اليوم .. سنوات من الأحلام يخافها تتبخر أمامه ..
كانت أحلامه متواضعة كحياة أهل قريته قبل أن يتركهم في رحلة الغربة ..
ترك القرية ولم تعرف طعم الكهرباء بعد .. ليعود إليها وسطوح بيوتها ممتلئة بأطباق الاستقبال الرقمي .. ترك القرية وأهلها يتحدثون عن الفلج والزراعة وذكريات الماضي .. وعاد إليها وأهلها لا حديث لهم إلا عن الفضائيات وما تبثه ..
كل هذا يحدث وأنت في غربتك ..
الليل يزداد ظلاما .. كل شيء حوله موحش ..
أوراق متناثرة وكأنها تتزاحم حوله .. صور من الماضي ( القرية ـ الغربة ) ..
يقلب الصور ويمسح عنها غبار الأيام .. لا صورة لها .. يلوم نفسه : لماذا لم يلتقط صورة لها وهي في حلم الطفولة ؟ طلب منها صورة وهو في الغربة .. فانقطعت رسائلها .. كان يتمنى رؤيتها بالزي المدرسي .. وكان يتمنى أن تكون أول فتاة متعلمة في قريته تصل إلى مرحلة عليا من التعليم .. كانت تتمتع بذكاء حاد .. وعقلية متفتحة .. تمنى وتمنى الكثير والكثير .. وهاهي أحلامه تتساقط أمامه كأوراق شجرة ميتة .. صوت أذان الفجر يملأ المكان .. تستيقظ ذاكرته على يوم جديد .. يعود إلى يومه باحثا عن حلم مفقود .. شوارع مزدحمة وحياة لا تعرف الهدوء .. يستعجل سائق سيارة الأجرة .. السير متوقف .. حادث عطل حركة المرور .. الكل يزحف على قدميه لمشاهدة ما حدث .. رجل المرور يقول أن حافلة تقل مجموعة من طالبات الجامعة قد انحرفت عن مسارها فاصطدمت بعمود الإنارة
يقترب أكثر .. المسعفون والمسعفات يتسابقون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
يقترب أكثر .. وجوه جميلة غطتها الدماء .. دفاتر و أقلام تملأ المكان ..
يقترب أكثر .. رائحة من الماضي تمر أمامه على نقالة الإسعاف ..
يأتيه صوت المسعفة : هذه الفتاة فارقت الحياة ..
تتسمر قدماه في المكان .. هذه هي أمامه ترقد في صمت عجيب ..
ينفض غبار الصدمة عن عينيه .. يملأ ذاكرته بمشهد الموت ..

فاطــ (محمد) ــمة عبدالله
22-04-2010, 05:47 AM
يآآآآآآآه كم هي مؤلمة تلك المشاهد التي ...مررت بها بين سطورك ...

كل شيء هناك معتم...لا..أعلم يا حمد السيابي لماذا حين اقرأء لك وكأن اقراء نفسي!!

هذه هي معك محطتي الثانيه ...والاحساس هو الاحساس ...

سلمت اخي وسلم حسك الراقي ...دمت بخير ما تتمنى بإذن الله...

سالم الوشاحي
25-04-2010, 07:36 PM
تسلم أخي حمد السيابي

دائم متالق بهذي القصص

أحسنت وربي يعطيك العافيه

((أبوسامي))

حمد السيابي
07-05-2010, 10:29 PM
قد تلتقي قلوبنا عند نقطة البوح
هكذا يشعر من نزف عشقا
وعاش غربة ..
إنه واقعنا الجميل المؤلم الطيب المتسلط ..
ولكن يبق يا عزيزتي ( فاطمة ) متسع للبوح
كي تستريح ذاكرتنا ولو لحظة ..
شكرا عبورك فوق جسر كلماتي
شكرا كلماتك الصادقة التي أسعدتني كثيرا
تقبلي ودي ..