المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "قصة بسيطة جدا " قصة لفيصل الزوايدي


فيصل الزوايدي
02-05-2010, 08:40 PM
قصةٌ بسيطةٌ جدا ..!

هذا السؤالُ وحدَه أرهَقني ، أيقظَ هَـمّي و استَنْفَرَنـي.. فها أنـا الآن أُمسِكُ بالقلمِ ،و لكن ماذا أكتُب ؟ و يدعو السؤالُ غيرَه فأسألُ أيضًا: هل أَصدُقُ مع نَفسي فيُنكِرُنـي النَّاسُ ؟ أم أَخسَرُنـي لأكسبَ الآخرين ؟ تَزاحَـمت الأسئِلَــةُ حولـي و تكاثَرت نقاطُ الاستفهام فألقيتُ قَلمي طلبًا للسَّلامةِ .. نظرتُ إلـى العالَم حولـي مُتَسَلِّيًا عمَّا بـي فتَقافَزَت نِقاطُ التعجبِ أمامي ،و أَخَذَت غيومٌ سوداءُ تتجمعُ بسَمائي و خَشيتُ ألـمًا موجِعًـا فهرَعـتُ راجعًا إلـى القَلَمِ أُسيلُ حِبـرَهُ : " كان يا ما كان ".. عفوًا، هل تَـحتملُ قِصَّتي بدايــةً تقليديةً كـهذه ؟ و لكن لـماذا نَتَصوَّر دائمًـا أنَّنا مُتَـمَيِّزون و أننا نـحتاجُ أفكارًا استثنائيةً ؟ و لـماذا يظنُّ كلُّ عاشقٍ دومًا أنَّ قصـتَهُ لا مثـيلَ لـها ؟
انتبهتُ إلـى تكاثُرِ الأسئلةِ مـجدَّدا فَرَمَيْتُ القَلَمَ بعيدًا عني، و مَزَّقتُ الورقةَ أيضًا .. أفضلُ السُّبُلِ للإجابةِ عن أسئلةِ الـحياةِ هي أن نَـحياها . غادرتُ غُرفتـي و صَفَقتُ البابَ خَلفي كأنـي أمنعُ نقاطَ التعجبِ و الاستفهامِ عن مُلاحَقَتـي ..خرجتُ إلـى أَضواءِ غُروبٍ شاحِـبٍ ، سِرتُ فـي طريقي الـمُعتادة ..لا شيءَ يتغـيَّـرُ بَين انتظارٍ و آخر .. الـهمُّ هو الـهمُّ .. ضجيجُ الـحياةِ يَصمُّ الأنفُسَ عن أصواتِـها، أصواتٌ أخرى زائفةٌ تغادِرُ الأفواهَ لِتختَلِطَ ببعضها فيتـداخل السبُ مع التَّملقِ و التوددُ مع البغضاء .. أُغلِقُ فمي بقُوَّةٍ خشيةَ أن تصدر عنـي ألفاظٌ تَتَداخلُ مع ذلك الـخليطِ ..كِبريائي الزَّائفةُ نفسُها هـي التي أوهَـمَتْني أنَّني مُـختلِفٌ .. و أنَّ عَليَّ أَن أختلفَ.. فـي الطَّريقِ التي لَـم أُفلِح فـي تغييرها لـم يَكُن لدى الـحياةِ أمرٌ جديدٌ كـي تُرينـي إياه ، كان أمامي شيخٌ يقودُ صبيًا صغيرًا .. عُذرًا لعلَّ الصبيَّ هو من يقودُ العجوزَ ، يتوكأ الشيخُ بِيُمـناه على عُكازٍ و يُمسِك الصبيَّ حريصًا بِيُسراه .. يتعـثَّرُ الاثنانِ فـي الـمشيَةِ ، الأول بسبَبِ الكِبَرِ و الثانـي بسبب الصغر ، أليس عجيبًـا ما تـفعَلُهُ الأضدادُ بنـا ؟ ألا يَمـوتُ البعضُ لشجاعتِهِ تـمامًا كما يَـموتُ آخر لِـجُبنِهِ ؟ يَسيرُ الكبيرُ و الصغيرُ فـي نَفسِ اتـجاهي ..اِقتَربتُ منـهما فالتَقَطت أُذناي صَوتَيْهما يَترَنَّـمان بنشيدٍ طُفولِـيٍّ بَريء ..
عجيبٌ ذلكَ النشيدُ اِلتقَت عليه شِفاهٌ :شَفَتان مُكَرمشتان كأنَّـهما تُـخَلِّــدان للزَّمَنِ فِعلا قَاهِرًا و أخريان غضَّتان تَوقًـا إلـى حياةٍ ..لَـم تَكُن الـمسافةُ بين الشِّفَاه و الأُخرى تَـمتدُّ أكثرَ مِن مساحَةِ عُمْرٍ.. تركتُ الاثنين فـي نَشيدِهـما السَّاذج ورائي ،و لَـمحتُ أمــامي فتاةً قادمةً مِن بَعيدٍ، فَـقَـفَزَ مِن دَهاليزِ الذَّاكِرةِ إلـى سُفوحِ الـذِّهنِ شاعِرٌ قالَ يومًا:
لاَ يَوْمَ أَضْيَعُ قَطُّ مِنْ يَوْمِ امْرِئٍ ... يَقْضِيهِ دُونَ غَرَامِ ظَبْيٍ فَاتِنِ *
فتَمْتَمْتُ لنفسي : "فـما أضيعَ العُمرَ إذًا.. ! "
كان الظبيُ الفاتنُ الـمُقبِلُ فاتِنًـا حقا ، فِتنَةً تستطيعُ تَبَيُّنَهـا بيُسرٍ فـي نَـهَمٍ ذئـبَوِيٍّ فَضَحتهُ العيونُ و الوجوهُ الـمُحيطَةُ .. بأَسرع مِـما يقعُ ذلك فـي الرُّسومِ الـمُتحرِّكةِ للأطفالِ وَجدتُ نفسي أُخاصرُ الفتاة و أَتلاعَبُ بِشَعرِها .. و لكن سَقَطَ هذا العالَـمُ الشَّبيه بِبَيْتِ العَنكَبوتِ عندما ارتفعَ إلـيَّ صوتُ سُقوطٍ و صَيحةٌ فالتفتُ بِـحِدَّةٍ إلـى الـخَلفِ فإذا بـالشَّيخِ قد تعـثَّر عِندَ حـافةِ الرَّصيفِ و سَقَطَ فصاحَ الصبـيُّ هَلَعا .أسرعتُ عائدًا لتقديـمِ الـمُساعَدَةِ ، كان الـوَلدُ يُـجاهدُ بذراعَيْهِ الصَّغيرَتين ليرفعَ العجوزَ عن الأرضِ بـجَزَعٍ و حُزنٍ عَاجِزٍ.. تَرَفَّقتُ بالشـيخِ و أنا أساعِـدُهُ على القِـيامِ ، لكني لـم أَستَطِع مَـنعَ نفسي من اخـتلاسِ نـظـرةٍ إلـى الفتاةِ عندَ اقترابِها مِنّا غيرَ أنّـي وجَدتُـها قبيحةَ الوجهِ، قبيحة إلى حَـدِّ أنـي نَدِمتُ على الـمُخاصَرَةِ الوَهـمية ، فتحسَّرتُ على لَـحظاتِ الـحُلمِ التي مَرَّت ..كيفَ تَتَغيَّرُ الـحياةُ بين إقبالٍ و إدبارٍ؟ انتصبَ الشيخُ بقدر ما تسَاهل معه الدهر و عاد يَسْتَمْسِكُ بعُكَّازِهِ و يُـمسِكُ بالصبي ، شَكَرنـي بـما يُشبِه الأسفَ ثُـمَّ سَارَ الاثنان مُـجَـدَّدًا بِبُـطءٍ لـم أَستَطِع مَعَه تَبيـن حقيقة مَن مِنهُما يقودُ الآخر.. اِلتَمستُ قلمًا ساعتَها و سألتُ نَفسـي :" أليست قِصةً تَصلُح لأن أكتُبَها ؟" .. ولكنَّ نقطةَ اِستفهامٍ أُخرى ، عَقْرَبِـيَّة هذه الـمرَّةَ ، بَرَزَت لعَيْنَـيَّ عندما أَزعجَنـي سُؤالٌ فَـاجَأَنـي لأولِ مرَّةٍ :"و لكن لـماذا أكتبُ ؟"..

* البيت لعمر الخيام

سالم الوشاحي
02-05-2010, 09:40 PM
تسلم أخي فيصل أبدعت

وأمتعت لك جزيل الشكر

فيصل الزوايدي
04-05-2010, 05:06 PM
تسلم أخي فيصل أبدعت

وأمتعت لك جزيل الشكر

اهلا اخي ابو سامي و شكرا للمواكبة الراقية
دمت في الخير

نبيلة مهدي
05-05-2010, 12:23 AM
اتعلم القصة هنا لم تجبرنا بل جرتني إليها دون أدراك منا..
قصة جميلة و ما حوته متسائلات فعلا رائعة بل أكثر
سلم هذا القلم الجميل.. و دمت بخير

دعواتي لك
بالتوفيق

فيصل الزوايدي
07-05-2010, 09:22 PM
اتعلم القصة هنا لم تجبرنا بل جرتني إليها دون أدراك منا..
قصة جميلة و ما حوته متسائلات فعلا رائعة بل أكثر
سلم هذا القلم الجميل.. و دمت بخير

دعواتي لك
بالتوفيق

جميل ان تدعوك القصة اليها اخت نبيلة .. أعتز برأيك و اطلالتك و دعائك فتقبلي امتناني تقديري
دمت في الخير

صلاح عبيد
09-02-2011, 11:30 AM
ياعيني على البساطة .. يعيشك ربي

ماكان العنوان الا تأكيد على المضمون .. ببساطة جدا
مع تثبيت هدف رئيسي الا وهو ( القصة ) بحد ذاتها ، وتلك المعركة من ساحات بيضاء متسلحة برصاص القلم تقض مضاجع العقول المفكرة

رأيناها هنا في بساطة الزويدي تحمل لنا وضعا نعيشه عند الولوج للكتابة ، فربما تختلف هيجانها من فرد لآخر .. فقد كانت التجربة خير برهان وخير توجيه لنا لنقل معركتنا الأدبية الى الحياة نفسها نسلط عليها الضوء مستمتعين بضجيج الحياة ومتناقضاتها فنحن منهم واليهم .. من مرحلة الصبأ الى الشيخوخة وقصص الحياة العجيبة والغريبة

أخيرا شكرا على أن جعلتني أركز في تفاصيل الحياة .. ولا تمر علي مرور الكرام كمشهديات تستوجب منا التدقيق فيها

فهل هناك شيخ يقود صبي أم الصبي يقود الشيخ ؟

nana
12-02-2011, 12:24 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة رائعة جدا

فيصل الزوايدي
20-02-2011, 02:20 AM
ياعيني على البساطة .. يعيشك ربي

ماكان العنوان الا تأكيد على المضمون .. ببساطة جدا
مع تثبيت هدف رئيسي الا وهو ( القصة ) بحد ذاتها ، وتلك المعركة من ساحات بيضاء متسلحة برصاص القلم تعج مضاجع العقول المفكرة

رأيناها هنا في بساطة الزويدي تحمل لنا وضعا نعيشه عند الولوج للكتابة ، فربما تختلف هيجانها من فرد لآخر .. فقد كانت التجربة خير برهان وخير توجيه لنا لنقل معركتنا الأدبية الى الحياة نفسها نسلط عليها الضوء مستمتعين بضجيج الحياة ومتناقضاتها فنحن منهم واليهم .. من مرحلة الصبأ الى الشيخوخة وقصص الحياة العجيبة والغريبة

أخيرا شكرا على أن جعلتني أركز في تفاصيل الحياة .. ولا تمر علي مرور الكرام كمشهديات تستوجب منا التدقيق فيها

فهل هناك شيخ يقود صبي أم الصبي يقود الشيخ ؟

أخي صلاح اعتز كثيرا بهذا التفاعل مع النص و برأيك و قد اسعدني ذلك كثيرا
دمت في الخير

فيصل الزوايدي
20-02-2011, 02:21 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة رائعة جدا

و عليكم السلام و رحمة الله
يسعدني رايك كثيرا