المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكرسي


حمد السيابي
26-05-2010, 11:25 PM
الكرسي
تقودني قدماي إلى أماكن الزحام وإلى أماكن الوحدة .. تختزن ذاكرتي آلاف المشاهد والصور عبر سنوات البحث عن ((مفقود)).. ما زال حتى الآن في حسابات الضياع كثيرة هي الأماكن التي كنستها قدماي جيئة وذهابا .. كثيرة هي الوجوه التي رصدتها عيناي .. كثيرة هي الأحداث التي سجلتها ذاكرتي ..
متعب أنا من كل شيء . من الأماكن .. من الوجوه .. من الزحام .. من الوحدة .
متعب أنا من قدمي .. من عيني.. من ذاكرتي ..
كل شيء أمامي فاقد لكل شيء .. غريب في بلادي .. بعيد بذاكرتي عن يومي وأنا أعيش يومي لحظة بلحظة .. وحيد أنا في عالم مزدحم ..
تغيب ذاكرتي في سطور دفاتري القديمة ..
تعود تحت سياط الكتابة الموجعة ..
كل شيء يوحي بالوحدة .. حتى الأشياء التي أقابلها تشتكي الوحدة .. تقاسمني ألم فقدان الآخر .. ذلك الكرسي القابع على طرف حديقة ريام في الجزء العلوي منها..
كان على مدى الأيام الثلاثة الماضية مكان جلوسي المعتاد .. كان هو الآخر يشتكي ألم الغربة .. كم هم العابرون فوقه كل يوم .. كم من الأجساد المتحركة مرت ذات لحظة بالقرب منه .. كم من الأجساد الخشنة والناعمة استراحت فوقه من عناء التجوال أو من تعب الحياة ..
كان هذا الكرسي على مدى الأيام الثلاثة الماضية مكان جلوسي وخلوتي وتفكيري .. كنت أنتظرك هناك بصحبة قلمي ودفتر هذياني .. متعب أنا من الانتظار .. متعب أنا من شوقي إليك .. قطعت من أجل مقابلتك مئات الكيلو مترات .. أراقب المكان الفارغ من الكرسي .. أذهب بعيدا في خيالاتي .. أراك مبتسمة وأنت في ثوب السعادة .. فستانك الوردي الذي يزيد جمالك جمالا ..
حقيبتك الجلدية الزهرية اللون .. حذاءك الذي يكاد يصرخ من مشيتك الفاتنة ..
خصلات شعرك يراقصها الهواء كيفما شاء .. غطاء رأسك الذي يسقط كل لحظة .. وكأنه يتعمد إثارتي .. هاتفك الجوال الذي تشتكي أزراره من ضغطات أناملك وأغار أنا منه على عينيك الساحرتين ..
أمد يدي لأزيح خصلات شعرك عن عينك اليمنى .. أصطدم بالواقع المفقود .. أنت لم تكوني هنا ولكن الشوق يجعلني أحلق بعيدا ..
وأنتظرك .. يمر الوقت سريعا .. وأنا في يومي الثالث .. كل هذا العناء كي ألامس يدك الدافئة .. كي أفوز منك بابتسامة تهز وجداني .. كل هذا الاحتراق كي أحظى بنظرة عن قرب من عينيك ..
تنتابني أحيانا نوبة غضب فألملم أشيائي وأقف مستعدا للمغادرة .. ولكن أستسلم للعطر القادم من مواقف السيارات .. أحدث نفسي : لعلها هي .. لعلها غيرت رائحة عطرها .. لعلها جاءتك بلون جديد لتحدث فيك زلزلة الدهشة .. لعلها جاءتك محملة بما تشتاق إليه .. لعلها أرادت أن تكفر عن خطأ تأخرها عن ميعادك .. فجاءتك مختلفة عن المعتاد .. لماذا لا تعذر تأخرها ..؟ لماذا أنت دائم الاستعجال .. ؟ ما يدريك لعل ظرفا طارئا جعلها تغلق هاتفها الجوال .. لعلها كل هذا الوقت تبحث عن سبب تخرج فيه لمقابلتك ..
تمتلئ الحديقة بالصغار والكبار .. تمر بي الوجوه وأنا تحت مطر الانتظار .. لعلها ستأتي .. فتاة في مقتبل العمر نطلب مني أن تجلس بجانبي .. أعتذر منها ولكنها تصر .. قلت لها أنتظر شخصا عزيزا .. قالت بابتسامة خجولة : لكنه لن يأتي .. تساقط داخلي كل شيء وتكسر .. تحاملت على نفسي وقلت : ما أدراك ؟
قالت : أنا بنت عمها وأعرف أسرارها وأخبرتني عنك كثيرا .. ولكن كيف تعرفت علي وأنا لم أرك أبدا ؟ فأشارت بيدها نحو جهة اليسار : أنظر إنها هناك بصحبة خطيبها ، وحتى لا تتفاجئ طلبت مني إبلاغك ..
دارت بي الدنيا ودار بي الكرسي حتى كدت أن أسقط .. أحقا ما سمعته صحيح أم أنه كابوس مزعج ؟
ضاقت بي الحديقة وضاق بي الكرسي حتى كاد لا يتسع لطفل ..
لملمت أشيائي .. واستحضرت شجاعة مغدور .. واتجهت نحوها بلا قلب بلا مشاعر بلا كلمات ..
طويت الأرض تحت قدمي .. حتى وقفت قاب قوسين أو أدنى منها .. نظرت إلي والدهشة تكاد تسقطها أرضا .. ابتسمت ابتسامة صفراء وهي تمسح عرق ضياعها .. كيف حالك يا... أعرفك على ...
وبينما هي تتلعثم في الكلام أغادر أنا إلى المجهول باحثا عن كرسي آخر لللقاء وليس للانتظار ..

غربة أسير
26-05-2010, 11:41 PM
حمد السيابي ..
يال جنون الكتابة الذي يجتاحك !
يبدو أننا سُنعبُ اعيننا كثيراً أثناء القراءة ..
لك الود أيها القلم المتحرك ..

فاطــ (محمد) ــمة عبدالله
26-05-2010, 11:54 PM
لملمت أشيائي .. واستحضرت شجاعة مغدور .. واتجهت نحوها بلا قلب بلا مشاعر بلا كلمات ..
طويت الأرض تحت قدمي .. حتى وقفت قاب قوسين أو أدنى منها .. نظرت إلي والدهشة تكاد تسقطها أرضا ..
ابتسمت ابتسامة صفراء وهي تمسح عرق ضياعها .. كيف حالك يا... أعرفك على ...
وبينما هي تتلعثم في الكلام أغادر أنا إلى المجهول باحثا عن كرسي آخر لللقاء وليس للانتظار ..

______________________________________________


كم هو موجع ذاك المجهول ..اخي حمد ..تع ـــبت انفاسي وهي تلهث خلف كل سطر
من سطورك ..متصفح ...راقي رغم كل الاوجاع ...

سلمت اخي ..وللتألق ...دائما بإذن الله

سالم الوشاحي
27-05-2010, 10:48 AM
دارت بي الدنيا ودار بي الكرسي حتى كدت أن أسقط .. أحقا ما سمعته صحيح أم أنه كابوس مزعج ؟
ضاقت بي الحديقة وضاق بي الكرسي حتى كاد لا يتسع لطفل ..
لملمت أشيائي .. واستحضرت شجاعة مغدور .. واتجهت نحوها بلا قلب بلا مشاعر بلا كلمات ..
طويت الأرض تحت قدمي .. حتى وقفت قاب قوسين أو أدنى منها .. نظرت إلي والدهشة تكاد تسقطها أرضا .. ابتسمت ابتسامة صفراء وهي تمسح عرق ضياعها .. كيف حالك يا... أعرفك على ...
وبينما هي تتلعثم في الكلام أغادر أنا إلى المجهول باحثا عن كرسي آخر لللقاء وليس للانتظار ..


تسلم أخي حمد السيابي على هذه القصه
وروعة ماتخطه ...... مشكور لاتكفي
في حقك فانتم ماشاء الله دائماً تتحفونا
بهذه المواضيع والقصص الجميله لكم
منا جزيل الشكر والأمتنان .. واصل فنحن
معكم نتابع ونرى .... بارك الله فيكم وفي
كتاباتكم الجميله

طه حسين
22-07-2010, 04:14 PM
تسلم أخي حمد على هالقصه

تقبل مروري ودمت بخير

نوال الحجري
20-12-2010, 03:14 PM
تثبت ... لا تعليق

talatsoltan
20-01-2011, 03:59 AM
اخى /حمد
كم الوصف جميل وممتع والكرسى نبحث عنه
للراحه كرسى وللجلوس كرسى والاستجمام كرسى
المعنى كبير من كاتب كبير

ضي
25-01-2011, 09:52 AM
ماشاء الله عليك اخي حمد السيابي
ابا أسألك انت كيف تكتب؟؟؟
صراااااااااااااااااااااااحة والله روعة القصة
ننتظر يديدك
لك كل التحايا

حمد السيابي
13-04-2011, 01:19 PM
أيها العابرون جسر الكلمات
لعباراتكم احساس مغاير
لردة فعلكم الهام يسري في المشاعر
شكرا على عبوركم لكلماتي المتواضعة
وآآآآسف على تأخري في الرد لظروف ألقت بي خارج الابداع
شكرا لكم شكرا شكرا

نبيلة مهدي
23-04-2011, 08:13 PM
ياااااااااااااه عشتها عشتها عشتها بكل تفاصيلها..
قصة في منهى الروعة.. سلمت أناملك أخي العزيز حمد السيابي
تقبل مروري المتأخر هنا..


كل الاحترام و التقدير

ليلى العامرية
25-04-2011, 11:16 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....

سلمت أفكارك... أخ سالم السيابي ... على هذه القصة الجميلة.... بالفعل دائماً نحن نختار الكرسي الذي يريحنا...
أعجبتني كثيراً هذه القصة...
وأتمنى أن تحصل على الكرسي... الآخر للقاء... وليس للأنتظار...
وتقبل مروري الكريم....

مهره الباديه
25-04-2011, 11:21 AM
أخوي حمد
إبداع ما شاء الله
كلماتك أطربت فؤادي
دائما وأبدا سيظل إبداعك يطربنا
تقبل مرووري
ودمت في حفظ المولى

رحيق الكلمات
25-04-2011, 12:46 PM
انا الصراحة عشت مع القصة لحظة بلحظة ...ابداع حقيقي ويحاصرك جمال الانتقال بين الحدث والآخر شكرا لأنك تهدينا ابداعك

حمد السيابي
25-04-2011, 03:27 PM
أيها العابرون جسر الكلمات
أيها الرائعون
ايها المبدعون
أيها المميزون
شكرا لكلماتكم المعبرة
شكرا لمشاعركم الصادقة
شكرا شكرا شكرا